أرشيف المقالات

النهي عن الالتفات في الصلاة

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2النهي عن الالتفات في الصلاة [1]   الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد: فإنه من المقاصد العظيمة التي شُرعت لها الصلاة، أنها شُرعت لتكون مطهرة للمؤمنين من الذنوب والمعاصي والآثام؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من دَرَنه[2] شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا))[3].
قال ابن رجب: "هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لمحو الخطايا بالصلوات الخمس، فجعل مثل ذلك مثل مَن ببابه نهر يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فكما أن درنه ووسخه ينقى بذلك حتى لا يبقى منه شيء، فكذلك الصلوات الخمس في كل يوم تمحو الذنوب والخطايا حتى لا يبقى منها شيء"[4].
غير أن هذا الفضل الذي ورد في الحديث لا يناله كل من صلى، وإنما يناله من أحسن في صلاته، وأقبل على الله بخشوع وخضوع؛ فعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب، ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله))[5].
فالصلاة طهارة تؤهل العبد للإقبال على الله والوقوف بين يديه؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]،والخشوع هو إقبال القلوب وتذللها لعلام الغيوب؛ ولهذا قيل: لكل شيء ثمرة، وثمرة الصلاة الإقبال على الله؛ ولذلكم فإنه من الأهداف التي يسعى إليها إبليس اللعين، صرف العبد عن الإقبال على الله، ومن وسائله في ذلك: إشغال العبد بالالتفات في الصلاة؛ ففي الحديث عنعائشة رضي الله عنها قالت:((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال:هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد))[6].
الاختلاس: الاختطاف، وهو أخذ الشيء بسرعة[7]؛ يعني: إن الشيطان يسترق من العبد في صلاته التفاته فيها، ويختطفه منه اختطافًا حتى يُدخِل عليه بذلك نقص في صلاته وخلل[8]، فإنه يوجب إعراض الله من عبده في تلك الحال؛ وفي الحديث: ((وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت))[9].
فالحكمة في التنفير من الالتفات ما فيه من نقص الخشوع والإعراض عن الله تعالى[10]؛ ولذلكم لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أناسًا يرفعون أبصارهم إلى السماء، ولا ينظرون إلى موضع سجودهم قال: ((ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟ فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم))[11].


[1] الدخلاوي علال. [2] الدَرَن بفتح الدال والراء: الوسخ، وكني به عن الآثام، التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ج: 2، ص: 134. [3] صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات. [4] فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج: 4، ص: 221. [5] صحيح مسلم، كتاب الطهارة. [6] صحيح البخاري، أبواب صفة الصلاة، باب: الالتفات في الصلاة. [7] كشف المشكل من حديث الصحيحين، ج: 4، ص: 392. [8] فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج: 6، ص: 447. [9] سنن الترمذي، أبواب الأمثال، باب: ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة. [10] نيل الأوطار، ج: 2، ص: 385. [11] صحيح البخاري، أبواب صفة الصلاة، باب: رفع البصر إلى السماء في الصلاة.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣