قيم إسلامية: الأمن
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
قيم إسلاميةالأمن
الأمن نِعمة من الله تعالى، يسبغها على بني الإنسان، وهي لازمة لاستِقامة حياتهم، والتفرُّغ لأعمالهم، وإعمار هذا الكون؛ لأنَّ الإنسان المشتَّت ذِهنه، الشارِد فكره، الخائف من شيءٍ ما، لا يمكن أن يَستقيم له حال، أو أن يركز في عمَلٍ ما؛ لذلك لا تعجب أن يساوي الرسولُ صلى الله عليه وسلم بين امتلاك ثُلث الدنيا ونعمة الأمن؛ فقد روى الترمذي في سننه بسنَد حسن، عن عبيدالله بن محصن عن أبيه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أصبح منكم آمِنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا))، وفي رواية ((بحذافيرها)).
وقد ذكَر القرآن الكريم نعمةَ الأمن في عشرات الآيات؛ لعظمها وأهميَّتِها، ولحثِّ الناس على الحفاظ عليها، والأمن الحقيقي لا يتوفَّر إلا في ظلِّ الإيمان بالله تعالى، وعبادته وحده لا شريك به، ونبذ كل ما يخالِف العقيدةَ الصحيحة؛ قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]؛ ذلك لأنَّ الشرك والظلم وغير ذلك من المنكرات لا تَجلب على صاحبها إلَّا الهمَّ والقلق والخوف.
وأعظم أَمن يتحقَّق للإنسان ويبحث عنه، هو ما كان يوم القيامة، يوم الفزَع الأكبر، ولا يتحصَّل عليه إلا صادِق الإيمان، الذي أحسَن صنعًا في الحياة الدنيا، فأطاع ربَّه سبحانه وتعالى، واتَّبع هدْي رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [فصلت: 40]، أمَّا قمَّة الأمن للمؤمن فتكون في الجنَّة حين يفوز بها؛ حيث لا معكر لصَفوه، ولا منكد لعيشه، قال عز وجل: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾ [الحجر: 45، 46].
ومن مقاصد الشَّريعة الإسلامية العليا الحفاظ على النَّفس والمال والعِرض؛ لذلك كان الأمن على هذه الثَّلاث من الضروريات التي لا يستغني عنها إنسان، ويتَّضح ذلك جليًّا من دَعوةِ إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [البقرة: 126]، وقال أيضًا داعيًا ربَّه: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، واستجاب الله تعالى لدعوة نبيِّه عليه السلام، فجعل مكَّةَ بأثرها أمنًا وأمانًا لكلِّ الناس، يَأمنون فيها على أنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125]، وقال سبحانه: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 67]، وقد امتدَّ نِطاق الأمن في البلَد الأمين حتى شَمل الطَّير والحيوان، وحتى الشجر!
وأشد ما يقلِق الإنسان خوفه على نَفسه؛ لذلك شدَّد الله تعالى العقابَ على قَتل النفس بغير حقٍّ، وجرم هذا الفِعل الشنيع، قال الله تعالى: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].
وشرع الله تعالى القصاصَ ليكون رادعًا لمن تسوِّل له نفسه أن يعبث بأمن النَّاس وحياتهم، قال الله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179].
إن الحصول على الأمن هو مراد المؤمنين؛ لذلك وعَدهم الله تعالى بذلك إذا أحسَنوا العمل وصدقوا في إيمانهم، قال عزَّ من قائل: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55].
ومن الأمن الذي اهتمَّ به الإسلام، الأمن من الجوع، الذي عُرف بالأمن الغذائي، ويقصد به تَوفير ما يلزم لحياة الإنسان من طعامٍ وشراب؛ لأنَّ الحياة لا تستمر بغيرهما، وقد بيَّن الله تعالى أنَّ أخطر ما يصيب الأممَ الخوفُ والجوع؛ لذلك نجِد معظمَ الصِّراعات والحروب التي قامت مِن قديم الزمان وتقوم الآن مَنشؤها حبُّ السيطرة على موارد الطَّعام والشراب ومقومات الحياة، وأشد بلاء ينزِل بالناس فقدانهم نِعمة الأمن والشبع، قال الله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، وقد ذكَر الله تعالى نعمةَ الأمن والشبعِ في معرض الحديث عن المزيَّة التي منحها لقريش بعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 - 4].
وقد اشتهر أخيرًا مصطلَح الأمن الفكري، وهو العمَل على توصيل الفهم الصَّحيح للأمور إلى جميع النَّاس، خاصَّة ما يتعلَّق منها بالإسلام، وأسسه، وقواعده، وهذا الأمن يضمن للمجتمع المسلم على وجه الخصوص عدمَ تسرُّب الأفكار الضالَّة إليه، التي تفسد ولا تصلِح، وتخرب ولا تعمر؛ لذلك كان لزامًا على الأجهزة المنوطة بهذا الأمر أن تساهِم بفاعليَّة وجدٍّ في تَصحيح الأفكار المشوَّهة لدى الناس، عن طريق الوسائل المعينة على ذلك؛ مثل وسائل الإعلام بكافَّة أنواعها، والمؤتمرات والندوات والمحاضرات وخطَب الجمعة، كل ذلك يَجعل ذوي الأفكار السويَّة يلفظون كلَّ فِكر دخيل، سواء كان من المجتمع نفسه، أو من خارجه.
إنَّ نعمة الأمن إذا تخلَّفَت عن مجتمعٍ ما، لا يمكن أن يَستقيم له حال، أو ينهض خطوةً إلى الأمام، فالجد الجد في تَوفير الأمن والأمان لكلِّ مسلم ومسلمة، بل لكل الناس ما داموا غير محاربين، وما دام المجتمع في مأمنٍ من شرِّهم وظلمهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.