تفسير الربع الأخير من سورة المؤمنون
مدة
قراءة المادة :
17 دقائق
.
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] تفسير الربع الأخير من سورة المؤمنون
• من الآية 78 إلى الآية 83: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ﴾ أي جَعَلَ لكم وسائل الإدراك من الأسماع والأبصار والقلوب، ومع ذلك فـ ﴿ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾.
﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي ذَرَأَكُمْ ﴾ أي خَلَقكم ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ ونَشَرَكم في أنحائها، ﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ بعد موتكم، ليُجازيكم على أعمالكم، (إذ القادرُ على خَلقكم في هذه الأرض: قادرٌ على خَلقكم في أرضٍ أخرى بعد موتكم)، ﴿ وَهُوَ ﴾ وحده ﴿ الَّذِي يُحْيِي ﴾ من العدم، ﴿ وَيُمِيتُ ﴾ بعد الحياة، (أليس هذا قادراً على إحيائكم بعد موتكم؟!)، ﴿ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ أي اختَصَّ سبحانه بتعاقب الليل والنهار (وذلك بمجيء أحدهما بعد الآخر، واختلافهما طُولاً وقِصَرًا)، فلا قدرة لأحدٍ أن يُوجِدَ ظُلمة الليل وضوء النهار غير الله تعالى، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ يعني: أفلا تتفكرون بعقولكم لتعرفوا قدرة اللهِ تعالى على البعث واستحقاقه وحده للعبادة، بعدما شاهدتم هذه الآيات؟!
♦ لكنّ الكفار لم يُصَدّقوا بالبعث - رغم هذه الأدلة التي لا يُنكِرها عاقل - ﴿ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ ﴾ أي ردَّدوا مَقولة المُنكِرين السابقين، فـ ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ أي خَلْقاً جديداً بعد أن تَحَلَّلتْ عظامنا في تراب الأرض؟! ﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ ﴾ يعني: لقد قيل هذا الكلام لآبائنا مِن قبل، فلم نَرَهُ حقيقةً، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ أي: ما هذا الذي تتحدثون عنه من البعث والحياة الثانية إلا قصص السابقينَ التي لا حقيقةَ لها.
• الآية 84، والآية 85: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المُنكِرين للبعث: ﴿ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا ﴾ من المخلوقات ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾؟ ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ أي سيَعترفون حَتمًا بأنها لله، لأنهم يَعلمون أنه سبحانه الخالق المالك، إذاً ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾: يعني أفلا تتذكرونَ فتعلموا أنّ الذي خلق الأرض ومَن فيها قادرٌ على البعث بعد الموت وأنه لا يَستحق العبادةَ غيره؟!
• الآية 86، والآية 87: ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ الذي هو أعظم المخلوقات وأعلاها؟ ﴿ سَيَقُولُونَ ﴾ حَتمًا: ﴿ لِلَّهِ ﴾ أي: هذه المخلوقات مِلكٌ لله تعالى (إذ هو خالقها ومالكها والمتصرف فيها)، إذاً ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني أفلا تخافونَ عذابه إذا عبدتم معه غيره؟
• الآية 88، والآية 89: ﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يعني: مَن بيده خزائن كل شيء ﴿ وَهُوَ يُجِيرُ ﴾ أي يَحمي مَن طلب حمايته ﴿ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ يعني ولا يَقدر أحد أن يَحفظ مَن أراد الله إهلاكه، أو يَدفع عنه السُوء الذي قدَّره اللهُ له ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾؟ ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾: أي سيَعترفون حتمًا بأنّ ذلك كلَّه للهِ وحده، إذاً ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ أي كيف تُخْدَعون فتعبدون غير الخالق الرازق؟! وكيف تذهب عقولكم فتُنكرون على الخالق إحياء الأموات، وهو الذي أحياهم ابتداءً ثم أماتهم؟!
• الآية 90: ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ ﴾ يعني: بل جئناهم بالحق الذي أرسلنا به محمدًا صلى الله عليه وسلم - مِن أمْر التوحيد والنُبُوّة والبعث والجزاء - ﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ فيما نَسَبوهُ للهِ تعالى من الشَريك والولد.
• الآية 91، والآية 92: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ﴾ (لأنه سبحانه رَبُّ كل شيء ومَالكُه، وهو الغني القوي الذي لا يحتاجُ إلى ولدٍ كما يَحتاج البشر)، ﴿ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ﴾ لأنه لو كان هناك أكثر مِن معبود: ﴿ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ ﴾ أي سيَنفرد كل معبودٍ بمخلوقاته ﴿ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ أي سيُحارب بعضهم بعضاً كشأن ملوك الدنيا، فبذلك يختلُّ نظام الكون، ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ أي تَنَزَّهَ اللهُ تعالى وتبرَّأ عن وَصْفهم الكاذب بأنّ له شريكًا أو ولدًا، فهو وحده ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾: أي يَعلم كل ما غاب عن خلقه وما شاهدوه (فلو كان معه آلهة أخرى لَعَرَفهم وأخبر عنهم)، ولكنه سبحانه خالقُ كل شيء ومالكه ﴿ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ أي تَقَدَّسَ سبحانه عن الشريك الذي يَزعمون.
• الآية 93، والآية 94: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول - داعياً ربك -: ﴿ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ﴾ يعني إنْ أريتَني في هؤلاء المشركين ما تَعِدُهم به مِن العذاب: ﴿ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ أي أخرِجني مِن بينهم وأبعِدني عنهم حتى لا أهلك معهم.
• الآية 95: ﴿ وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴾: يعني وإننا لَقادرون على أن نُنَزِّل عليهم العذاب الذي نَعِدُهم به.
• من الآية 96 إلى الآية 100: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾ يعني إذا أساءَ إليك أعداؤك أيها الرسول: فلا تقابلهم بالإساءة، ولكنْ قابِل إساءتهم بالإحسان (وذلك بالصفح والإعراض عنهم)، فـ ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾: أي نحن أعلم بما يَصِفُهُ هؤلاء المشركون من الشِرك والتكذيب وسنُجازيهم عليه، (وفي هذا تصبيرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم).
♦ ولَمّا أمَرَ اللهُ رسوله بالتحصُّن مِن أذى المشركين، أمَرَه أيضاً أن يَتحصن من أذى الشياطين فقال: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴾: يعني أحتمي بك من وساوس الشياطين التي تُفسِد القلب، وأحتمي بك أن يُضِلُّوني عن ديني ﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ يعني: وأحتمي بك يا رب أن يَحضروا في شيءٍ من أموري، حتى لا يُفسدوها عليّ بالخواطر السيئة، (واعلم أنّ هذا التعوُّذ، وإن خُوطِبَ به الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أيضاً مُوَجَّه لأمّته، بل هي أحْوَج إليه منه).
♦ ثم يُخبر تعالى عن حال المُحتضِر من الكافرين أو المُفَرِّطين في أمْره قائلاً: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ﴾ أي رأى مَلَك الموت وأعوانه وشاهَدَ ما أُعِدَّ له من العذاب: ﴿ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ أي رُدّني يا ربّ إلى الدنيا وأَخِّر موتي ﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ يعني لَعَلِّي أتدارك ما ضيَّعْتُ من الإيمان والطاعة، فقال اللهُ تعالى: ﴿ كَلَّا ﴾ أي لا رجوع أبداً، فـ ﴿ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ﴾ لا تنفعه، لأنه غير صادق فيها، إذ لو رَجَعَ إلى الدنيا لَعادَ إلى ما نَهاه اللهُ عنه، ﴿ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ أي سيبقى المَوتى في حاجز يَمنعهم من العودة إلى الحياة حتى يأتي يوم القيامة.
♦ ولعل هذا الكافر خاطَبَ اللهَ تعالى بضمير التعظيم: (ارجعون)، لشدة ما هو فيه من التذلل والخضوع، حتى يُعيده الله إلى الدنيا.
♦ ويُحتمَل أن تكون كلمة (حتى) المذكورة في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ﴾ هي المعروفة بـ (حتى الابتدائية) أي يكون ما بعدها ابتداء كلام جديد، ويُحتمَل أنها متعلقة بقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ - أي من العذاب - لَقَادِرُونَ ﴾، فيكونُ هذا انتقالاً مِن ذِكر قدرته تعالى على تعذيبهم في الدنيا إلى وَصْف ما يَلقونه من العذاب عند موتهم، واللهُ أعلم.
• الآية 101: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ ﴾ يعني فإذا جاء يوم القيامة، ونَفَخَ المَلَك إسرافيل في القرن (وهو المعروف بالبُوق) نفخةَ القيام من القبور للحساب والجزاء: ﴿ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ﴾: أي فحينئذٍ لا تَفاخُرَ بينهم بالأنساب كما كانوا يَتفاخرون بها في الدنيا، ﴿ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾: أي لا يَسأل أحدٌ أحدًا أن يَحمل عنه ذنوبه.
• الآية 102: ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ أي كَثُرَتْ حسناته وثَقُلَتْ بها مَوازين أعماله: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الفائزون بالجنة.
• الآية 103، والآية 104، والآية 105: ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ أي قَلَّتْ حسناته في الميزان، ورَجَحَتْ سيئاته، وأعظمها الشرك: ﴿ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ أي أهلَكوا أنفسهم، وأضاعوا حظها من نعيم الجنة، فهُم ﴿ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾ أي تَحْرقُ النار وجوههم، ﴿ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾ يعني قد احترقت شفاههم، وظهرتْ أسنانهم)، ويقول اللهُ لهم - مُوَبّخاً -: ﴿ أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾؟ (واعلم أنّ هذا التوبيخ - أثناء العذاب - يكون أشد على النفس من عذاب الجسد).
• الآية 106، والآية 107: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾ أي غَلَبَتْ علينا لَذّاتنا وأهواؤنا ﴿ وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ﴾ عن الحق والهدى، ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا ﴾ أي أخرِجنا من النار وأرجِعنا إلى الدنيا، ﴿ فَإِنْ عُدْنَا ﴾ إلى الضلال ﴿ فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ نَستحق العقوبة، (واعلم أنّ الظلم: هو وَضْع الشي في غير مَوضعه، والذي يَعبد غير الله تعالى يَضَع العبادة في غير مَوضعها فلذلك هو ظالم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾.
• من الآية 108 إلى الآية 112: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ عَزّ وجَلّ لهم: ﴿ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ أي امكثوا في النار أذلاء ولا تخاطبوني، (فحينئذٍ يَنقطع دعاؤهم ورجاؤهم)، ويقول اللهُ لهم: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي ﴾ - وهم المؤمنون - ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ﴾ ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ يعني أنت أرحم بنا مِن آبائنا وأمّهاتنا، ومِن كل راحم، ﴿ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ﴾ أي انشغلتم بالاستهزاء بهم ﴿ حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي ﴾ أي حتى نسيتم التذكر والتأمل فيما جاء به القرآن من الذِكر، ﴿ وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ أي كنتم تضحكون مِن عبادتهم ودعائهم وتضرّعهم إلينا، ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا ﴾ أي بسبب صبرهم على طاعتي - مع ما يُلاقونه من اضطهادٍ وسُخرية - ﴿ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ أي الناجونَ من النار المُنَعَّمونَ في الجنة، (وفي الآية دليل على حُرمة السُخرية من المسلم والاستهزاء به والضحك منه).
♦ و﴿ قَالَ ﴾ اللهُ لهؤلاء المكذبين - وهم في النار -: ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴾: أي كم بَقيتم في الدنيا من السنين؟ وكم ضيَّعتم فيها من طاعة الله؟
• الآية 113: ﴿ قَالُوا لَبِثْنَا ﴾ أي بَقينا فيها ﴿ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ - وهذا بسبب شدة العذاب الذي هُم فيه، حيثُ أنساهم كل ما مَرّ بهم في حياتهم وفي قبورهم - ﴿ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾: أي اسأل مَن كان يَعدّ الشهور والأيام (من الملائكة أو من غيرهم).
• الآية 114، والآية 115، والآية 116: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ لهم: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾: أي ما مَكثتم إلا وقتًا قليلاً (لو صبرتم فيه على طاعة اللهِ لَفُزتم بالجنة) ﴿ لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أنّ هذا الزمن الذي عِشتموه - بالنظر إلى الدار الآخرة - لا يُعتبَر شيئاً يُذكَر، ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ - لا أمْرَ ولا نَهْيَ ولا ثواب ولا عقاب - ﴿ وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ للحساب والجزاء؟! ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ أي تَنَزَّهَ اللهُ المَلك المتصرف في كل شيء، وتَقَدَّسَ عن أن يَخلق شيئًا لعباً، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا معبودَ بحقٍ إلا هو ﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ أي رَبُّ العرش النفيس (عَظيم القيمَة والمَكانة)، وهذا مِثل قولهم: (الأحجار الكريمة).
• الآية 117: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ يعني: ومَن يَعبد مع اللهِ إلهًا آخر، لا حُجَّةَ له على استحقاقه للعبادة ﴿ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾: يعني فإنما جزاؤه عند ربه في الآخرة، ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾: يعني إنّ الكافرينَ لا فلاحَ لهم يوم القيامة.
• الآية 118: ﴿ وَقُلْ ﴾ - أيها النبي -: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ ﴾ أي اغفر لي وارحمني، واغفر للمؤمنين والمؤمنات وارحمهم ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ يعني أنت خير مَن رَحِمَ المذنبينَ التائبين، إذ تَقبل توبتهم ولا تعاقبهم على ذنوبهم.
[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.