أرشيف المقالات

من منا ذاق حلاوة الإيمان؟ من منا يريد ثواب الآخرة؟

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2من منا ذاق حلاوة الإيمان؟ من منا يريد ثواب الآخرة؟   إنَّ كثيرًا من الناس يتنافسون اليوم في هذه الدُّنيا الدنيَّة على الزائل الفاني، على الشراب والطعام وتملُّك الأموال؛ ومن ثم الاستيلاء على حَقِّ الغير أو امتِصاص الأموال بأيِّ طريقة ووسيلة.   ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].   فمن أجل التنافس على الدنيا، والتسابُق في جَمْع حطامها وتحصيله، واللهث وراءها، فُقِدَ الأمن والاستقرار، وتفرَّقَتْ الأُسَر، وتخاصَم الجيرانُ، وضاعَتِ الأمانةُ، وانتشر كُلُّ بلاء ومصيبة بسبب هذه الدنيا التي يتنافس فيها ويتقاتل عليها الناس؛ بل إن البعض ربما باع دينَه مقابلَ عَرَضٍ من الدُّنيا قليل.   وقد أقبل الناس على زخارف الدُّنيا، وأصبحت هي مبلغ علمهم، وأكبر همِّهم، ولها يرضون ويغضبون، وشاع الاستهزاء بكُلِّ ما يُنسَب إلى الإسلام، وأصبح الفخر والاعتزاز بكل سلوكيَّات الغرب القائمة على الشرك والإلحاد، وفي المقابل أصبح المؤمن في هذه الحياة غريبًا، يُعاني من الظُّلْم لمجرَّد أنه مسلم، وهذا ما أنْبَأ به النبي صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمانٌ القابض على دينه كالقابض على الجمر))؛ رواه الترمذي.   ومع هذا فإن المؤمنَ الحقَّ يعيش في داخله في نعيم لا يُدركه الآخرون.   فنعمة وحلاوة الإيمان ولذَّة الطاعة والإحسان، نعمة لا يُدركها ولا يعرف قيمتَها، إلَّا مَنْ ذاقَها وأحسَّ بها وعاش معها، ولذَّة لا يستشعر أثَرَها إلَّا مَنْ تذوَّق طعمَها وأنس بوجودها، فيأنس بها القلبُ، وتطمئنُّ بها النفسُ، فلا يحسُّ معها المرء بأرَقٍ ولا قَلَقٍ ولا ضيقٍ كما يحسُّها أصحابُ اللهو والمتَع الدنيويَّة.   قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 125 -127].   ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن للإيمان طَعْمًا وحلاوةً لا يُحِسُّها ولا يتذوَّقُها إلَّا من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا؛ عنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا))؛ (مسلم).   فمحبَّةُ الله تملأ قلب المؤمن ومعها تدور رحى الطاعة والسير إلى الله، وتُرغِّبه في الإقبال على الله، وتجشم المشقَّة والعناء في سبيل رضا الله والفوز بجنَّته.   أيها المؤمن، لا يغرُّك كثرة الكفر وأهله، وكثرة النِّفاق وأساليبه البرَّاقة، وكثرة تملُّق ضعاف النفوس لأعداء الله، فاصبر؛ إنَّ وعْدَ الله حقٌّ.   ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ * وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 196 - 200].   نعم، اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ، فهذا طريق الفوز، والعاقبة للمؤمنين.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١