أرشيف المقالات

من البعثة إلى الهجرة (3)

مدة قراءة المادة : 32 دقائق .
2الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية من البعثة إلى الهجرة (3)   6 - عقدَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم اجتماعاتٍ سرِّيةً بالمسلمين في دار الأرقم؛ ليُعلِّمهم شرائع الإسلام.   الشرح: كانت هذه الدَّار في أصل الصَّفا بعيدةً عن أعين الطُّغاة ومَجالسهم، فاختارها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليجتمع فيها بالمسلمين سرًّا، فيَتْلو عليهم آياتِ الله ويزكِّيهم، ويعلِّمُهم الكتاب والحكمة، وليؤدِّي المسلمون عبادتَهم وأعمالهم، ويتلقَّوا ما أنزل على رسوله، وهم في أمنٍ وسلام، وليدخل مَن يدخل في الإسلام، ولا يعلم به الطُّغاة من أصحاب السَّطوة والنقمة.   ومِمَّا لم يكن يُشكَّ فيه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لو اجتمع بالمسلمين علنًا لحَاول المشركون بكلِّ ما عندهم من القَسوة والغِلْظة أن يَحُولوا بينه وبين ما يُريد من تزكية نُفوسهم، ومن تعليمهم الكتاب والحكمة، ورُبَّما أفضى ذلك إلى مُصادمة الفريقين، بل قد وقع ذلك فعلاً، فقد ذكر ابنُ إسحاق أنَّ أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كانوا يجتمعون في الشِّعاب، فيصلُّون فيها سرًّا، فرآهم نفرٌ من كفَّار قريش، فسبُّوهم وقاتلوهم، فضرب سعدُ بن أبي وقاص رجلاً منهم، فسال دمُه، وكان أوَّلَ دم هُرِيق في الإسلام.   ومعلومٌ أنَّ المصادمة لو تعدَّدت وطالَت، لأفضَتْ إلى تدمير المسلمين وإبادتهم، فكان من الحكمةِ السرِّيةُ والاختفاء، فكان عامَّة الصحابة يُخْفون إسلامَهم وعبادتهم واجتِماعهم، أمَّا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فكان يَجْهر بالدَّعوة والعبادة بين ظهرانَي المشركين لا يصرفه عن ذلك شيء، ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرًّا؛ نظرًا إلى صالحهم وصالح الإسلام[1].   7 - وفي السنة الخامسة من البعثة: هاجر جماعةٌ من الصَّحابة إلى الحبَشة - بإذن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حفاظًا على دينهم، منهم: عثمان بن عفَّان، والزُّبير بن العوَّام، وعبدالرحمن بن عوف، وجعفر بن أبي طالب، فأقاموا بها عشر سنين.   الشرح: كان وقوعُ ذلك مرَّتين، وذكر أهل السِّيَر أنَّ الأُولى كانت في شهر رجب من سنة خمسٍ من المبعث، وأنَّ أول مَن هاجر منهم أحدَ عشر رجلاً وأربع نسوة، وقيل: وامرأتان، وقيل كانوا: اثني عشر رجلاً، وقيل: عشرة، وأنَّهم خرجوا مُشاةً إلى البحر، فاستأجروا سفينة بنصف دينار[2].   سبب الهجرة إلى الحبشة: تقول السيدة أمُّ سلمة - رضي الله عنها وأرضاها -: لَمَّا ضاقَتْ مكَّة، وأُوذي أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفُتِنوا، ورأَوا ما يُصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في منعةٍ من قومه، ومن عمِّه، لا يصل إليه شيءٌ مِمَّا يَكْره، ومِمَّا يَنال أصحابه، فقال لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ بأرض الحبشة مَلِكًا لا يُظلَم أحدٌ عنده، فالْحَقوا ببلاده حتَّى يجعل الله لكم فرَجًا ومخرجًا مِمَّا أنتم فيه))، فخرجنا إليها أرسالاً، حتى اجتمعنا بها، فنَزلنا بخير دارٍ إلى خير جار، آمنين على ديننا، ولم نخشَ فيها ظلمًا[3].   المهاجرون الأوَّلون إلى الحبشة: كان عثمان بن عفَّان أوَّل من خرج إلى أرض الحبشة، ومعه امرأتُه رقيَّة بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم[4] وحاطب بن عمرو بن عبدشمس بن عبدودٍّ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، ومعه امرأته سهلة بنت سُهَيل، فوَلدَت له بأرض الحبشة محمدَ بن أبي حذيفة، ثم تبعهم مصعب بن عمير، وعبدالرحمن بن عوف، والزُّبير بن العوام، وأبو سلمة بن عبدالأسد، ومعه امرأته أمُّ سلمة بنت أبي أميَّة، وعثمان بن مَظْعون، وعامر بن ربيعة، ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سَبرة بن أبي رُهُم العامريُّ، وامرأته أمُّ كلثوم بنت سهيل بن عمرٍو، وسهيل بن بيضاء.   فهؤلاء أحد عشر رجلاً وخمسُ نسوة. قيل: وكان عليهم عثمانُ بن مظعون. وهو قول أكثر أهل السِّيَر. وقيل: كان عليهم عثمان بن عفان، والله أعلم.   رجوع المهاجرين إلى مكَّة مرة أخرى: ثم حدث بعد ذلك أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قرأ سورة النَّجم بمكَّة، فلما وصل إلى آية السَّجدة منها، سجد، وسجد معه المسلمون والمشركون، وحتَّى الجنُّ سجَدوا، وما بقي أحدٌ من القَوْم إلاَّ سجد[5].   فوصل هذا الخبَرُ إلى مُهاجري الحبشة، ولكن بصورةٍ أخرى، حيث وصلَهم أنَّ مشركي مكَّة قد أسلموا، فرجَعوا.   حتَّى إذا دنَوْا من مكَّة، بلغَهم أنَّ ما كانوا تحدَّثوا به من إسلام أهل مكَّة كان باطلاً، فلم يدخل أحدٌ منهم إلاَّ بجوار، أو مستخفيًا، فكان ممن دخل عليه مكَّة منهم، فأقام بها حتَّى هاجر إلى المدينة، فشهد معه بدرًا، ومن حبس عنه حتى فاته بدر وغيره، ومن مات بمكة[6].   وكان ممن دخل منهم بجوارٍ: عثمانُ بن مظعون، دخَل بجوارٍ من الوليد بن المغيرة، وأبو سلمة بن عبدالأسد دخل بجوارٍ من أبي طالب بن عبدالمطَّلب، وكان خاله، فأمُّ أبي سلمة هي بَرَّةُ بنت عبدالمطلب[7].   عثمان بن مظعون يردُّ جوار الوليد: فلما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحابُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمانٍ من الوليد بن المغيرة، قال: والله إنَّ غَدْوي ورَواحي آمنًا بجوار رجلٍ من أهل الشرك، وأصحابي وأهلُ ديني يَلْقَون من البلاء والأذى في الله ما لا يُصيبني، لنقصٌ كبير في نفسي، فمشى إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبدشمس، وَفَتْ ذِمَّتُك، قد رددْتُ إليك جوارك، فقال له: لِمَ يا ابن أخي؟ لعلَّه آذاك أحدٌ من قومي، قال: لا، ولكنِّي أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره! قال: فانطَلِقْ إلى المسجد فاردُدْ عليَّ جواري علانية، كما أجَرْتُك علانية، قال: فانطلقا، فخرجا، حتَّى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يردُّ عليَّ جواري، قال: "صدق، قد وجدتُه وفيًّا كريمَ الجوار، ولكنِّي قد أحببتُ ألا أستجير بغير الله، فقد رددتُ عليه جوارَه"، ثم انصرف عثمان[8].   قصة أبي سلمة في جواره: لما استجار أبو سلمة بأبي طالبٍ، مشى إليه رجالٌ من بني مخزوم، قالوا: يا أبا طالب، لقد منعتَ منَّا ابن أخيك محمَّدًا، فما لك ولصاحبنا تمنعه منَّا؟ قال: إنه استجار بي، وهو ابنُ أختي، وأنا إن لم أمنَعِ ابن أختي لم أمنع ابن أخي، فقام أبو لهب، فقال: يا معشر قريش، والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ، ما تَزالون تتواثبون عليه في جواره من بين قومه، والله لتنتهُنَّ عنه، أو لنقومَنَّ معه في كلِّ ما قام فيه حتَّى يبلغ ما أراد، قال: فقالوا: بل ننصرف عمَّا تكره يا أبا عُتْبة، وكان لهم وليًّا وناصرًا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأبقوا على ذلك[9].   دخول أبي بكر في جوار ابن الدُّغُنَّة، ورد جواره عليه: روى ابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها قالت: حين ضاقت عليه مكَّة، وأصابه فيها الأذى، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه ما رأى، استأذن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الهجرة، فأَذِن له، فخرج أبو بكر مهاجرًا، حتى سار مكَّة يومًا أو يومين، لقِيَه ابن الدّغنة[10] أخو بني الحارث بن عبدمناف بن كنانة، وهو يومئذٍ سيِّد الأحابيش[11]، فقال ابن الدغنة: أين أبو بكر؟ قال: أخرجني قومي وآذَوْني، وضيقوا عليَّ، قال: ولِم؟ فوالله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف، وتُكسب المعدوم، ارجع؛ فأنت في جواري، فرجع معه حتى إذا دخل مكَّة، قام ابنُ الدغنة فقال: يا معشر قريش، إني قد أجرتُ ابن أبي قحافة، فلا يعرضنَّ له أحدٌ إلا بخير، قالت: فكَفُّوا عنه.   قالت: وكان لأبي بكر مسجدٌ عند باب داره في بني جُمح، فكان يصلِّي فيه، وكان رجلاً رقيقًا، إذا قرأ القرآن استَبْكى، قالت: فيقف عليه الصِّبيان والعبيدُ والنِّساءُ يَعْجبون؛ لِمَا يرون من هيئته، قال: فمشى رجالٌ من قريش إلى ابن الدغنة، فقالوا: يا ابن الدغنة، إن لم تُجِرْ هذا الرجل ليُؤذينا، إنَّه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمَّد، يرقُّ ويبكي، وكانت له هيئة ونحوٌ، فنحن نتخوَّف على صبياننا ونسائنا وضَعَفَتِنا أن يفتنهم، فأْتِه فمُرْه أن يَدخل بيته فليصنع ما شاء، قالت: فمشى ابن الدغنة إليه، فقال له: يا أبا بكر، إني لم أُجرك لتؤذي قومك، إنَّهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه، وتأذَّوا بذلك منك، فادخل بيتك، فاصنع فيها ما أحببتَ، قال: أو أرُدُّ عليك جوارك وأرضى بجوار الله؟ قال: فاردد عليَّ جواري، قال: قد رددتُه عليك، قالت: فقام ابن الدغنة، فقال: يا معشر قريش، إن ابن أبي قحافة قد رد عليَّ جواري، فشأنكم بصاحبكم[12].   الهجرة الثانية إلى الحبشة: واستعدَّ المسلمون للهجرة مرَّة أخرى، وعلى نطاقٍ أوسع، ولكن كانت هذه الهجرةُ الثانية أشقَّ من سابقتها، فقد تيقَّظت لها قريشٌ وقرَّرت إحباطها، بَيْد أنَّ المسلمين كانوا أسرع، ويسَّر الله لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشيِّ الحبشة قبل أن يُدْرَكوا[13].   وكان عدد المهاجرين في هذه المرَّة نَحْو ثمانين رجلاً كما جاء في حديث ابن مسعود[14].   قريشٌ ترسل عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة إلى النجاشي؛ ليردَّ المسلمين: عزَّ على المشركين أن يجد المهاجرون مأمنًا لأنفسهم ودينهم! فاختاروا رجلين جَلْدين لبيبين، وهما: عمرو بن العاص، وعبدالله بن أبي ربيعة - قبل أن يُسْلِما - وأرسلوا معهما الهدايا المستطرَفة للنجاشيِّ ولبَطارقته[15].   ولْنَترك إحدى شهود العيان تحكي لنا تفاصيل ما دار هناك في أرض الحبشة، وما دار بين النجاشيِّ - رضي الله عنه - ورسولَيْ قريش.   تقول السيدة أمُّ سلمة - رضي الله عنها -: لَمَّا نزَلْنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار؛ النجاشي، أَمِنَّا على ديننا، وعبَدْنا الله، لا نُؤذَى ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أنْ يَبعثوا إلى النجاشيِّ فينا رجلين جلدين، وأن يُهدوا للنجاشي هدايا مما يُستطرف من متاعِ مكَّة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك مع عبدالله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمَّروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هدية قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدِّموا للنجاشي هداياه، ثم سَلُوه أن يُسلمهم إليكم قبل أن يكلِّمهم.   قالت: فخرجَا، فقَدِما على النجاشيِّ، ونحن عنده بخير دار، وعند خير جار، فلم يبعد من بطارقته بطريق إلاَّ دفعا إليه هديَّته قبل أن يُكلِّما النجاشي، ثم قالا لكلِّ بطريق منهم: إنَّه قد صَبا إلى بلد الملك منَّا غلمان سفهاء، فارَقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدينٍ مبتدَع، لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعَثَنا إلى المَلِك فيهم أشرافُ قومهم ليردَّهم إليهم، فإذا كلَّمْنا الملك فيهم، فتُشيروا عليه بأن يُسْلِمهم إلينا ولا يكلِّمهم؛ فإنَّ قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم.   ثم إنَّهما قرَّبا هداياهم إلى النجاشي، فقَبِلها منهم، ثم كلَّماه فقالا له: أيها الملك، إنه قد صبَا إلى بلدك منَّا غلمان سُفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدَعٍ لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثَنا إليك فيهم أشرافُ قومِهم من آبائهم وأعمامِهم وعشائرهم؛ لتردَّهم إليهم، فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه.   قالت: ولم يكن شيءٌ أبغض إلى عبدِالله بن أبي ربيعة وعمرِو بن العاص من أن يَسمع النجاشيُّ كلامَهم، فقالت بطارقتُه حولَه: صدَقوا أيُّها المَلِك، قومُهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلِمْهم إليهما فلْيَردَّاهم إلى بلادهم وقومهم، قال: فغضب النجاشيُّ، ثم قال: لاها الله، ايْمُ الله، إذًا لا أُسْلِمهم إليهما، ولا أكادُ، قومًا جاوروني، نزلوا بلادي واختاروني على مَن سواي، حتَّى أدعُوَهم، فأسألهم: ماذا يقول هذان في أمرهم؟ فإن كانوا كما يقولان، أسلمتهم إليهما، ورددتُهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك، منعتُهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني.   قالت: ثم أرسل إلى أصحابِ رسول الله فدعاهم، فلما جاءهم رسولُه، اجتمعوا، ثم قال بعضُهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علَّمَنا وما أمرَنا به نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلَّم كائن في ذلك ما هو كائن، فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشيُّ أساقفتَه، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدِّين الذي فارَقْتم فيه قومَكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأُمم؟   قالت: فكان الذي كلَّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيُّها الملك، كنَّا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام، ونأكل المَيْتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، يأكل القويُّ منا الضعيف، فكنا على ذلك حتَّى بعث الله إلينا رسولاً منَّا، نعرف نسبَه وصِدْقَه، وأمانته وعفافَه، فدعانا إلى الله؛ لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كنَّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصِدْق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرَّحم، وحسن الجوار، والكفِّ عن المَحارم والدِّماء، ونهانا عن الفواحش، وقَول الزُّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المُحْصَنة، وأمرَنا أن نعبد الله وحده، ولا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصَّلاة والزكاة والصيام.   قالت: فعدَّد عليه أمورَ الإسلام، فصدَّقْناه وآمنَّا، واتَّبعناه على ما جاء به، فعبَدْنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرَّمنا ما حرَّم علينا، وأحلَلْنا ما أحلَّ لنا، فعدا علينا قومُنا، فعذبونا وفتَنونا عن ديننا؛ ليردُّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلَّ ما كنا نستحلُّ من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا، وشقُّوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نُظلَم عندك أيُّها الملك.   قالت: فقال له النجاشيُّ: هل معك مِمَّا جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشيُّ: فاقرأه عليَّ، فقرأ عليه صدرًا من ﴿ كهيعص ﴾، قالت: فبكى - والله - النجاشيُّ حتى أخضل لحيتَه، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفَهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشيُّ: إنَّ هذا - والله - والَّذي جاء به موسى ليَخْرج من مشكاة واحدة، انطلِقا، فوالله لا أُسْلِمهم إليكم أبدًا ولا أُكادُ.   قالت أمُّ سلمة: فلما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لأنبِّئنَّهم غدًا عيبهم عندهم، ثم أستأصل به خضراءهم، قالت: فقال له عبدالله بن أبي ربيعة، وكان أتقى الرَّجلين فينا: لا تفعل؛ فإنَّ لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالَفونا، قال: والله لأخبرنه أنَّهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبدٌ، قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له: أيُّها الملك، إنَّهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيمًا، فأرسِل إليهم، فاسألهم عمَّا يقولون فيه؟   قالت: فأرسلَ إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم يَنْزِل بنا مثله[16]، فاجتمع القوم، فقال بعضُهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول واللهِ فيه ما قال الله وما جاء به نبيُّنا، كائنًا في ذلك ما هو كائن[17]، فلما دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبيُّنا: هو عبدُ الله ورسوله، وروحُه وكلمتُه ألقاها إلى مريم العذراء البتول[18].   قالت: فضرب النجاشيُّ يده إلى الأرض فأخذ منها عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى ابنُ مريم ما قلتَ هذا العود، فتناخرَتْ بطارقتُه حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخَرْتُم والله[19]، اذهبوا فأنتم سُيُومٌ بأرضي - والسُّيوم: الآمنون - مَن سبَّكم غُرِّم، ثم مَن سبكم غُرِّم، فما أُحبُّ أنَّ لي دَبْرًا ذهبًا وأني آذيتُ رجلاً منكم - والدَّبْر بلسان الحبشة الجبَل - رُدُّوا عليهما هداياهما؛ فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله منِّي الرِّشوة حين ردَّ عليَّ مُلكي؛ فآخُذَ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فِيَّ؛ فأُطيعَهم فيه.   قالت: فخرجا من عنده مقبوحَيْن، مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دارٍ مع خير جار.   قالت: فوالله إنَّا على ذلك إذْ نزل به - يعني: مَن يُنازعه في ملكه - قالت: فوالله ما علِمْنا حزنًا قطُّ كان أشدَّ من حزنٍ حزِنَّاه عند ذلك؛ تخوفًا أن يَظهر ذلك على النجاشي[20]، فيأتي رجلٌ لا يعرف من حقِّنا ما كان النجاشيُّ يعرف منه.   قالت: وسار النجاشيُّ وبينهما عُرضُ النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: مَن رجلٌ يَخرج حتَّى يَحْضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزُّبير بن العوام: أنا، قالت: وكان من أحدث القوم سنًّا، قالت: فنفخوا له قربة يجعلها في صدره، ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النِّيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتَّى حضرَهم، قالت: ودعَوْنا الله للنجاشيِّ بالظهور على عدوِّه، والتمكين له في بلاده، واستوسق عليه أمرُ الحبشة، فكُنَّا عنده في خير مَنْزل، حتى قَدِمنا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو بمكة[21].   فضل مهاجري الحبشة: عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: بلغَنا مخْرج النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن باليمَن، فخرَجْنا مُهاجرين إليه أنا وأخَوان لي، أنا أَصْغرُهم؛ أحدهما أبو بُرْدة، والآخر أبو رُهْمٍ - إما قال: بضْعٌ، وإما قال: في ثلاثةٍ - وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي، فركِبْنا سفينةً، فألْقَتْنا سفينتُنا إلى النجاشيِّ بالحبشة، فوافَقْنا جعفرَ بن أبي طالبٍ، فأقَمْنا معه، حتى قَدِمْنا جميعًا، فوافَقْنا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين افتَتح خيبر، وكان أناسٌ من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة -: سبَقْناكم بالهجرة، ودخلَتْ أسماءُ بنت عُميسٍ - وهي ممن قدم معنا - على حَفْصة زوج النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم زائرةً، وقد كانت هاجرَتْ إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصةَ - وأسماءُ عندها - فقال عمر حين رأى أسماء: مَن هذه؟ قالت: أسماء بنت عميسٍ، قال عمر: الحبشيَّة هذه؟ البَحْرية هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبَقْناكم بالهجرة، فنحن أحقُّ برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منكم، فغضبَتْ، وقالت: كلاَّ والله، كنتم مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُطْعم جائعَكم، ويَعِظ جاهلكم، وكنَّا في دارِ - أو في أرضِ - البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وايْم الله لا أَطْعم طعامًا، ولا أشرب شرابًا حتَّى أَذْكر ما قلتُ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن كنا نُؤْذَى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأسأله والله لا أكذب، ولا أَزِيغ، ولا أزيد عليه.   فلما جاء النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَتْ: يا نبي الله، إنَّ عُمر قال كذا وكذا، قال: ((فما قلْتِ له؟)) قالت: قلتُ له كذا وكذا، قال: ((ليس بأحقَّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرةٌ واحدةٌ، ولكم - أنتم أهل السفينة - هجرتان))، قالت: لقد رأيْتُ أبا موسى، وأصحاب السفينة يأتوني أرْسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيءٌ هم به أفْرَحُ، ولا أعْظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال أبو بُرْدة: قالت أسماء: لقد رأيْتُ أبا موسى وإنه ليَسْتعيد هذا الحديث مني[22].   فائدة: اختلف أهل المغازي والسِّيَر فيمن أرسلَتْه قريشٌ مع عمرو بن العاص إلى النجاشي؛ فقال بعضهم: أرسلت قريشٌ إلى النجاشي مرتين، فمرَّة أرسلوا مع عمرو بن العاص عبدَالله بن أبي ربيعة، ومرة أرسلوا معه عمارة بن الوليد، وقال آخرون: لم تُرسل قريش إلى النجاشيِّ إلا مرة واحدة، وانقسم أصحاب هذا القول إلى فريقين؛ فريق قال: كان مع عمرو بن العاص عبدُالله بن أبي ربيعة - وهم الأكثرون - وفريق قال: كان معه عمارة بن الوليد.   وسبب هذا هو الاختلاف الذي وقع في الرِّوايات التي ذَكرَتْ قصة الهجرة إلى الحبشة: حيث ذُكِر في حديثي أبي موسى وابن مسعود عمارة بن الوليد مع عمرو بن العاص، وأما حديث أمِّ سلمة فذُكِر فيه عبدالله بن أبي ربيعة مع عمرو بن العاص.   والحقيقة فإنَّ الناظر في الروايات يعلم يقينًا أن قول من قال كان هذا مرتين، فكان في أحدهما عمارة بن الوليد، وفي الأخرى عبدالله بن أبي ربيعة، قولٌ بعيد - كلَّ البعد - عن الحقيقة والصواب؛ وذلك لأنَّ الروايات الثلاث ذُكر فيها الحوار الذي دار بين الأطراف الثلاثة؛ النجاشيِّ، والمسلمين، ورسولَيْ قريش، وجاء ذِكْرُ الحوار في جميع الروايات هوَ هو، لم يتغيَّر، حتى عندما قال عمرو بن العاص: إنَّهم يقولون في عيسى قولاً عظيمًا، فأرسل النجاشي إلى المسلمين يسألهم عن ذلك، فأجابه جعفر بن أبي طالب، فأخذ النجاشيُّ عودًا من الأرض وقال: ما عدا عيسى ابنُ مريم ما قلتَ هذا العود.   فلأنَّ الحوار واحد في الروايات الثلاثة يبعد جدًّا أن تكون القصَّة قد تكرَّرت، وإلاَّ لو حدث هذا مرتين لَما أعاد عمرو بن العاص قولته في المرة الثانية، ولَمَا كان أرسل النجاشيُّ للمسلمين مرة أخرى يسألهم عمَّا يقولون في عيسى ابن مريم، وكان يكفيه أن يقول: عَلِمنا قولهم في عيسى ابن مريم قبل ذلك. فبهذا يُعلم أن هذا القول غير صحيح.   فيَبقى قول من قال: كان هذا مرة واحدة، وكما سبق؛ ذهب أصحابُ هذا القول إلى أنَّ المُرسَل مع عمرو بن العاص هو عمارة بن الوليد، وذهب بعضهم أنه عبدالله بن أبي ربيعة وهو الصَّواب.   وذلك لأنَّ عبدالله بن أبي ربيعة جاء ذكره في حديث أمِّ سلمة - رضي الله عنها - وهو حديث سنَدُه مُسلسَل بالثِّقات، غير ابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يسار إمام أهل المغازي والسِّير، وقد قال عنه الحافظُ في التقريب: صدوق يُدلِّس، وقد أَمِنَّا من تدليسه حيث صرَّح بالتحديث، فقال: حدثني الزهريُّ.   وأمَّا حديثي أبي موسى وابن مسعود فمَدارهُما على أبي إسحاق السَّبيعي عمرو بن عبدالله بن عبيد، ثقة، ولكنه مدلِّس، لا تُقبل روايته إلاَّ إذا صرح بالتحديث، ولم يصرِّح في الروايتين، حيث قال في حديث أبي موسى: عن أبي بُرْدة، وقال في حديث ابن مسعود: عن عبدالله بن عتبة.   ثم هو قد اختلط بِأخَرة، والراوي عنه حديثَ أبي موسى هو إسرائيل بن يونس، وهو ممن أَخَذ عنه بعد الاختلاط. والراوي عنه حديثَ ابن مسعود، حُدَيج بن معاوية، وهو صَدُوقٌ يُخطِئ، كما قال الحافظ، وضعَّفه ابنُ مَعينٍ وغيره.   فالظاهر هنا أنَّ ذِكْر عمارة بن الوليد في الحديث وَهمٌ من أبي إسحاق السَّبيعي؛ أي: مما اختلط عليه فيه، خاصة وأن عبدالله بن أبي ربيعة وعمارة بن الوليد من قبيلةٍ واحدة، وهي بني مخزوم؛ فلذلك أرى أنه شُبِّه عليه فيه، والله أعلم.   فائدة أخرى: رُوي في سبب سجود المشركين مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمكَّة أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مدح آلهتهم، فقال: ((تلك الغرانيقُ العُلَى، وإنَّ شفاعتَهن لَتُرتَجى)).   وقد رُوي هذا الحديث من طرقٍ كثيرة بلغَت العشرة، ذكرَها الشيخ الألبانيُّ في كتابه "نَصْب المَجانيق لنسف قصَّة الغرانيق"، وكلُّها طرق ضعيفة، لا يُقوِّي بعضُها بعضًا، كما أوضح ذلك الشيخ الألباني - رحمه الله.   فائدة ثالثة: ذهب بعض أهل السِّيَر إلى أنَّ أبا موسى الأشعريَّ كان مع مَن هاجروا إلى الحبشة من مكَّة؛ وذلك لِما رواه أبو نُعَيم في "الدَّلائل" أنَّ أبا موسى قال: "أمرَنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشيِّ".   وهذا غير صحيح، والصحيح أنَّ أبا موسى خرج من بلده باليمن، قاصدًا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بمكة، فألقَتْه السفينة إلى النجاشي بالحبشة هو ومن معه، فوافقوا جعفر بن أبي طالب، فأقاموا معه حتَّى قَدِموا على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بخيبر[23].   فهذا الحديث هو الثابت، أما الحديث السابق فرواه أبو نُعَيم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بُردة، وأبو إسحاق قد اختلط كما سبق، وإسرائيل ممن أَخَذ عنه بعد الاختلاط، والله أعلم.


[1] "الرحيق المختوم" 97، 98. [2] "فتح الباري" 7/ 227. [3] سيأتي تخريجه. [4] رُوي أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط - عليه السَّلام - أخرجه البيهقيُّ في "الدلائل"، والفسويُّ في "المعرفة والتاريخ" وهو حديث ضعيف لا يصح. [5] صحيح؛ انظر: "صحيح البخاري" (1067، 1070، 1071) كتاب: سجود القرآن. [6] "سيرة ابن هشام" 1/ 247. [7] "سيرة ابن هشام" 1/ 248، بتصرف يسير. [8] "سيرة ابن هشام" 1/ 248، 249. [9] "سيرة ابن هشام" 1/ 249. [10] ابن الدَّغِنَّة: ضبط بفتح الدال وكسر الغين وفتح النون مخففة، وبضم الدال والغين وفتح النون مشددة، فالأول ضبط المُحدِّثين، والثاني ضبط أهل اللغة، وفي القاموس: أو بضمٍّ فسكون كخُرْمة، قال السُّهيلي: والدُّغنة اسم امرأة عُرف بها الرِّجال، والدغن: الغيم بعد المطر؛ من تعليق محمد محيي الدين عبدالحميد على "سيرة ابن هشام". [11] الأحابيش: هم أحياء من القارة، انضمُّوا إلى بني ليث، والتحبُّش: التجمُّع، وقيل: حالفوا قريشًا تحت جبل يسمى حُبْشيًا بأسفل مكة، فسُمُّوا بذلك؛ من تعليقات الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد على "سيرة ابن هشام". [12] "سيرة ابن هشام" 1/ 250، 251، بتصرف يسير. [13] "الرحيق المختوم" (99). [14] حسن: أخرجه أحمد 4/ 4400، الحاكم 2/ 623 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وابن سيِّد الناس في "عيون الأثر"، وقال أحمد شاكر: إسناده حسن، وصححه الألباني في "صحيح السيرة" 164، 166. [15] "الرحيق المختوم" (99)، بطَارِقَته: جمع بطريق، وهو الحاذق بالحرب وأمورها بلغة الروم، وهو ذو منصب وتقدُّم عندهم؛ "النهاية في غريب الحديث". [16] أيْ: ولم يَنْزل بنا هَمٌّ مثله؛ خوفًا من النجاشي وأن ذلك يُخالف عقيدته. [17] وهذا موقفٌ عظيم نتعلَّمه من صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيث لم يَحْملهم ما هم فيه من شدَّة وبلاء على الكذب والتدليس، وأن يقولوا في عيسى ابن مريم خلاف عقيدتهم التي تُخالف عقيدة النصارى، بل قالوا: نقول والله فيه ما قال الله، وما جاء به نبيُّنا، كائنًا في ذلك ما هو كائن، فكان ما كان من النجاشيِّ أنْ أجلسَهم في أرضه، وتحت حمايته، مطمئنِّين، وصدق رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيث يقول: ((فإن الصِّدق طُمَأنينة))؛ الترمذي (2518)، وأحمد 1/ 200، وصححه الألباني "صحيح الجامع" (3378)، بل إنَّ ذلك أدَّى إلى إسلام النجاشي، فتعلَّموا - يا شباب الصَّحوة - من سيرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ومواقف صحابته، فهؤلاء والله الذين يُقتدى بهم، فإن اقتديتُم بهم فنِعْم الاقتداء. [18] امرأة بَتُول؛ أيْ: مُنقطِعة عن الرِّجال، لا شهوة لها فيهم، وبها سُمِّيت مريم أمُّ المسيح - عليهما السلام - "النهاية في غريب الحديث". [19] النخير: صوت الأنف، قال ابن الأثير: فتناخرت بطارقته؛ أي: تكلَّمَت وكأنه كلامٌ مع غضَب ونفور؛ "النهاية في غريب الحديث". [20] أيْ: أن يَظهر ذلك الرجل على النجاشي، فيغلبه. [21] صحيح: أخرجه أحمد 2/ 1740، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وابن إسحاق في "السيرة" 1/ 229 - 232، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح السيرة" (170 - 178). [22] متفق عليه: أخرجه البخاري (4230، 4231) كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر؛ مسلم (2502، 2503) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل جعفر بن أبي طالب، وأسماء بنت عُمَيس، وأهل سفينتهم. [23] سبق تخريجه.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣