أرشيف المقالات

بالتي هي أحسن

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
بالتي هي أحسن


لأن الله أمر بذلك، قال تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].
قال ابن عباس في تفسير الآية: "ادفع بحلمك جهل مَن يجهل عليك" [1].
وقال أيضًا: "أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوُّهم كأنه ولي حميم" [2].
 
وهنيئًا لمن قدر على ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35].
ولأن الدفع بالتي هي أحسن من صفات عباد الرحمن؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]، قال الحسن: "حلماء إذا جهل عليهم لم يَجهلوا" [3].






إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوتُ


إن كلمته فرَّجت عنه
وإن خليته كمدًا يَموتُ






ولأن ذلك من علامات الرجولة وقوة النفس؛ قال تعالى: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43].
ولأن الدفع بالتي هي أحسن اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، والمؤمن إن لم يقتدِ بالرسول صلى الله عليه وسلم، فبمن يقتدي؟
تقول عائشة رضي الله عنها - وهي تصف خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم -: "ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح"؛ (صحيح سنن الترمذي).
 
كيف يجاهد الإنسان نفسه على الدفع بالتي هي أحسن؟
1- أن تمتص غضبك وتكظم غيظك:
لتنفذ من هذا الباب إلى الحور العين، فقد جاء في الحديث: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة؛ حتى يُخيره من أي الحور العين شاء"؛ (صحيح ابن ماجه مرفوعًا)، وهذه أدنى صور الدفع بالتي هي أحسن.
 
2- أن تقابل المسيء بالدعاء له:
وبهذا فَسر أنس بن مالك قول الله تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾؛ حيث قال: يقول الرجل لأخيه ما ليس فيه، فيقول له: إن كنت كاذبًا، فإني أسأل الله أن يغفر لك، وإن كنت صادقًا فإني أسأل الله أن يغفر لي" [4].
 
3- أن تُحسن إلى من أساء إليك:
وقد جاء صحابي يشكو قائلاً: "يا رسول الله، إن لي ذوي أرحام أصلُ ويقطعون، وأعفو ويظلمون، وأُحسن ويُسيؤون، أفأكافئهم؟ قال: (لا، إذًا تُتْرَكون جميعًا - أي: يترككم الله جميعًا، فلا ينظر إليكم - ولكن خذ بالفضل وصِلْهم، فإنه لن يزال معك من الله ظهير ما كنت على ذلك)؛ (رواه أحمد، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وله شاهد عند مسلم من حديث أبي هريرة).
وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل أَمُرُّ به، فلا يَقريني ولا يُضيفني، فيَمر بي، أفأُجزيه؟ قال: لا، اقْرِهِ"؛ (صحيح سنن الترمذي)، وهذا أعلى مقامات الدفع بالتي هي أحسن، وبهذا تحيا معاني الخير في النفوس، ويتنافس الناس في الإحسان، وتُغلق أبواب الشر على الشيطان.
مر المسيح عليه السلام بقوم من اليهود، فقالوا له شرًّا، فقال لهم خيرًا، فقيل له: إنهم يقولون شرًّا وأنت تقول خيرًا؟ فقال: "كلٌّ يُنفق مما عنده"[5].
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].



[1] تفسير القرطبي، ج15، ص361.


[2] فتح القدير للشوكاني، ج4، ص593.


[3] تفسير الطبري ج19، ص294.


[4] فتح القدير، ج3، ص588.


[5] إحياء علوم الدين، الإمام الغزَّالي، ج3 ص179، جدِّد حياتك، الشيخ محمد الغزالي ص96.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن