أرشيف المقالات

ولذكر الله أكبر

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
قرآنيات: (1)
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45]
 
إن قوله تعالى: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45]، هو جزء من الآية الخامسة والستين من سورة العنكبوت: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
 
والإضافة في قوله عز وجل: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ قد تكون من باب إضافة المصدر إلى مفعوله كما تقول: شربُ العسل مفيدٌ؛ وكقوله تعالى: ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 191].
 
وقد تكون من باب إضافة المصدر إلى فاعله؛ كقوله تعالى: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ ﴾ [لقمان: 11]، والآية الجليلة تحتمل الوجهين، والوجهان صحيحان بلا مِرْيَةٍ، فعلى الوجه الأول يدل على معاني كلها صحيحة؛ منها:
أولًا: ذكر العبد ربَّه أكبر من ذكره غيره.
 
ثانيًا: ذكر العبد ربه أكبر من الصلاة نفسها؛ لأن الصلاة فُرِضت وسيلةً للحصول على غاية أسمى منها، وهي ذكر الله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]، فأي فائدة في صلاة جوفاء خالية من ذكر الله عز وجل؟!
 
ثالثًا: للصلاة فوائد كثيرة؛ منها: نهيها عن الفحشاء والمنكر، والحصول على السكينة والطمأنينة، وذكر الله عز وجل، والفائدة التي يَجنيها العبد من ذكره لله عز وجل أكبرُ من فائدة النهي عن الفحشاء والمنكر؛ بل أكبر من بقية الفوائد جميعًا؛ لأن من ذكَر الله تعالى بحقٍّ ابتعد عن الفحشاء والمنكر، وليس كلُّ مَنْ ابتعد عن الفحشاء والمنكر ذاكرًا لله تعالى، فقد يكون ابتعد عنها جُبْنًا؛ لأنه غير جريء على ارتكاب الفاحشة، أو ابتعد عنها خوفًا من الفضيحة، أو طلبًا للجاه والسُّمْعة أو غير ذلك.
 
أما الوجه الثاني - أي: أن تكون الإضافة إضافة مصدر إلى فاعله - فشأنُه غريبٌ، وأمرُه عجيبٌ؛ لأن الأعظم مما مرَّ آنفًا هو أن يذكر الله في الملأ الأعلى، فيكون معنى الآية حينئذٍ: "ذكرُ الله لعبده أكبرُ من ذكر العبد لله تعالى، وأكبرُ من ذكر جميع مخلوقاته له"، ومن المعلوم شرعًا أن الله تعالى يذكر عباده الذين يذكرونه؛ قال عز وجل: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].
 
فتصوَّر أخي الغالي، وتصوَّري أختي الغالية - الحالةَ النفسية السعيدة التي تمرُّ بقلب الإنسان الذي حصل على أعلى جائزة عالمية، وقد ذكرته الصُّحُف والمجلَّات والقنوات العالمية، وذاع صيتُه في الآفاق، ومُجِّد بلغات العالم، وانتشرت صورتُه على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثنى عليه العلماء، وأصبحوا يلهجون بذكره، وأضحى اسمُه يتردَّد على ألسنة الكل، ومنحوه جنسيات وإقامات مختلفةً في الدول العظمى، وأغدَقوا عليه بما لا يخطر بالبال من الأموال.
 
تصوَّر هذا كله، ثم اعلَم بأنه لا يساوي لحظةً من رضا الله تعالى عنه، ولا مرةً من ذكره عز وجل له بين عباده ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾.

فما أعظمها من نعمة! وما أجزلَه من عطاء؛ أن تنال ذكر الله عز وجل لك ولو لمرة!
اللهم ارزُقنا ذكرك يا خير مذكور، وخير ذاكر يا رب العالمين.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن