وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الإسراء (3)﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ﴾
قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا ﴾ [الإسراء: 76، 77].
أولًا: سبب نزولها:
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: قيل: نزلت في اليهود إذ أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام، بلاد الأنبياء وترك سكنى المدينة، وهذا القول ضعيف؛ لأن هذه الآية مكية وسكنى المدينة كان بعد ذلك.
ثم قال: وقيل نزلت في كفار قريش، حين هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، فتوعدهم الله تعالى بهذه الآية: وأنهم لو أخرجوه لما لبثوا بعده بمكة إلا زمنًا يسيرًا.
وقال القرطبي: قال مجاهد وقتادة: نزلت في هم أهل مكة بإخراجه، ولو أخرجوه لما أمهلوا، ولكن الله أمره بالهجرة فخرج، وهذا أصح; لأن السورة مكية، ولأن ما قبلها خبر عن أهل مكة، ولم يجر لليهود ذكر، وقوله: من الأرض يريد أرض مكة.
ثانيًا: تضمنت الآية بحسب ما ورد في سبب نزولها بيان مكيدة أخرى من مكايد المشركين، وهي محاولتهم إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من بلده، لكي يعكفوا على عبادة آلهتهم الباطلة دون أن ينهاهم.
ثالثًا: جاء الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بفضح مكائدهم والكشف عن خبث طواياهم، وسوء أفعالهم، ثم بيان ما كان سيحل بهم من العقوبة الإلهية لو وصلوا إلى مرادهم أو حقَّقوا مقصودهم، ذلك كله من خلال ما يأتي:
أولًا: أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمكر المشركين في الخفاء، فقال سبحانه: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 76]، وفي الآية من الدلائل على الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يأتي:
1- ﴿ وَإِنْ كادُوا ﴾؛ أي: كفار مكة، ﴿ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ ﴾؛ أي: ليزعجونك ويحملونك على الخروج من الأرض التي على ترابها، ولدت وفيها نشأت، وهي أرض مكة، ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج من مكة مهاجرًا بأمر ربه، فإنه سبحانه قد مكَّن نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مشركي مكة في غزوة بدر، وكانت المدة بين هجرته صلى الله عليه وسلم، وبين غزوة بدر تقل عن سنتين، وهكذا حقق الله تعالى وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأنزل وعيده بأعدائه: ﴿ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾.
2- انظر إلى وعيده تعالى بالانتقام من أولئك الأباعد عن قريب دفاعًا عن النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿ وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾؛ إذ فيه بيان لسوء مصيرهم إذا ما أخرجوه صلى الله عليه وسلم من مكة؛ أي: ولو أنهم استفزوك وأجبروك على الخروج إجبارًا، لما لبثوا خِلافَكَ؛ أي: بعد خروجك إلا زمنًا قليلًا، ثم يصيبهم ما يصيبهم من الهلاك والنقم.
ثانيًا: بيَّن سبحانه أن نصرة رسله سنة من سننه التي لا تتخلف، فقال: ﴿ سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا ﴾ [الإسراء: 77]؛ أي: سنَّ اللهُ تعالى فيما قصه عليك سنة، وهذه السنة هي أننا لا نترك بدون عقاب أمة أخرجت رسولها من أرضه، وقد فعلنا ذلك مع الأقوام السابقين الذين أخرجوا أنبياءهم من ديارهم، ولا تجد أيها الرسول الكريم لسنتنا وطريقتنا تحويلًا أو تبديلًا، ولولا أننا قد منعنا عن قومك عذاب الاستئصال لوجودك فيهم، لأهلكناهم بسبب إيذائهم لك، وتطاولهم عليك؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ [الأنفال: 33]، وبذلك نرى أن الآيات الكريمة قد حكت لنا جانبًا من المسالك الخبيثة التي اتبعها المشركون مع النبي صلى الله عليه وسلم، كما حكت لنا ألوانًا من فضل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم؛ حيث عصمه من أي ركون إليهم ووعده بالنصر عليهم.