أرشيف المقالات

آداب الذكر وحكمه ومعانيه في القرآن

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2آداب الذكر وحكمه ومعانيه في القرآن
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى: ينبغي أن يكون الذاكر على أكمل الصفات، فإن كان جالساً في موضع استقبل القبلة وجلس متخشعاً متذللًا بسكينة ووقار، مطرقاً رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز، ولو كان ذلك (أي: ترك الذاكر ذلك) بغير عذر كان تاركاً للأفضل، وينبغي أن يكون الموضع الذي يذكر فيه خالياً نظيفاً، ولهذا مدح الذكر في المساجد والأماكن الشريفة، وقد جاء عن أبي ميسرة: ((لا يذكر الله تعالى إلا في مكان طيب))، وينبغي للذاكر أيضاً أن يكون فمه نظيفاًَ، فإن كان فيه تغير أزاله بالسواك (ونحوه)، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالماء، فإن ذكر ولم يفعل، فهو مكروه وليس بحرام، وهو محبوب في جميع الأحوال، إلا في أحوال ورد الشرع باستثنائها، منها: عند الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجماع، وفي حالة الخطبة لمن يسمع صوت الخطيب، وفي القيام في الصلاة؛ لأن عليه الاشتغال بالقراءة، وفي حالة النعاس، ولا يكره في الطريق، ولا في الحمام [1].
معاني كلمة الذكر في القرآن الكريم: (ذكر أهل التفسير أن الذكر في القرآن على أوجه، منها): أحدها: الذكر باللسان، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وغيرها.
الثاني: الذكر بالقلب: ومنه قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 135]، وقيل: هو الندم.
الثالث: الحديث، ومنه قوله تعالى: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ﴾، ومثله: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ﴾، و﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى ﴾.
الرابع: الخبر، ومنه قوله تعالى: ﴿ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾.
الخامس: العظة، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 44].
السادس: الوحي، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴾.
السابع: القرآن، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ ﴾.
الثامن: التوراة والكتب السابقة، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
التاسع: الشرف، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾.
العاشر: الطاعة، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾، أي: أطيعوني أغفر لكم.
الحادي عشر: البيان، ومنه قوله تعالى: ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾.
الثاني عشر: الصلوات الخمس، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾.
الثالث عشر: صلاة الجمعة، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾.
الرابع عشر: صلاة العصر، ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ﴾.
الخامس عشر: الرسول، ومنه قوله تعالى: ﴿ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا ﴾ [الطلاق: 10، 11].
قيل: إن أنزل هاهنا بمعنى أرسل.
• وهذه الآيات التي استشهد بها لهذه المعاني تحتملها وغيرها [2].
قال ابن القيم: جاء الذكر في القرآن على عشرة أوجه: الأول: الأمر به مطلقاً ومقيداً وذلك كقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42].
الثاني: النهي عن ضده من الغفلة والنسيان، كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾.
الثالث: تعليق الفلاح باستدامته وكثرته، كقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.
الرابع: الثناء على أهله، والإخبار بما أعد الله لهم من الجنة والمغفرة، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ...
﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾.
الخامس: الإخبار عن خسران من لها عنه بغيره، كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].
السادس: أنه سبحانه جعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له، كقوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾.
السابع: الإخبار أنه أكبر من كل شيء، كقوله تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ...
﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾.
الثامن: أنه جعله خاتمة الأعمال الصالحة كما كان مفتاحها، وذلك كما ختم به الحج في قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وختم به الصلاة، كقوله: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾ [النساء: 103]، وختم به الجمعة، كقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10].
التاسع: الإخبار عن أهله بأنهم هم أهل الانتفاع بآياته وأنهم أولوا الألباب دون غيرهم، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 190، 191].
العاشر: أنه جعله قرين جميع الأعمال وروحها، فقد قرنه بالصلاة، كقوله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾، وكذلك قرنه بالصيام وبالحج وغيرهما [3] [4].  

[1] ((الأذكار النووية)) (ص17 - 18). [2] ((نزهة الأعين النواظر)) (302 - 306)، ونحوه في: ((بصائر ذوي التمييز)) (3/13 - 15). [3] ((مدارج السالكين)) (2/441 - 444). [4] ((نضرة النعيم)) (5/1961 - 1966).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢