حملة الابتسامة والأمل
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
حملة الابتسامة والأملكغيرها من الحملات الإعلانية والترويجية، أو المبادرات التوعوية والإرشادية التي تحمل عناصر ومقومات الإثارة وشد الانتباه، وتقيمُها الدول والمؤسسات والنوادي والجمعيات بين فترة وأخرى، أعتقدُ أننا في حاجة ماسة - في ظل الظروف الراهنة التي يشم منها رائحة التشاؤم، وقلة البركة، وضَعف البصيرة، وغلاء المعيشة - إلى حملة توعوية كبيرة واسعة النطاق، شديدة التأثير، شاملة الجوانب، وقوية الصدى، عنوانها: (حملة الابتسامة والأمل)؛ لنعيد من خلالها روح الأمل والابتسامة والتفاؤل، والرضا والسكينة والسلام إلى الأمة بشكل عام، وفي جميع مرافقها وشؤونها بعون الله تعالى وتوفيقه.
1- فنبتسمُ ونتفاءلُ من أنفسنا لتزدادَ إشراقًا وجَمالًا، ونبتسمُ ونتفاءلُ في محيط الأسرة والبيت، والمدرسة والجامعة، والمكتب والسوق، ومع الجيران، والأصدقاء، والمراجعين، والطلاب، بل مع كل من نقابله أو نتحدث إليه في أمر من الأمور، ونوزع الابتسامات ونَنثرها يمينًا وشمالًا على طول الطريق؛ مستنيرين بقوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تَسَعوا الناسَ بأموالِكم، ولكن يَسَعهم منكم بَسْطُ الوجهِ، وحُسْنُ الخُلُقِ)؛ صحيح الترغيب، الألباني: 2661.
2- ونبتسم في وجه أقرب الناس إلينا من الوالدين والزوجة والأولاد والأرحام، ونُطيب خاطرهم بالابتسامة التي لا يخفى أثرُها ومردودها الجميل عليهم طول اليوم، كما لا يخفى دورُها ومكانتها في تعزيز العلاقات الأسرية والحب داخل العائلة؛ إذ إنها مفتاح العلاقات الإنسانية الصافية كما يقول (فولتير) وهي واجب اجتماعي كما يقول (جيسل).
3- نبستم للمصلين في المساجد، ولرفقائنا في العمل ولأبنائنا في البيت، ونطلب منهم باللطف واللين وحسن المعاملة، والاحترام المتبادل، ما نريده من إنجاز أعمال ومهام ودراسة وتوجيه، ونُصح وغيره؛ فالناس لا يطلبون مني ومنك الذهب والفضة، بل يكفيهم وجهك البسام، وكلامك اللين كما يقول (لابرويير).
قال محمد بن حازم الباهلي:
وما اكتسب المحامدَ طالبوها *** بمثلِ البِشرِ والوَجْهِ الطليق
4- نبستم في وجه مَن عندنا مِن الخدم والعُمال، ونُسمعهم الكلمات الطيبة الجميلة التي تُطيب خواطرهم، فأعظم الصدقة سرور تُدخله على مسلم أو تكشف عنه، ولرُبَّ ابتسامة صادقة حفزتْهم على العمل والإنجاز، وبذل الجُهد في الأداء وتحسين المخرجات؛ يقول (شكسبير): شق طريقك بابتسامتك، خيرٌ من أن تشقها بسيفك.
5- نحتاج يا أحبتي الكرام أن ننشر رُوح التفاؤل والأمل وثقافة الابتسامة والبِشْر في المجتمع، فكفانا اليأس والتشاؤم الذي لم نجنِ من ورائه غير الخسارة في العلاقات والإيرادات والفرص، وكفانا عبوس الوجه واكفهراره الذي لم نحصل من ورائه إلا التعب والتفكير السلبي، والإرهاق والإحباط!
6- ليكن التفاؤل والأمل وترك اليأس والقنوط، شعار هذه المرحلة، والابتسامة النابعة من خالص القلب، والثقة المتبادلة، سفير هذه الحملة، والتعاون والأخوة والاعتزاز بالإسلام، هي الشمعة المضيئة وعنوان هذه المبادرة، فلا نهزم نفسيًّا أو عقليًّا أمام المتغيرات والمؤثرات وموجات الفساد، ولا نتأثر بأفكار الغير وتقاليده وثقافته، ولا نسيرُ في ركب الماديات والمغريات والشبهات، ولا نبالي بقلة الفرص وكثرة التحديات، بل نصبرُ ونصابر ونرابط، ونعزِّز الانتماء لديننا، وندافع عن أوطاننا، ونكافح ونعمل لمستقبل أكثر إشراقًا وإضاءة وتفاؤلًا وسعادة بإذن الله تعالى، وقديمًا قيل: تفاءلوا بالخير تجدوه.
قال البحتري:
لولا الرجاء لمتُّ من ألم الهوى *** لكن قلبي بالرجاء مُؤمل
7- نتفاءل بأن تعود الأمة إلى مكانتها الطبيعية في قيادة الأمم، وتقوم بحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها في إعمار الأرض وخدمة الإنسان، ونفع البشرية بأحسن شكل، فالتفاؤل والأمل يخفِّف الدمعة التي يسقطها الحزن، ويبعث الانشراح والطُّمأنينة في القلب.
8- نتفاءل في أن تزول سُحب الكوارث والفتن والمصائب التي حلَّتْ بأمتنا وبأبنائها بشكل عام، وأن ذلك سيكون قريبًا بإذن الله تعالى عند عودتنا إلى ربنا، واحتكامنا إلى شرعه، وبحثنا عن الأسباب التي تؤدي إلى التمكين في الأرض.
قال الطغرائي:
أعلِّل النفس بالآمال أَرقبها *** ما أضيقَ العيش لولا فُسحةُ الأمل
9- والآن، فيا تُرى كيف تكون النتائج والمؤشرات في تعليم وتربية أبنائنا لو كان المدرس مُبْتسمًا متفائلًا لطيفًا بشوشًا مثل الشمس، بدلًا من أن يكون عابسًا متشائمًا مستفزًّا، أشبه بظلام الليل الحالك؟!
ماذا يكون لو كان الموظف مبتسمًا متفائلًا مخلصًا في عمله، ومبادرًا ومقدرًا لظروف الآخرين، بدلًا من أن يكون عصبيًّا مكفهرًا، سيئ المزاج والتعامل؟!
ماذا يكون لو كان المراجع أو (العميل) مبتسمًا متفائلًا، بدلًا من أن يكون متضايقًا وعابسًا، ومُعْلنًا الحرب على الخدمة ومَن يقوم بتقديمها له؟
وما ذا ينقص من صاحب المنزل لو دخل مبتسمًا متفائلًا، بدلًا من أن يكون رافعًا صوته وصائحًا في كل غرفة، بل في زاوية، ومحاسبًا على الصغيرة والكبيرة؟!
وما ذا يكون لو ابتسم الطبيب في وجه المريض وخفَّف عنه الروع، وتفاءل له بالخير والشفاء بإذن الله تعالى، بدلًا من أن يكبر له الأمراض والأعراض والأدواء، والأسقام والحِمْيَة والطعام؟!
قال الشاعر:
بني إن البر شيء هيِّنٌ *** وجه طليق وكلام ليِّن
شمعة أخيرة:
قال الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي:
أيقظْ شعورك بالمحبة إن غفا *** لولا شعورُ الناس كانوا كالدمى[1]
[1] ديوان إيليا أبو ماضي، دار العودة بيروت، ص: 657