أرشيف المقالات

تعريف الرخصة وإطلاقاتها في عرف الشرع

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2الرخص في التكاليف الشرعية
قاعدة: "المشقة تجلب التيسير" من القواعد الخمس الكبرى التي تعد من أسس الشريعة في جميع المذاهب[1]، وهذه القواعد هي: 1- الأمور بمقاصدها. 2- اليقين لا يزول بالشك. 3- المشقة تجلب التيسير. 4- الضرر يزال. 5- العادة محكَّمة.
لذا قال العلماء: يتخرج على هذه القاعدة جميع رُخَص الشرع وتخفيفاته؛ ولهذا لا بد من معرفة معنى الرخصة عند الأصوليين، وتطبيقات ذلك عند الفقهاء في الفروع.
الفرع الأول: تعريف الرخصة وإطلاقاتها في عرف الشرع: الرخصة في اللغة: الرخصة، بتسكين الخاء، عبارة عن التيسير والتسهيل، ومنه يقال: رخص السعر، إذا تيسَّر وسهل، وفتح الخاء، عبارة عن الشخص الآخذ بالرخصة، كما قاله الآمدي[2].
الرخصة في الاصطلاح: عرف الأصوليون الرخصة بتعريفات عدة، نذكر منها: 1- تعريف السرخسي: ما استبيح للعذر مع بقاء الدليل المحرم[3]. 2- تعريف النسفي: ما استبيح بعذر مع قيام الدليل المحرم. 3- تعريف الكمال بن الهمام: ما شُرع تخفيفًا لحكم مع اعتبار دليله[4]. 4- تعريف القَرافي: جواز الإقدام على الفعل مع اشتهار المانع منه شرعًا[5]. 5- تعريف الشاطبي: ما شُرع لعذر شاق، استثناءً من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه[6]. 6- تعريف الغزالي: ما وسع للمكلف في فعله لعذر، وعجز عنه مع قيام السبب[7]. 7- تعريف الآمدي: ما شرع من الأحكام لعذر مع قيام السبب المحرم[8]. 8- تعريف البيضاوي: الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر[9].
وبالنظر في هذه التعاريف يتبين أنها متفقة في أمور ثلاثة، هي: أ- أن حكم الرخصة قد شرع ثانيًا، مستثنًى من أصل كلي، هو العزيمة.
ب- أن دليل الحكم الأصلي، وهو العزيمة[10]، ما زال قائمًا، ومعمولًا به في حق غير صاحب العذر.
جـ- وجود العذر المبيح للترخيص.
ويؤخذ على هذه التعاريف ما يلي: أ- تقييد الدليل بالمحرم: وهذا غير جامع؛ لأن الدليل قد يقتضي التحريم؛ كأكل الميتة، وقد يقتضي الوجوب؛ كجواز الفِطر في السفر، وقد يقتضي الندب؛ كترك الجماعة بعذر المرض أو المطر أو نحوهما.
ب- تقييد الرخصة بالجواز؛ كما جاء في تعريف القرافي، وهذا لا يشمل أقسام الرخصة الأخرى، كالرخصة التي يجب فعلها، كمَن غُصَّ بلقمة، ولم يجد ماءً يسيغها به إلا خمرًا، وكالمضطر إلى أكل الميتة.
جـ- تقييد الرخصة بجواز الفعل؛ لأن الرخصة تكون أيضًا بجواز الترك؛ كترك الجماعة لعُذر.
د- لم تجعل التعاريفُ السابقة الرخصةَ في مقابلة العزيمة.
التعريف المختار للرخصة: يمكن أن تعرَّف الرخصة بالتعريف التالي: الحُكم الثابت على خلاف الدليل القائم لعذر شاق.
نستدل على صحة هذا التعريف بما يلي: 1- يبين ماهية الرخصة أصوليًّا، ويحدد العناصر المكونة لها، ويمنع غيرها من الدخول فيها. 2- يميز بين الرخصة والعذر، ويحدد الفرق بينهما. 3- يجعل الرخصة في مقابلة العزيمة.
تحليل مفردات التعريف: • الحكم الثابت: معنى ذلك أن الترخص لا بد له من دليل، وإلا لزم العمل بالدليل السالم عن المعارض، فنبه عليه بذكر الثابت؛ لأنه لو لم يكن لدليل لم يكن ثابتًا، بل الثابت غيره.
• على خلاف الدليل: قيد احتُرِز به عما أباحه الله تعالى من الأكل والشرب وغيرهما، فلا يسمى رخصة؛ لأنه لم يثبت على المنع منه دليل.
وأطلق الدليل ولم يقيد بالمحرم، كما ذهب إلى ذلك جمهور الأصوليين، حتى يشمل ما إذا كان الترخيص بجواز الفعل، خلاف الدليل المقتضي للتحريم؛ كأكل الميتة، وما إذا كان بجواز الترك، إما على خلاف الدليل المقتضي للوجوب؛ كجواز الفطر في السفر، وإما على خلاف الدليل المقتضي للندب؛ كترك الجماعة بعُذر المطر والمرض ونحوهما، فإنه رخصة بلا نزاع[11].
• الدليل القائم: قيام الدليل، بقاؤه معمولًا به، لولا العذر الشاق، وبذلك يخرج عقد السلم[12] والقراض[13]، فلا يسمى هذا كله رخصةً، وإن كانت مستثناة من أصل كلي.
• العذر الشاق: هذا القيد يبين لنا متى يكون الترخص، ومطلق العذر لا يكون سببًا للترخص، بل لا بد أن يكون شاقًّا.


[1] الأستاذ مصطفى الزرقا، المدخل الفقهي، مطبعة طربين، دمشق 1968م، ج2، ص991، والأستاذ الندوي، القواعد الفقهية، الطبعة الثانية، دار القلم، دمشق 1991م، ص100. [2] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ج7، ص40، والفيروز آبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج2، ص304. [3] السرخسي، أصول السرخسي، دار المعرفة، بيروت، ج1، ص117. [4] ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير شرح على تحرير الكمال بن الهمام، دار الكتب العلمية، بيروت، ج2، ص146. [5] القرافي، تنقيح الفصول، دار الفكر للطباعة والنشر، القاهرة، ص85. [6] الشاطبي، الموافقات، مصدر سابق، ج1، ص301. [7] الغزالي، المستصفى، دار العلوم الحديثة، بيروت، ج1، ص98. [8] الآمدي الإحكام، الطبعة الأولى، تحقيق: سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت 1984م، ج1، ص188. [9] البيضاوي، منهاج الوصول في علم الأصول، ومعه شرح الأسنوي والبدخشي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1984: ج1، ص93. [10] العزيمة لغةً: القصد المؤكد، فعلها عزَم من باب ضرب، يقال: عزم عزيمة وعزمًا، اجتهد وجدَّ في أمره، واصطلاحًا: ما شرع من الأحكام الكلية ابتداءً، وخولف لعُذر شاق، وعرفها الغزالي بقوله: ما لزم العباد بإيجاب الله تعالى.
انظر: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج2، ص399، والغزالي المستصفى، مصدر سابق، ج1، ص98. [11] البيضاوي، منهاج الوصول في علم الأصول، مصدر سابق: ج1، ص94، 95. [12] عقد السلم: بيع غير موجود بالذات، بثمن مقبوض في الحال، على أن يوجد الشيء ويسلم للمشتري في أجل معلوم؛ لذا فهو من قبيل بيع المعدوم، وبيع المعدوم باطل، لكن الشرع أجازه بالنص؛ لحاجة الناس إليه. [13] القراض: عقد كان في الجاهلية، وأقره الإسلام استثناءً من الإجارة المجهولة؛ لحاجة الناس إليه، وصفته أن يعطي الرجلُ الرجلَ المال ليتجر به على جزء معلوم، يأخذه العامل من ربح المال بسبب الجُهد الذي قدمه العامل، أي جزء كان مما يتفقان عليه؛ ثلثًا أو ربعًا أو نصفًا.




شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن