أرشيف المقالات

فن التصور

مدة قراءة المادة : 25 دقائق .
2فن التصور
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى صحبه وأزواجه وأبنائه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.   أما بعد: فإن الفنون، وإن كانت تتعاظم شرفًا، وتتنامى فضلاً، والعالم الحاذق ينهل من خزائنها، ويقطف من بساتينها، نهارًا وليلاً، وكلما زاد منها ازداد رشدًا وشوقًا - فإن - ولا مرية والأمر كذلك - فن التصور هو أحد تلك الفنون العظيمة والأصيلة، التي تعظم الحاجة إليها، ويحسن السير عليها، ناهيك عن أنه - أي: التصور - هو أحد أقسام العلم؛ كما قال بعض أهل العلم[1]، بل يمكن أن يقال: إنه اللبِنة الأولى في كل العلوم، والقاعدة الأساسية لكل الفنون، التي يختل البناء من غيرها، ويتهاوى لفقدها، وكيف لا يكون كذلك؟! وهو واسطة عقدها، ورابطة حلها، وقلب حقيقتها، بل به نصيب قطب الشريعة وأساسها، ومتى صلح صلحت النتائج، واستقامت النواتج؛ لأنا نقول: إنما يعرف الحق وتتجلى الحقيقة إذا عُرفت جميع ذاتياتها، والتصور أولها وأساسها.   كما أنه - أي: التصور - يعرف به الصواب من الخطأ، والطيب من الخبيث، والعظيم من الحقير، والنفيس من الخسيس، والخير من الشر، والحلال من الحرام، والحق من الباطل، وبه - كذلك - يطلع على حقائق العلوم ومداركها، ومآخذها وأسرارها، ويمهد لفهمها واستحضارها، ويقتدر به على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل في شتى الفنون، ولا سيما التي ليست بمسطورة، ولا هي بمزبورة، وكذا يعين على معرفة الحوادث والوقائع، وكذا نوازل العصر، التي تتنامى مع الأيام شدة، وعلى مرور الزمان حدة، فعلى سبيل المثال: فإن التصور الطبي للنازلة الطبية - مثلاً - من الأهمية بمكان؛ حتى يتمكن من خلاله أهل الاختصاص من معرفةِ تقبُّل القواعد الشرعية لها؛ جوازًا أو منعًا، وكذا تشخيص الدواء النافع..
إلخ ما هو مقرر ومعلوم، وهكذا دواليك في سائر الفنون.   يقول العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد - وهو يبين أهمية التصور لإحدى المسائل -: "لما كانت الأبحاث متناثرة، والآراء فيها متباينة، أضحى من الضرورة بمكان تصنيفُ القول فيها واقعًا وحكمًا بتصوير الواقعة وأساليبها لما هو معلوم من مبادئ العلم الأولية "الحكم فرع التصور"، وهذا بحكم المفروغ منه"[2].   ولذلك فإن التصور - وكما قدمنا - يعد أحد أهم الفنون الرئيسية، التي تكون سببًا في نضوج العلوم، وترسيخ مناهج البحث، كما أن الأخذ بهذا الفن - التصوُّر - الحقيقي لكل الصور والقضايا والمفاهيم يجعل منه مستوعبًا لها على وجهها الصحيح، ويضمن له انتظام جميع أفراده وأجزائه تحت لوائه، ناهيك عن أنه يتبين منه وبه مصابيح الهدى من الضلال، وأنوار الرشد من الظلام.   فحقٌّ على كل طالب للتحقيق ومتشوق إلى التدقيق أن يحرص على التصور، وينهض بالتصور وأعبائه أتم نهوض، وأن يحكم أسسه وقواعده، ويبذل لتحصيله كل مجهود، ويؤكده بالاستكثار منه؛ لينطلق من أساس متين، بعيدًا عن الغموض، حفاظًا على الأصول جميعها، وإلحاقًا للفروع بها؛ لتنتظم له جزئياته، ثم لترسخ في الذهن - بعد ذلك - مثمرة عليه بفوائد غير مقطوع فضلها ولا ممنوع، كما سيأتي معنا شيء منها هنا.   تعريف التصور: لقد اختلفت عبارات المحققين في ذكر حده وماهيته، ودونك - أيها الأخ القارئ، وأنت أيتها الأخت - شيئًا منها: فقد عرف المناوي[3] التصور بقوله: "التصور حصول صورة الشيء في العقل".   وأما الجرجاني[4] فقال: "التصور حصول صورة الشيء في العقل، وإدراك الماهية[5] من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات".   كما عرف علماء النفس التصور بأنه: "استحضار صورة شيء محسوس في العقل دون التصرف فيه"[6].   وأما المناطقة فيقولون بأن التصور: "إدراك المفرد - أي: معنى الماهية - من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات"[7].   تنبيهات: ولا بد - ونحن في خضم هذا - من التنبيه على جملة من الأمور المهمة والمتعلقة بالتصور، ولا سيما ونحن بصدد تقرير التصور ومعناه، وحدوده وماهيته من جهة، ولأن له متعلقات أخر بجملة من العلوم والفنون، أساء البعض فهمها على الوجه الصحيح من جهة أخرى.   وقد استفدتها من جملة متفرقة من كلام العلماء، وخاصة من كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - فإلى التنبيهات: الأول: وجوب مصاحبة العلم عند التصور، وإلا فهو - كما هو معلوم - وهمٌ وتوهم[8].   الثاني: أن يكون ما يراد تصوره مدركًا، وإلا كان ضربًا من ضروب الظن؛ وذلك لأن الظن يستعمل فيما يدرك وفيما لا يدرك، ولا يكون التصور إلا فيما يدرك، كما هو معلوم[9].   الثالث: أن التصور لا يوصف بعدم المطابقة؛ فإنا إذا رأينا من بعيد - مثلاً - شبحًا، هو حجر أصلاً، وحصل منه في أذهاننا صورة إنسان، فإن تلك الصورة - صورة الإنسان - هي علم تصوري له، والخطأ إنما هو في حكم العقل، بأن هذه الصورة للشبح المرئي إنسان؛ فالتصورات كلها مطابقة له، موجودًا كان أو معدومًا أو حتى ممتنعًا، وعدم المطابقة هو في أحكام العقل المقارن لتلك التصورات، والله أعلم[10].   وأمر آخر - وهو الرابع -: أنه يجب أن يكون ذلك التصور متأخرًا عن التصديق؛ لأن التصور الحقيقي: هو تصور الشيء الذي كان وجوده الأمري مصدقًا به، والطالب له ما الحقيقية؛ ولهذا قالوا: مطلب ما البسيطة مقدمة على مطلب ما الحقيقية[11].   والخامس: أن من الناس من يكون تام التصور؛ فيعلم لزوم الصفة للموصوف بلا دليل، ومنهم من لا يكون تام التصور، فلا يعلم ذلك إلا بدليل[12].   والسادس: أن المناطقة يرون أن العلم: إما تصور وإما تصديق، وأن كلاًّ منهما: إما أن يكون بديهيًّا، وإما أن يكون نظريًّا.   وأن النظري منهما لا بد له من طريق ينال به؛ فالطريق الذي ينال به التصور هو الحد، والطريق الذي ينال به التصديق هو القياس[13].   السابع: أن التحقيق في مسألة تصور حقائق الأشياء وماهيتها، ووجودها في الخارج - كما يقرر شيخ الإسلام[14] وغيره - أمر موجود وثابت في الذهن، لا في الخارج عن الذهن، والمقدر في الأذهان - دومًا - قد يكون أوسعَ من الموجود في الأعيان، وهو وإن كان موجودًا وثابتًا في الذهن، فإنه لا يستلزم أن يكون هو في نفس الأمر لا موجودًا ولا ثابتًا؛ ذلك أن التفريق بين الوجود والثبوت - مع دعوى أن كليهما في الخارج - غلط عظيم، ومثله - وقريب منه - التفريق بين الوجود والماهية مع دعوى أن كليهما في الخارج، وهذه قاعدة مهمة في هذا الباب، ولا سيما في جملة من أبواب العقائد؛ كالصفات مثلاً.   الثامن: أنه ما من تصور إلا وفوقه تصور أتم منه، وأما نحن فلا نتصور شيئًا بجميع لوازمه، حتى لا يشذ عنا منها شيء، وكلما كان التصور لصفات المتصور أكثر كان التصور أتم[15].   التاسع: أن التصور منه ما يكون حقًّا ونافعًا، ومنه ما يكون باطلاً وضارًّا، كما قال بعض أهل العلم، ووجهه أن يقال: إن من التصور ما قد يكون تصورًا للموجود، ومنه ما قد يكون تصورًا للمفقود.   والتحقيق في ذلك - والله أعلم - أنه إن كان هذا التصور مطابقًا للموجود ومحمودًا في القصد، فهو تصوُّر حق ونافع، وإن كان مخالفًا للموجود مذمومًا في القصد، فهو باطل وضار.   وذلك أن الله عز وجل أنزل في كتبه البيِّنات والهدى؛ فكل من تصوَّر الشيء على وجهه، فقد اهتدى إليه، وكل من عرف دليل ثبوته، فقد عرف البينات، وبالتالي فيمكن أن يقال: إن التصوُّر الصحيح: اهتداء، وإن الدليل الذي يُبيِّن التصديق بذلك التصور: بيِّنات[16].   العاشر: أن العلة الغائيَّة[17] - دومًا - متقدِّمة في التصوُّر والإرادة والقصد، وهي متأخرة في الوجود والحصول؛ فالمؤمن يقصد عبادة الله ابتداءً، وهو يعلم أنَّ ذلك لا يحصل إلا بإعانته، فيقول: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5][18].   الحادي عشر: التصور غير التصديق، والتصديق فرع التصور[19].   الثاني عشر: أن التصور الإسلامي - إن صح التعبير - تعرض عبر التاريخ إلى حملات من التشويه والتحريف والمسخ من جملة من أعداء الدين؛ فهو بحاجة إلى أن يصفى من كل ما علق به من هذه الأدران، ولا سيما ما كان منه من علم الكلام والجدل، وهذا لا يكون ولن يكون إلا بالرجوع إلى النبع الصافي: القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، بمنهج السلف الصالح رضي الله عنهم جميعًا، وأن نعلم أن الأصل فيها - ولا سيما الفتوى - حُسن التصور لها أولاً، ثم معرفة الأدلة الشرعية عليها، وحكم الله فيها.   الثالث عشر: لا بد أن يضم إلى صحة التصور: حسن القصد، وهنيئًا لمن وهبه الله عز وجل إيَّاهما؛ ولذلك نرى من العلماء من كان يمدح بعضهم بأنه كان: "صحيح التصور"[20].   الرابع عشر: بين العبد وبين التصور جملةٌ مِن العوائق التي تمنعه من أن يرى أو يدرك الأشياء على ما هي عليه، منها ما هوأصلي؛ كالظلم والجهل، ومنها ما هو طارئ؛ كأمراض الشبهات أو الشهوات، وهي - كما هو معلوم - جماع أمراض القلوب[21]، فإذا أراد الله عز وجل بصاحبها خيرًا جعل فيها ما تزكو به وتصلح؛ من الإرادات والتصورات، وإذا لم يُرِدْ بها ذلك تركها على حالها التي خُلِقت عليها من الجهل والظلم[22].   الخامس عشر: أن مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار؛ فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإيرادات، والإيرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تعطي العدة؛ فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادها بفسادها[23].   السادس عشر: فرق بين الذوق والوجود، وبين التصور والعلم[24].   السابع عشر: المعرفة تشبه التصور، والعلم يشبه التصديق[25].   الشريعة وفن التصور: لقد جاءت الشريعة بمبدأ التصور، وكذا بتقرير الحقائق الأساسية التي يقوم عليها فن التصور الإسلامي الصحيح، وكذا القيم والموازين التي تنبثق من هذا التصور، كما جاءت ببيان بعض المقومات الأساسية للتصور الإسلامي السليم، كل هذا لأن هذا التصور منظِّم لحياة الناس، ومُصلح لأفراد المجتمع الإسلامي، وقد جاء كلُّ هذا بأسلوب جامع مانع، وفريد ماتع.   ومن خلال هذا يظهر لنا أهمية التصور، ويتجلى لنا لماذا نبه عليه الكثير من علمائنا وفقهائنا - رحمهم الله - في مواضع عديدة من كتبهم وكتاباتهم، ورغم أنهم تفرقت بهم في اجتهاداتهم الأنحاء، وتشعبت بهم الطرق، وتعددت الآراء، وتباينت بهم السبل، فإنك تلحَظ - وبجلاء - أن التصور كان هو - وحده - القدر المشترك بينهم في تعاطيهم لكل ذلك على السواء، فكانت تلك المسائل التي ملأت الدنيا كواكبها، وسارت الركبان بمحاسنها، وتجلت للجميع حقائقها.   بل لقد حرَص المحققون من أهل العلم على تحصيله وتقريره، والتدليل عليه، فلكأني بهم يصعدون السماء لأخذ بدره، ويغوصون البحار لاستخرج دُرِّه، فطاول فيه الفراقد، وحاول المعالي، وساروا في مسالك التصور غورًا ونجدًا، وداروا عليه هائمين به وجدًا وصبًّا، وسهروا في طلبه وتحصيله، فجمعوا وأوعوا قاصيًا ودانيًا، ونطقوا فأسمعوا قريبًا ونائيًا، فأصبحوا - باستحقاق وعن جدارة - له حاملين، وبه مؤدبين، وله مؤدين، فضربوا أروع الأمثلة في تعلمه والعمل به، وتدريسه وتعليمه، وتنزيله وتطبيقه على الوجه الصحيح بأتم صورة ممكنة، فعم نفعًا وأفاد وأجدى، فاستبانوا به الطريق، وتجلى لهم الحق.   بل إننا كنا ولا زلنا نراهم رحمهم الله جميعًا يؤكدون - كتابة وسماعًا - ولا سيما المتخصصين منهم في كل الدول الإسلامية على أهميته، وضرورة الحرص على الأخذ به، والعمل على ضوئه، ووفق معطياته، مع مراعاة الضوابط والأصول في كل هذه الأبواب.   ومن هنا هاج شوقي إلى تسطير هذه الكلمات، فأقول - والله أعلم -: إن التصور كان في ذلك الزمن الأول للدولة الإسلامية من أهم ما عُني به، وتواصى به اللاحق عن السابق، بل جعله الملقي - المدرس - دأبه وديدنه الذي يعيده ويبديه، وشوقه الذي يلقنه إلى المتلقي - التلميذ - ويلقيه.   بخلاف ما نراه في الكثير من الدول الإسلامية - اليوم - التي أصبحنا نرى - وللأسف الشديد - منها المقصر والمفرط فيه، والزاهد فيه، وبات هذا الفن قلة آخِذوه، وقليل سالكوه، وبعيد أن تُرى أهلوه، وأضحى هذا الفن - التصور - غير متحقق اليوم في الكثير من صفوف التعليم النظامي، فضلاً عن غيره في الدول الإسلامية، والله المستعان.   ولذلك نرى أنه قد ثبت لنا - يقينًا - أن ثمت فروقًا هائلة بين المتعلمين له - فن التصور - والعاملين به، وبين المعرضين عنه، والمفرطين فيه، فترى كثيرين منهم اختلطت عليهم المفاهيم، وانحرفت بهم الآراء والتصورات، واضطربت بهم الأفكار، وتشعبت بهم القرائح، فخلطوا وخبطوا فيه خبط عشواء، فترى أحدهم يأتي ما يأتي بجهالة، وبغير روية وتبصر، ويخوض في الأمور بغير نظر وتدبر، وكأني بهم يضربون في حديد بارد، ولا سبب في كل هذا إلا جهلهم أو إعراضهم أو تفريطهم في فن التصور.   أهمية التصور: يظهر ويتجلى لنا من كل هذا - بداهة وضرورة - أن التصور من الفنون المهمة، بل والمؤثرة في تحصيل صورة صحيحة، أو رؤية واضحة، وتكوين الفكرة السليمة، والفهم الصحيح للأمر على الحقيقة، بل إنه ينبت لنا براعم الاتجاهات الصحيحة، والتقريرات السليمة، والتقديرات السديدة - تأصيلاً وتفريعًا - العامة منها والخاصة على وجه سواء.   بل إن بالقيام به تبيين مسالك الأنظار، ومدارك المعاقد، وترفل المسائل في أثوابها الحسان، وتزهو أزهارها في أفنانها المختلفة الألوان، وتستظل المعاني وارف ظلالها فتعجز عن وصف جماله اللسان، كل ذلك على وفق المطلوب، كاملة الأسلوب.   ناهيك عن أنه - أي: هذا التصور - يشكل البيئة العلمية الصحيحة، بملامحها البارزة، التي تساعده على سلوك الوجهة الصحيحة، ذات الطابع المتميز ببراعة، وتعود عليه بعد ذلك - عاجلاً أو آجلاً - بمصالح عظيمة، لكنه يحتاج في البداية إلى مِرانٍ وأخذٍ وردٍّ؛ لأنه في النهاية فن، وهذا - في نظري - أنسبُ للسنِّ المبكرة؛ حتى تساعده - بعد - وإلى حد كبير على تنمية مواهبه، وإشراقه ببلاغة وطلاقة متناميَين.   والخلاصة: أن التصور الصحيح وفي ضوء الكتاب والسنة ومعاييرهما هو الذي يعصم من شطحات، ويهدي إلى صراط مستقيم، وهو إلى ذلك سبب للحض من التحلل من القيود، والذي قد يكون في كثير من الصور مهمًّا، ومهمًّا جدًّا.   ناهيك عن أن هذا التصور قد يكون سببًا لأمور أخرى، ولعل من أهمها أنه: • يفيد كثيرًا في تثبيت المعلومات، ويعمل على ترسيخ المكتسبات العلمية، التي يتحصَّل عليها منه.   • خير معين على الاستيعاب، وكذلك يساعد بشكل كبير على التحصيل.   • وهو الطريقة المثلى لحصر الفكرة أو غيرها في مدلول واقعي معين، يساعد المعلم على إدراكه، ويسهل على المتعلم فهمه.   • أثره مفيد ونافع في جذب الانتباه، ويشوق لما بعده.   • يكبح جماح المتعلم؛ حتى لا يكون كمن قيل فيهم[26]: كيف يَطِير وَلَمَّا يُرَيِّشْ؟!   • يلجم الخصم.   • يصنع لصاحبه التعبير المناسب؛ لأن التعبير يتبع التصور، فكلما قوي التصور قوي التعبير، والعكس صحيح، كلما ضعف التصور قصر التعبير، وكذا يعينه على النطق السليم؛ لأن الكتابة فرع النطق، والنطق فرع التصور.   • يكسب صاحبه خبرة واقعية حسية، في التلقي والتعامل، وفي الإيصال، وهذا ما لا يتسنى لأحد بدونه.   • يقلل الجهد، ويوضح المعلومة، ويوفر الكثير من الوقت.   • يساعد في تكوين الأفكار، والتعبير عنها، ولا سيما الأفكار المعنوية والمتجدِّدة.   • يساعد على توحيد الفكرة التي يدور حولها، ويرابط بين أجزائها وما تفرع عنها، بصورة تمنع من تشتُّت الذهن.   • يدفع عن صاحبه الحيرة من أمره، ويسهم في ترتيب الأمور والمسائل بصورة تمنع من تداخلها في الذهن، والتي كثيرًا ما قد تكون سببًا في أن ينسي بعضها بعضًا.   • يسهم وبشكل كبير في تحرير الفروق بين المسائل.   • يعمل على المعالجة لما يطرح بعيدًا عن السطحية والعجلة، اللذين قد يكونان سببًا في حصول جملة من الإشكالات التي تدور في الذهن، دون أن يوجد الجواب عليها.   • يسهم - أيضًا - في تخريج النوازل على قواعدها، وإرجاع الفروع إلى أصولها، وإناطة الأحكام بعللها ومداركها.   • ينتج القول الصحيح، وهو المبنيُّ على الدليل الصريح، والنظر الرجيح.   • يسهم - أيضًا - في معرفة تقبل القواعد الشرعية لها جوازًا أو منعًا.   • يوازن بين مدلول النصوص وبين العقل الصريح؛ ليتبين مطابقة أحدهما للآخر.   إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة والكثيرة، التي نعجز في هذه العجالة عن سبرها وتحصيلها وجمعها، فينبغي - والأمر كذلك - ألا نُغفل، وألا نَغفل عن هذا المبدأ، وأن نعلم أن الواجب اليوم يحتم علينا ضرورة تحفيز المتعلمين عمومًا على بذل الجهد لتحصيله، وإعمال العقل، واستقصاء الأدلة والبراهين، والمفاضلة بين البدائل؛ لاتخاذ القرار المناسب، في جميع التخصصات، وعلى كل الأصعدة؛ ذلك أنه يحتاج إلى ضبط وتحرٍّ في تحريره وتقريره.   وفي الختام: أرجو أن أكون قد وفقت في هذا المجموع، من إبراز أهمية الموضوع، وأخرجه - مع اختصاره غير مقطوع الفضل ولا ممنوع.   والله أسأل أن يزيدني وإياكم في كل يوم علمًا، وأن يعلِّمنا ما ينفعنا، ويرزقنا حسن وصواب العلم والعمل، وأن يتقبلهما مني ومنكم، وأن ينفعني بهما وغيري، وأن يغفر لي ما وقع من خطأ، وأن يدخلني وإياكم الجنة بفضله؛ فإنه لن يدخلها أحد منا بعمله، هذا لو كان له عمل، فكيف ولا عمل لي؟! والله وحده المستعان.



[1] أقول - بكر -: ولعل وجهه والله أعلم أن الناس كثيرًا ما يضطربون في المسائل، ويرجع السبب في ذلك إلى أمرين لا ثالث لهما، كما ذكر جماعة من المحققين ذلك، أو أشاروا إليه: أحدهما: عدم تحصيل التصور وتحقيقِه على الوجه المطلوب. والثاني: عدم إعطاء الأدلة الشرعية حقها؛ فلعله من هنا كانت هذه القسمة. [2] فقه النوازل (1/ 241). [3] التوقيف على مهمات التعاريف (ص 180). [4] التعريفات (ص 83)، وانظر: شرح السلم للملَّوي - مع حاشية الصبان (ص 45). [5] الماهية: هي المقولة في جواب: ما هو؟! ويعبر عنها بأنها جواب ما يقال في السؤال بصيغة: ما هو؟ فتكون الماهية هي الحد، وهي ذات الشيء؛ مجموع الفتاوى (9/256)، وهي تلك الأمور المتصورة، أو ما يرتسم في النفس من حقيقة هذا الموجود، والوجود ما يكون خارجًا عنه أو منه؛ انظر: مجموع الفتاوى (9/98). [6] المعجم الوسيط (ص 528). [7] المعجم الوسيط (ص 528). [8] الفروق اللغوية (ص 126). [9] الفروق اللغوية (ص 342). [10] إجابة السائل شرح بغية الآمل (ص 61) للصنعاني. [11] جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (1/124). [12] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (4/200) لابن تيمية. [13] انظر: الرد على المنطقيين (1/4) لابن تيمية، وتجد هناك مزيدًا من البيان لهذا، وتفنيدًا له، بما لا مثيل له لأحد فيما وقفت عليه. [14] انظر مثلًا: الرد على المنطقيين (1/63). [15] الرد على المنطقيين (1/9). [16] وهذا كالنبوة مثلًا؛ انظر: النبوات (21/46). [17] العلة الغائية: هي ما يوجد الشيء لأجله. [18] انظر: الفتاوى الكبرى (7/378)، مجموع الفتاوى (10/284)، والنبوات (ص 180). [19] بيان تلبيس الجهمية (1/228) لابن تيمية. [20] كما في إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ (5/332)، ورفع الإصر عن قضاة مصر (ص 197) للحافظ ابن حجر. [21] إغاثة اللهفان (1/44) لابن القيم. [22] إغاثة اللهفان (1/77). [23] الفوائد (ص 173) لابن القيم. [24] طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص 440) لابن القيم. [25] مدارج السالكين (2/336). [26] انظر لهذه المقولة: سير أعلام النبلاء (18/191).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن