أرشيف المقالات

من أحكام النذر في الشريعة الاسلامية

مدة قراءة المادة : 19 دقائق .
2من أحكام النذر في الشريعة الاسلامية   المنذور إذا لم يكن قربة: لأن المنذور إذا لم يكن قربة لم يكن عليه فعله بالاتفاق [1].
حكم من نذر لمخلوق: فمن نذر لمخلوق لم ينعقد نذره، ولا وفاء عليه باتفاق العلماء [2].
والنذر للمخلوقات أعظم من الحلف بها فمن نذر لمخلوق لم ينعقد نذره ولا وفاء عليه باتفاق العلماء: مثل من ينذر لميت من الأنبياء والمشايخ وغيرهم كمن ينذر للشيخ جاكير وأبي الوفاء أو المنتظر أو الست نفيسة أو للشيخ رسلان أو غير هؤلاء وكذلك من نذر لغير هؤلاء: زيتاً أو شمعاً أو ستوراً أو نقداً: ذهباً أو دراهم أو غير ذلك: فكل هذه النذور محرمة باتفاق المسلمين ولا يجب؛ بل ولا يجوز الوفاء بها باتفاق المسلمين[3].
نذر السفر لقبر: بل السفر إلى المساجد قد نقل عن بعضهم أنه قال مستحب يجب بالنذر.
وأما السفر إلى القبور لم يقل أحد منهم إنه مستحب، ولا أنه يجب بالنذر.
وكلهم متفقون على أن الذهاب إلى المساجد أفضل من الذهاب إلى القبور؛ فإن زيارة الأنبياء والصالحين حيث كانت مشروعة فلا تشرع في اليوم والليلة خمس مرات، والمسجد مشروع إتيانه في اليوم والليلة خمس مرات، فإتيانه أولى من إتيانها بالإجماع [4].
كما يقول القائل: إن السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين قربة، وإنه إذا نذر السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين أنه يفي بهذا النذر فإن هذا القول لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين، وإن أطلقوا القول بأن السفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قربة، أو قالوا هو قربة مجمع عليها: فهذا حق إذا عرف مرادهم بذلك كما ذكر ذلك القاضي عياض وابن بطال وغيرهما: فمرادهم السفر المشروع إلى مسجده، وما يفعل فيه من العبادة المشروعة التي تسمى زيارة لقبره، ومالك وغيره يكرهون أن تسمى زيارة لقبره، فهذا الإجماع على هذا المعنى صحيح لا ريب فيه [5].
ولو نذر أن يسافر إلى قبر نبي من الأنبياء، أو شيخ من المشايخ، أو مشهده، أو مقامه، أو مسجد غير المساجد الثلاثة لم يكن عليه أن يوفي بنذره باتفاق الأئمة [6].
وأما إذا كان قصده نفس زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا للعبادة في مسجده لم يف بهذا النذر.
نص عليه مالك وغيره من العلماء وليس بين الأئمة في ذلك نزاع [7].
وقد اتفق الأئمة على أنه لو نذر أن يسافر إلى قبره صلوات الله وسلامه عليه، أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين لم يكن عليه أن يوفى بنذره بل ينهى [8].
نذر ما ليس عبادة: ولو نذر ما ليس عبادة كما لو نذرت المرأة صوم أيام الحيض لم يلزم ذلك، ولا يجوز صيام أيام الحيض باتفاق المسلمين.
[9].
من تكلم بنذر بغير قصد: وأيضا فان اللّه شرع الطلاق مبيحا له أو آمرا به أو ملزما له إذا أوقعه صاحبه، وكذلك العتق وكذلك النذر، وهذه العقود من النذر والطلاق والعتاق تقتضي وجوب أشياء على العبد، أو تحريم أشياء عليه، والوجوب والتحريم إنما يلزم العبد إذا قصده، أو قصد سببه فإنه لو جرى على لسانه هذا الكلام بغير قصد لم يلزمه شيء بالاتفاق.
[10].
إذا قال والله لأفعلن ما أوجبه الله علي إن أحبه الله: ولو قال: رجل والله لأفعلن ما أوجب الله علي أو ما يحبه الله لي إن شاء الله ولم يفعل لم يحنث باتفاق الفقهاء.
ولو قال:والله لأفعلن ما أوجب الله علي إن كان الله يحبه ويرضاه حنث إن لم يفعله بلا نزاع نعلمه [11].
إذا نذر الحج والعمرة: واتفقوا على أنه لو نذر الحج أو العمرة لزمه الوفاء بنذره [12].
إذا قال إن فعلته فعلي عتق عبدي: ولهذا قال الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه متابعة لعطاء: إنها إذا أحرمت بالحج فحلف عليها زوجها بالطلاق أنها لا تحج صارت محصرة وجاز لها التحلل؛ لما عليها في ذلك من الضرر الزائد على ضرر الإحصار بالعدو أو القريب منه وهذا ظاهر فيما إذا قال: إن فعلت كذا فعلي أن أطلقك أو أعتق عبيدي؛ فإن هذا في نذر اللجاج والغضب بالاتفاق [13].
بل إذا كان قوله: إن فعلت كذا فعلي أن أعتق رقبة.
وقصد به اليمين لا يلزمه العتق؛ بل يجزئه كفارة يمين ولو قاله على وجه النذر لزمه بالاتفاق فقوله: فعبدي حر أولى ألا يلزمه لأن قصد اليمين إذا منع أن يلزمه الوجوب في الإعتاق والعتق فلأن يمنع لزوم العتق وحده أولى [14].
فهذا مخالف لقوله: إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نصراني، ومالي صدقة، وعبيدي أحرار، ونسائي طوالق، وعلي عشر حجج وصوم.فهذا حالف باتفاق الصحابة والفقهاء وسائر الطوائف [15].
فلو حلف بالفارسية والتركية والهندية والبربرية باسم الله تعالى بتلك اللغة انعقدت يمينه، ووجبت عليه الكفارة إذا حنث باتفاق العلماء، مع أن اليمين بهذه اللغات لم تكن من أيمان المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم [16].
وأما إذا قال: إن فعلته فعلي إذا عتق عبدي فاتفقوا على أنه لا يقع العتق بمجرد الفعل لكن يجب عليه العتق.
[17].
نذر الطاعة: فإذا كان الرجل يطلب من الله حاجة فقال: إن شفى الله مرضي.
أو قضى ديني أو خلصني من هذه الشدة؛ فلله علي أن أتصدق بألف درهم.
أو أصوم شهرا؛ أو أعتق رقبة: فهذا تعليق نذر يجب عليه الوفاء به بالكتاب والسنة والإجماع.
[18].
أصل هذه المسألة - وهو على أهل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى والوصية لأهلها والنذر لهم - أن تلك الأعمال لا بد أن تكون من الطاعات التي يحبها الله ورسوله فإذا كانت منهيا عنها لم يجز الوقف عليها.
ولا اشتراطها في الوقف باتفاق المسلمين وكذلك في النذر ونحوه وهذا متفق عليه بين المسلمين في الوقف والنذر ونحو ذلك ليس فيه نزاع بين العلماء أصلا.
[19].
فإذا كان النذر الذي يجب الوفاء به لا يجب أن يوفى به إلا ما كان طاعة باتفاق الأئمة فلا يجب أن يوفى منه بمباح كما لا يجب أن يوفى منه بمحرم باتفاق العلماء في الصورتين.
[20].
نذر المعصية: وقد اتفق العلماء على أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به.
[21].
فإذا كان الرجل يطلب من الله حاجة فقال: إن شفى الله مرضي.
أو قضى ديني أو خلصني من هذه الشدة؛ فلله علي أن أتصدق بألف درهم.
أو أصوم شهرا؛ أو أعتق رقبة: فهذا تعليق نذر يجب عليه الوفاء به بالكتاب والسنة والإجماع.
[22].
فالأفعال " ثلاثة " إما طاعة وإما معصية وإما مباح.
فإذا حلف ليفعلن مباحا أو ليتركنه فهاهنا الكفارة مشروعة بالإجماع.
وكذلك إذا كان المحلوف عليه فعل مكروه أو ترك مستحب وهو المذكور في قوله تعالى: ﴿ ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ﴾.
وأما إن كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك محرم فهاهنا لا يجوز الوفاء بالاتفاق.
[23].
وإن نذر ما ليس بطاعة مثل النذر لبعض المقابر والمشاهد وغيرها زيتا أو شمعا أو نفقة أو غير ذلك فهذا نذر معصية وهو شبيه من بعض الوجوه بالنذر للأوثان؛ كاللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: فهذا لا يجوز الوفاء به بالاتفاق.[24].   وأما إذا التزم محرما مثل أن يقول: إن فعلت كذا فعلي إهانة المصحف ونحو ذلك فهنا ليس له ذلك باتفاق العلماء.[25].   ولكن النذر لله يجب الوفاء به إذا كان في طاعة، وإذا كان معصية لم يجز الوفاء باتفاق العلماء.
[26].   نذر السفر للمساجد الثلاثة: وأما الأولون فإنهم يحتجون بما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا } وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته والعمل به.
فلو نذر الرجل أن يصلي بمسجد أو بمشهد أو يعتكف فيه أو يسافر إليه غير هذه الثلاثة لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة.[27].   بخلاف ما لو نذر أن يأتي المسجد الحرام لحج، أو عمرة فإن هذا يلزمه بلا نزاع.
[28].   فمن نذر سفرا إلى بقعة ليعظمها غير هذه الثلاثة كالسفر إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى بن عمران أو غار حراء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحنث فيه أو غار ثور الذي قال الله تعالى فيه:﴿ ثاني اثنين إذ هما في الغار ﴾ لم يف بهذا النذر باتفاق الأئمة.[29].   ولهذا لو نذر السفر إلى مسجد قباء لم يوف بنذره عند الأئمة الأربعة وغيرهم، بخلاف المسجد الحرام فإنه يجب الوفاء بالنذر إليه باتفاقهم.
[30].   نذر السفر لقباء: ولهذا لو نذر السفر إلى مسجد قباء لم يوف بنذره عند الأئمة الأربعة وغيرهم.
[31].   حكم النذر للقبور: وقد اتفق الأئمة على أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد على القبور؛ ولا الإعانة على ذلك بوقف ولا غيره؛ ولا النذر لها؛ ولا العكوف عليها؛ ولا فضيلة للصلاة والدعاء فيها على المساجد الخالية عن القبور؛ فإنه يعرف أن هذا خلاف دين الإسلام المعلوم بالاضطرار المتفق عليه بين الأئمة؛ فإنه إن لم يرجع فإنه يستتاب؛ بل قد نص الأئمة المعتبرون على أن بناء المساجد على القبور مثل هذا المشهد ونحوه حرام [32].   النذر لغير الله: وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن ينذر لغير الله، لا لنبي، ولا لغير نبي، وأن هذا النذر شرك لا يوفى به.
[33].   نذر السفر للصلاة بمسجد أو بقعة غير المساجد الثلاثة: بخلاف ما لو نذر أن يأتي المسجد الحرام لحج أو عمرة فإن هذا يلزمه بلا نزاع.
[34].   وأما السفر إلى بقعة غير المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليها إذا نذره.
[35].   ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة ولإجماع الأئمة.
[36].   ولو نذر السفر إلى " قبر الخليل عليه السلام " أو قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى " الطور " الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام أو إلى " جبل حراء " الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه وجاءه الوحي فيه أو الغار المذكور في القرآن وغير ذلك من المقابر والمقامات والمشاهد المضافة إلى بعض الأنبياء والمشايخ أو إلى بعض المغارات أو الجبال: لم يجب الوفاء بهذا النذر باتفاق الأئمة الأربعة فإن السفر إلى هذه المواضع منهي عنه؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد } [37].   التوسل بطاعة الله والإيمان به ومقتضيات الإيمان: أما التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته والصلاة والسلام عليه وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك مما هو من أفعاله وأفعال العباد المأمور بها في حقه فهو مشروع باتفاق [38].   نذر التبرر: وبهذا فرق الجمهور بين " نذر التبرر " و " نذر اللجاج والغضب " قالوا: لأن الأول قصده وجود الشرط والجزاء؛ بخلاف الثاني.
فإذا قال: إن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة.
أو فعبدي حر: لزمه ذلك بالاتفاق[39].   النذر المعلق بشرط إذا قصده عند وجوده: وأما النذر المعلق بالشرط فاتفقوا على أنه إذا كان مقصوده وجود الشرط كقوله: إن شفى الله مريضي أو سلم مالي الغائب فعلى صوم شهر أو الصدقة بمائة: أنه يلزمه [40].   الوفاء بالنذر: وكذلك (النذر) قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عنه) ومع هذا يجب عليه الوفاء به بالنص والإجماع [41].


[1] مجموع الفتاوى:33/200. [2] مجموع الفتاوى:33/123. [3] مجموع الفتاوى:33/123. [4] مجموع الفتاوى: 27/308. [5] مجموع الفتاوى: 27/232. [6] مجموع الفتاوى:33/123. [7] مجموع الفتاوى:33/124. [8] مجموع الفتاوى:1/234. [9] مجموع الفتاوى:33/123. [10] مجموع الفتاوى:35/289. [11] منهاج السنة:3/188. [12] مجموع الفتاوى:35/359. [13] مجموع الفتاوى:35/269. [14] مجموع الفتاوى:33/220. [15] مجموع الفتاوى:33/221. [16] مجموع الفتاوى:34/208. [17] مجموع الفتاوى32/85. [18] مجموع الفتاوى:33/36. [19] مجموع الفتاوى:31/27. [20] مجموع الفتاوى:31/51. [21] مجموع الفتاوى:11/504. [22] مجموع الفتاوى:33/36. [23] مجموع الفتاوى:35/253. [24] مجموع الفتاوى:35/354. [25] مجموع الفتاوى:33/203. [26] مجموع الفتاوى:1/81. [27] مجموع الفتاوى:27/219. [28] مجموع الفتاوى:31/246. [29] مجموع الفتاوى:33/125. [30] مجموع الفتاوى:17/470، وانظر: التفسير الكبير: 7/533. [31] التفسير الكبير: 7/533 . [32] مجموع الفتاوى:31/11. [33] مجموع الفتاوى:1/286. [34] مجموع الفتاوى:31/246. [35] مجموع الفتاوى:27/220. [36] مجموع الفتاوى:27/220. [37] مجموع الفتاوى:27/8. [38] مجموع الفتاوى:1/140. [39] مجموع الفتاوى:33/138-137. [40] مجموع الفتاوى:32/83. [41] مجموع الفتاوى:32/87



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣