أرشيف المقالات

خاطرة: موجة الحرف

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2خاطرة: موجة الحرف
لطالما دندَن كثيرون حول الصِّراعات الدائرة بين أهل الحقِّ والباطل، وأنها - كما هو معلوم - قديمة شأنها، وهي والله أعلم مستمرةٌ إلى قُرب أن يَرث الله عز وجل الأرضَ ومَن عليها.   كما أن هذه الصراعاتِ المشوكة، التي أوعرَت السُّبل، وجابَت الأرض شرقًا وغربًا، المتعددةَ الصور والأشكال، المتباينةَ الأغراض والأهداف - لا تكاد تَفتُر أو تَلين، أو تتوقف أو ترق، حتى تنشب مرة أخرى أقوى مما كانت عليه وأشد، وأحدُ أهمِّ أوجه تلك الصراعات: صراع (الحروف والكلمات).   والمتتبع لهذا الصِّراع - أعني: صراع الحروف والكلمات - عبر التاريخ يعلم ذلك جيدًا، وكيف أنه استُغلَّ أسوأ استغلال من قِبَل الكثيرين، على أنه - والحمد لله - هناك ثلة من الأولين وقليل من الأخرين - بلهَ المعاصرين - لم يَثنِهم ذلك ولم يُحبطهم، بل على العكس من ذلك كان هذا محفزًا ودافعًا قويًّا لهم، جعَلهم يركبون تلك الموجات: (موجة الحرف)، ويذلِّلونها بشتى الوسائل؛ حتى أذعنَت لهم بالانقياد، وأسلسَت لهم القياد، فامتطَوها - وهم أهل لها - وأرسلوا منها حروفًا وكلماتٍ سلَبت الألباب، وأخذَت القلوب، حدَوا فيها من الهوى، وضبطوا الأمور بالموازين الشرعية، وكانت بحق ضربًا من ضروب الجهاد: (جهاد الكلمة)، وسببًا من أعظم الأسباب في نُصرة دين الله عز وجل الحق، وأثَّرت على العديدين - ولا سيما من الخصوم - ولا تزال، واستمالَت الكثيرين في فترة من الفترات بصورة منقطعة النظير؛ حتى أصبحَت آثارها تظهر شيئًا فشيئًا، وتنتشر انتشارًا عجيبًا.   وكان القرَّاء - على اختلاف ألسنتهم وألوانهم - يتلقَّونها بين الفينة والأخرى، وهم يدركون - ولا شك - حاجتهم إليها، ولا سيما مع سموِّ مقاصدها، ونُبل غاياتها، ناهيك عما حوَته من الأساليب المختلفة في التبليغ، والطرق البديعة في التصوير، حتى إنه لعظيمٌ سِحرُها وتأثيرُها، وكبيرٌ نفعُها وأثرها.   استشاط منها غيظًا أعداء الدين وأذنابُهم من أبناء المسلمين؛ فلم يَهنؤوا عيشًا، ولم يألوا جهدًا، في أن يَرموها مجتمعين بسهام النقد والتشويه؛ لأنهم يعلمون أنها تشكِّل خطرًا كبيرًا عليهم، وما هذه الحملات في الإعلام اليوم إلا أكبرُ دليل وشاهدٍ على صِدق ما نَقول، والتأكيد عليه، كما أنه يتَّضح منها - أعني: تلك الحملات - قوةُ تلك الموجة (موجة الحرف) التي يُرسلونها من أقلامهم، ومدى تأثيرها ودويِّها، والحمد لله وحده.   إن (موجة الحرف) تفوق الكثيرَ من تلك الأسلحة التي يمتلكونها، ومصداق ذلك أن النتيجة التي تحقِّقها الموجات المتدفقة من (موجة الحرف) والثمرات التي تُجنى منها، لا تكاد تَخطر على بال أحد، أو حتى تَدور بخلَده! اللهمَّ إلا مَن عرَف قيمتها، وأدرك قدرتها على ذلك مِن أرباب القلم، وعشاق الحرف.   وقد أردتُ بهذا أن تكون لي يدٌ في شَحذ هِمَم أولئك الرجال، من أرباب الحروف والكلمات، وأهل هذا الفن، وتذكيرهم بأنَّ هناك دومًا في مكانٍ ما أفئدةً عَطشى، ونفوسًا غَرثى، تنتظر ما يقدمونه، وتتَلمَّس ما يكتبونه، وثمَّت الكثيرين ممن يترقبونه، ويسعدون به، ويتابعون جديده، ويَشْدون بقديمه، وأنه لا يَضيع ولن يَضيع بإذن الله، وبفضلٍ منه عز وجل ما يقدِّمونه، فنسأل الله عز وجل أن يُجزل لهم الأجر والمثوبة، وأن يجعل ذلك في مَوازين حسناتهم.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢