أرشيف المقالات

أعراس بغير نكهة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2أعراس بغير نكهة
لا يكفي التعليق ليَشفي غيظَ قلبي وحزني مِن ملامح أفكار جرَّدتْ كل محبٍّ للأمَّة الإسلامية مِن حلَّة الحلم الجميل، وهو يرى الأمور بغير ضوابطها، ومهرجانات بغير مواعيدها، وطبولاً تُقرَع بغير عقل يَفهم قيمة الإيقاع عليها، موسيقا تعزف، وترحاب طويل التعابير بوفودٍ تأتي مِن كل صوب لتشاركَ في أعراسٍ وحفلات باسم الثقافة العربيَّة؛ فبأيِّ ثقافة يَحتفِلون؟ وبأيِّ مَزامير يَعزفون فرَحًا مُفبرَكًا، والأمة العربية تَنزِف الدماء كلَّ يوم؟ هل ما ينقصنا هو الزهو واللهو والمرح وقَضايانا المصيرية مُعلَّقة على مشجب التناسي والغَفلة؟ أهكذا نكتُب أسماء الفِكر والثقافة على جبينِ كلِّ محبٍّ لوطنِه، ويَثور أَنَفَةً وفخرًا لانتصار أمته في يوم من الأيام، لمَ يشارك هؤلاء العازفون صناعة الهَوان، ثم يُنسَب الاسم لدول عربية؟!   لا أُخفي أني بحاجة إلى ترفيهٍ وفرح عميق المدى لقلبي، لكني أريده بمناسبة تَنفض عني وعنكم هَوان سنين طوال اجتاح فيها الرصاص مُدنًا وقرى وأوطانًا، ومزَّق الرصاص في جولتها أكبادًا عشقتْ فلذاتٍ وأشجارًا وأنهارًا، لا أخفي عنكم أني أتوق لفرح حقيقي أعزف له أنا الأخرى أحلى الأناشيد احتفاءً بعيد النصر، لا أُخفي عليكم أنَّ قلمي عطشان لأنْ يكتب عن سيرة أبطال جدد سيدخلون التاريخ من أبوابه الواسِعة؛ ليسَع نجومًا لامِعة تُدافع عن المبادئ والقيَم، ورفعةً للموقف.   أنا أتمنَّى، وأتمنى زيادة، ولكن أرجوه تمنيًا بمُناسبةٍ حقيقيَّة، أرى فيها تغييرًا جذريًّا يُدخِل السرور إلى القلوب التي احترقَت على شهدائها؛ بسبب ثورات ربيع عربيٍّ كان في حقيقتِه شتاءً قارسًا لم يُدفئ أحدًا ممن عانوا ويلات بردِه، كانت هي الخَسارة مَن صنعَت الحدث، وجدَّدتْ مناصبَ تَنوب عن سابقاتها، وبنفس وتيرة اللا حدث.   أحتار حينما أرى مشاهدَ مِن العرْي والغناء والسمر، وكأن القدس نالتْ شرف العُروبة كلها، بل شرف الإسلام كله، أو كأنَّ الأوطان التي سكَن فيها الألم لم تعدْ تشتكي لا من صداع رأس ولا من إنفلونزا التغيُّرات الواقعة في منطقة الشرق الأوسط!   أحتار ولحيرتي ألتزم الصمت لأكتم آهات القلق، ثم ما يُفيدني التوتُّر وكل شيء يبدو لائقًا تحت أضواء الاحتفال ورنة الموسيقا الصادحة لحنًا وعزفًا ونوتات؟ ربما اقترب آخر الزمان لبداية نهايته، ولستُ أعلم أنها المقدِّمات التي تُسدِل ستار الحقيقَةِ المسكوت عنها عقودًا طويلة.   أحتار ويلفُّني السؤال ليعقد عقدًا على لساني حتى لا أعبِّر عما يضيق به صدري، لكنها القناعة مَن تُلحُّ عليَّ أن شيئًا ما غائب، بل يشكو الهمَّ لوحدِه تحت قصف القنابل وهدم البيوت، ألم يكن من الأفضل جَمْع تلك الأموال الطائلة وصرفها في مساعي تسديد الحقوق المفروضة علينا كدول جِوار لنُساعد مَن كفُّوا أيديهم عن السؤال؛ لأنَّ اليأس سكن قلوبهم وللأبد؟!   لِمَ لَمْ يكن الأفضل أن يُصنع أسطول به قوامة حربيَّة عريقة تَجمع كل القوامات العربية لتوحِّد الرأي والقرار والكلمة أن القِبلة المُختارة هي تَحرير الأقصى، وبعدها تُعزف ألحانُ النَّصر على وقع محرِّريها الأشاوس، ويُصبح لكل مقامٍ مقالٌ، ولكلِّ مناسبة عرسٌ وعيدٌ يُخلِّد الذِّكرى؟! أما أن تُنفَق أموال باسم الثقافة والفِكر والاستِثمار، واجتِماعات هنا وهناك، وكلام مِن هنا، وعبارات يقذف بها مِن هُناك، أظنُّها إضاعة للوقت ليس إلا، وحَرِيٌّ أن يُعادَ ضبطُ الرغبات وفق ما تمرُّ به الأمةُ العربية والإسلامية مِن أزمات، فتُصبِح الثقافة رثاءً للشُّهداء، ويُصبح الفكر حدادًا للمَفقودين، ليتحوَّل صنيعُهما مِن شدة الألم والمعاناة إلى إبداع حقيقيٍّ يَصنعُه الخلاصُ الأكيد؛ وهو تحريرُ الأوطان المتصارعة مِن فِتَن التشتُّت والتفرُّق والاستغلال الواضح لخيراتها بما يُوافق مصالح الطامعين، أما أن نحتفل ونقيم أعراسًا ومحافلَ واللبُّ غائب أو موجود، ولكن مرٌّ طعمه - فأظنه تأكيدًا على أن الهوان مستمرٌّ إلى أن يكتبَ الله الخلاص لهذه الأوطان الجريحة حينما لم تُنصِفْها أيادٍ تُقلِّب الصفحة تلو الأخرى، لتكتب المزيد من الحقائق والصور الناقلة لمعاناةِ من تألَّموا وما زالوا يُحاكمون الزمن أنَّ الغدر نال منهم حتى تغلغلَ الخَوف والخوَرُ إلى قلوبٍ طالَما صبرَت واحتسبت، وما زالت.   نصيحة: أنصحكم أن تكفُّوا عنا مزاميركم في أيِّ مكان عزفت على سطح المعمورة، ونصيحة أن تختموا أعراسكم إلى حين يُستشعر بالنكهة الحقيقية، وهي نكهة النصر والتحرير الأكيد لكل بلد محتلٍّ.   ونصيحة أخرى لكل قلم يَكتب دفاعًا عن أي قضية باسم الدفاع عن حقوق الإنسان: أن يلتزم هذا القلم بوعده أمام الله، إن لم يكن فيه تحصيل لمساعي هذا القلم فثمَّة خلل ما أكيد، ربما في نوعية القلم، وربما في صاحب القلم، ولمَ لا؟ وربما في الصفحات المكتوب عليها!   نحن بحاجة إلى الإخلاص في كل شيء، حتى في قطرة المداد التي تقطر لتخطَّ لها حرفًا من حقيقة، ففضلاً صفُّوا مداد أقلامكم ليكتب لكم التوفيق، وقبل ذلك وحِّدوا محبَّتكم في الله، يتبعها صرح مجيد، واصرِفوا أموال الدول فيما يُعيد للأمَّة الإسلامية صرحها ونهضتها وحضارتها، بعيدًا عن الزَّيف والترقيع في تغطية الواقع المؤلم.   نحن بحاجة اليوم إلى صفاء القلوب أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، حتى يُستجاب لدعائنا، ويرفع الغبن عن أوطاننا، نحن بحاجة لأن نُعيد النظرَ في توجهاتنا وأفكارنا، ربما هي مُشتَّتة في المكسب، ولا تليق برهانات العصر، أو ربما الفكرة اليوم في طياتها ليست نفسها فكرة الأمس، حتى لو كان العقل المفكر هو نفسه، إنها أمزجة السلوك التي تغيَّرت بدافع السعي نحو الفوز السريع، وبذاتية ماجِنة أفسدت نية الجماعة والشمل والوحدة.   رجاءً كفُّوا عنا أعراسَكم إلى حين تحرير القدس، وحينها تُقرَع طبول الحرية من غير حاجة لترتيبات أو محافل أو مهرجانات؛ لأنَّ النصرَ كفيل أن يصنع من دموع الفرح أسطورة تاريخيَّة لن تُنافسها دول بأساطيلها الحربية ومدرعاتها القوية؛ لأنَّ دموع الصدق وحسن الظن بالله تقلب موازينَ حُسب لها ألف حساب، فتتوج حضارات كان يظن أنها وُئِدَتْ تحت تراب النِّسيان واللا مبالاة، والجهل كل الجهل أن يظن ضعفًا بعملاق نائم من الأحزان، أو سكت توليًا من المواجهة، فلو انتفَض وثار كان أسرع لإحداث المُفاجأة من أول ركلة قدم له على غبار التحدي، هو الوقت فقط من يأخذ له متنفَّسًا ونفسًا طويلاً إلى حين يفتتح عرس الإنجاز ليليَه عرسُ التتويج بوسام الشرف، شرف الأمة الإسلامية جمعاء، فقط صونوا الوديعة وكونوا على قدر أهل العزم لتأتي المكارم، ولا تَخذلوا فينا أملاً ساكنًا في قلوبنا نكتمه لحين يتحقَّق الوعد، وبإذن الله هو مُتحقِّق.   فقط لا تخذلونا بأعراسكم بغير نكهة، نحن نُجيد ترتيب أعراس الشرف، فقط ننتظر الفرصة الثمينة، والكل مدعوٌّ وبغير دعوة؛ لأنكم مُسلمون وكلكم معنيُّون بالحضور؛ لأنَّ مأدبة الفرح ستُقام على شرف فلسطين الحبيبة، ومَن منكم لا يُحبُّ حضور عرسِ النَّصر في باحة المسجد الأقصى؟



شارك الخبر

المرئيات-١