أرشيف المقالات

فوائد وأحكام من قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين...}

مدة قراءة المادة : 27 دقائق .
فوائد وأحكام من قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ...

 
من قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:282، 283].
 
الفوائـد والأحكـام:
1- تصدير الخطاب للمؤمنين بالنداء للتنبيه والعناية والاهتمام بما تضمنته هاتان الآيتان العظيمتان من أحكام.
 
2- نداء المؤمنين بوصف الإيمان تكريم وتشريف لهم.
 
3- في نداء المؤمنين بوصف الإيمان حث على الاتصاف بهذا الوصف، وتعظيم لما ذكر بعده من أحكام، وأن امتثال تلك الأحكام من مقتضيات الإيمان، وعدم امتثالها يعد نقصًا في الإيمان.
 
4- جواز التعامل بالدين، سواء كان هذا الدين ثمن مبيع أو أجرة، أو سَلَمًا، وهو تعجيل الثمن وتأخير المثمن، أو غير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ﴾.
 
5- أن الجائز من الدين ما كان إلى أجل مسمى، أي: معلوم محدد؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ كشهر أو سنة أو غير ذلك، فإن كان الأجل مجهولًا غير محدد لم يصح؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾.
 
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»[1].
 
فإن كان الدين إلى غير أجل، أي: لم ينقد الثمن في الحال فهو واجب منذ العقد، وللدائن المطالبة به منذ العقد.
 
6- وجوب كتابة الدين المؤجل إلى أجل مسمى؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاكْتُبُوهُ﴾، والأصل في الأمر الوجوب، ويقوي هذا قوله تعالى في آخر الآية: ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم.
 
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن كتابة الدين مستحبة، وليست بواجبة، وحملوا الأمر في الآية على الاستحباب، بدليل قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: 283].
 
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ابتاع بلا كتابة ولا إشهاد كما في حديث خزيمة بن ثابت عن عمه رضي الله عنه[2].
 
وعللوا ذلك أيضًا بمشقة الكتابة على كل متداينين.
وهذا القول أرفق، والأول أحوط، وأسلم عاقبة.
 
ولهذا فالأولى كتابة الدين لمن تمكن من ذلك، تفاديًا لما قد يترتب على عدم الكتابة من النسيان، أو الإنكار، أو النزاع والاختلاف، حول الدين أو قدره أو أجله، وغير ذلك، لكن إذا كان الدين في أموال الغير مما للإنسان عليه ولاية أو وكالة، كمال اليتيم، أو غير ذلك وجبت كتابته.
 
7- وجوب حضور كل من الدائن والمدين، عند كتابة الدين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ ﴾.
 
8- يجب أن يكون الكاتب بين المتداينين عدلًا، معروفًا بالعدل، عارفًا به، يكتب بالعدل المطابق للواقع، الموافق للشرع، من غير ميل لأحدهما؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾.
 
9- أنه يجوز أن يتولى كتابة الدين أيُّ كاتب، إذا كان عدلًا؛ لقوله تعالى: ﴿ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾ بتنكير «كاتب» أي: أيُّ كاتب، ولا يشترط كاتب بعينه.
 
10- ظاهر الآية أن الكاتب لا يكون أحد المتعاقدين؛ لقوله: ﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ ﴾ لكن لو تراضيا أن يكتب أحدهما، وبخاصة الذي عليه الحق صح ذلك؛ لأن ذلك بمثابة الاعتراف منه والإقرار على نفسه.
 
11- ينبغي لمن منّ الله عليه، فعلمه الكتابة وصنعتها، والعلم الشرعي فيها أن لا يمتنع عن الكتابة لمن يحتاج إليها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ﴾.
 
12- أن من شكر نعمة الله- عز وجل- على من علمه الله الكتابة أن يكتب لمن يحتاج إليها؛ لقوله تعالى: ﴿ كَمَا عَلَّمَهُ الله ﴾ أي: لتعليم الله إياه، وهذا على اعتبار أن الكاف للتعليل.
وفي الحديث: «ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»[3].
 
13- نعمة الله- عز وجل- على عباده بتعليمهم الكتابة، وما ينفعهم من العلوم في أمر دينهم ودنياهم؛ لقوله تعالى: ﴿ كَمَا عَلَّمَهُ الله ﴾، كما قال تعالى: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5].
 
14- يجب على الكاتب أن يكتب وفق ما علمه الله من الشرع، ومن حسن الكتابة؛ لقوله تعالى: ﴿ كَمَا عَلَّمَهُ الله ﴾ وهذا على اعتبار الكاف للتشبيه، أي: كالذي علمه الله.
 
15- أن الذي ينبغي أن يملي على الكاتب هو المدين الذي عليه الحق، لا الدائن؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ﴾.
 
16- أن الكاتب مطالب بأمرين؛ الأول: أن يكتب كما علمه الله من حيث الشرع، وحسن الكتابة.
والأمر الثاني: أن يكتب حسب ما يملي عليه الذي عليه الحق وهو المدين، من مقدار الدين وتاريخه وعوضه وأجله وغير ذلك.
 
17- أن القول في مقدار الدين، وصفته وشروطه وغير ذلك مما يتعلق به هو قول المملي الذي عليه الحق؛ لأنه المقر به الملتزم له؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ﴾.
 
18- أن الإقرار من أعظم الطرق التي تثبت بها الحقوق؛ لأن ما يمليه المدين إقرار منه واعتراف بالحق الذي عليه.
 
19- يجب على المدين الذي عليه الحق أن يتقي الله ربه، فلا يملي إلا حقًا، ولا يقول إلا صدقًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾.
 
20- في إرداف قوله تعالى: ﴿ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ ﴾ بقوله: ﴿ رَبَّهُ ﴾ إثبات الربوبية الخاصة للمؤمنين، وتذكير للمملي بألوهية الله- عز وجل- وربوبيته له، وجمع له بين الترغيب والترهيب، أي: وليتق الله المعبود العظيم ﴿ رَبَّهُ ﴾ خالقه ومالكه ومدبره، والمنعم عليه بسائر النعم.
ومثل هذا قوله- عز وجل- للمؤتمن في الآية التي بعد هذه الآية: ﴿ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾.
 
21- لا يجوز للمدين أن ينقص مما عليه من الدين شيئًا أيًّا كان، مهما قل، لا في قدره، ولا في وصفه، ولا في شروطه وقيوده، أو غير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾.
 
22- ثبوت الولاية على من لا يحسن التصرف لسفه، أو صغر أو جنون، أو نحو ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾.
 
23- إذا كان الذي عليه الحق سفيهًا لا يحسن التصرف، أو ضعيفًا لصغر، أو كبر، أو مرض، أو جنون أو لا يستطيع الإملال لخرس ونحوه وجب على وليه أن يملل عنه بالعدل، من غير محاباة بزيادة أو نقصان أو غير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾.
 
24- تفصيل القرآن الكريم فيما يحتاج إلى تفصيل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ ﴾.
 
وهذه الحالات الثلاث هي حالات القصور التي يحتاج معها الشخص إلى ولي، وهي: إما كونه سفيهًا لا يحسن التصرف، أو ضعيفًا في بدنه لصغر أو كبر أو مرض، أو في عقله لجنون ونحوه، أو لا يقدر على الإملاء لخرس ونحوه.
 
25- قبول قول الولي فيما يقر به على موليه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ ﴾ ما لم يظهر منه محاباة وميل عن العدل إلى الظلم فلا يقبل؛ لقوله تعالى: ﴿ بِالْعَدْلِ ﴾.
 
26- قبول قول الأمين؛ لأنه إذا كان ولي القاصرين يقوم مقامهم، وتقبل اعترافاته عليهم، فالذي ولاه الشخص وائتمنه بنفسه أولى بالقبول.
 
27- مشروعية الإشهاد على الدين مع الكتابة لزيادة التوثيق؛ لقوله: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا ﴾، وأكثر أهل العلم على أن الأمر للإرشاد والندب، وقال بعضهم بوجوب الإشهاد.
 
28- لابد في الشهادة على الدين ونحوه، من شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين من المؤمنين العدول الأحرار؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ﴾.
 
وهذا أكمل وأوثق، ولا ينافي هذا أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين[4].
 
29- أن شهادة الرجلين أولى من شهادة رجل وامرأتين، لتقديم شهادة الرجلين في الآية.
 
30- تفضيل الرجال على النساء في الشهادة- من حيث العموم- حيث جعلت شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد- وذلك لما ميز الله به الرجال- من حيث العموم- على النساء من كمال العقل والدين وقوة الحفظ والضبط.
 
31- جواز شهادة النساء في الأموال ونحوها إلا في الحدود للاحتياط فيها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 15]، وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 4] وقوله تعالى: ﴿ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النور: 13].
 
32- يشترط كون الشهداء عدولًا مرضيين عند المشهود له والمشهود عليه وعند عامة المؤمنين؛ لقوله تعالى: ﴿ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ﴾.
 
33- بيان الحكمة في جعل شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، وهو نقصان عقلها، وضعف حفظها وضبطها، وكمال عقل الرجل وقوة حفظه وضبطه، فالمرأة عرضة للنسيان أكثر من الرجل، من حيث العموم.
 
34- جواز شهادة الإنسان إذا كان قد نسي الشهادة، ثم ذُكّر فيها فذكر؛ لقوله تعالى: ﴿ فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ ومن باب أولى إذا ذكرها بدون تذكير.
 
35- إذا نسي الشاهد الشهادة ثم ذُكِّر بها فلم يَذْكُر لم يجز له أن يشهد تقليدًا لمن ذَكَّره؛ لقوله تعالى: ﴿ فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾؛ أي: فتذكر إحداهما الأخرى فتَذْكر.
 
36- لابد أن تكون الشهادة عن علم ويقين، فمتى شك في الشهادة لم يجز له أن يشهد، وإن غلب ذلك على ظنه.
 
37- تحريم الامتناع من الشهادة تحملًا وأداء ممن دعي إليها؛ لما في ذلك من ضياع الحقوق؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾.
 
أما أداء الشهادة بعد تحملها فوجوبه متأكد لتعينه على الشاهد، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283].
 
وكذا الحكم إذا كان عنده شهادة لم يُعلم بها ولم يُدع إليها، وعرف أن حق أخيه سيضيع إذا لم يؤدها، قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ [الطلاق: 2]، وقال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86].
 
وقال صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا»[5].
 
وأما تحمل الشهادة فظاهر الآية يدل على وجوبه على من طلب منه ذلك، وقال كثير من أهل العلم: إنه فرض كفاية.
 
38- أن الشاهد ينبغي أن يأتي هو إذا دعي إلى الشهادة، لا أن يؤتى إليه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذَا مَا دُعُوا ﴾ وقد قيل في المثل: «في بيته يؤتى الحكم».
 
39- التأكيد على مشروعية كتابة الدين إلى أجله، والنهي عن السأم من كتابته، مهما كان الدين صغيرًا أو كبيرًا؛ لما في ذلك من حفظ الحقوق، والاحتراز من الاختلاف والنزاع؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ﴾.
 
40- أن ما أمر الله به في الآية من كتاب الدين والإشهاد عليه على الصفة المذكورة في الآية، والعدل في ذلك، وغير ذلك من التوجيهات هو أعدل عند الله- عز وجل- وفي حكمه؛ لما فيه من حفظ الحقوق لأصحابها، وأقوم للشهادة، وأضبط لها وأكمل، وأحفظ من النسيان، وأقرب للسلامة من الريب والشك في الدَّين أو قدره أو أجله، أو غير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾.
 
41- حرص الإسلام على النأي بالمسلمين عن كل ما يؤدي إلى الشك والارتياب، والاحتراز من ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾.
 
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم للصحابيين لما مرا به وأسرعا، وهو يقلب صفية إلى بيتها: «على رسلكما إنها صفية»[6].
 
42- العمل بالكتابة واعتمادها حجة شرعية؛ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾.
 
ويؤيد هذا ما جاء في حديث عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من امرئ مسلم يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»[7].
 
43- إباحة التجارة والمعاوضات الشرعية التي تطلب بها الأرباح كالبيع والشراء والإجارة، وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً ﴾ بل إن ذلك مطلوب شرعًا، وقد يجب لإعفاف المرء نفسه وأهله عن مذلة السؤال.
 
44- أن الدَّين تجارة غير حاضرة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً ﴾، فهذا استثناء مما قبله يدل على أن الدين تجارة لكنها غير حاضرة.
 
45- لا حرج في عدم كتابة التجارة الحاضرة، والبيع الناجز ونحوه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ﴾ وذلك؛ لأنه لا يترتب على ذلك محذور.
 
46- الأمر بالإشهاد حين البيع؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾، وأكثر أهل العلم على أن الأمر للإرشاد والندب، وذهب بعضهم إلى أن الإشهاد واجب بناءً على أن الأصل في الأمر الوجوب.
 
والراجح أن الإشهاد مستحب ومندوب إليه، ولهذا قال في آخر الآية: ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾.
 
وثبت في حديث عمارة بن خزيمة عن عمه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي ولم يشهد[8].
 
وأيضًا فإن في الإشهاد على كل بيع من المشقة والحرج على الناس ما لا يخفى.
لكن الإشهاد بلا شك أحوط وأضبط ويتأكد في صفقات البيع الكبيرة، وقد يجب، وكذا في التصرف للغير كالوكيل والولي.
 
47- تحريم المضارة للكاتب والشهيد، كأن يدعيا في وقت أو حالة تضرهما، أو ينسب إليهما ما لم يحصل منهما، أو غير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾ بالبناء للمفعول؛ لأنهما محسنان وما على المحسنين من سبيل، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
 
48- لا يجوز أن يضار كاتب فيكتب خلاف ما يُملى عليه وخلاف الحق، ونحو ذلك، ولا يجوز أن يضار شهيد فيشهد بخلاف ما رأى وسمع، أو يكتم الشهادة ونحو ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾ على البناء للفاعل.
 
49- أن المضارة للكاتب والشهيد، والمضارة منهما من الفسوق والخروج عن طاعة ﷲ تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾.
 
50- أن الفسوق يطلق على ما دون الكفر المخرج من الملة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾ والمضارة دون الكفر.
 
51- وجوب تقوى الله- عز وجل- بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾.
 
52- أن من اتقى الله علمه الله ما ينفعه في أمر دينه ودنياه وجعل له نورًا يفرق به بين الحق والباطل والخير والشر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ ﴾ [الأنفال: 29].
 
53- أن الأصل في الإنسان الجهل، وعدم العلم إلا بتعليم الله له؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].
 
54- إثبات علم الله- عز وجل- الواسع المحيط بكل شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
 
55- أن السفر مظنة عدم وجود الكاتب، ويتجوز فيه ما لا يتجوز في الحضر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾.
 
56- إذا كان المتداينون في السفر، ولم يجدوا كاتبًا شرع لهم توثيق حقوقهم بالرهان المقبوضة.
 
57- مشروعية الرهن؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾، وهو مشروع في الحضر والسفر، مع وجود الكاتب وعدمه.
 
وإنما خص في الآية حال السفر وعدم وجود الكاتب؛ لأن السفر مظنة عدم وجود الكاتب.
 
«وقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، بثلاثين صاعًا من شعير»[9].
 
58- أن الكتابة أولى من الرهن؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾.
 
59- ظاهر الآية ﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ لزوم قبض الرهن، لأن «مقبوضة» صفة لـ«رهان» ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن قبض الرهن شرط لصحته.
 
وذهب بعضهم إلى أن قبض الرهن شرط للزومه، لا لصحته، بمعنى أن الرهن صحيح وإن لم يقبض لكنه لا يلزم فللراهن التصرف فيه ما لم يقبضه المرتهن.
 
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الرهن لازم صحيح بمجرد عقده، وإن لم يقبض، وليس من شرط لزومه؛ ولا من شرط صحته أن يقبض، والتقييد في الآية بقوله: «مقبوضة» لبيان أن التوثيق التام بالرهن يحصل بقبضه، وبخاصة إذا كان العقد في السفر، وليس ثمة كاتب.
 
60- استدل بعض أهل العلم بقوله تعالى: ﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ أنه إذا اختلف الراهن والمرتهن فالقول قول المرتهن.
 
61- إذا ائتمن الطرفان بعضهم بعضًا بلا رهن ولا إشهاد ولا كتابة جاز ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾.
 
وهذه الآية مخصصة لما سبقها من الأمر بالكتابة والإشهاد، والتوثيق بالرهن، ودليل لمن ذهب إلى الاستحباب.
 
62- وجوب أداء الأمانة على من ائتمن، أداءً لحق الله وامتثالًا لأمره، ووفاءً بحق صاحبه الذي ائتمنه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾.
 
63- يجب على من ائتمنه الناس أن يتقي الله ربه، ويكون عند حسن ظن الناس به، وعليه أن لا يغتر بذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾.
 
ولله در الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال له أحد الرعية: «اتق الله» قال: «لا خير فيكم إذا لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم»[10].
 
64- إثبات اسمين من أسمائه- عز وجل- وهما «الله» و«الرب» وأن له- عز وجل- كمال الألوهية والربوبية؛ لقوله- عز وجل- ﴿ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾.
 
65- تحريم كتمان الشهادة وإخفائها أو التغيير فيها، وعظم ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾، وإذا أثم القلب أثمت الجوارح كلها.
 
66- في وصف كاتم الشهادة بأنه آثم قلبه- وهذه عقوبة خاصة- دليل على خطورة كتمان الشهادة، وأن ذلك من الكبائر، وقد قال ﷲ تعالى: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140].
 
67- إثبات علم الله- عز وجل- وإحاطته بكل أعمال الخلق، قبل أن يعملوها وبعده؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾.
 
وفي هذا وعد لمن امتثل أمر الله، ووعيد لمن خالفه، لأن مقتضى علمه- عز وجل- بأعمال العباد أن يحاسبهم ويجازيهم عليها.
 
كما أن فيه ردًا على القدرية الذين ينفون علم الله- عز وجل- بأفعال العباد، ويقولون: لا يعلمها حتى تقع تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
 
68- عناية الشرع المطهر بحفظ الأموال وتنميتها وتوثيقها بالكتابة والإشهاد والرهن وغير ذلك، وبما يصلح الناس في أمر معاشهم وحفظ الحقوق والعدل بينهم والقضاء على أسباب المنازعات.
مع عنايته في أمر معادهم في منظومة متكاملة تثبت أن الدين الإسلامي هو الدين الصالح، لكل زمان، ولكل مكان، ولكل أمة، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38]، وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3].

[1] سبق تخريجه.

[2] سبق تخريجه.

[3] أخرجه البخاري في المظالم (2442)، ومسلم في البر (2580)، وأبو داود في الأدب (4893)، والترمذي في الحدود (1426)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[4] أخرجه مسلم في الأقضية (1712)، وأبو داود في الأقضية (3608)، وابن ماجه في الأحكام (2370)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[5] أخرجه البخاري في المظالم (2443)، والترمذي في الفتن (2255)، من حديث أنس رضي الله عنه.

[6] أخرجه البخاري في الاعتكاف (2035)، ومسلم في السلام (2175)، وأبو داود في الصوم (2470)، وابن ماجه في الصيام (1779)، من حديث صفية رضي الله عنها.

[7] سبق تخريجه.

[8] سبق تخريجه.

[9] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (2916)، ومسلم في المساقاة (1603)، والنسائي في البيوع (4609)، وابن ماجه في الأحكام (2436)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

[10] انظر: «الفقه الإسلامي وأدلته» (8/ 332).

شارك الخبر

المرئيات-١