أرشيف المقالات

يوم الامتحان يكرم المرء ولا يهان

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2يوم الامتحان يكرم المرء ولا يهان
إنَّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفِره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعَه بإحسان إلى يوم الدين.   أيها الطالب الحبيب، اعلم أنك إذا اتَّبعت المنهج الراشد في الامتحان فلن تَخاف ظلمًا ولا هضمًا، وسوف يُوفِّقك الله تَعالى لمراضيه.   والمنهج الراشد هو ما سار عليه السلف الصالح في حياتهم؛ فقد مرَّت بهم امتحانات واختِبارات في هذه الحياة ونجَحوا في كل الحالات رغم تعثُّرهم في بعضها، ولكن لم تكن هذه العثرات سببًا في فشلِهم، بل تعلَّموا منها كيف يتغلَّبون على العقبات.   اعلَم أن المنهج الراشد الذي كان عليه سلفُنا الصالح رضي الله عنهم يتمثَّل في: 1- إخلاصهم العمل لله؛ مُمتثلين قول الباري سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾ [الأنعام: 162، 163]، فالحياة كلُّها لله، بما في ذلك هذه الامتِحانات والاختبارات.   2- النيَّة الصادقة في خدمة دينهم ونصرة نبيهم: اعلم أن الحرب قائمة ضد الإسلام وأهله، فالغرب يعمل على تشويه صورة الإسلام باتهام أهله بأنهم مُتخلِّفون ولا يُواكِبون حضارة عَصرِهم؛ لذلك فالإسلام بحاجة لأهله، وللشباب منهم خاصَّة؛ وذلك بالفوز في جميع مَجالات الحياة، فالإسلام بحاجة لطبيب حكيم، ومُهندِس خبير، ومعلِّم لبيب، ومُربٍّ نجيب، وحتى مهني ماهر، وتاجر باهر، وعسكري ثائر، ولا يكون ذلك إلا بالنيَّة الصادقة لخِدمة البلاد والعباد.   3- ضرورة الصبر والثبات، وتخطِّي العقبات التي يتلقاها طالب العِلم في مَسارِه حتى بلوغه الهدف دون كلل ولا مَلل.   4- المُحافظة على الدِّين كعنصر إمداد للقوَّة النفسيَّة التي يحتاجها طالب العلم في سائر أحواله، خاصَّةً وقت الامتحان؛ فكم مِن طالبٍ نَجيب خانتْه مَعنويَّاته وضَعُفت نفسه، فانهار ولم يُكمِل المشوار! فالمحافظة على الصلاة والذِّكر هو الباعث على قوة الإرادة التي تُقوِّي الهِمَم والعزائم؛ قال جلَّ وعلا: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].   5- الجدِّيَّة في العمل وعدم العبَث واللعب في مثل هذه الأوقات؛ فمصير مستقبل جهدك مُتعلِّق بالامتحان، فلا مَجال للعبث؛ امتثالاً لقول ربِّنا سبحانه: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ [المؤمنون: 115]، فشدَّ على ساعد الجدِّ، وخُضِ الخُطوب، ولا تَهَبْ.   6- لا تَستسلِم للخوف، بل يجب أن تُقوِّي إرادتك بالله، ثم بالثقة في نفسك، وباليقين في نجاحك، وكن موقنًا بتوفيق الله لك، مُستحضرًا قول الباري سبحانه: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30]، فحاشا لله أن يُخيِّب عبدًا مطيعًا مُجدًّا مجتهدًا.   7- التواضُع سِرٌّ مِن أسرار النَّجاح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن تواضَعَ لله رفَعَه))، فتواضَعْ لأستاذك ولا تَستحِ أن تسأله في مسائل أشكلت عليك، تواضَعْ لكلِّ عامل بمَدرستِكَ؛ مِن الحارس إلى المدير، كما يجب أن تتواضَع لزملائك، فاستفد مِن خبراتهم، وتواضع للعلم عمومًا بأن تهتمَّ به، اهتمَّ حتى بكتابك وكراسك وحافظتك ومكتبك ومكتبتِك.   8- ضع برنامجًا سهلاً يَسيرًا في أيام الامتحانات، ولا تنس وقت راحتك، فالراحة البدنية تزيدك قوةً ونشاطًا؛ لأنَّ الإرهاق عقبة في طريق النَّجاح، فنمْ مُبكِّرًا واستيقِظْ مُبكِّرًا، وهي سُنَّة السلف الصالح.   9- الأكْل الجيِّد وتنظيم وجبات الأكل سُنَّة يُوصي بها سلف الأمة، دون إسراف، فالبِطنة تُذهب الفِطنة، واعتمِد خصوصًا على وجبة الفطور.   10- إياك والمحرَّماتِ أوقاتَ الامتحانات؛ فهي سبب الخِذلان، وهي تُعرقل الحفظ الجيد كما أشار إمامنا الشافعي - رحمه الله - في قوله: شَكوتُ إلى وَكِيعٍ سُوءَ حِفظِي = فَأرشَدَني إلى تَركِ المعاصي   فاجتنب المشاهَدة والنظر لما حرَّم الله؛ حتى تَصفوَ بصيرتُك.   11- بالنِّسبة لمن يشتكي الخوف وربما ينهار عند أوقات الامتحان، فعليه بكثرة الدعاء والرجاء والالتجاء إلى الله، والباري - سبحانه وتعالى - يُوجِّهك لهذا فيقول: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]، ففِرَّ إلى الله بالدعاء والرجاء في توفيقه وسداده، فسيُكشَف عنك ضررُك، ويزول عنك همُّك وحزنُك.   12- لا تنس برَّ والدَيك؛ لأن عقوقهما سبب الخسران وسبب الخِذلان، فقبِّل رأس أبيك وأمِّك قبل كل امتحان، واعلم أن دعاء الوالد ليس بينه وبين الله حجاب.   13- ولا تنسَ أن تُصلي وتسلِّم على نبيك عند كل امتحان؛ لتُرضي بها الرحمن، وهل التوفيق إلا منه؟ كما قال نبي الله شعيب عليه السلام: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].   14- وبهذا النهج السديد نقول: "يوم الامتحان، يُكرَم المرء ولا يهان"، فحتى لو قدَّر الله ولم تنجَح، فإنَّ الله لا يُضيع سعيك، وسيُعوِّضُك بما هو خير مِن النَّجاح، وما عند الله خير وأبقى، فلا تحزَن.   اللهمَّ نسألك أن تسدِّد أبناءنا وتُثبِّتهم، وتُقوِّيَ عزائمهم، وترفع عنهم الخوف والحزن، وتُفرِغ عليهم صبرًا وسكينة، وتُوفِّقهم لمراضيك، وتُرضي عنهم والديهم، وصلِّ اللهمَّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.



شارك الخبر

المرئيات-١