أرشيف المقالات

تفسير ربع: يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم (الربع الثامن من سورة البقرة)

مدة قراءة المادة : 111 دقائق .
2تفسير ربع: يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم الربع الثامن من سورة البقرة   ﴿ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ﴾ [122]

روائع البيان والتفسير: قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها إجمالاً مانصه: وهذه الآية عظة من الله تعالى ذكره لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتذكير منه لهم ما سلف من أياديه إليهم في صنعه بأوائلهم، استعطافا منه لهم على دينه وتصديق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: يا بني إسرائيل اذكروا أيادي لديكم، وصنائعي عندكم، واستنقاذي إياكم من أيدي عدوكم فرعون وقومه، وإنزالي عليكم المن والسلوى في تيهكم، وتمكيني لكم في البلاد، بعد أن كنتم مذللين مقهورين، واختصاصي الرسل منكم، وتفضيلي إياكم على عالم من كنتم بين ظهرانيه، أيام أنتم في طاعتي باتباع رسولي إليكم، وتصديقه وتصديق ما جاءكم به من عندي، ودعوا التمادي في الضلال والغي.اهـ[1]   • وقال ابن كثير- رحمه الله: قد تقدم نظير هذه الآية في صدر السورة، وكررت هاهنا للتأكيد والحث على اتباع الرسول النبي الأمي الذي يجدون صفته في كتبهم ونعتَه واسمه وأمره وأمته.
يحذرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم، من النعم الدنيوية والدينية، ولا يحسدوا بني عَمِّهم من العرب على ما رزقهم الله من إرسال الرسول الخاتم منهم.
ولا يحملهم ذلك الحسدُ على مخالفته وتكذيبه، والحيدة عن موافقته، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين.اهـ[2]   ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 123]. الواو عاطفة (اتّقوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
الواو فاعل (يوما) مفعول به منصوب على حذف مضاف أي: عذاب يوم (لا) نافية (تجزي) مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمّة المقدّرة (نفس) فاعل مرفوع (عن نفس) جارّ ومجرور متعلّق ب (تجزي)، (شيئا) مفعول مطلق نائب عن المصدر منصوب الواو عاطفة (لا) نافية (يقبل) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع (من) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يقبل)، (عدل) نائب فاعل مرفوع الواو عاطفة (لا) نافية (تنفع) مضارع مرفوع و(ها) ضمير مفعول به (شفاعة) فاعل مرفوع (ولا) مثل السابق (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (ينصرون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون..
والواو نائب فاعل.اهـ   روائع البيان والتفسير: قال أبو جعفر القرطبي في تفسيرها أجمالاً ما نصه: وهذه الآية ترهيب من الله جل ثناؤه للذين سلفت عظته إياهم بما وعظهم به في الآية قبلها.
يقول الله لهم: واتقوا - يا معشر بني إسرائيل المبدلين كتابي وتنزيلي، المحرفين تأويله عن وجهه، المكذبين برسولي محمد صلى الله عليه وسلم - عذاب يوم لا تقضي فيه نفس عن نفس شيئا، ولا تغني عنها غناء، أن تهلكوا على ما أنتم عليه من كفركم بي، وتكذيبكم رسولي، فتموتوا عليه، فإنه يوم لا يقبل من نفس فيما لزمها فدية، ولا يشفع فيما وجب عليها من حق لها شافع، ولا هي ينصرها ناصر من الله إذا انتقم منها بمعصيتها إياه.اهـ[3]   وفسرها ابن العثيمين بزيادة بيان وتفصيل فقال- رحمه الله-ما نصه: قوله تعالى: ﴿ واتقوا يوماً ﴾: سبق الكلام على نظيرها.   قلت "أنا سيد مبارك" -وسابق كلامه قوله في بيانها: أي اتخذوا وقاية من هذا اليوم بالاستعداد له بطاعة الله[4]..ثم قال -رحمه الله -: قوله تعالى: ﴿ لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ﴾ أي لا تغني نفس عن نفس شيئاً؛ فليس تفضيل آبائكم على العالمين بمغنٍ عنكم شيئاً؛ لا تقولوا: لنا آباء مفضلون على العالمين، وسَنَسْلَم بهم من النار، أو من عذاب هذا اليوم؛ و﴿ شيئاً ﴾ نكرة في سياق النفي، فتعم أيّ شيء؛ ولا يرد على هذا الشفاعة الشرعية التي ثبتت بها السُّنة؛ فإن هذه الآية مخصوصة بها.   قوله تعالى: ﴿ ولا يُقبَل منها ﴾ أي من النفس؛ والذي يَقبل، أو يَردّ هو الله سبحانه وتعالى؛ و﴿ عدل ﴾ أي ما يعدل به العذاب عن نفسه وهو الفداء؛ فـ «العدل» معناه الشيء المعادِل، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ [المائدة: 95] أي ما يعادله من الصيام؛ وهنا: لو أتت بالفداء لا يقبل.   قوله تعالى: ﴿ ولا تنفعها شفاعة ﴾؛ «الشفاعة» هي التوسط للغير بدفع مضرة، أو جلب منفعة؛ سميت بذلك؛ لأن الشافع إذا انضم إلى المشفوع له، صار شَفعاً بعد أن كان وتراً؛ فالشفاعة لأهل النار أن يخرجوا منها: شفاعة لدفع مضرة؛ والشفاعة لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة؛ شفاعة في جلب منفعة.   ثم قال: قوله تعالي ﴿ ولا هم ينصرون ﴾: مع أن السياق يرجع إلى مفرد في قوله تعالى: ﴿ نفس عن نفس ﴾، وقوله تعالى: ﴿ ولا يقبل منها ﴾، وقوله تعالى: ﴿ ولا تنفعها ﴾؛ جاء الكلام هنا بصيغة الجمع باعتبار المعنى؛ لأن قوله تعالى: ﴿ لا تجزي نفس عن نفس ﴾ للعموم؛ والعموم يدل على الجمع، والكثرة؛ ثم إن هنا مناسبة لفظية؛ وهي مراعاة فواصل الآيات؛ ومراعاة الفواصل أمر ورد به القرآن حتى إنه من أجل المراعاة يقدم المفضول على الفاضل، كما في قوله تعالى في سورة طه؛ ﴿ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الشعراء: 47، 48]؛ لأن سورة طه كلها على فاصلة ألف إلا بعض الآيات القليلة؛ فمراعاة الفواصل إذاً من بلاغة القرآن.
اهـ[5]   ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]
الواو استئنافيّة (إذ) اسم ظرفي للزمن الماضي مبنيّ في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر (ابتلى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر (إبراهيم) مفعول به مقدّم منصوب (ربّ) فاعل مرفوع والهاء مضاف إليه (بكلمات) جارّ ومجرور متعلّق ب (ابتلى)، الفاء عاطفة (أتم) فعل ماض و(هنّ) ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (قال) فعل ماض والفاعل هو (إن) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد والياء اسم إنّ (جاعل) خبر إنّ مرفوع والكاف ضمير مضاف إليه (للناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من (إماما)- نعت تقدّم على المنعوت- (إماما) مفعول به لاسم الفاعل جاعل (قال) مثل الأول الواو عاطفة (من ذرّيّة) جارّ ومجرور متعلّق بفعل محذوف تقديره اجعل، والمفعول به محذوف تقديره إماما أي اجعل من ذرّيتي إماما (قال) مثل الأول (لا) نافية (ينال) مضارع مرفوع (عهد) فاعل مرفوع والياء مضاف إليه (الظالمين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء.اهـ   روائع البيان والتفسير: ﴿ وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ﴾ قال السعدي -رحمه الله- : يخبر تعالى، عن عبده وخليله، إبراهيم عليه السلام، المتفق على إمامته وجلالته، الذي كل من طوائف أهل الكتاب تدعيه، بل وكذلك المشركون: أن الله ابتلاه وامتحنه بكلمات، أي: بأوامر ونواهي، كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده، ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء والامتحان من الصادق، الذي ترتفع درجته، ويزيد قدره، ويزكو عمله، ويخلص ذهبه، وكان من أجلِّهم في هذا المقام، الخليل عليه السلام.   فأتم ما ابتلاه الله به، وأكمله ووفاه، فشكر الله له ذلك، ولم يزل الله شكورا فقال: ﴿ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾ أي: يقتدون بك في الهدى، ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية، ويحصل لك الثناء الدائم، والأجر الجزيل، والتعظيم من كل أحد.   وهذه - لعمر الله - أفضل درجة، تنافس فيها المتنافسون، وأعلى مقام، شمر إليه العاملون، وأكمل حالة حصلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم، من كل صديق متبع لهم، داع إلى الله وإلى سبيله.اهـ[6]   ﴿ قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ فسرها ابن العثيمين فقال- رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ ومن ذريتي ﴾ أي واجعل من ذريتي إماماً؛ وهنا ﴿ مِن ﴾ يحتمل أنها لبيان الجنس؛ وبناءً على ذلك تصلح ﴿ ذريتي ﴾ لجميع الذرية؛ يعني: واجعل ذريتي كلهم أئمة؛ ويحتمل أنها للتبعيض؛ وعليه فيكون المقصود: اجعل بعض الذرية إماماً؛ والكلام يحتمل هذا، وهذا؛ ولكن سواء قلنا؛ إنها لبيان الجنس؛ أو للتبعيض؛ فالله تعالى أعطاه ذلك مقيداً، فقال تعالى: ﴿ لا ينال ﴾ أي لا يصيب ﴿ عهدي ﴾ أي تعهدي لك بهذا ﴿ الظالمين ﴾؛ و﴿ عهدي ﴾ فاعل؛ و﴿ الظالمين ﴾ مفعول به؛ أي أجعل من ذريتك إماماً؛ ولكن الظالم من ذريتك لا يدخل في ذلك.اهـ[7]   • وزاد الشنقيطي -رحمه الله- مانصه: يفهم من هذه الآية أن الله علم أن من ذرية إبراهيم ظالمين.
وقد صرح تعالى في مواضع أخر بأن منهم ظالما وغير ظالم كقوله: ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾ [الصافات: 113]، وقوله: ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ﴾ [الزخرف: 28].اهـ[8]   ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [البقرة: 125]:
الواو عاطفة (إذ) مرّ إعرابه في الآية السابقة (جعلنا) فعل ماض وفاعله (البيت) مفعول به منصوب (مثابة) مفعول به ثان منصوب (للناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لمثابة، (أمنا) معطوفة على مثابة بالواو منصوب مثله.
الواو استئنافيّة (اتّخذوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (من مقام) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف مفعول به ثان مقدّم (إبراهيم) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة (مصلّى) مفعول به أوّل منصوب.
الواو استئنافيّة (عهدنا) مثل: (جعلنا) (إلى إبراهيم) جارّ ومجرور متعلّق ب (عهدنا)، وعلامة الجرّ الفتحة (إسماعيل) معطوف على إبراهيم بالواو مجرور مثله وعلامة الجرّ الفتحة (أن) حرف تفسير، (طهّرا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والألف فاعل (بيت) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحلّ بالحركة المناسبة والياء ضمير مضاف إليه، (للطائفين) جارّ ومجرور متعلّق ب (طهّرا) وعلامة الجرّ الياء (العاكفين) معطوف على الطائفين بالواو مجرور مثله وعلامة الجرّ الياء (الرّكّع) معطوف على الطائفين بالواو مجرور مثله (السجود) نعت للركّع مجرور مثله.اهـ   روائع البيان والتفسير: سبب نزول هذه الآية ما أخرجه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه ج2 ص51 عن أنس قال عمر وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً ﴾، وآية الحجاب.
قلت: يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر.
فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن.
فنزلت هذه الآية.[9]   ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125] قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها بتصرف يسير: فمعنى قوله:"وإذ جعلنا البيت مثابة للناس": وإذ جعلنا البيت مرجعا للناس ومعاذا، يأتونه كل عام ويرجعون إليه، فلا يقضون منه وطرا.   ثم قال-رحمه الله: و"الأمن" مصدر من قول القائل:"أمن يأمن أمنا", وإنما سماه الله"أمنا"، لأنه كان في الجاهلية معاذا لمن استعاذ به، وكان الرجل منهم لو لقي به قاتل أبيه أو أخيه، لم يهجه ولم يعرض له حتى يخرج منه، وكان كما قال الله جل ثناؤه: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 67].اهـ[10]   • ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ﴾ قال السعدي -رحمه الله- في تفسيرها مانصه: يحتمل أن يكون المراد بذلك، المقام المعروف الذي قد جعل الآن، مقابل باب الكعبة، وأن المراد بهذا، ركعتا الطواف، يستحب أن تكونا خلف مقام إبراهيم، وعليه جمهور المفسرين، ويحتمل أن يكون المقام مفردا مضافا، فيعم جميع مقامات إبراهيم في الحج، وهي المشاعر كلها: من الطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، ومزدلفة ورمي الجمار والنحر، وغير ذلك من أفعال الحج.   فيكون معنى قوله: ﴿ مُصَلًّى ﴾ أي: معبدا، أي: اقتدوا به في شعائر الحج، ولعل هذا المعنى أولى، لدخول المعنى الأول فيه، واحتمال اللفظ له.اهـ[11]   ﴿ وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ قال ابن عثيمين- رحمه الله: «العهد» الوصية بما هو هام؛ وليست مجرد الوصية؛ بل لا تكون عهداً إلا إذا كان الأمر هاماً؛ ومنه عهْد أبي بكر بالخلافة إلى عمر؛ ومعلوم أن أهم ما يكون من أمور المسلمين العامة الخلافة.
﴿ وإسماعيل ﴾: هو ابن إبراهيم؛ وهو أبو العرب؛ وهو الذبيح على القول الصحيح؛ يعني: هو الذي أمر الله إبراهيم أن يذبحه؛ وهو الذي قال لأبيه: ﴿ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]؛ وقول من قال: «إنه إسحاق» بعيد؛ وقد قال بعض أهل العلم: إن هذا منقول عن بني إسرائيل: لأن بني إسرائيل يودون أن الذبيح إسحاق؛ لأنه أبوهم دون إسماعيل؛ لأنه أبو العرب عمهم؛ ولكن من تأمل آيات «الصافات» تبين له ضعف هذا القول اهـ[12]   ووزاد السعدي في تفسيره فقال ما نصه: ﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ أي: أوحينا إليهما، وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك، والكفر والمعاصي، ومن الرجس والنجاسات [ص 66] والأقذار، ليكون ﴿ لِلطَّائِفِينَ ﴾ فيه ﴿ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ أي: المصلين، قدم الطواف، لاختصاصه بالمسجد [الحرام]، ثم الاعتكاف، لأن من شرطه المسجد مطلقا، ثم الصلاة، مع أنها أفضل، لهذا المعنى.   وأضاف الباري البيت إليه لفوائد، منها: أن ذلك يقتضي شدة اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهيره، لكونه بيت الله، فيبذلان جهدهما، ويستفرغان وسعهما في ذلك.   ومنها: أن الإضافة تقتضي التشريف والإكرام، ففي ضمنها أمر عباده بتعظيمه وتكريمه.   ومنها: أن هذه الإضافة هي السبب الجاذب للقلوب إليه.
اهـ[13]   ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 126]:
الواو عاطفة (إذ) مرّ إعرابه في الآية (124)، (قال) فعل ماض (إبراهيم) فاعل مرفوع (ربّ) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الباء منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة الياء المحذوفة والياء المحذوفة للتخفيف ضمير مضاف إليه (اجعل) فعل أمر دعائيّ، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (ها) حرف تنبيه (ذا) اسم إشارة في محلّ نصب مفعول به (بلدا) مفعول به ثان منصوب (آمنا) نعت ل (بلدا) منصوب مثله الواو عاطفة (ارزق) مثل اجعل (أهل) مفعول به منصوب والهاء ضمير مضاف إليه (من الثمرات) جارّ ومجرور متعلّق ب (ارزق)، (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب بدل من أهل (آمن) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من فاعل آمن (باللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (آمن)، (اليوم) معطوف على لفظ الجلالة بالواو مجرور مثله.
(قال) مثل الأول والفاعل اللّه.
الواو عاطفة (من) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره (أرزق) (كفر) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو الفاء عاطفة (أمتّع) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا والهاء ضمير مفعول به (قليلا) ظرف زمان ناب عن ظرف محذوف أي زمنا قليلا، منصوب متعلّق ب (أمتّعه)، (ثمّ) حرف عطف (أضطرّ) مثل: (أمتّع) والهاء مفعول به (إلى عذاب) جارّ ومجرور متعلّق ب (أضطرّه) بتضمينه معنى ألجئه (النار) مضاف إليه مجرور.
الواو استئنافيّة (بئس) فعل ماض جامد لإنشاء الذمّ (المصير) فاعل مرفوع- والمخصوص بالذمّ محذوف تقديره عذاب النار- اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 126]   قال السعدي في تفسيرها إجمالاً مانصه: أي: وإذ دعا إبراهيم لهذا البيت، أن يجعله الله بلدا آمنا، ويرزق أهله من أنواع الثمرات، ثم قيد عليه السلام هذا الدعاء للمؤمنين، تأدبا مع الله، إذ كان دعاؤه الأول، فيه الإطلاق، فجاء الجواب فيه مقيدا بغير الظالم.   فلما دعا لهم بالرزق، وقيده بالمؤمن، وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر، والعاصي والطائع، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ ﴾ أي: أرزقهم كلهم، مسلمهم وكافرهم، أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله، ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة، وأما الكافر، فيتمتع فيها قليلا ﴿ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ ﴾ أي: ألجئه وأخرجه مكرها ﴿ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.اهـ[14]   وفسرها إجمالاً ابن العثيمين فقال ما مختصره: قوله تعالى: ﴿ وإذ قال إبراهيم ﴾ أي اذكر إذ قال إبراهيم: ﴿ رب اجعل ﴾ أي صيِّر ﴿ هذا ﴾ أي مكة ﴿ بلداً آمناً ﴾؛ كان ذلك مدينة كبيرة، أو مدينة صغيرة؛ كله يسمى بلداً؛ وقد سمى الله سبحانه وتعالى مكة بلداً، كما في قوله تعالى: ﴿ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 3]؛ وسماها الله تعالى قرية، كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ [محمد: 13].   وقوله تعالى: ﴿ آمناً ﴾: قال بعض المفسرين: أي آمناً مَن فيه؛ لأن البلد نفسه لا يوصف بالأمن، والخوف؛ «البلد» أرض، وبناء؛ وإنما الذي يكون آمناً: أهلُه؛ أما هو فيكون أمْناً؛ والذي ينبغي هو أن يبقى على ظاهره، وأن يكون البلد نفسه آمناً؛ وإذا أمِنَ البلد أمِن مَن فيه وهو أبلغ؛ لأنه مثلاً لو جاء أحد، وهدم البناء ما كان البناء آمناً، وصار البناء عرضة لأن يتسلط عليه من يُتلفه؛ فكون البلد آمناً أبلغ من أن نفسره بـ«آمناً أهله»؛ لأنه يشمل البلد، ومن فيه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وارزق أهله ﴾؛ لأن البلد لا يرزق.   قوله تعالى: ﴿ ارزق ﴾ فعل دعاء؛ ومعناه: أعطِ؛ و﴿ أهله ﴾ مفعول أول؛ و﴿ من الثمرات ﴾ مفعول ثانٍ؛ و﴿ من آمن بالله واليوم الآخر ﴾ بدل من قوله: ﴿ أهله ﴾ بدل بعض من كل؛ و«الإيمان» في اللغة: التصديق؛ وفي الشرع: التصديق المستلزم للقبول، والإذعان؛ والإيمان بالله يتضمن الإيمان بوجوده، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته؛ و﴿ اليوم الآخر ﴾ هو يوم القيامة؛ وسمي آخراً؛ لأنه لا يوم بعده.   قوله تعالى: ﴿ قال ومن كفر ﴾؛ القائل هو الله سبحانه وتعالى؛ فأجاب الله تعالى دعاءه؛ يعني: وأرزق من كفر أيضاً؛ فهي معطوفة على قوله تعالى: ﴿ من آمن ﴾؛ ولكنه تعالى قال في الكافر: ﴿ فأمتعه قليلاً..
﴾ إلخ   قوله تعالى: ﴿ فأمتعه ﴾ فيها قراءتان؛ الأولى بفتح الميم، وتشديد التاء؛ والثانية بإسكان الميم، وتخفيف التاء؛ و«الإمتاع» و«التمتيع» معناهما واحد؛ وهو أن يعطيه ما يتمتع به؛ و«المتعة»: البلغة التي تلائم الإنسان.   قوله تعالى: ﴿ قليلاً ﴾: القلة هنا تتناول الزمان، وتتناول عين الممتَّع به؛ فالزمن قصير: مهما طال بالإنسان العمر فهو قليل؛ قال الله عزّ وجلّ: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ﴾ [الأحقاف: 35]؛ كذلك عين الممتع به قليل؛ كل ما يحصل للإنسان من هذه الدنيا من اللذة، والمتاع قليل بالنسبة للآخرة، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لموضع سوطٍ في الجنة خير من الدنيا وما فيها»[15].   ثم قال - رحمه الله: وإذا شئت أن تعرف حقيقة الأمر فقس ما بقي من حياتك بما مضى؛ الآن كلنا يعرف أننا خلفنا أياماً كثيرة؛ فما خلفنا بالأمس كأنه لا شيء؛ نحن الآن في الوقت الذي نحن فيه؛ وأما ما مضى فكأنه لم يكن؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم واصفاً الدنيا: «إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح وتركها»[16]: إنسان اطمأن قليلاً تحت ظل شجرة، ثم ارتحل! هذه الدنيا كلها.   قوله تعالى: ﴿ ثم أضطره إلى عذاب النار ﴾ أي ألجئه إلى عذاب النار؛ وإنما جعل الله ذلك إلجاءً؛ لأن كل إنسان يفر من عذاب النار؛ لكنه لا بد له منه إن كان من أهل النار؛ لأنه هو الذي فعل الأسباب التي توجبه؛ و«العذاب» العقوبة التي يتألم بها المرء؛ و﴿ النار ﴾ اسم معروف..اهـ[17]   ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]: الواو عاطفة (إذ) مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر (يرفع) مضارع مرفوع (إبراهيم) فاعل مرفوع (القواعد) مفعول به منصوب (من البيت) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من القواعد الواو عاطفة (إسماعيل) معطوف على إبراهيم مرفوع مثله (ربّ) منادى مضاف منصوب محذوف منه أداة النداء و(نا) ضمير متّصل في محلّ جرّ مضاف إليه (تقبّل) فعل أمر دعائيّ والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (من) حرف جرّ و(نا) في محلّ جرّ متعلّق ب (تقبّل)، (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد والكاف ضمير اسم إنّ (أنت) ضمير فصل (السميع) خبر إنّ مرفوع (العليم) خبر ثان مرفوع.
جملة: (يرفع إبراهيم..) في محلّ جرّ مضاف إليه.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ ﴾: قال الشنقيطي- رحمه الله- مانصه: قوله تعالى: ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ﴾ ذكر في هذه الآية رفع إبراهيم وإسماعيل لقواعد البيت، وبين في سورة «الحج» أنه أراه موضعه بقوله: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ [الحج: 26] أي: عينا له محله وعرفناه به.
قيل: دله عليه بمزنة كان ظلها قدر مساحته.
وقيل: دله عليه بريح تسمى الخجوج كنست عنه حتى ظهر اسمه القديم فبنى عليه إبراهيم وإسماعيل عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام.اهـ[18]   • ﴿ ربنا تقبل منا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ فسرها أبو جعفر الطبري -رحمه الله- فقال مانصه: إنك أنت السميع دعاءنا ومسألتنا إياك قبول ما سألناك قبوله منا، من طاعتك في بناء بيتك الذي أمرتنا ببنائه - العليم بما في ضمائر نفوسنا من الإذعان لك في الطاعة، والمصير إلى ما فيه لك الرضا والمحبة، وما نبدي ونخفي من أعمالنا.اهـ[19].   ولابن العثيمين في تفسيره للآية ذكر فوائد جليلة منها: 1- إثبات السمع لله عزّ وجلّ؛ وينقسم السمع إلى قسمين: سمع بمعنى سماع الأصوات؛ وسمع بمعنى الإجابة؛ فمثال الأول قوله تبارك وتعالى: ﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ﴾ [الزخرف: 80]، وقوله تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ [المجادلة: 1]؛ ومثال الثاني قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 39] أي مستجيب الدعاء؛ وكذلك قول المصلي: «سمع الله لمن حمده» يعني استجاب لمن حمده؛ والسمع الذي هو بمعنى سماع الأصوات من صفاته الذاتية؛ والسمع بمعنى الاستجابة من صفاته الفعلية؛ لأن الاستجابة تتعلق بمشيئته: إن شاء استجاب لمن حمده؛ وإن شاء لم يستجب؛ وأما سماع الأصوات فإنه ملازم لذاته لم يزل، ولا يزال سميعاً؛ إذ إن خلاف السمع الصمم؛ والصمم نقص؛ والله سبحانه وتعالى منزه عن كل نقص؛ وكلا المعنيين يناسب الدعاء: فهو سبحانه وتعالى يسمع صوت الداعي، ويستجيب دعاءه.   والسمع أعني سماع الأصوات تارة يفيد تهديداً؛ وتارة يفيد إقراراً، وإحاطة؛ وتارة يفيد تأييداً.
يفيد تهديداً، كما في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا...
[آل عمران: 181] الآية، وقوله تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى ﴾ [الزخرف: 80] ويفيد إقراراً، وإحاطة، كما في قوله تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ [المجادلة: 1]؛ ويفيد تأييداً، كما في قوله تعالى لموسى وهارون: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46].
ثم قال- رحمه الله: 2- إثبات العلم لله تبارك وتعالى جملةً، وتفصيلاً؛ موجوداً، أو معدوماً؛ ممكناً، أو واجباً، أو مستحيلاً؛ مثال علمه بالجملة: قوله تعالى: ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، وقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه: 98]، ومثال علمه بالتفصيل: قوله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]؛ ومثال علمه بالموجود: ما أخبر الله به عن علمه بما كان، مثل قول الله تعالى: ﴿ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [البقرة: 187]؛ ومثال علمه بالمعدوم الذي قد وجِد: ما علمه الله من أحوال الماضين؛ ومثال علمه بالمعدوم الذي لم يوجد بعد: ما علمه الله عزّ وجلّ من أحوال القيامة، ومآل الخلق؛ ومثال علمه بالممكن: ما علمه الله عزّ وجلّ من الحوادث الواقعة من الإنسان؛ ومثال علمه بالواجب: ما علمه الله عزّ وجلّ من كمال صفاته؛ ومثال علمه بالمستحيل: قوله تعالى: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [المؤمنون: 91]، وقوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22].   واعلم أن من أنكر علم الله فهو كافر سواء أنكره فيما يتعلق بفعله، أو فيما يتعلق بخلقه؛ فلو قال: إن الله تعالى لا يعلم ما يفعله العبد فهو كافر، كما لو قال: إن الله لا يعلم ما يفعله بنفسه؛ ولهذا كفَّر أهل السنة والجماعة غلاة القدرية الذين قالوا: إن الله سبحانه وتعالى لا يعلم أفعال العباد؛ فالذي ينكر علم الله بأفعال العباد لا شك أنه كافر؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80]؛ فالذي يقول: إن الله لا يعلم أفعال العباد فإنه كافر بهذه الآيات؛ ولهذا قال الشافعي في القدرية: «ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خُصِموا؛ وإن أنكروه كفروا»؛ وإيمانك بهذا يوجب لك مراقبته، والخوف منه، وامتثال أمره، واجتناب نهيه؛ لأنك متى علمت أنه عالم بك فإنك تخشاه؛ تستحيي منه عند المخالفة؛ وترغب فيما عنده عند الموافقة.
اهـ[20]   ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]:
(ربّنا) سبق إعرابه في الآية السابقة الواو عاطفة (اجعل) فعل أمر دعائيّ والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت و(نا) ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به (مسلمين) مفعول به ثان منصوب وعلامة النصب الياء فهو مثنّى اللام حرف جرّ والكاف ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (مسلمين) أي منقادين الواو عاطفة (من ذرّيّة) جارّ ومجرور متعلّق بفعل محذوف تقديره اجعل.
و(نا) ضمير متّصل في محلّ جرّ مضاف إليه (أمّة) مفعول به منصوب للفعل المحذوف (مسلمة) نعت لأمة منصوب مثله (لك) مثل الأول متعلّق بمسلمة الواو عاطفة (أرنا) مثل اجعلنا (مناسك) مفعول به ثان منصوب و(نا) مضاف إليه الواو عاطفة (تب) مثل اجعل (على) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تب)، (إنّك أنت التّواب الرحيم) مثل نظيرها في الآية السابقة.اهـ
روائع البيان والتفسير: • ﴿ رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا ﴾ قال الشنقيطي - رحمه الله-: لم يبين هنا من هذه الأمة التي أجاب الله بها دعاء نبيه إبراهيم وإسماعيل، ولم يبين هنا أيضا هذا الرسول المسؤول بعثه فيهم من هو؟ ولكنه يبين في سورة الجمعة أن تلك الأمة العرب، والرسول هو سيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ﴾ [الجمعة: 2، 3]؛ لأن الأميين العرب بالإجماع، والرسول المذكور نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إجماعا، ولم يبعث رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل إلا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وحده.اهـ[21]   وزاد البغوي فقال مامختصره: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ﴾ موحدين مطيعين مخلصين خاضعين لك.   ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا ﴾ أي أولادنا ﴿ أُمَّة ﴾ جماعة والأمة أتباع الأنبياء ﴿ مُسْلِمَةً لَك ﴾ خاضعة لك.   ﴿ وَأَرِنَا ﴾ علمنا وعرفنا، قرأ ابن كثير ساكنة الراء وأبو عمرو بالاختلاس والباقون بكسرها ووافق ابن عامر وأبو بكر في الإسكان في حم السجدة، وأصله أرئنا فحذفت الهمزة طلبا للخفة ونقلت حركتها إلى الراء ومن سكنها قال: ذهبت الهمزة فذهبت حركتها، ﴿ مَنَاسِكَنَا ﴾ شرائع ديننا وأعلام حجنا.   وقيل: مواضع حجنا، وقال مجاهد: مذابحنا والنسك الذبيحة، وقيل: متعبداتنا، وأصل النسك العبادة، والناسك العابد.اهـ[22]   ﴿ وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ فسرها ابن العثيمين بقوله: قوله تعالى: ﴿ وتب علينا ﴾ أي وفقنا للتوبة فنتوب؛ والتوبة من العبد: هي الرجوع من المعصية إلى الطاعة؛ ومن الله عزّ وجلّ: هي توفيق العبد للتوبة، ثم قبولها منه.   قوله تعالى: ﴿ إنك أنت التواب الرحيم ﴾: هذا من باب التوسل بأسماء الله عزّ وجلّ المناسبة للمطلوب؛ و﴿ التواب ﴾ صيغة مبالغة لكثرة من يتوب الله عليهم، وكثرة توبته على العبد نفسه؛ و﴿ الرحيم ﴾ أي الموصوف بالرحمة التي يرحم بها من يشاء من عباده.اهـ[23]   ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129]:
(ربّنا) سبق إعرابها- الآية 127- وكرّرت لتأكيد الاسترحام (وابعث) مثل واجعل- الآية 128- (في) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق ب (ابعث)، (رسولا) مفعول به منصوب (من) حرف جرّ و(هم) متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف نعت ل (رسولا)، (يتلو) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الواو والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (عليهم) مثل فيهم متعلّق ب (يتلو)، (آيات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة والكاف مضاف إليه الواو عاطفة (يعلّم) مضارع مرفوع..
والفاعل هو و(هم) متّصل مفعول به (الكتاب) مفعول به ثان منصوب (الحكمة) معطوف على الكتاب بالواو منصوب مثله الواو عاطفة (يزكّيهم) مثل يعلّمهم (إنّك أنت العزيز الحكيم) مثل إنّك أنت السميع العليم.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ قال ابن كثير في تفسيرها مامختصره: يقول تعالى إخبارًا عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم -أن يبعث الله فيهم رسولا منهم، أي من ذرية إبراهيم.
وقد وافقت هذه الدعوة المستجابة قَدَرَ الله السابق في تعيين محمد -صلوات الله وسلامه عليه -رسولا في الأميين إليهم، إلى سائر الأعجمين، من الإنس والجن.   ثم قال بعد كلام: والمراد أن أول من نَوّه بذكره وشهره في الناس، إبراهيم عليه السلام.
ولم يزل ذكره في الناس مذكورًا مشهورًا سائرًا حتى أفصح باسمه خاتمُ أنبياء بني إسرائيل نسبًا، وهو عيسى ابن مريم، عليه السلام، حيث قام في بني إسرائيل خطيبًا، وقال: ﴿ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]؛ ولهذا قال في هذا الحديث: "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بن مريم"[24].   وزاد ابن العثيمين-رحمه الله – في بيانها فقال: قوله تعالى: ﴿ ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك ﴾، أي أرسل فيهم رسولاً مرسَلاً من عندك يقرأ عليهم آياتك، ويبينها لهم، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44].
وله تعالى: ﴿ ويعلمهم الكتاب ﴾ أي القرآن، وما فيه من أخبار صادقة نافعة، وأحكام عادلة؛ ﴿ والحكمة ﴾ قيل: هي السنة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [النساء: 113]؛ ويحتمل أن يكون المراد بها معرفة أسرار الشريعة المطهرة، وأنها شريعة كاملة صالحة لكل زمان، ومكان.   قوله تعالى: ﴿ ويزكيهم ﴾ أي ينمي أخلاقهم، ويطهرها من الرذائل.اهـ[25]   • وأضاف أبو جعفر الطبري بياناً في تفسيره للحكمة فقال: والصواب من القول عندنا في"الحكمة"، أنها العلم بأحكام الله التي لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعرفة بها، وما دل عليه ذلك من نظائره.
وهو عندي مأخوذ من"الحكم" الذي بمعنى الفصل بين الحق والباطل، بمنزلة "الجِلسة والقِعدة" من "الجلوس والقعود"، يقال منه:"إن فلانا لحكيم بين الحكمة"، يعني به: إنه لبين الإصابة في القول والفعل.اهـ[26].   • ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ قال أبو جعفر الطبري في بيانها مانصه: يعني تعالى ذكره بذلك: إنك يا رب أنت"العزيز" القوي الذي لا يعجزه شيء أراده، فافعل بنا وبذريتنا ما سألناه وطلبناه منك؛ و"الحكيم" الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل، فأعطنا ما ينفعنا وينفع ذريتنا، ولا ينقصك ولا ينقص خزائنك.اهـ[27]   ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [البقرة: 130]:
الواو استئنافيّة (من) اسم استفهام مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ وقد تضمّن معنى النفي والإنكار (يرغب) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (عن ملّة) جارّ ومجرور متعلّق ب (يرغب)، (إبراهيم) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة (إلا) أداة استثناء (من) اسم موصول في محلّ رفع بدل من فاعل يرغب، (سفه) فعل ماض والفاعل هو (نفس) مفعول به منصوب والهاء مضاف إليه.
الواو استئنافيّة اللام واقعة في جواب قسم مقدّر (قد) حرف تحقيق (اصطفينا) فعل ماض مع فاعله والهاء ضمير مفعول به (في الدنيا) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الهاء وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف الواو عاطفة (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد والهاء ضمير اسم أنّ (في الآخرة) جارّ ومجرور متعلّق بالصالحين اللام لام القسم تفيد التوكيد (من الصالحين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر إنّ.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ قال أبو جعفر الطبري: يعني تعالى ذكره بقوله: ﴿ ومن يرغب عن ملة إبراهيم ﴾، وأي الناس يزهد في ملة إبراهيم، ويتركها رغبة عنها إلى غيرها؟
وإنما عنى الله بذلك اليهود والنصارى، لاختيارهم ما اختاروا من اليهودية والنصرانية على الإسلام.
لأن "ملة إبراهيم" هي الحنيفية المسلمة، كما قال تعالى ذكره: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا ﴾ [آل عمران: 67]، فقال تعالى ذكره لهم: ومن يزهد عن ملة إبراهيم الحنيفية المسلمة إلا من سفه نفسه.اهـ[28]   وزاد ابن العثيمين في بيان قوله تعالى: ﴿ إلا من سفه نفسه ﴾ فقال: أي أوقعها في سفه؛ و«السفه» ضد الرشد؛ وقيل: معناه: جهل نفسه أي جهل ما يجب لها، فضيعها؛ ولنا أن نقول: إن التعبير بما يحتمل الوجهين فيه نكتة عظيمة؛ وهي أن يكون التعبير صالحاً للأمرين؛ فكأنه ناب عن جملتين؛ فهو في الحقيقة جاهل إن لم يتعمد المخالفة؛ وسفيه إن تعمد المخالفة.اهـ[29]   • ﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها مانصه: القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ﴾.   يعني تعالى ذكره بقوله:"ولقد اصطفيناه في الدنيا"، ولقد اصطفينا إبراهيم.
و"الهاء" التي في قوله:"اصطفيناه"، من ذكر إبراهيم, و"الاصطفاء" الافتعال من"الصفوة"، وكذلك"اصطفينا "افتعلنا" منه، صيرت تاؤها طاء لقرب مخرجها من مخرج الصاد.   ويعني بقوله:"اصطفيناه": اخترناه واجتبيناه للخلة، ونصيره في الدنيا لمن بعده إماما.   وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خالف إبراهيم فيما سن لمن بعده، فهو لله مخالف، وإعلام منه خلقه أن من خالف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فهو لإبراهيم مخالف.
وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أنه اصطفاه لخلته، وجعله للناس إماما، وأخبر أن دينه كان الحنيفية المسلمة.
ففي ذلك أوضح البيان من الله تعالى ذكره عن أن من خالفه فهو لله عدو لمخالفته الإمام الذي نصبه الله لعباده.   ثم قال: القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾. يعني تعالى ذكره بقوله: "وإنه في الآخرة لمن الصالحين"، وإن إبراهيم في الدار الآخرة لمن الصالحين و"الصالح" من بني آدم: هو المؤدي حقوق الله عليه.اهـ[30].   ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 131]:
(إذ) ظرف للزمن الماضي قد يخلص للظرفية فيتعلّق بـ (اصطفيناه) في الآية السابقة، أو مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر (قال) فعل ماض اللام حرف جرّ متعلّق ب (قال) والهاء في محلّ جرّ باللام (ربّ) فاعل مرفوع والهاء مضاف إليه (أسلم) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (قال) مثل الأول (أسلمت) فعل ماض مع فاعله (لربّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (أسلمت)، (العالمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.اهـ   روائع البيان والتفسير: قال السعدي في بيانها إجمالاً: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ ﴾ امتثالا لربه ﴿ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ إخلاصا وتوحيدا، ومحبة، وإنابة فكان التوحيد لله نعته.   وفسر الطبري وبين معني قوله:"قال أسلمت لرب العالمين"فقال: فإنه يعني تعالى ذكره، قال إبراهيم مجيبا لربه: خضعت بالطاعة، وأخلصت العبادة، لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره.اهـ[31]   • ولابن العثيمين زيادة بيان في الجزئية الأخيرة من الآية قال مانصه: قوله تعالى: ﴿ لرب العالمين ﴾ يتضمن توحيد الربوبية، والأسماء، والصفات؛ وما أكثر الذين أُمروا بالإسلام ولم يسلموا: تسعمائة وتسعة وتسعون من الألف من بني آدم كلهم في النار، وواحد من ألف في الجنة؛ لأنهم أُمروا بالإسلام، ولم يسلموا.اهـ[32]   ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132]:
الواو استئنافيّة (وصّى) فعل ماض مبنيّ على الفتحة المقدّرة على الألف الباء حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (وصّى)، (إبراهيم) فاعل مرفوع (بني) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء فهو ملحق بجمع المذكّر السالم والهاء مضاف إليه الواو عاطفة (يعقوب) معطوف على إبراهيم مرفوع مثله (يا) أداة نداء (بنيّ) منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الياء..
والياء الثانية ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (اصطفى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو اللام حرف جرّ و(كم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بفعل اصطفى (الدين) مفعول به منصوب الفاء عاطفة لربط المسبّب بالسبب، (لا) ناهية جازمة (تموتنّ) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون فهو من الأفعال الخمسة والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل..
والنون نون التوكيد الثقيلة (إلا) أداة حصر الواو حاليّة (أنتم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (مسلمون) خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ قال أبو جعفر الطبري: يعني تعالى ذكره بقوله:"ووصى بها"، ووصى بهذه الكلمة.
عنى ب"الكلمة" قوله "أسلمت لرب العالمين"، وهي"الإسلام".اهـ[33]   وقال السعدي -رحمه الله- في تفسير بقية الآية: ﴿ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ أي: اختاره وتخيره لكم، رحمة بكم، وإحسانا إليكم، فقوموا به، واتصفوا بشرائعه، وانصبغوا بأخلاقه، حتى تستمروا على ذلك فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم عليه، لأن من عاش على شيء، مات عليه، ومن مات على شيء، بعث عليه.اهـ[34]   • ﴿ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ فسرها أبو جعفر الطبري فقال: إن قال لنا قائل: أوَ إلَى بني آدمَ الموتُ والحياةُ، فينهى أحدُهم أن يموت إلا على حالة دون حالة؟
قيل له: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننتَ.
وإنما معنى "فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، أي: فلا تفارقوا هذا الدين -وهو الإسلام- أيام حياتكم.
وذلك أن أحدا لا يدري متى تأتيه منيتُه، فلذلك قالا لهم:"فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، لأنكم لا تدرون متى تأتيكم مناياكم من ليل أو نهار، فلا تفارقوا الإسلام، فتأتيكم مناياكم وأنتم على غير الدين الذي اصطفاه لكم ربكم فتموتوا وربُّكم ساخط عليكم، فتهلكوا.اهـ[35]   • وزاد ابن كثير في بيانها بقوله- رحمه الله: أي: أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه.
فإن المرء يموت غالبًا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه.
وقد أجرى الله الكريم عادته بأن من قصد الخير وُفّق له ويسر عليه.
ومن نوى صالحًا ثبت عليه.
وهذا لا يعارض ما جاء، في الحديث الصحيح ("إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا بَاعٌ أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"[36]؛ لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث: "فيعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس.
وقد قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 -10].اهـ[37]   ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]: (أم) منقطعة بمعنى بل والهمزة وتفيد الابتداء، (كنتم) فعل ماض ناقص.
و(تم) ضمير اسم كان (شهداء) خبر كنتم منصوب ومنع من التنوين لأنه على وزن فعلاء (إذ) ظرف للزمن الماضي مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بشهداء (حضر) فعل ماض (يعقوب) مفعول به مقدّم منصوب ومنع من التنوين للعلمية والعجمة (الموت) فاعل مرفوع (إذ) ظرف بدل من الظرف الأول في محلّ نصب (قال) فعل ماض والفاعل هو (لبني) جارّ ومجرور متعلّق ب (قال)، وعلامة الجرّ الياء والهاء ضمير مضاف إليه (ما) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب مفعول به مقدّم (تعبدون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (تعبدون)، والياء ضمير مضاف إليه (قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل (نعبد) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (إله) مفعول به منصوب والكاف ضمير مضاف إليه (إله) معطوف على الأول بالواو منصوب مثله (آباء) مضاف إليه مجرور والكاف ضمير مضاف إليه (إبراهيم) بدل من آباء مجرور مثله وعلامة الجرّ الفتحة لامتناعه من الصرف (إسماعيل وإسحاق) اسمان معطوفان على إبراهيم بحرفي العطف مجروران مثله (إلها) بدل من إله الأول منصوب مثله (واحدا) نعت لإله منصوب مثله.
الواو حاليّة (نحن) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (مسلمون) وهو خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ﴾ قال أبو جعفر الطبري في تفسيره مانصه: يعني تعالى ذكره بقوله:"أم كنتم شهداء"، أكنتم.
ولكنه استفهم ب"أم"، إذ كان استفهاما مستأنفا على كلام قد سبقه، كما قيل: ﴿ الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ﴾ [السجدة: 1 - 3].
وكذلك تفعل العرب في كل استفهام ابتدأته بعد كلام قد سبقه، تستفهم فيه ب"أم".
ثم قال: "والشهداء" جمع"شهيد"، كما"الشركاء" جمع"شريك" و"الخصماء" جمع"خصيم".   وتأويل الكلام: أكنتم -يا معشر اليهود والنصارى، المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم، الجاحدين نبوته-، حضورَ يعقوبَ وشهودَه إذ حضره الموت، أي إنكم لم تحضروا ذلك، فلا تدعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل، وتَنحلوهم اليهوديةَ والنصرانية، فإني ابتعثت خليلي إبراهيم -وولده إسحاق وإسماعيل وذريتهم- بالحنيفية المسلمة، وبذلك وصَّوْا بنيهم، وبه عهدوا إلى أولادهم من بعدهم.
فلو حضرتموهم فسمعتم منهم، علمتم أنهم على غير ما نحلتموهم من الأديان والملل من بعدهم.اهـ[38]   وزاد القرطبي- رحمه الله- في تفسيرها بياناً فقال: والخطاب لليهود والنصارى الذين ينسبون إلى إبراهيم ما لم يوص به بنيه، وأنهم على اليهودية والنصرانية، فرد الله عليهم قولهم وكذبهم، وقال لهم على جهة التوبيخ: أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدعون عن علم، أي لم تشهدوا، بل أنتم تفترون!.
و" أم" بمعنى بل، أي بل أشهد أسلافكم يعقوب.
والعامل في" إذ" الاولى معنى الشهادة، و" إذ" الثانية بدل من الاولى.
و" شهداء" جمع شاهد أي حاضر.
ومعنى" حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ" أي مقدماته وأسبابه، وإلا فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا.
وعبر عن المعبود بـ" ما" ولم يقل من، لأنه أراد أن يختبرهم، ولو قال" من" لكان مقصوده أن ينظر من لهم الاهتداء منهم، وإنما أراد تجربتهم فقال" ما".
وأيضا فالمعبودات المتعارفة من دون الله جمادات كالأوثان والنار والشمس والحجارة، فاستفهم عما يعبدون من هذه.
ومعنى" مِنْ بَعْدِي" أي من بعد موتي.اهـ[39]   • ﴿ قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ وفسرها السعدي -رحمه الله- فقال ما نصه: فأجابوه بما قرت به عينه فقالوا: ﴿ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ فلا نشرك به شيئا، ولا نعدل به أحدا، ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ فجمعوا بين التوحيد والعمل.   ومن المعلوم أنهم لم يحضروا يعقوب، لأنهم لم يوجدوا بعد، فإذا لم يحضروا، فقد أخبر الله عنه أنه وصى بنيه بالحنيفية، لا باليهودية.اهـ[40]   وزاد في بيانها ابن كثير-رحمه الله – فقال مامختصره: وقوله: ﴿ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ أي: نُوَحِّدُه بالألوهية، ولا نشرك به شيئا غيره ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ فقال أي: مطيعون خاضعون كما قال تعالى: ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران: 83] والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة، وإن تنوّعت شرائعهم واختلفت مناهجهم، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
والآيات في هذا كثيرة.اهـ [41].   ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 134]: (تي) اسم إشارة مبني على السكون على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ رفع مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب (أمّة) خبر مرفوع (قد) حرف تحقيق (خلت) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على، الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين..
والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر تقديره هي اللام حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (ما) اسم موصول في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر على حذف مضاف أي جزاء ما كسبت، (كسبت) فعل ماض..
والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي والعائد محذوف أي كسبته.
الواو عاطفة (لكم) مثل لها متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (ما) مثل الأول (كسبتم) فعل وفاعل والعائد محذوف أي كسبتموه الواو استئنافيّة (لا) نافية (تسألون) مضارع مبني للمجهول مرفوع..
والواو نائب فاعل (عن) حرف جرّ (ما) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق ب (تسألون)، (كانوا) فعل ماض ناقص..
والواو اسم كان (يعملون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ قال ابن كثير: قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾ أي: مضت ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ أي: إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرًا يعود نفعهُ عليكم، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم.اهـ[42]   • وقال السعدي: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾ أي: مضت ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ أي: كل له عمله، وكل سيجازى بما فعله، لا يؤخذ أحد بذنب أحد ولا ينفع أحدا إلا إيمانه وتقواه فاشتغالكم بهم وادعاؤكم، أنكم على ملتهم، والرضا بمجرد القول، أمر فارغ لا حقيقة له، بل الواجب عليكم، أن تنظروا حالتكم التي أنتم عليها، هل تصلح للنجاة أم لا؟.اهـ[43]   • ولابن العثيمين فائدة لطيفة في تفسيره قال -رحمه الله: و«الأمة» هنا بمعنى طائفة؛ وتطلق في القرآن على عدة معانٍ؛ المعنى الأول: الطائفة، كما هنا؛ المعنى الثاني: الحقبة من الزمن، مثل قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ [يوسف: 45].
يعني: بعد حقبة من الزمن؛ والمعنى الثالث: الإمام، مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ [النحل: 120]؛ والمعنى الرابع: الطريق، والملة، مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ﴾ [الزخرف: 22].
اهـ[44]   • ﴿ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ قال ابن العثيمين: أي لا تُسألون عن أعمال من سبقكم؛ لأن لهم ما كسبوا، ولكم ما كسبتم.اهـ[45]   • وقال القرطبي: أي لا يؤاخذ أحد بذنب أحد، مثل قوله تعالى: ﴿ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ﴾ أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى.اهـ[46]   ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [البقرة: 135]: الواو استئنافيّة (قالوا) فعل وفاعله (كونوا) فعل أمر ناقص مبنيّ على حذف النون..
والواو اسم كان (هودا) خبر كان منصوب (أو) حرف عطف (نصارى) معطوف على (هودا) منصوب مثله وعلامة النصب الفتحة المقدّرة (تهتدوا) مضارع مجزوم جواب الطلب..
والواو فاعل.
(قل) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنت) (بل) حرف إضراب وابتداء (ملّة) مفعول به لفعل محذوف تقديره نتبع، (إبراهيم) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة (حنيفا) حال منصوبة من إبراهيم، والواو استئنافيّة (ما) نافية (كان) فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره هو (من المشركين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كان.اهـ
روائع البيان والتفسير: • ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾ قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها: وقالت اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المؤمنين: كونوا هودا تهتدوا؛ وقالت النصارى لهم: كونوا نصارى تهتدوا.   تعني بقولها:"تهتدوا"، أي تصيبوا طريق الحق.اهـ[47]   • ﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ قال ابن كثير مامختصره: وقوله ﴿ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ " أي: لا نريد ما دعوتم إليه من اليهودية والنصرانية، بل نتبع ﴿ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ أي: مستقيما..   ثم قال: وقال مجاهد، والربيع بن أنس: حنيفًا، أي: متبعًا.
وقال قتادة: الحنيفية: شهادة أن لا إله إلا الله.
اهـ[48]   قلت: وذكر-رحمه الله أقوال أخري عن المقصود ب"حنيفاً " ولابن العثيمين بياناً شافياً عند شرحه لهذه الجزئية من الآية.   • قال ابن العثيمين- رحمه الله-: قوله تعالى: ﴿ وما كان من المشركين ﴾: هذا توكيد لقوله تعالى: ﴿ حنيفاً ﴾؛ لأن «الحنيف» المائل عما سوى التوحيد؛ مأخوذ من حنف الذئب أي ميله؛ فهو مائل عن كل ما سوى التوحيد؛ إذاً ﴿ وما كان من المشركين ﴾ يكون توكيداً لهذه الحال توكيداً معنوياً لا إعرابياً؛ يعني أنه –صلي الله عليه وسلم- ما كان فيما مضى من المشركين، ولا فيما يستقبل؛ لأن «كان» لا تدل على الحدث؛ تدل على اتصاف اسمها بخبرها، مثل: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 96]؛ فقوله تعالى: ﴿ وما كان ﴾ يعني أن هذا الوصف منتف عنه؛ وقوله تعالى: ﴿ من المشركين ﴾ يعم انتفاء الشرك الأصغر والأكبر عنه؛ هذه هي الملة التي يتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم، ونتبعها نحن إن شاء الله سبحانه وتعالى؛ ونرجو الله عزّ وجلّ أن نموت عليها؛ هذه هي الملة الحنيفية الحقيقية التي توصل العبد إلى ربه، كما قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153].اهـ[49]   ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136]: (قولوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون...
والواو فاعل (آمنّا) فعل ماض مبنيّ على السكون..
و(نا) فاعل (باللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (آمنّا)، الواو عاطفة (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ معطوف على لفظ الجلالة (أنزل) فعل ماض مبنيّ للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو وهو العائد (إلى) حرف جرّ و(نا) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلق ب (أنزل)، الواو عاطفة (ما أنزل) مثل الأول (إلى إبراهيم) جارّ ومجرور متعلّق ب (أنزل)، (إسماعيل، إسحاق، يعقوب، الأسباط) أسماء معطوفة على لفظ إبراهيم بحروف العطف مجرورة مثله، الواو عاطفة (ما أوتي) مثل ما أنزل (موسى) نائب فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف (عيسى) معطوف على موسى بالواو مرفوع مثله وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف الواو عاطفة (ما أوتي النبيّون) مثل ما أوتي موسى..
وعلامة الرفع في نائب الفاعل الواو (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (أوتي) الأول أو الثاني..
و(هم) ضمير متّصل مضاف إليه (لا) نافية (نفرّق) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (نفرّق)، (أحد) مضاف إليه مجرور (من) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف نعت لأحد الواو عاطفة (نحن) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (مسلمون) وهو خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو.اهـ   روائع البيان والتفسير: قال السعدي- رحمه الله- في بيان وتفسير الآية مانصه: هذه الآية الكريمة، قد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به.

واعلم أن الإيمان الذي هو تصديق القلب التام، بهذه الأصول، وإقراره المتضمن لأعمال القلوب والجوارح، وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الإسلام، وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها، فهي من الإيمان، وأثر من آثاره، فحيث أطلق الإيمان، دخل فيه ما ذكر، وكذلك الإسلام، إذا أطلق دخل فيه الإيمان، فإذا قرن بينهما، كان الإيمان اسما لما في القلب من الإقرار والتصديق، والإسلام، اسما للأعمال الظاهرة وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة، فقوله تعالى: ﴿ قُولُوا ﴾ أي: بألسنتكم، متواطئة عليها قلوبكم، وهذا هو القول التام، المترتب عليه الثواب والجزاء، فكما أن النطق باللسان، بدون اعتقاد القلب، نفاق وكفر، فالقول الخالي من العمل عمل القلب، عديم التأثير، قليل الفائدة، وإن كان العبد يؤجر عليه، إذا كان خيرا ومعه أصل الإيمان، لكن فرق بين القول المجرد، والمقترن به عمل القلب.   وفي قوله: ﴿ قُولُوا ﴾ إشارة إلى الإعلان بالعقيدة، والصدع بها، والدعوة لها، إذ هي أصل الدين وأساسه.   وفي قوله: ﴿ آمَنَّا ﴾ ونحوه مما فيه صدور الفعل، منسوبا إلى جميع الأمة، إشارة إلى أنه يجب على الأمة، الاعتصام بحبل الله جميعا، والحث على الائتلاف حتى يكون داعيهم واحدا، وعملهم متحدا، وفي ضمنه النهي عن الافتراق، وفيه: أن المؤمنين كالجسد الواحد.   وفي قوله: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ إلخ دلالة على جواز إضافة الإنسان إلى نفسه الإيمان، على وجه التقييد، بل على وجوب ذلك، بخلاف قوله: "أنا مؤمن"ونحوه، فإنه لا يقال إلا مقرونا بالاستثناء بالمشيئة، لما فيه من تزكية النفس، والشهادة على نفسه بالإيمان.   فقوله: ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ أي: بأنه موجود، واحد أحد، متصف بكل صفة كمال، منزه عن كل نقص وعيب، مستحق لإفراده بالعبادة كلها، وعدم الإشراك به في شيء منها، بوجه من الوجوه..اهـ[50].   ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ قال أبو جعفر الطبري مانصه: "وما أنزل إلينا"، يقول أيضًا: صدّقنا بالكتاب الذي أنزل الله إلى نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فأضاف الخطاب بالتنزيل إليهم، إذ كانوا متّبعيه، ومأمورين منهيين به.
فكان - وإنْ كان تنزيلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - بمعنى التنزيل إليهم، للذي لهم فيه من المعاني التي وصفتُ.   ويعني بقوله: "ومَا أنزل إلى إبراهيم"، صدَّقنا أيضًا وآمنا بما أنزل إلى إبراهيم "وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباط"، وهم الأنبياء من ولد يَعقوب.   وقوله: ﴿ ومَا أوتي مُوسَى وعيسى ﴾، يعني: وآمنا أيضًا بالتوراة التي آتاها الله موسى، وبالإنجيل الذي آتاه الله عيسى، والكتب التي آتى النبيين كلهم، وأقرَرنا وصدّقنا أن ذلك كله حَق وهُدى ونور من عند الله، وأن جَميع من ذكر الله من أنبيائه كانوا على حق وهدى، يُصدِّق بعضهم بعضًا، على منهاج واحد في الدعاء إلى توحيد الله، والعمل بطاعته، "لا نُفرِّق بَينَ أحد منهم"، يقول: لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض، ونتبرَّأ من بعضٍ ونتولى بعضًا، كما تبرأت اليهودُ من عيسى ومحمد عليهما السلام وأقرّت بغيرهما من الأنبياء، وكما تبرأت النصارَى من محمد صلى الله عليه وسلم وأقرّت بغيره من الأنبياء، بل نشهد لجميعهم أنّهم كانوا رسلَ الله وأنبياءَه، بعثوا بالحق والهدى.   وأما قوله: ﴿ ونحنُ لَهُ مُسلمون ﴾، فإنه يعني تعالى ذكره: ونحنُ له خاضعون بالطاعة، مذعنون له بالعبودية.اهـ[51] • وقال ابن كثير في تفسيرها إجمالاً: أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلا وبما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا ونص على أعيان من الرسل، وأجمل ذكر بقية الأنبياء، وأن لا يفرقوا بين أحد منهم، بل يؤمنوا بهم كلّهم، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم: ﴿ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ﴾ [النساء: 150، 151].اهـ[52]   ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137]: الفاء عاطفة (إن) حرف شرط جازم (آمنوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ في محلّ جزم فعل الشرط والواو فاعل الباء حرف جرّ، (مثل) اسم زائد لئلّا يلزم ثبوت المثل للّه أو للقرآن (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ بالباء على المحلّ البعيد متعلّق ب (آمنوا).
(آمنتم) فعل ماض مبنيّ على السكون.
و(تم) ضمير فاعل الباء حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (آمنتم)، الفاء رابطة لجواب الشرط (قد) حرف تحقيق (اهتدوا) مثل آمنوا وحركة البناء مقدّرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين الواو عاطفة (إن تولّوا) مثل إن آمنوا وحركة البناء مقدّرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين الفاء رابطة لجواب الشرط (إنّما) كافّة ومكفوفة (هم) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (في شقاق) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر (هم)، الفاء رابطة لجواب الشرط المقدّر السين حرف استقبال (يكفي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة والكاف ضمير مفعول به أوّل و(هم) ضمير متّصل مفعول به ثان (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع الواو استئنافيّة (هو) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (السميع) خبر مرفوع (العليم) خبر ثان مرفوع.اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾ ذكر أبو جعفر الطبري في تفسيره مانصه: يعني تعالى ذكره بقوله:"فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به"، فإن صدّق اليهودُ والنصارَى بالله، ومَا أنزل إليكم، وما أنزل إلى إبراهيمَ وإسماعيل وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطِ، ومَا أوتي مُوسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، وأقروا بذلك، مثلَ ما صدّقتم أنتم به أيّها المؤمنون وأقررتم، فقد وُفِّقوا ورَشِدوا، ولزموا طريق الحق، واهتدوا، وهم حينئذ منكم وأنتم منهم، بدخولهم في ملتكم بإقرارهم بذلك.   فدلّ تعالى ذكره بهذه الآية، على أنه لم يقبل من أحد عَملا إلا بالإيمان بهذه المعاني التي عدَّها قَبلها.اهـ[53]   • ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ قال ابن العثيمين في تفسيره: ﴿ وإن تولوا ﴾: «التولي» الإعراض؛ أي عن الإيمان بمثل ما آمنتم به.
قوله تعالى: ﴿ فإنما هم في شقاق ﴾ جملة اسمية للدلالة على الاستمرار، والثبوت؛ وأتت بـ «إنما» الدالة على الحصر؛ أي فما حالهم إلا الشقاق؛ و﴿ في ﴾ للظرفية كأن الشقاق محيط بهم من كل جانب منغمسون فيه؛ و«الشقاق» بمعنى الخلاف؛ وهو في كل معانيه يدور على هذا حتى في قوله تعالى: ﴿ وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ﴾: فبعضهم قال: «الشقاق» هنا بمعنى الضلال؛ ولكن الصحيح أن معناه: الخلاف؛ فكلما جاءت في القرآن فمآلها إلى الخلاف؛ ولكنها أشد، حيث تفيد الاختلاف مع طلب المشقة على الخصم؛ ويدل لهذا أن أصل معنى «الشقاق» أن يكون أحد الطرفين في شق، والثاني في شق آخر؛ وبهذا يكون الخلاف.   وكأن الإنسان إذا سمع ﴿ فإنما هم في شقاق ﴾ قد يهاب، ويخاف؛ فطمأن الله تعالى المؤمنين بقوله: ﴿ فسيكفيكهم الله ﴾؛اهـ[54]   • ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ أي يكفيك شر اليهود والنصارى وقد كفى بإجلاء بني النضير، وقتل بني قريظة وضرب الجزية على اليهود والنصارى ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ لأقوالهم ﴿ الْعَلِيم ﴾ بأحوالهم.
ذكره البغوي في معالم التنزيل[55]   • وزاد ابن عثيمين في بيانها بنفحة إيمانية لطيفة..
فقال - رحمه الله: قد يقول قائل: يبدو لنا أن المناسب أن يقول: «وهو القوي العزيز» لأنه قال: ﴿ فسيكفيكهم الله ﴾ فما هو الجواب عن ختمها بالسمع، والعلم؟ فالظاهر لي - والله أعلم - أنه لما كان تدبير الكيد للرسول -صلي الله عليه وسلم- من هؤلاء قد يكون بالأقوال، وقد يكون بالأفعال؛ والتدبير أمر خفي ليس هو حرباً يعلن حتى نقول: ينبغي أن يقابل بقوة، وعزة؛ قال تعالى: ﴿ وهو السميع العليم ﴾ أي حتى الأمور التي لا يُدرى عنها، ولا يبرزونها، ولا يظهرون الحرابة للرسول -صلي الله عليه وسلم- فإن الله سميع عليم بها؛ هذا ما ظهر لي - والله أعلم -.اهـ[56]   ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138]: (صبغة) مفعول مطلق لفعل محذوف أي صبغنا اللّه صبغة، (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور الواو اعتراضية (من) اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ (أحسن) خبر مرفوع (من اللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (أحسن)، (صبغة) تمييز منصوب الواو عاطفة (نحن) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (عابدون) وهو خبر نحن مرفوع وعلامة الرفع الواو.اهـ

روائع البيان والتفسير: • ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ ذكر أبو جعفر الطبري في تفسيرها ما مختصره: يعنى تعالى ذكره ب"الصبغة: صبغةَ الإسلام.
وذلك أنّ النصارى إذا أرادت أن تنصِّر أطفالهم، جعلتهم في ماء لهم تزعم أن ذلك لها تقديس، بمنزلة غُسل الجنابة لأهل الإسلام، وأنه صبغة لهم في النصرانية.   فقال الله تعالى ذكره -إذ قالوا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين به: ﴿ كونوا هودًا أو نَصَارَى تَهتدوا ﴾-: قل لهم يا محمد: أيها اليهود والنصارى، بل اتبعوا ملة إبراهيمَ، صبغة الله التي هي أحسن الصِّبَغ، فإنها هي الحنيفية المسلمة، ودعوا الشركَ بالله، والضلالَ عن محجَّة هُداه.اهـ[57]   وزاد السعدي -رحمه الله- بياناً فقال في تفسيرها: أي: الزموا صبغة الله، وهو دينه، وقوموا به قياما تاما، بجميع أعماله الظاهرة والباطنة، وجميع عقائده في جميع الأوقات، حتى يكون لكم صبغة، وصفة من صفاتكم، فإذا كان صفة من صفاتكم، أوجب ذلك لكم الانقياد لأوامره، طوعا واختيارا ومحبة، وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة، فحصلت لكم السعادة الدنيوية والأخروية، لحث الدين على مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ومعالي الأمور، فلهذا قال - على سبيل التعجب المتقرر للعقول الزكية-: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ أي: لا أحسن صبغة من صبغته.   وإذا أردت أن تعرف نموذجا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ، فقس الشيء بضده، فكيف ترى في عبد آمن بربه إيمانا صحيحا، أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح، فلم يزل يتحلى بكل وصف حسن، وفعل جميل، وخلق كامل، ونعت جليل، ويتخلى من كل وصف قبيح، ورذيلة وعيب، فوصفه: الصدق في قوله وفعله، والصبر والحلم، والعفة، والشجاعة، والإحسان القولي والفعلي، ومحبة الله وخشيته، وخوفه، ورجاؤه، فحاله الإخلاص للمعبود، والإحسان لعبيده، فقسه بعبد كفر بربه، وشرد عنه، وأقبل على غيره من المخلوقين فاتصف بالصفات القبيحة، من الكفر، والشرك والكذب، والخيانة، والمكر، والخداع، وعدم العفة، والإساءة إلى الخلق، في أقواله، وأفعاله، فلا إخلاص للمعبود، ولا إحسان إلى عبيده.   فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما، ويتبين لك أنه لا أحسن صبغة من صبغة الله، وفي ضمنه أنه لا أقبح صبغة ممن انصبغ بغير دينه.اهـ[58]   • ﴿ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها مانصه: أمرٌ من الله تعالى ذكره نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود والنصارى، الذين قالوا له ولمن تبعه من أصحابه:"كونوا هودًا أو نَصارَى".
فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ بل نتبعُ ملة إبراهيم حنيفًا، صبغةَ الله، ونحنُ له عابدون.
يعني: ملة الخاضعين لله المستكينين له، في اتّباعنا ملة إبراهيم، وَديْنُونتنا له بذلك، غير مستكبرين في اتباع أمره، والإقرار برسالته رسلَه، كما استكبرت اليهودُ والنصارَى، فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم استكبارًا وبغيًا وحسدًا.اهـ[59]   ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ [البقرة: 139]: (قل) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت الهمزة للاستفهام الإنكاري (تحاجّون) مضارع مرفوع والواو فاعل و(نا) ضمير مفعول به (في اللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (تحاجّون) على حذف مضاف أي في شأن اللّه الواو حاليّة (هو) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (ربّ) خبر مرفوع و(نا) مضاف إليه (ربّ) الثاني معطوف على الأول بحرف العطف مرفوع مثله و(كم) ضمير متّصل مضاف إليه الواو عاطفة اللام حرف جرّ و(نا) ضمير في محل جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (أعمال) مبتدأ مؤخّر مرفوع و(نا) مضاف إليه الواو عاطفة (لكم أعمالكم) مثل لنا أعمالنا، الواو عاطفة (نحن) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (له) مثل لنا..
متعلّق ب (مخلصون) وهو خبر المبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الواو.اهـ   روائع البيان والتفسير: •﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ قال ابن كثير في تفسيرها مانصه: يقول الله تعالى مرشدا نبيه صلوات الله وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين: ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ ﴾ أي: أتناظروننا في توحيد الله والإخلاص له والانقياد، واتباع أوامره وترك زواجره ﴿ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾ المتصرف فينا وفيكم، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له! ﴿ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ أي: نحن برآء منكم، وأنتم بُرَآء منا، كما قال في الآية الأخرى: ﴿ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 41].اهـ[60]   ووضح السعدي المقصود بالمجادلة هنا بقوله: المحاجة هي: المجادلة بين اثنين فأكثر، تتعلق بالمسائل الخلافية، حتى يكون كل من الخصمين يريد نصرة قوله، وإبطال قول خصمه، فكل واحد منهما، يجتهد في إقامة الحجة على ذلك، والمطلوب منها، أن تكون بالتي هي أحسن، بأقرب طريق يرد الضال إلى الحق، ويقيم الحجة على المعاند، ويوضح الحق، ويبين الباطل، فإن خرجت عن هذه الأمور، كانت مماراة، ومخاصمة لا خير فيها، وأحدثت من الشر ما أحدثت، فكان أهل الكتاب، يزعمون أنهم أولى بالله من المسلمين، وهذا مجرد دعوى، تفتقر إلى برهان ودليل.
فإذا كان رب الجميع واحدا، ليس ربا لكم دوننا، وكل منا ومنكم له عمله، فاستوينا نحن وإياكم بذلك.
فهذا لا يوجب أن يكون أحد الفريقين أولى بالله من غيره؛ لأن التفريق مع الاشتراك في الشيء، من غير فرق مؤثر، دعوى باطلة، وتفريق بين متماثلين، ومكابرة ظاهرة.
وإنما يحصل التفضيل، بإخلاص الأعمال الصالحة لله وحده، وهذه الحالة، وصف المؤمنين وحدهم، فتعين أنهم أولى بالله من غيرهم؛ لأن الإخلاص، هو الطريق إلى الخلاص.اهـ[61].   • ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ أي لله عزّ وجلّ مخلصون؛ و«الإخلاص» تنقية الشيء من كل الشوائب التي قد تَعْلَق به؛ فالمعنى: أننا مخلصون لله الدينَ لا نشرك به شيئاً.قاله ابن العثيمين- رحمه الله تعالي.اهـ [62]   ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140]: (أم) هي المنقطعة بمعنى بل والهمزة (تقولون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل (إنّ) حرف مشبّهة بالفعل للتوكيد (إبراهيم) اسم إنّ منصوب وقد منع من التنوين للعلميّة والعجمة (إسماعيل...،الأسباط) أسماء معطوفة على إبراهيم بحروف العطف الواو منصوبة مثله (كانوا) فعل ماض ناقص مبنيّ على الضمّ..
والواو اسم كان (هودا) خبر كان منصوب (أو) حرف عطف (نصارى) معطوف على (هودا) منصوب مثله وعلامة النصب الفتحة المقدّرة علق الألف.
(قل) فعل أمر والفاعل أنت (الهمزة) للاستفهام الإنكاري (أنتم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (أعلم) خبر مرفوع (أم) حرف عطف هي المتصّلة (اللّه) لفظ الجلالة معطوف على الضمير المنفصل وهو مرفوع «يجوز أن يكون لفظ الجلالة مبتدأ خبره محذوف تقديره أعلم، والجملة معطوفة على جملة أأنتم أعلم.
(الواو) استئنافيّة (من) اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ (أظلم) خبر مرفوع (من) حرف جرّ (من) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق ب (أظلم)، (كتم) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (شهادة) مفعول به منصوب، وهو المفعول الثاني، والأول محذوف تقديره الناس (عند) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف نعت لشهادة، و(الهاء) ضمير مضاف إليه (من اللّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت ثان لشهادة، أو متعلّق ب (كتم) على حذف مضاف أي من عباد اللّه.
(الواو) استئنافيّة (ما) نافية عاملة عمل ليس (اللّه) اسم ما مرفوع (الباء) حرف جرّ زائد (غافل) مجرور لفظا منصوب محلّا خبر ما (عن) حرف جرّ (ما) اسم موصول «أو حرف مصدري أو نكرة موصوفة والجملة بعدها نعت له» في محلّ جرّ متعلّق بغافل والعائد محذوف (تعملون) مضارع مرفوع.
والواو فاعل.اهـ.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ قال السعدي في بيانها مانصه: وهذه دعوى أخرى منهم، ومحاجة في رسل الله، زعموا أنهم أولى بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين.   فرد الله عليهم بقوله: ﴿ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ فالله يقول: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ وهم يقولون: بل كان يهوديا أو نصرانيا.   فإما أن يكونوا، هم الصادقين العالمين، أو يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك، فأحد الأمرين متعين لا محالة، وصورة الجواب مبهم، وهو في غاية الوضوح والبيان، حتى إنه - من وضوحه - لم يحتج أن يقول بل الله أعلم وهو أصدق، ونحو ذلك، لانجلائه لكل أحد، كما إذا قيل: الليل أنور، أم النهار؟ والنار أحر أم الماء؟ والشرك أحسن أم التوحيد؟ ونحو ذلك.   وهذا يعرفه كل من له أدنى عقل حتى إنهم بأنفسهم يعرفون ذلك، ويعرفون أن إبراهيم وغيره من الأنبياء، لم يكونوا هودا ولا نصارى، فكتموا هذا العلم وهذه الشهادة، فلهذا كان ظلمهم أعظم الظلم.
ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ﴾ فهي شهادة عندهم، مودعة من الله، لا من الخلق، فيقتضي الاهتمام بإقامتها، فكتموها، وأظهروا ضدها، جمعوا بين كتم الحق، وعدم النطق به، وإظهار الباطل، والدعوة إليه، أليس هذا أعظم الظلم.اهـ[63]   • ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ قال ابن العثيمين في بيانها ما نصه: قوله تعالى: ﴿ ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ﴾ يعني لا أحد أظلم في كتمان الشهادة ممن كتم شهادة عنده من الله؛ وهؤلاء اليهود والنصارى كتموا الشهادة عندهم من الله؛ لأن الله - تبارك وتعالى - أخبر عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر أوصافه في التوراة، والإنجيل، كما قال الله - تبارك وتعالى - في سورة الأعراف: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157]؛ فهذه أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل معلومة لبني إسرائيل؛ ولكنهم يكتمون هذه الشهادة؛ ولا أحد أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله تعالى في كتمان الشهادة؛ وإن كان المشرك أظلم الظالمين؛ لكن اسم التفضيل يختص بالشيء المعين الذي يشترك فيه المفضل، والمفضل عليه.   قوله تعالى: ﴿ وما الله بغافل عما تعملون ﴾ يعني أن الله عزّ وجلّ لا يغفل عما يعمل هؤلاء؛ بل هو جل وعلا عالم به، وسوف يحاسبهم عليه.اهـ[64]   مرّ اعراب هذه الآية آنفا « انظر الآية (134) من هذه السورة.»   روائع البيان والتفسير: قال ابن كثير في تفسيرها: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾ أي: قد مضت ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ أي: لهم أعمالهم ولكم أعمالكم ﴿ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم، من غير متابعة منكم لهم، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا مثلهم منقادين لأوامر الله واتباع رسله، الذين بعثوا مبشرين ومنذرين، فإنه من كفر بنبي واحد فقد كفر بسائر الرسل، ولا سيما من كفر بسيد الأنبياء، وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من سائر المكلفين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين.اهـ[65]   وقال أبو جعفر الطبري في تفسيرها مانصه: معنى الآية إذًا: قلْ يا محمد لهؤلاء الذين يُجادلونك في الله من اليهود والنصارى، إن كتموا ما عندَهم من الشهادة في أمر إبراهيم ومن سَمَّينا مَعه، وأنهم كانوا مسلمين، وزعموا أنهم كانوا هودًا أو نصارى، فكذبوا: إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطَ أمَّةٌ قد خَلتْ -أي مضت لسبيلها - فصارت إلى ربها، وخَلتْ بأعمالها وآمالها، لها عند الله ما كسبت من خير في أيام حياتها، وعليها ما اكتسبت من شر، لا ينفعها غيرُ صالح أعمالها، ولا يضرها إلا سيِّئها.
فاعلموا أيها اليهود والنصارى ذلك، فإنكم، إنْ كان هؤلاء - وهم الذين بهم تَفتخرون، وتزعمون أنّ بهم تَرجُون النجاةَ من عذاب ربكم، مع سيئاتكم وعظيم خطيئاتكم - لا يَنفعهم عند الله غيرُ ما قدَّموا من صالح الأعمال، ولا يضرهم غير سيئها، فأنتم كذلك أحرَى أنْ لا ينفعكم عند الله غير ما قدمتم من صالح الأعمال، ولا يضرّكم غيرُ سَيئها.
فاحذروا على أنفسكم، وبادروا خروجَها بالتوبة والإنابة إلى الله مما أنتم عليه من الكفر والضلالة والفِرية على الله وعلى أنبيائه ورُسُله، ودَعُوا الاتكالَ على فَضَائل الآباء والأجداد، فإنما لكم ما كسبتم، وعليكم ما اكتسبتم، ولا تُسألون عما كان إبراهيم وإسماعيلُ وإسحاقُ ويعقوبُ والأسباط يَعملون من الأعمال، لأن كل نفس قَدِمت على الله يوم القيامة، فإنما تُسأل عما كسبت وأسلفت، دون ما أسلفَ غيرُها.اهـ[66].  

[1]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 573 /1906 ) [2]تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /404 ) [3]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 574 / 1906 ) [4]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 120) [5]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 29 ) [6]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1/ 65) [7]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 33) [8]أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان ( 1/34-44 ) [9]قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- بتحقيقه- ص (20 )-الطبعة الرابعة- ذكره الإمام البخاري في التفسير ج9 ص235 وفي متابعة يحيى بن سعد لهشيم وذكره في الموضعين تعليقا في التصريح بسماع حميد من أنس قال الحافظ في الفتح ج2 ص51: فأمن من تدليسه. الحديث أخرجه الترمذي ج4 ص69 وقال هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن ابن عمر واقتصر على قوله ﴿ وَاتَّخِذُوا ﴾ الآية.
وعزاه الحافظ ابن كثير في التفسير 1 ص169 إلى النسائي، وابن ماجه، وأخرجه ج1 ص24 وص36، والطبري ج1 ص534 بمثل ما عند الترمذي. وقد أخرج مسلم في المناقب من حديث ابن عمر نحوه فذكر مقام إبراهيم وأسارى بدر والحجاب. [10]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 2 / 26 / 1982) [11]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 /65 ) [12]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 36 ) [13]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 /65 ) [14]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 / 66) [15]قال الألباني -رحمه الله- رواه الطبراني في الأوسط مختصرا بإسناد رواته رواة الصحيح ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لموضع سوط في الجنة خير مما بين السماء والأرض وابن حبان في صحيحه ولفظه قال غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قدم من الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة اطلعت إلى الأرض من نساء أهل الجنة لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها – وأنظر صحيح الترهيب والترغيب للألباني (3 /274)- باب صفة الجنة- الناشر: مكتبة المعارف - الرياض [16]قال الألباني صحيح ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي وأنظر صحيح الترهيب والترغيب للألباني- رحمه الله- برقم/ 3283 – باب الترغيب في التوبة -الناشر: مكتبة المعارف - الرياض [17]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 41 ) [18]أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان ( 1 /44) [19]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 /73 / 2060) [20]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 74 ) [21]أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان (1 / 44) [22]معالم التنزيل للبغوي- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /150 ) [23]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 51 ) [24]تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 / 443) [25]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 /53 ) [26]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 87 / 2080 ) [27]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 88 / 2081 ) [28]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 /89 / 2082 ) [29]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 /56 ) [30]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 91 / 2085 ) [31]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 /66 ) [32]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 58) [33]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 /93 / 2085) [34]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 / 66 ) [35]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 /96 /2087) [36]أخرجه مسلم برقم/ 4781 - بَاب كَيْفِيَّةِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَكِتَابَةِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقَاوَتِهِ وَسَعَادَتِهِ والبخاري برقم/6900 -باب قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ﴾ [37]تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 /446 ) [38]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 97 /2087 ) [39]الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة (2 / 137) [40]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 4 /62 ) [41]تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 / 447 ) [42]تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 / 447 ) [43]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 / 66 ) [44]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 64 ) [45]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 64 ) [46]الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة (2 / 139) [47]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 101 / 2089 ) [48]تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /448 ) [49]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 67 ) [50]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/ 67-68 ) [51]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 109 / 2100 ) [52]تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 / 488 ) [53]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 113 /2107 ) [54]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 /73 ) [55]معالم التنزيل للبغوي- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 / 157 ) [56]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 74 ) [57]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 /117 /2112 ) [58]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 / 68 ) [59]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 3/120 /2128 ) [60]تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 /451 ) [61]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /69 ) [62]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 79 ) [63]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 /69 ) [64]تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 81 ) [65]تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 /452 ) [66]جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 128 /2141 )



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن