هل أرواح الموتى تتلاقى وتتزاور؟
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
هل أرواح الموتى تتلاقى وتتزاور؟الدار الآخرة أسئلة وأجوبة حول القبر
يجيب عن هذا ابن القيم - رحمه الله - كما في كتابه "الروح" فيقول:
المسألة الثانية: في أن أرواح الموتى تتلاقى وتتزاور وتتذاكر أم لا؟
فهي أيضًا مسألة شريفة كبيرة القدر، وجوابها أن الأرواح قسمان: أرواح مُعذَّبة، وأرواح مُنَعَّمة.
فالمعذَّبَة: في شُغُل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي.
والأرواح المُنَعَّمة المرسَلة غير المحبوسة: تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها، وروح نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الرَّفيق الأعلى، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
وهذه المعِيَّة ثابتة في الدنيا، وفي البرزخ، والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاث".
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا ولي أحدكم أخاه فليُحسن كفنه، فإنهم يُبعثون في أكفانهم ويتزاورون في قبورهم))؛ (رواه الخطيب البغدادي عن أنس، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 845)، (وهو في السلسلة الصحيحة كذلك رقم: 1425).
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: ((إذا قُبضتْ نفسُ العبد تلقَّاه أهل الرحمة من عباد الله كما يَلقون البشير في الدنيا، فيُقبلون عليه ليسألوه، فيقول بعضهم لبعض: أَنْظِروا أخاكم حتى يَستريحَ؛ فإنه كان في كرب، فيُقبلون عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوَّجت؟ فإذا سألوا عن الرَّجل قد مات قَبله، قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذُهب به إلى أمِّه الهاوية (النار) فبئست الأمُّ وبئست المربية، قال: فيُعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنًا فرحوا واستبشروا، وقالوا: هذه نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سُوءًا قالوا: اللَّهم راجع بعبدك))؛ (أخرجه ابن المبارك في الزهد: 149، موقوفًا على أبي أيوب الأنصاري، وله حكم الرفع).
قال الألباني: إسناده صحيح "الصحيحة" رقم: 2758، ثم قال: وكونه موقوفًا لا يضر، فإنه يتحدث عن أمور غيبيَّة لا يمكن أن تُقال بالرأي، فهو في حكم المرفوع يقينًا.
وأخرج النَّسائي والحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا حُضِرَ المؤمن أتته ملائكة الرَّحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخْرُجِي راضيةً مرضيًّا عنكِ إلى رَوْحِ الله ورَيحانٍ وربٍّ غير غضبان، فتخرج كأطيَب ريح المِسك، حتى إنه ليتناوله بعضُهم بعضًا حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما أطيبَ هذه الرِّيحَ التي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين فلَهُم أشدُّ فرحًا به من أحدكم بغائِبه يَقدمُ عليه، فيسألونه: ماذا فعل فُلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دَعوه فإنه كان في غمِّ الدنيا.
فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذُهِب به إلى أمِّه الهاوية، وإن الكافر إذا احتُضِر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخْرُجِي ساخطةً مسخوطًا عليكِ إلى عذاب الله، فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أَنْتَن هذه الريح، حتى يأتون به أرواح الكفار)).
وعن أبي حازم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أحسبه رفعه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين، فود لو خرجت - يعنى: نفسَه - والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يُصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض، فإذا قال: تركت فلانًا في الدنيا أعجبهم ذلك، وإذا قال: إن فلانًا قد مات، قالوا: ما جيء به إلينا.
وإن المؤمن يُجلس في قبره فيُسأل: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقال: من نبيك؟ فيقول: نبيي محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: فما دينك؟ قال: ديني الإسلام، فيُفتح له باب في قبره، فيقول أو يقال: انظر إلى مجلسك، ثم يرى القبر، فكأنما كانت رقدةً.
فإذا كان عدوًّا لله نزل به الموت وعاين ما عاين، فإنه لا يحبُّ أن تخرجَ رُوحه أبدًا، والله يبغض لقاءه، فإذا جلس في قبره أو أُجْلِس، فيُقال له: من ربك؟ فيقول: لا أدري! فيقال: لا دَرَيت، فيُفتح له باب من جهنم، ثم يُضرب ضربةً تُسمِع كل دابَّة إلا الثقلين، ثم يُقال له: نَمْ كما ينام المنهوش، فقلت لأبي هريرة: ما المنهوش؟ قال: الذي ينهشه الدواب والحيَّات ثم يُضيَّق عليه قبره)).
(أخرجه البزار في "مسنده"، قال الألباني: والحديث صحيح؛ انظر: الصحيحة: 2/263/ ح 2828).