ربط عناصر البيئة بالعقيدة الإسلامية
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
ربط عناصر البيئة بالعقيدة الإسلاميةالمتأمل في آيات القرآن الكريم يلحظ بوضوح وجود وحدة شاملة تضم عناصر الكون: السماوات والأرض والإنسان، ويكتشف بيسر الغاية من خلق الكون: معرفة الله تعالى وعبادته وحده.
فلنبدأ منذ الأزل: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [1].
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾[2].
العقيدة الإسلامية قدمت الحل الصحيح للمعادلة التي حار علماء الفيزياء في فهمها وتحليلها: «الكون الذي نحيا فيه ليس مجموعة أجرام مادية تتحرك هنا وهناك كيفما اتفق، بل إنه محكوم بنسيج من القوانين غاية في الحبك والروعة » [3]، ففي آيات كثيرة من القرآن الكريم نجد إجابة شافية: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾[4].
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾[5].
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾[6].
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقـَهُ ﴾[7].
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[8].والعقيدة الإسلامية تكشف بيسر ووضوح عن الغاية من خلق الكون؛ فكل شيء يقر بعبوديته لله الخالق البارئ المصور، فيسبح بحمده ويسجد له: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾[9].
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾[10].
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[11].
والعقيدة الإسلامية تحدد بدقة علاقة الإنسان بالكون؛ فالإنسان مجرد خليفة في الأرض: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾[12].
وهذه الخلافة تقتضي إقامة الحق والعدل وعدم اتباع الهوى: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾[13]، وهذه الخلافة تستلزم التعامل مع البيئة باعتبارها نعمة من الله تعالى، سخرها للإنسان ليستخدمها فيما خلقت له، ويستمتع بها في حدود حاجته من غير إسراف ولا تقتير: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾[14].
فالإيمان بهذه العقيدة يحرر الإنسان من الخوف من الظواهر الطبيعية، وقد ضل قوم حين عبدوا الشمس أو القمر أو الكواكب، وعندما قربوا القرابين للأنهار أو الرياح أو البرق والرعد، كما ضل قوم ظنوا أنهم سادوا الكون وقهروا الطبيعة، فجاء الإسلام يكشف للناس أن عناصر الكون وظواهر الطبيعة من آيات الله سخرها لنفع البشر، وجعلها دليلاً على قدرته ومادة للتذكر والتدبر والتفكير: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾[15].
العقيدة الإسلامية -إذاً- تفرض على المسلم أن يتعامل مع عناصر البيئة ومكوناتها بحب وتعاون وتمازج، فيحافظ عليها وينميها ويحذر من إفسادها حتى لا يتعرض لسخط الله وغضبه: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[16].
[1] سورة فصلت: 9-12.
[2] سورة الأنبياء: 30-33.
[3] أسامة علي الخضر، رؤية قرآنية لقوانين الكون، المكتب العربي للمعارف - القاهرة : 2008، ص11.
[4] سورة الأنبياء: 16.
[5] سورة القمر: 49.
[6] سورة الحجر: 21.
[7] سورة السجدة: من الآية 7.
[8] سورة النمل: من الآية 88.
[9] سورة الإسراء: 44.
[10] سورة الحج: 18.
[11] سورة الذاريات: 56.
[12] سورة البقرة: من الآية 30.
[13] سورة ص: من الآية 26.
[14] سورة لقمان: من الآية 20.
[15] سورة النحل: 12-13.
[16] سورة الأعراف: 56.