أرشيف المقالات

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: الإسراء والمعراج.
 
تعريف الإسراء لغة وشرعًا:
الإسراء في اللغة: من السُّرى، وهو: سيرُ الليل أو عامته، وقيل: سير الليل كله.
 
ويقال: سريت، وأسريت، ومنه قول حسان:
أَسْرَتْ إليكَ ولم تكُنْ تُسرِي
 
والإسراء إذا أُطلِق في الشرع يراد به: الإسراءُ برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدسِ بإيليا، ورجوعه من ليلته.
 
حقيقة الإسراء وأدلته:
والإسراء آيةٌ عظيمة أيَّد اللهُ بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة؛ حيث أسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكبًا على البُرَاق بصحبة جبريل عليه السلام حتى وصل بيت المقدس، فربط البراق بحلقة باب المسجد، ثم دخل المسجد وصلَّى فيه بالأنبياء إمامًا، ثم جاءه جبريل بإناءٍ من خمر، وإناء من لبَن، فاختار اللبَن على الخمر، فقال له جبريل: ((هُديتَ للفطرة))، وقد دل على الإسراء الكتابُ والسنَّة.
 
قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
 
ومن السنَّة حديث أنس بن مالك الذي أخرجه مسلمٌ في صحيحه من طريق ثابت البُناني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أُتِيت بالبراق، وهو دابةٌ أبيضُ طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافرَه عند منتهى طرْفه، قال: فركبتُه حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياءُ، قال: ثم دخلتُ المسجد فصليتُ فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبَن، فاخترتُ اللبَن، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترتَ الفطرةَ))؛ رواه مسلمٌ في صحيحه.
 
ثم ذكَر بقية الحديث وعروجَه إلى السماء، وقد دلَّ على الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم عدةُ أحاديث، منها ما جاء في الصحيحين، ومنها ما جاء في السنن وغيرها، وقد رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعٌ من الصحابة، نحو الثلاثين رجلاً، ثم تناقلها عنهم ما لا يحصي عدَّهم إلا اللهُ من رواة السنَّة وأئمة الدِّين.
 
وقد اتفقت كلمةُ علماء المسلمين سلفًا وخلَفًا، وانعقد إجماعهم على صحة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه حق؛ نقل الإجماعَ على ذلك القاضي عياضٌ في (الشفاء)، والسفاريني في (لوامع الأنوار).
 
والإسراء كان برُوح النبي صلى الله عليه وسلم وجسده، يقظةً لا منامًا؛ فهذا هو الذي دلت عليه النصوصُ الصحيحة، وعليه عامة الصحابة، وأئمة أهل السنَّة والمحقِّقون من أهل العلم؛ قال ابنُ أبي العز الحنفي: (وكان من حديث الإسراء: أنه أُسرِي بجسده في اليقظة - على الصحيح - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى).
 
وقال القاضي عياضٌ مقرِّرًا أن هذا هو الذي عليه عامةُ أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم: (وذهَب معظمُ السلف والمسلمين إلى أنه إسراءٌ بالجسد وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس، وجابر، وأنَس، وحذيفة، وعمرَ، وأبي هريرة، ومالك بن صعصعة، وأبي حَبَّة البدري، وابن مسعود، والضحاك، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن المسيب، وابن شهاب، وابن زيد، والحسن، وإبراهيم، ومسروق، ومجاهد، وعكرمة، وابن جُرَيج، وهو دليلُ قول عائشة، وهو قول الطبريِّ، وابن حنبل، وجماعة عظيمة من المسلمين، وقول أكثر المتأخِّرين من الفقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين والمفسِّرين).
 
وقال أحد المحقِّقين الأفذاذ في نقده لقول مَن زعم أن الإسراء مرتان: (والصواب الذي عليه أئمة النقل أن الإسراءَ كان مرة واحدة بمكةَ بعد البعثة، ويا عجبًا لهؤلاء الذين زعموا أنه مرارًا كيف ساغ لهم أن يظنُّوا أنه في كل مرة تُفرَض عليه الصلاة خمسين، ثم يتردد بين ربه وبين موسى حتى تصير خمسًا، ثم يقول: ((أمضيتُ فريضتي وخففتُ عن عبادي))، ثم يعيدها في المرة الثانية إلى خمسين، ثم يحطها عشرًا عشرًا؟).
 
المعراج وحقيقته:
الحديث عن المعراج هو قرينُ الحديث عن الإسراء في النصوص وكلام أهل العلم؛ ولذا كان مِن المناسب التعريف به تتميمًا للفائدة.
 
والمعراج: مِفعال من العروج؛ أي الآلة التي يعرج فيها؛ أي يُصعَد، وهو بمنزلة السُّلم، لكن لا نعلم كيفيته، والمقصود بالمعراج عند الإطلاق في الشرع: هو صعودُ النبي صلى الله عليه وسلم بصحبةِ جبريل عليه السلام من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، ثم باقي السموات إلى السماء السابعة، ورؤية الأنبياء في السموات على منازلهم، وتسليمه عليهم، وترحيبهم به، ثم صعوده إلى سِدرة المنتهى، ورؤيته جبريل عندها على الصورة التي خلَقه الله عليها، ثم فرض الله عليه الصلوات الخمس تلك الليلة، وتكليم الله له بذلك، ثم نزوله إلى الأرض، وكان المعراجُ ليلةَ الإسراء على الصحيح.
 
وقد دلَّت الأدلة من الكتاب والسنَّة على المعراج؛ أما الكتاب، فقد جاء فيه ذكر بعض الآيات العظيمة التي حصَلت للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج؛ كقوله تعالى: ﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 12 - 18]، فذكَر الله تعالى في هذا السياق الآياتِ العظيمةَ التي أكرم بها رسوله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج؛ كرؤيتِه جبريلَ عليه السلام عند سِدرة المنتهى، ورؤيته سدرةَ المنتهى وقد غشاها ما غشاها من أمر الله؛ قال ابن عباس ومسروق: (غشيها فراشٌ من ذهبٍ).
 
وقد جاء في السنة خبر المعراج مفصلاً في أكثر من حديث، منها حديث أنس المتقدم في قصة الإسراء، والذي سبق نقل ما يتعلق بالإسراء منه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدمَ، فرحَّب بي ودعا لي بخير)).
 
ثم ذكر عروجه إلى السموات وملاقاته الأنبياء، إلى أن قال: ((ثم ذهب بي إلى سِدرة المنتهى، وإذا ورَقُها كآذانِ الفِيَلة، وإذا ثمَرُها كالقلال، قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيَّرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعَتَها من حسنها، فأوحى الله إليَّ ما أوحى، ففرض عليَّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فرَض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجِعْ إلى ربك فاسأله التخفيفَ؛ فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلَوْتُ بني إسرائيل وخبَرْتُهم، قال: فرجعت إلى ربي، فقلت: يا رب، خفِّف على أمتي، فحَط عني خمسًا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حَطَّ عني خمسًا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: فلم أزَلْ أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمدُ، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشرٌ، فذلك خمسون صلاة)) الحديث؛ أخرجه مسلم.
 
وقد جاء خبرُ المعراج بألفاظ متقاربة من حديث مالك بن صعصعة وأبي ذر وابن عباس في الصحيحين وغيرهما.
 
تنبيه:
الإسراء والمعراج من الآيات العظيمة التي أكرَم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، والواجبُ على المسلم اعتقادُ صحتهما، وأنهما مَنْقَبتان عظيمتان اختص الله بهما نبينا صلى الله عليه وسلم من بين الرسل، ولا يُشرَع للمسلم الاحتفالُ بذكرى الإسراء والمعراج، كما لا تُشرَع لهما صلاة خاصة، كما يفعله بعض عوامِّ المسلمين، بل كل ذلك بِدَعٌ منكَرة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعَلْها أحد من السلف، ولم يقُلْ بها أحدٌ ممن يُقتدَى به في العلم.
 
وقد بيَّن العلماء من أهل السنة أن صلاةَ ليلة سبع وعشرين من شهر رجب وأمثالها: (من البدع التي أُحدِثت في دِين الله، وأنه عمَل غيرُ مشروع باتفاق أئمة الإسلام، ولا يُنشِئ مثلَ هذا إلا جاهلٌ مبتدع)، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))؛ أي مردودٌ عليه؛ رواه مسلم في صحيحه.
 
قال في الوجيز في عقيدة السلف: وأهل السنَّة والجماعة: يؤمنون بأنَّ الله تعالى أيدَ نبيَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، ومن تلكَ المعجزات وأعظمِها: القرآنُ، الذي تحدى الله به أفصح الأمم وأبلَغَها وأقدَرَها على المنطِقِ، ومِن أكبرِ المعجزات بعد القرآن التي أيَّدَ الله نبيَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها: معجزة الإسراءِ والمعراج، فأَهل السنة: يؤمنون أن النبي صلى الله عليه وسلم عُرِجَ به في اليقظة، برُوحه وجسده إلى السماء، وذلك في ليلة الإسراء، وقد أُسري به ليلاً من المسجدِ الحرام إلى المسجد الأقصى بنص القرآن.
 
قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
 
ثم عُرج به صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى السماء؛ حيث صعد حتى السماء السابعة، ثم فوق ذلك حيث شاء الله من العُلا، وكان ذلك عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى.
 
وأكرَمه الله بما شاء، وأوحى إليه وكلَّمه، وشرع له خمسَ صلوات في اليوم والليلة، ودخل الجنة فاطَّلع عليها، واطلع على النار، ورأى الملائكة، ورأى جبريلَ على صورته الحقيقية التي خلَقه الله عليها، وما كذَب فؤادُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما رأى، بل كان كلُّ ما رآه بعينَيْ رأسه حقًّا؛ تعظيمًا له وتشريفًا على سائر الأنبياء، وإظهارًا لعلو مقامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوق الجميع، ثم نزل بيت المقدس، وصلَّى إمامًا بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم عاد إلى مكةَ قبل الفجرِ.
 
قال تعالى: ﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 12 - 18].
 
ومن معجزاته أيضًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
انشقاق القمر: آية عظيمة أعطاها اللهُ لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ دليلاً على نبوَّتِه، وكان ذلك في مكةَ حينما طلب المشركون منه آيةً.
 
تكثير الطعام له: وقد وقَع هذا منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكثرَ من مرة.
 
تكثير الماء، ونَبْعُه من بين أصابعه الشريفة، وتسبيح الطعام معه وهو يُؤكَل، وقد وقَع هذا الشيء كثيرًا مِن الرسول صلى الله عليه وسلم.
 
إبراء المرضى، وشفاءُ بعضِ أصحابِه على يديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدون دواءٍ حِسي.
 
أدب الحيوان معه، وإذعان الأشجار إليه، وتسليمُ الأحجار عليه، صلوات الله وسلامه عليه.
 
الانتقام العاجل مِن بعض مَن خانه وعانَده صلى الله عليه وسلم.
 
إخباره ببعض الأمور الغيبيَّة، وإخباره عن الأمور التي وقَعَت بعيدًا عنه فورَ وقوعها، وإخباره عن أمورٍ غيبيَّة لم تكُنْ حدَثَتْ، فحدثت بعد ذلك كما أخبر به صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
 
إجابة دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامة.
 
وحِفظُ الله له صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكفُّ الأعداء عنه؛ عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال أبو جهلٍ: هل يعفِّرُ محمدٌ وجهَه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، قال: واللاَّتِ والعزى، لئن رأيتُه يفعل ذلك، لأطأَنَّ على رقبتِه، أو لأعفِّرَن وجهه في التراب، قال: فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلِّي - زعم - لِيطأَ على رقبتِه، قال: فما فجِئَهم منه إلا وهو ينكِصُ على عقِبَيه، ويتَّقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لَخَندقًا من نارٍ، وهَولاً، وأجنحة، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لو دنا، لاختطفَتْه الملائكةُ عضوًا عضوًا))؛ رواه مسلم.
 
وقال العلماء الأجلاء:
إن اللهَ أيَّده بأعظم معجزة، وأظهرِ آية، وهي القرآنُ العظيم، كلام الله المحفوظ من التغيير والتبديل، الباقي في الأمَّةِ إلى أن يأذَنَ اللهُ برَفْعه إليه؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]، وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51]، وفي الصحيحينِ مِن حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما مِن الأنبياء نبيٌّ إلا أُعطِي مِن الآيات ما مِثلُه آمَن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيتُه وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكونَ أكثَرَهم تابعًا يوم القيامة))؛ رواه البخاري ومسلم.
 
إن أمتَه خيرُ الأمم، وأكثرُ أهل الجنة؛ قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
 
وعن معاويةَ بن حَيْدة القُشيري رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، قال: ((إنكم تُتمُّونَ سبعين أمَّةً، أنتم خيرُها وأكرمُها على الله)).
 
وفي الصحيحينِ عن عبدالله بن مسعود قال: كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قُبَّة فقال: ((أترضَوْن أن تكونوا رُبُعَ أهل الجنة؟))، قلنا: نعم، قال: ((أترضَوْن أن تكونوا ثُلثَ أهل الجنة؟))، قلنا: نعم، قال: ((أترضَوْن أن تكونوا شَطْرَ أهل الجنة؟))، قلنا: نعم، قال: ((والذي نفسُ محمدٍ بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصفَ أهل الجنة؛ وذلك أن الجنةَ لا يدخلها إلا نفسٌ مسلمة، وما أنتم في أهل الشِّركِ إلا كالشَّعرة البيضاء في جِلد الثَّور الأسود، أو كالشَّعرة السوداء في جِلد الثَّور الأحمر)).
 
وأنه صاحبُ الشفاعة العظمى؛ وذلك عندما يشفَعُ لأهل الموقف في أن يقضيَ بينهم ربُّهم بعد أن يتدافَعَها أفضلُ الرسل، وهي المقامُ المحمود المذكور في قوله تعالى: ﴿ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79].
 
وقد فسَّر المقامَ المحمود بالشفاعة جمعٌ من الصحابة والتابعين، منهم: حذيفة، وسَلْمان، وأَنَس، وأبو هريرة، وابن مسعود، وجابر بن عبدالله، وابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم، وقال قتادة: (كان أهلُ العلم يرَوْن المقامَ المحمود هو شفاعتَه يوم القيامة).
 
وقد دلَّتِ السنَّةُ - كذلك - على شفاعتِه صلى الله عليه وسلم في أهلِ الموقف؛ كما جاء ذلك في حديثِ الشفاعة الطويل الذي أخرَجه الشيخانِ مِن حديث أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكَر اعتذار آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى عن قَبول الشفاعة، وكلهم يقول: ((لستُ هناك))، إلى أن قال: ((فيأتونني فأنطلِقُ، فأستأذِنُ على ربِّي، فيُؤذَن لي عليه، فإذا رأيت ربي، وقعتُ له ساجدًا، فيدَعُني ما شاء الله أن يدَعَني، ثم يقال لي: ارفع محمدُ، قُلْ يسمَعْ، وسَلْ تُعْطَهْ، واشفع تُشفَّعْ، فأحمَدُ ربي بمحامدَ علَّمنيها، ثم أشفع))؛ صحيح البخاري برقم (3340)، ومسلم برقم (193).
 
أنه صاحبُ لواءِ الحمد، وهو لواءٌ حقيقي، يختص بحَمْله يوم القيامة، ويكون الناس تبَعًا له، وتحت رايته، واختص به؛ لأنه حمِد الله بمحامدَ لم يحمَدْه بها غيره؛ ذكَر هذا بعضُ أهل العلم.
 
وقد دلَّتِ السنَّةُ على اختصاصه بهذه الفضيلة العظيمة؛ فعن أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيدُ ولَدِ آدَمَ يوم القيامة، وبِيَدي لواءُ الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذٍ آدمُ فمَن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أولُ مَن تنشقُّ عنه الأرض ولا فخر)).
 
أنه صاحبُ الوسيلة، وهي درجةٌ عالية في الجنة، لا تكونُ إلا لعبدٍ واحد، وهي أعلى درجاتِ الجنَّة؛ فعن عبدالله بن عمرِو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذِّنَ فقولوا مثلَ ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه مَن صلَّى عليَّ صلاة صلَّى عليه الله بها عشرًا، ثم سَلُوا اللهَ لي الوسيلة؛ فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكونَ أنا هو، فمن سأل لي الوسيلةَ، حلَّتْ له الشفاعةُ)).
 
إلى غير ذلك من خصائصه ومناقبِه صلى الله عليه وسلم، الدالة على علوِّ درجتِه عند ربه، وسُمو مكانتِه في الدنيا والآخرة، وهي كثيرة جدًّا.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢