أرشيف المقالات

وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم مشركون

مدة قراءة المادة : 23 دقائق .
2وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم مشركون
تمهيد توحيد الله تعالى قضية الوجود الكبرى، وغاية وجود الإنسان، وسر حياته من أجلها قامت السموات والأرض، وأنزلت الكتب، وأرسلت الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبه تتحقق للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة.
أما من أعرض عن توحيد الله تعالى، ونأى بجانبه وأشرك بالله جل في علاه، فقد عرَّض نفسه للخطر العظيم، وحُرم الأجر والمثوبة التي رتبها الله تعالى على أعمال العباد الصالحة، ولو نظرنا إلى وصف القرآن الكريم البليغ فيمن يشرك بالله عز وجل لاتضحت خطورة الشرك وعواقبه الوخيمة، قال تعالى: ﴿ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31].   أوضح الشنقيطي - رحمه الله - في تفسيره عند هذه الآية: إن من أشرك بالله تعالى غيره، ومات ولم يتب من ذلك فقد وقع في هلاك لا خلاص منه بوجه ولا نجاة معه بحال، لأنه شُبهه بالذي خر أي: سقط من السماء إلى الأرض، فتمزقت أوصاله، وصارت الطير تتخطفها وتهوي بها الريح فتلقيها في مكان سحيق أي: محل بعيد لشدة هبوبها بأوصاله المتمزقة، ومن كانت هذه صفته فإنه لا يرجى له خلاص، ولا يطمع له في نجاة، فهو هالك لا محالة، لأن من خر من السماء إلى الأرض لا يصل الأرض عادة إلاّ متمزق الأوصال، فإذا خطفت الطير أوصاله وتفرق في حواصلها، أو ألقته الريح في مكان بعيد فهذا هلاك محقق لا محيد عنه [الشنقيطي، أضواء البيان، ج 5، ص 261].   والآيات في بيان أهمية توحيد الله تعالى وشناعة من يشرك به كثيرة جداً، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء:116]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].   قال أبو الحسن الخازن - رحمه الله - في تفسيره عن معنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48] أي: إن الله تعالى لا يغفر لمشرك مات على شركه، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ما دون الشرك من أصحاب الذنوب والآثام [الخازن، لباب التأويل في معاني التنزيل، ج 2، ص 110].   ثم أورد - رحمه الله - حواراً دار بين الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبين ابن عباس رضي الله عنهما، فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين الرجل يعمل من الصالحات لم يدع من الخير شيئاً إلاّ عمله غير أنه مشرك قال عمر رضي الله عنه: هو في النار فقال ابن عباس رضي الله عنهما: الرجل لم يدع شيئاً من الشر إلاّ عمله غير أنه لم يشرك بالله شيئاً فقال عمر رضي الله عنه: الله أعلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأرجو له كما أنه لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب فسكت عمر رضي الله عنه [الخازن، لباب التأويل في معاني التنزيل، ج 2، ص 111].   وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [ النساء: 48] [سنن الترمذي، حديث رقم: 2963، ج 10، ص 299].   وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُوجِبَتَانِ فَقَالَ: " مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ " [صحيح مسلم، حديث رقم: 135، ج 1، ص 252].   أنواع الشرك: تحدث العلماء عن الشرك وأنواعه وبينوا خطورته العظيمة، وأكدوا على أهمية التوحيد في حياة الإنسان المسلم، ثم قسموا الشرك إلى عدة أنواع وهي: النوع الأول: شرك أكبر يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب منه، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير اللّه كدعاء غير اللّه والتقرب بالذبائح والنذور لغير اللّه من القبور والجن والشياطين، والخوف من الموتى أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يمرضوه، ورجاء غير اللّه فيما لا يقدر عليه إلا اللّه تعالى من قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما يمارس حول الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين قال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس: 18].   وقال أبو الحسن الخازن - رحمه الله - في تفسيره عند هذه الآية: إن هؤلاء المشركين يعبدون الأصنام التي لا تضرهم إن عصوها وتركوا عبادتها، ولا تنفعهم إن عبدوها لأنها حجارة وجماد لا تضر ولا تنفع، وإن العبادة أعظم أنواع التعظيم فلا تليق إلا بمن يضر وينفع ويحيي ويميت، وهذه الأصنام جماد وحجارة لا تضر ولا تنفع، ويقولون هؤلاء يعني الأصنام التي يعبدونها شفعاؤنا عند الله تعالى [الخازن، لباب التأويل في معاني التنزيل، ج 3، ص 386].   النوع الثاني: شرك أصغر لا يُخْرِج من الملة لكنه ينقص التوحيد، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر إذا لم يتم التخلص منه وهو قسمان: القسم الأول: شرك ظاهر وهو: ألفاظ وأفعال. 1- شرك الألفاظ: كالحلف بغير اللّه تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ " [سنن الترمذي، حديث رقم: 455 1، ج 6، ص 13]، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجَعَلْتَنِي وَاللَّهَ عَدْلًا بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ " [مسند الإمام أحمد، حديث رقم: 1742، ج 4، ص 274].   2- شرك الأفعال: كلبس الحلقة والخيط لرفع البلاء، أو دفعه، ومثل تعليق التمائم خوفاً من العين وغيرها إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء، أو دفعه، أما إن اعتقد أنها تدفع، أو ترفع البلاء بنفسها؛ فهذا شرك أكبر لأنه تعلق بغير اللّه تعالى.
القسم الثاني: شرك خفي، وهو الشرك في الإرادات، والنيات كالرياء والسمعة كأن يعمل عملاً مما يتقرب به إلى الله تعالى يريد به ثناء الناس عليه كأن يحسن صلاته، أو يتصدق لأجل أن يمدح ويُثنى عليه، أو يتلفظ بالذكر ويحسن صوته بالتلاوة لأجل أن يسمعه الناس فيثنوا عليه ويمدحوه.
والرياء إذا خالط العمل أبطله، قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً " [مسند الإمام أحمد، حديث رقم: 22523، ج 48، ص 123]، [انظر: صالح الفوزان، كتاب التوحيد، ص 10- 15].   وهناك من يجعل أقسام الشرك أربعة أنواع هي: 1- الشرك الأكبر. 2- الشرك الأصغر. 3- الشرك الخفي. 4- قولهم في بعض المسائل: فيها نوع شرك، أو نوع تشريك فهو ليس شرك أصغر ولا شرك أكبر وإنما هو تشريك في الطاعة كما قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43]، وقوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [الجاثية: 23] فكل من جعل هواه متبعاً فقد جعله مطاعاً، وهذا نوع تأليه لكن لا يقال: عبد غير الله تعالى، أو ألَّه غير الله تعالى، أو أشرك بالله تعالى لكن هو نوع تشريك، فكل طاعة للشيطان، أو للهوى فيها هذا النوع من التشريك إذ الواجب على العبد أن يعظم الله تعالى، وأن لا يطيع إلا أمره تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم [صالح آل الشيخ، التمهيد لشرح كتاب التوحيد، ص 110 - 206].   أ- الآيات في وصف حال أكثر الناس بأنهم مشركون. هناك آيتان وردت الإشارة فيهما إلى حال أكثر الناس بأنهم مشركون وهي: 1- قال تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف:106].   2- قوله تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾ [الروم: 42].   ب– المضامين التربوية للآيتين الكريمتين المشار إليهما. بعد الاطلاع على بعض كتب التفسير لمعرفة أقوال العلماء وتأويلاتهم وما خلصوا إليه في فهم الآيتين المشار إليهما، وبالنظر والتأمل في هذه الأقوال وجدتها تضمنت مجموعة من المضامين التربوية ومن أهمها ما يلي: أولاً: جاء في تقرير أعدته الأمم المتحدة أن عدد سكان الأرض يبلغ حالياً [6.8] مليار نسمة، ومن المتوقع أن يزداد عدد السكان إلى سبعة مليارات نسمة مطلع عام [2012م]، وسيتجاوز تسعة مليارات نسمة في عام [2050م] [شبكة نور الإسلام، إشراف / محمد الهبدان].   إن الناظر اليوم لهذا لعدد الكبير من سكان الكرة الأرضية رغم ضخامته يلحظ أن عدد المسلمين الموحدين فيه مليار ونصف تقريباً، أي: ما يعادل ثلاثة أرباع سكان العالم غير مسلمين، وهذا يتفق اتفاقاً كاملاً مع مضمون الآيتين المشار إليهما بأن أكثر الناس مشركون، قال تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف:106].   لذلك يجب على المسلم أن يحمد الله تعالى أولاً وأخيراً على نعمة الإسلام، ونعمة التوحيد التي بها تتحقق السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
ثانياً: إن المسلم يعلم أن قلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء؛ فهو خائف على نفسه، ولا يأمن عليها من الشرك كبيره وصغيره، وحينئذ من باب الحذر والتوقي والأخذ بمبدأ السلامة، فعليه العناية التامة بالأذكار الشرعية التي تعين على مغفرة ما دون الشرك الأكبر فمن ذلك: 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِكَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ قَالَ قُلْ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ قَالَ: قُلْهَا إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ [أبو داود، حديث رقم: 4405، ج 13، ص 262]. 2- عَنْ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلاَّ مَنْ جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟ قَالَ: قُلِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ " [البخاري، الأدب المفرد، حديث رقم: 837، ج 3، ص 36].   3- وفي الدعاء المشهور: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشِّرْك وَالنِّفَاق وَسُوء الْأَخْلَاق " [انظر: العظيم آبادي، عون المعبود شرح سنن أبي داود، حديث رقم: 1324، ج 3، ص 470].   ثالثاً:التحذير الشديد من أنواع الشرك المختلفة، ومنها الشرك الأصغر فقد جاء في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ " قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً " [مسند الإمام أحمد، حديث رقم: 22523، ج 48، ص 123].   رابعاً: إن الشرك الأصغر قد يقع ويكثر وقوعه عند بعض المسلمين، وهو سبب في نقص الإيمان، وبالتالي نقّص التّوحيد، ويجب على المسلم أن يتعهد نفسه ويراقبها ويحاسبها حتى لا يقع منه ما ينقص إيمانه، وينافي كمال توحيده لله تعالى، وأهم وسيلة لذلك طلب العلم الشرعي المؤصل من الكتاب العظيم، والسنة المشرفة على يد العلماء الموثوق بعقيدتهم وإخلاصهم.

خامساً: إن انتشار وشيوع الشرك صغيره وكبيره في بعض المجتمعات المسلمة نذير شؤم وموضع خطر إذا لم يُتصد له، ويحارب، ويبين خطورته، وسلبيته على النفس، والمجتمع، والأمة بأسرها.
لأن الأمن التام، والاستظلال بظلاله الوارفة إنما يكون لمن لم يُلبس إيمانه بشرك، وهو مصداق قول الله تعالى: ﴿ الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82] وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن معنى بظلم أي: بشرك.
فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾" [صحيح مسلم، حديث رقم: 178، ج 1، ص 311].   وقد وجه القرآن الكريم إلى النظر والاعتبار من عواقب الشرك الوخيمة، وحال الأمم السابقة التي أشركت بالله سبحانه، قال تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾ [الروم: 42].   وحول ذلك أوضح ابن عاشور - رحمه الله - في تفسيره: إن سبب تلك العاقبة المنظورة، هو إشراك الأكثرين منهم أي: إن أكثر تلك الأمم التي شوهدت عاقبتُها الفظيعة كان من أهل الشرك؛ فتعلمون أن سبب حلول تلك العاقبة بهم هو شركهم بالله تعالى [ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج 11، ص 90].   سادساً: قال السعدي - رحمه الله - عند تفسير قوله تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾ [الروم: 42]: إن الأمر بالسير في الأرض يدخل فيه السير بالأبدان، والسير في القلوب للنظر والتأمل في عواقب المتقدمين ﴿ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾ تجدون عاقبتهم شر العواقب، ومآلهم شر مآل؛ عذاب استأصلهم، وذم، ولعن من خلق اللّه يتبعهم، وخزي متواصل؛ فاحذروا أن تفعلوا أفعالهم لئلاّ يُحْذَى بكم حذوهم، فإن عَدْل اللّه سبحانه وحكمته في كل زمان ومكان لا تجامل ولا تحابي أحداً [السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ج1، ص 643].   سابعاً: العناية والاهتمام بأساليب الدعوة والإرشاد والتوعية الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة لنشر العقيدة الإسلامية الصحيحة الخالية من البدع والشرك بأنواعه.

قال الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].   ثامناً: قال ابن كثير - رحمه الله - عند تفسير قوله تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف:106]: يغفل أكثر الناس عن التفكر في آيات الله، ودلائل توحيده بما خلقه الله عز وجل في السموات والأرض من كواكب، وأفلاك، وحدائق، وجنات، وجبال راسيات، وبحار، وأمواج متلاطمات، وقفار شاسعات، وثمرات متشابهة [ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 4، ص 418].   وبهذا يتأكد أن يحرص الإنسان المسلم على التفكر في دلائل توحيد الله تعالى، وما أودعه الله جل وعز في الكون من شواهد على قدرته وعظمته وأنه هو وحده المستحق للعبادة.
وصدق الشاعر إذ يقول: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليكُ عيون من لجين شاخصات بأبصار هي الذهب السبيكُ على قصب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريكُ
تاسعاً: أجمع علماء أهل السنة على أن توحيد الربوبية لا ينقذ من الكفر إلا إذا كان معه توحيد العبادة أي: عبادة الله سبحانه وحده لا شريك له.
وحول ذلك قال الشنقيطي - رحمه الله - في تفسيره: إن أكثر الناس وهم الكفار ما كانوا يؤمنون بالله تعالى بتوحيدهم له في ربوبيته إلا وهم مشركون به غيره في عبادته؛ فالمراد بإيمانهم اعترافهم بأنه ربهم الذي هو خالقهم ومدبر شؤونهم؛ والمراد بشركهم عبادتهم غيره معه؛ والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة جداً، كقوله: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31]، وكقوله: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ ﴾ [الزخرف: 87] [الشنقيطي، أضواء البيان، ج 2، ص 328].   الخلاصة تضمن هذا وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم مشركون، ومن أهم النقاط الواردة فيه ما يلي: أولاً: توحيد الله تعالى قضية الوجود الكبرى، وغاية وجود الإنسان، وسر حياته من أجلها قامت السموات والأرض، وأنزلت الكتب، وأرسلت الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبه تحقق للإنسان السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
ثانياً: إن الناظر اليوم لعدد سكان الكرة الأرضية يجدهم قد بلغوا ما يقارب [6.8] مليار نسمة، وعدد المسلمين الموحدين فيه مليار ونصف تقريباً، وهم في تزايد مستمر، ولذلك يجب على المسلم أن يحمد الله تعالى على نعمة الإسلام ونعمة التوحيد.
ثالثاً: أن يحرص المسلم على معرفة أنواع الشرك كبيره وصغيره، والأسباب التي تؤدي إليها، حتى يتجنبها ولا يقع فيها.
رابعاً: على المسلم الاستعانة بالأدعية الشرعية الثابتة التي تعينه وتحفظه بتوفيق الله تعالى من الشرك قليله وكثيره.
خامساً: إن أهم وسيلة لتجنب الشرك كبيره وصغيره طلب العلم الشرعي المؤصل من الكتاب العظيم والسنة المشرفة على يد العلماء الموثوق بعقيدتهم وإخلاصهم.
سادساً: على الدعاة والمصلحين والمربين في كافة المواقع الحرص عل نشر العقيدة الصحيحة الثابتة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه سلف هذه الأمة بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة.
سابعاً: أن من أسباب الاستقرار والاطمئنان وشيوع الأمن في المجتمع البعد عن الشرك، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [ الأنعام: 82].



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢