أرشيف المقالات

تقليد العامي والجاهل

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2تقليد العامي والجاهل   الجهل نقيض العلم[1].
والجهل في الاصطلاح: عدم العلم، أو تصوره على غير هيئته[2].   فيندرج في التعريف: الجهل بنوعيه: المركب، والبسيط؛ ذلك أن المركب هو تصور الشيء على غير هيئته، والبسيط هو عدم العلم، أو هو انتفاء إدراك الشيء بالكلية[3].   ولما أن اشترط للاجتهاد أهلية معينة، وهي اكتساب شروطه المقررة سابقًا، كان الجاهل فاقدًا لأهليته؛ وذلك لفقده الشروطَ المؤهِّلة له.   والذي نعنيه هنا من نوعي الجهل هو الجهل البسيط، وفي هذا المبحث نبين رأي الشَّاطبي في حكم تقليد المتصف به.   رأي الشَّاطبي: صرح الشَّاطبي برأيه في تقليد العامي الجاهل بالأحكام الشرعية في قوله: "وعلى هذا لو فرضنا خلوَّ الزمان عن مجتهد، لم يمكن اتباع العوام لأمثالهم"[4]، وقوله: "واتباع نظرِ مَن لا نظر له محضُ ضلالة، ورميٌ في عَماية"[5].   وقوله عن المقلد، وما يجب عليه: "والدليل على ذلك أنه لو علم أو غلب على ظنه أنه ليس من أهل ذلك العلم، لم يحِلَّ له اتباعه، ولا الانقياد لحكمه، بل لا يصح أن يخطر بخاطر العامي ولا غيره تقليد الغير في أمر مع علمه بأنه ليس من أهل ذلك الأمر"[6].   ويسمي الشَّاطبي الجهل زيغًا، وعلى هذا فاتباع الجاهل اتباع للجهل، ولما أن كان اتباع الجهل زيغًا، فاتباع الجاهل كذلك[7].   كما أن الشَّاطبي يرى تحريم انتصاب الجاهل، أو تنصيبه للفتوى، فيقول: "وكذلك تقديم الجهَّال على العلماء، وتولية المناصب الشريفة مَن لا يصلح بطريق التوريث، هو من قبيل ما تقدم؛ فإن جعل الجاهل في موضع العالم حتى يصير مفتيًا في الدين، معمولًا بقوله في الأموال والدماء والأبضاع وغيرها - محرَّم في الدِّين"[8]، ويعلل تحريم ذلك بقوله: "لأن الفرض أنه جاهل، فيضلهم عن الصراط المستقيم، كما أنه ضال عنه، وهذا عين الابتداع؛ لأنه التشريع بغير أصل من كتاب، ولا سنَّة"[9].   وعلى هذا فرأي الشَّاطبي واضح في هذه المسألة أتم الوضوح؛ فهو يرى عدم جواز تقليد الجاهل؛ لفقدانه أهلية الاجتهاد، ولعدم تمكنه من تحصيل شروطه، وهذا أبين مِن إطالة فيه.   وما قرره الشَّاطبي قد نقل عليه الاتفاق جماعةٌ من الأصوليين: قال ابن عبدالبر: "لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا"[10].   وقال الغزالي: "أما مَن عرَفه بالجهل فلا يسأله وفاقًا"[11]، ونقل الإجماع ابن قدامة[12]، والآمدي[13]، وابن الحاجب[14]، والطوفي[15]، والعضد[16]، والزركشي[17].   دليل الشَّاطبي ومن وافقه: استدل الشَّاطبي على عدم جواز تقليد الجاهل بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم؛ فضلُّوا وأضلُّوا))[18].   ووجه الدلالة: أن الحديث نص على أن اتباع الجاهل ضلالة في الدين، وأن توليته وإفتاءَه مِن أسباب الضلال في الدين، فدلَّ هذا على تحريم ذلك الفعل؛ لِما يترتب عليه من المفاسد[19].


[1] انظر: معجم مقاييس اللغة (1/ 489) مادة: "جهل". [2] انظر: العدة (1/ 82) الحدود لابن فورك (158) الحدود (29) البحر المحيط (1/ 71) جامع الأسرار (5/ 1337) شرح الكوكب المنير (1/ 77) الكليات (350) فتح الغفار (3/ 114). [3] انظر: البحر المحيط (1/ 72) شرح الكوكب المنير (1/ 77). [4] الاعتصام (2/ 453). [5] الاعتصام (2/ 453). [6] الاعتصام (2/ 503). [7] انظر: الاعتصام (1/ 161). [8] الاعتصام (2/ 330). [9] الاعتصام (2/ 331). [10] جامع بيان العلم وفضله (2/ 115). [11] المستصفى (2/ 390). [12] انظر: روضة الناظر (2/ 390). [13] انظر: الإحكام (4/ 232). [14] انظر: مختصر المنتهى مع شرح العضد (2/ 307). [15] انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 663). [16] انظر: شرح العضد (2/ 307). [17] انظر: البحر المحيط (6/ 309). [18] سبق تخريجه (ص279). [19] انظر: الاعتصام (2/ 453).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١