أرشيف المقالات

خاطرة ذكرى وتذكير

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2خاطرة ذكرى وتذكير   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.   أما بعد: فإنني دومًا ما أتعجب - حين أتصفح الإنترنت، وخاصة ما يسمى مواقع التواصل الاجتماعي - من كثرة ما تعج به من الباطل والغثاء الذي تتقزَّز منه النفوس، وتشمئز منه الأبدان، وتقشعر معه الأجسام، وتفوح منه الروائح المنتنة!   ويَلفت نظري دومًا كيف تختلف مَشاربه وتعدد مَصادره وتتنوع رَوافده، ويزداد عجبي أكثر حين أراها جميعًا تصبُّ في مستنقع واحدٍ على اختلاف تلك الروافد والمشارب، ويُقصد منه جميعًا شنُّ حرب لا تُبقي ولا تذَر على الحق وأهله.   ومع أن الكثير منها - في نظري على الأقل - ليس فيها أدنى أبجديَّات السَّبك أو الحَبك، فضلًا عما سواها من العلم أو حتى المعرفة، أو ما سِواهما، بل إنه ليس عند الكثير ممَّن حاكها مُسْكةُ عقلٍ فضلًا عن علم، إلا أنها مع ذلك - وللأسف الشديد - تنتشر بشكل مفجع ومقلق، كانتشار النار في الهشيم؛ مما يجَعلها عند كثير من الهمج الرَّعاع أتباعِ كل ناعق من المقبولات بلْهَ المسلَّمات، فيتَناقلونها بدَورهم بلا هوادة أو تريُّث عن جهل أو هوًى.   ودومًا ما أفكر وأسأل وأتساءل في سبب هذا، ويَجول في ذهني أن هذا الغُثاء الهزيل ما شاع وذاع إلا يوم غاب الطيِّب النافع، وهذا بدَوره يجرُّني إلى سؤال آخر، ألا وهو: أين هم أهل هذا الطيب النافع؟ وأين هم حمَلتُه؟!   إنهم ولا شك كُثْر، ليس هذا فحسب؛ بل إن معهم من العلوم والمعارف وآلاتها ما يَجعلهم فرسانًا بحق، ويستطيعون أن يَصولوا ويجولوا في هذه الميادين الفسيحة الأرجاء، الواسعة الفناء، دون مُقارع أو مُنازل.   بل إنني على يقين أن بعضهم يستطيع - من خلال ما يملك - أن ينشر من هذا الطيب النافع - في كل أبواب العلوم وآلاته - أكثر بكثير مما ينشره أولئك مجتمِعين.   وهذا ما دفعني اليوم وجعلني أخط هذي الخاطرة، وأصُوغها في هذه الكلمات، وأبعث من خلالها برسالة، وسأختصرها في اثنتين، كلتاهما لأهل الطيب النافع: الرسالة الأولى: أخاطب فيها رواد هذه المواقع من أهل الطيب النافع، فأقول: يا إخوتي سلَّمَكم الله، لماذا كل هذا التقاعس والتواني في نشر ما ينفع الناس ويفيدهم من العلوم والمعارف النافعة والطيبة والمفيدة؟!   مع أن البعض يَقضي الكثير من الوقت في هذه المواقع وعلى هذه الصفحات.   لماذا نَصرف الكثير من الوقت في الحديث والتصفح والقراءة، ونقف واجِمين مُسلسَلين عندما يتعلق الأمر بالدعوة إلى هذا الطيب النافع وانتفاع الناس به؟!   مع أن الأمر لا يكاد يستغرق الكثير من الوقت؛ خاصة وقد بات الأمر لا يَعدو أن يكون كما قيل أو يُقال: نسخ ولصق[1]!   ألم نتساءَل: لماذا لجَأ الناس إلى ذلك الغثِّ الهَزيل؟! ألم نُدرك أن أحد أهم الأسباب هو غياب ذلك الطيب والنافع؟!   أليس نشرُ هذا الطيب النافع من القُربات، ناهيك أنه مع تواجده باستطاعته أن يدفع ذلك الخبيث الضارَّ والمنتن؟!   إذًا أفلَيس نشرُ هذا أولى وأحرى؟ ألم تفكِّر أنك ربما تكون سببًا عند نشرك لهذا الطيب النافع - الذي تمتلكُه وتَملكه - والذي لا يستغرق الكثير من الوقت في تعليم جاهلٍ أو تذكير ناسٍ أو هداية ضالٍّ؟!   ألم يخطر في بالك أن ما تنشره قد يكون سببًا في دفع فِرية، أو دحض شُبهة، أو غير ذلك؟!   ألم تفكر في حاجة الناس إليه؟! ألم تفكر في عِظم الأجر الذي يمكن أن تُصيبه وتَجنيَه عند نشر هذا الطيب النافع بين الناس هذا إذا قعَد بك شعورك عن حاجة الناس إليه؟!   وفي ختام هذي الرسالة الأولى: لنتذكَّرْ جميعًا قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - فيما رواه البخاري ومسلم عن سهلِ بن سعد رضي الله عنه: ((فوالله لأَن يُهدى بك رجلٌ واحد خير لك من حُمر النَّعم)).   هذا مع استحضار الطريقة التي لا يُمكن أن تخطر على البال في انتشار ما يمكن أن تُرسله، وكم هم الذين سيَقفون عليه.   الرسالة الثانية: أما هذه الرسالة فهي في الحقيقة رسالةُ شكر - أكثر منها حضًّا - لأولئك الثُّلة الطيبة من أرباب القلم، الذين لا يألون وقتًا ولا جهدًا في سبيل نشر ذلك الطيب النافع.   فإنك ترى - ولَنِعم ما ترى - كلَّ واحد منهم على ثغر، وهم - بارك الله فيهم وجزاهم عنَّا وعن الإسلام والمسلمين خيرًا - على قلَّتهم قد أعاقوا الكثير والكثير من سَير ذلك الخبيث النَّتن، ووقفوا حجَر عثرة أمام سير ذلك الهراء المتدفق.   هذا رغم كثرة مشاكلهم وانشغالاتهم، وأعمالهم ودروسهم، وكتبهم وكتاباتهم، ورسائلهم ومقالاتهم...
لكنهم - مع ذلك كلِّه - أبَوا أن ينسَوا إخوانهم؛ لأنهم يستشعرون المسؤولية التي عليهم تجاههم.   فأسأل الله أن يثبتهم على ما هم عليه من العلم والعمل والدعوة إليهما، والصبر على ذلك كله.   وكتَب الله أجرهم، ورفع قدرهم، وأعلى كعبهم، ونفع بهم وبعِلمهم، وقَلمِهم، وبارك فيهم وفي ذرياتهم، وأهليهم وذَويهم، ورزقهم حُسن الخاتمة، وأسكنهم جميعًا جنته في الفردوس الأعلى منها.   وفي الختام: أسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، والإخلاص فيهما، والمتابعة لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم بفَهمِ سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين، والثباتَ عليها حتى نلقاه.   سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك.


[1] انظر خاطرة لي بعنوان: خاطرة النسخ واللصق بين المدح والذم.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١