أرشيف المقالات

المقال التاسع

مدة قراءة المادة : 19 دقائق .
(7) استشكال العلماء لحديث الشمس وأجوبتهم عنه هذا الحديث رواه الشيخان وبعض أصحاب السنن والمسانيد والتفسير المأثور والبيهقي في الأسماء والصفات بألفاظ متقاربة ولكنها غير متفقة، ورواه غيرهم بزيادات مختلفة بل مختلقة، ولفظ البخاري في باب بدء الخلق بسنده: عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: (أتدري أين تذهب؟) قلت: الله ورسوله أعلم، قال (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ} (يس: 38) ورواه أيضًا في تفسير سورة يس وفي كتاب التوحيد هكذا بالعنعنة وقد استشكله العلماء من الجهتين اللتين تقدم ذكرهما وكان استشكالهم مخالفته لما تقرر في علم الهيئة أقوى وأجوبتهم عنها أضعف. وقد كان جماهير علماء المسلمين حتى غير الناظرين في علم الهيئة الفلكية يعلمون أن نور القمر مستمد من نور الشمس وعلماء المنطق منهم يمثلون بهذا للحدس المنطقي الذي هو أحد اليقينيات الستة، وكانوا يعلمون أيضًا أن سبب خسوفه حيلولة الأرض بينه وبين الشمس ويمثلون بذلك للقضية الوقتية في المنطق أيضًا، وقال الغزالي: إن من أدلة كروية الأرض ظهور ظلها في القمر عند خسوفه مستديرًا، وإن هذا من القطعيات.
فرؤية القمر بعد غروب الشمس دليل حسي على وجود الشمس وراء الأفق التي تتوارى عنه مقابلة للقمر تلقى نورها عليه.
ولم يكن علم الهيئة وصل في عهدهم إلى ما وصل إليه الآن ولا علم الجغرافية أيضًا.
ولا كان الناس في عصرهم يطوفون حول الأرض بطيارتهم وغيرها فيرون بأعينهم مصداق أدلة ثبات الشمس في فلكها، أفليس من الجناية على الإسلام أن تحكم مجلة الأزهر على من يقول أن مضمون الحديث مخالف للحس بأنه مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؟ *** ما نقله الحافظ ابن حجر في استشكال العلماء للحديث وأجوبتهم عنه قال الحافظ ابن حجر في شرحه له من فتح الباري: والغرض منه هنا بيان سير الشمس في كل يوم وليلة.
وظاهره مغاير لقول أهل الهيئة أن الشمس مرصعة في الفلك، فإنه يقتضي أن الفلك هو الذي يسير، وظاهر الحديث أنها هي التي تسير وتجري، مثله قوله تعالى في الآية الأخرى {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس: 40) أي يدورون. قال ابن العربي: أنكر قوم سجودها، وهو صحيح ممكن.
وتأوله قوم على ما هي عليه من التسخير الدائم، ولا مانع أن تخرج عن مجراها فتسجد ثم ترجع. قال الحافظ بعد نقله لهذا: قلت: إن أراد بالخروج الوقوف، فواضح وإلا فلا دليل على الخروج.
ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة أو تسجد بصورة الحال فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين اهـ. فعلم من هذا أن العلماء استشكلوا الحديث وقالوا كما قلنا بأنه مغاير لقول علماء الهيئة القطعي وأنهم استشكلوا أيضًا سجودها وأنكره بعضهم ولم يكفرهم متأولوه. وأجابوا عنها بما رأيت وما سترى مما ننقله إليك، ووازن بعد ذلك بين أجوبتهم وجوابنا. وقال الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث من تفسير سورة يس من صحيح البخاري ما نصه: وروى عبد الرزاق من طريق وهب بن جابر عن عبد الله ابن عمرو في هذه الآية قال: مستقرها: أن تطلع فيردها ذنوب بني آدم، فإذا غربت سلَّمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها فتقول: أن السير بعيد، وإني أن لا يؤذن لا أبلغ، فتحبس ما شاء الله ثم يقال: اطلعي من حيث غربت.
قال: فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسًا إيمانها.
وأما قوله (تحت العرش) فقيل: هو حين محاذاته ولا يخالف هذا قوله: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} (الكهف: 86) فإن المراد بها نهاية مدرك البصر حال الغروب، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب. وفي الحديث رد على من زعم أن المراد بمستقرها غاية ما تنتهي إليه في الارتفاع وذلك أطول يوم في السنة.
وقيل: إلى منتهى أمرها عند انتهاء الدنيا. وقال الخطابي: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرار لا نحيط به نحن.
ويحتمل أن يكون المعنى: أو علم ما سألت عنه من مستقرها تحت العرش في كتاب كتب فيه ابتداء أمور العالم ونهايتها، فينقطع دوران الشمس وتستقر عند ذلك ويبطل فعلها.
وليس في سجودها كل ليلة ما يعيق عن دورانها في سيرها.
اهـ. ثم قال الحافظ بعد نقل هذه الاحتمالات في تأويل الحديث والآية: قلت: وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها.
ومقابل الاستقرار: المسير الدائم المعبر عنه بالجري، والله أعلم.
اهـ. أقول: يعني أن هذه التأويلات خلاف المتبادر من لفظ الحديث.
وأما حديث عبد الرزاق من طريق وهب بن جابر عن عبد الله بن عمرو بن العاص الذي نقله وسكت عليه فهو أعصى على تأويلنا وتأويلهم وأبعد عنهما بُعد الشمس عن العرش وفي معناه روايات أخرى أغرب منه.
ووهب هذا ثقة وثقه ابن معين والعجلي وقال علي بن المديني وابن حبان: وهب بن جابر مجهول سمع من عبد الله بن عمرو ابن العاص قصة يأجوج ومأجوج و (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت) ولم يرو غير هذين، وقال النسائي: مجهول.
وكفى بقول علي بن المديني أنه لم يرو غير هذين، حجة على أن رواية حديث الشمس عنه مردودة سواء كان ثقة أم لا! *** جواب الحافظ ابن كثير في تفسيره وأجاب العماد ابن كثير عن سجود الشمس تحت العرش بما حاصله أن العرش قبة ذات قوائم تحمله الملائكة وهو فوق العالم مما يلي رءوس الناس فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون إلى العرش، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام، وهو وقت نصف الليل صارت أبعد ما تكون من العرش، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث.
اهـ. وهذا جواب من يصدق الفلكيين في ثبات الشمس في فلكها ودوران الفلك بها حول الأرض، وقد نقض ارتقاء علم الهيئة بالمناظير المقربة للأبعاد هذا المذهب اليوناني، وأجمع علماء الفلك في هذا العصر على كروية الأرض ودورانها تحت الشمس الثابتة في مركزها.
على أن قوله منقوض على ذلك المذهب أيضًا إذ لا خلاف عند أهله في كروية الأرض وسكنى الناس على سطحها من كل جانب فلا يتجه القول بأن العرش فوق رءوس المقيمين في جانب منها دون آخر. *** ما نقله الفقيه ابن حجر الهيتمي في حديث سجود الشمس جاء في الفتاوى الحديثية للشيخ أحمد بن حجر الهيتمي ما نصه: وسئل نفع الله به: إذا غابت الشمس أين تذهب؟ فأجاب بقوله: في حديث البخاري أنها تذهب حتى تسجد تحت العرش.
زاد النسائي (ثم تستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها وتؤمر بالطلوع من محال غروبها) ولا يخالف هذا قوله تعالى {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} (الكهف: 86) لأن المراد به نهاية إدراك البصر لها حال الغروب، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس أنها بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء بفلكها، وإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها وكذلك القمر.
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة أنها إذا غربت دخلت نهرًا تحت العرش فتُسبِّح ربها حتى إذا أصبحت استعفت ربها عن الخروج، قال: ولم؟ قالت: إني إذا خرجت عُبدتُ من دونك.
وقيل: يبتلعها حوت ، وقيل: تغيب في عين حمئة كما في الآية والحمأة بالهمز ذات الطين الأسود، حامية بالياء أي حارة ساخنة، وقيل: تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش وتقول: يا رب إن قومًا يعصونك، فيقول لها: ارجعي من حيث جئت، فتنزل من سماء إلى سماء حتى تطلع من المشرق، وبنزولها إلى سماء الدنيا يطلع الفجر.
قال إمام الحرمين وغيره: لا خلاف أنها تغرب عند قوم وتطلع عند قوم آخرين، والليل يطول عند قوم ويقصر عند آخرين إلا عند خط الاستواء فيستويان أبدًا، وفي بلاد (بُلغار) بموحدة مضمومة ثم معجمة لا تغيب الشمس عندهم إلا مقدار ما بين المغرب والعشاء ثم تطلع) اهـ أقول: الشيخ أحمد بن حجر هذا هو الفقيه الشافعي المتوفى سنة 973 وهو قليل البضاعة في الحديث وفي علوم المعقول ينقل من الكتب عند الحاجة، وما عزاه إلى النسائي من لفظ الحديث ثابت في البخاري، وسائر الروايات التي ذكرها لا تصح.
وقد أورد كلام علامة المعقول الأكبر إمام الحرمين ولم يرده لأنه إمام الأشعرية والشافعية الذين يقلدهم ولا استطاع أن يوفق بينه وبين الحديث. *** فائدة لها علاقة بحديث الشمس يقول الفقيه ابن حجر الهيتمي: هذا إذا اختلف العلماء، فالذي يجب اعتماده كلام الفقهاء. ولكن بضاعة أكثر الفقهاء مزجاة في مشكلات الأحاديث ولاسيما غير الفقهية وقد قرأنا في بعض كتبهم تعليلاً لبرودة مياه الآبار في الصيف وحرارتها في الشتاء كما يتوهم من لا يعرف الحقيقة وهو أن الشمس يطول مكثها تحت الأرض في ليالي الشتاء لطولها فيكون دفء مياه الآبار من ذلك، ويقصر مكثها تحت الأرض في ليالي الشتاء لقصرها فتظل مياه الآبار باردة! فكيف يوفق محرر مجلة نور الإسلام بين هذا التعليل الخرافي وبين ما يفهم من ظاهر الحديث من أن الشمس في الليل تكون تحت العرش فوق السموات السبع؟ ؟ كعادته في تصحيح أمثال هذه الجهالات والخرافات؟ *** كلام الآلوسي وجوابه عن الحديث في تفسيره قال الشهاب السيد محمود الآلوسي في تفسير آية سورة يس من تفسيره روح المعاني ما نصه: وفي غير واحد من الصحاح عن أبي ذر قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال (يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه الشمس؟ قلت: الله تعالى ورسوله أعلم، قال: تذهب لتسجد فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها، فلذلك قوله عز وجل {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} (يس: 38) وفي رواية (أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا الله تعالى ورسوله أعلم، قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة) الحديث، وفي ذلك عدة روايات وقد روي مختصرًا جدًّا.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى:] والشمس تجري لمستقر لها [قال: (مستقرها تحت العرش) فالمستقر اسم مكان والظاهر أن للشمس فيه قرارًا حقيقة. قال النووي: قال جماعة بظاهر الحديث، قال الواحدي وعلى هذا القول إذا غربت الشمس كل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع.
ثم قال النووي: وسجودها بتمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها، وذكر ابن حجر الهيتمي في فتاويه الحديثية أن سجودها تحت العرش إنما هو عند غروبها.
وأورد ملخص ما تقدم آنفًا ثم قال: والسجود تحت العرش قد جاء أيضًا من روايات الإمامية ولهم في ذلك أخبار عجيبة، منها أن الشمس عليها سبعون ألف كُلاب، وكل كُلاَّب يجره سبعون ألف ملك من مشرقها إلى مغربها، ثم ينزعون منها النور فتخر ساجدة تحت العرش، ثم يسألون ربهم هل نلبسها لباس النور أم لا؟ فيجابون بما يريده سبحانه ثم يسألونه عز وجل هل نطلعها من مشرقها أو مغربها؟ فيأتيهم النداء بما يريده جل شأنه، ثم يسألون عن مقدار الضوء فيأتيهم النداء بما يحتاج إليه الخلق من قصر النهار وطوله. وفي الهيئة السنية للجلال السيوطي أخبار من هذا القبيل، والصحيح من الأخبار قليل، وليس لي على صحة أخبار الإمامية وأكثر ما في الهيئة السنية تعويل، نعم ما تقدم عن أبي ذر مما لا كلام في صحته، وماذا يقال في أبي ذر وصدق لهجته؟ والأمر في ذلك مشكل إذا كان السجود والاستقرار كل ليلة تحت العرش سواء قيل أنها تطلع من سماء إلى سماء حتى تصل إليه فتسجد، أم قيل أنها تستقر وتسجد تحته من غير طلوع، فقد صرح إمام الحرمين وغيره بأنه لا خلاف في أنها تغرب عند قوم وتطلع على آخرين، وبين الليل والنهار اختلاف ما في الطول والقصر ما عدا عند خط الاستواء، وفي بلاد بلغار قد يطلع الفجر قبل أن يغيب شفق الغروب، وفي عرض تسعين لا تزال طالعة ما دامت في البروج الشمالية وغاربة ما دامت في البروج الجنوبية، فالسنة نصفها ليل ونصفها نهار، على ما فصل في موضعه.
والأدلة قائمة على أنها لا تسكن عند غروبها، وإلا لكانت ساكنة عند طلوعها، بناء على أن غروبها في أفق طلوع في غيره، وأيضًا هي قائمة على أنها لا تفارق فلكها فكيف تطلع من سماء إلى سماء حتى تصل إلى العرش؟ بل كون الأمر ليس كذلك أظهر من الشمس لا يحتاج إلى بيان أصلاً.
وكذا كونها تحت العرش دائمًا بمعنى احتوائه عليها وكونها في جوفه كسائر الأفلاك التي فوق فلكها والتي تحته. وقد سألت كثيرًا من أجله المعاصرين عن التوفيق بين ما سمعت من الأخبار الصحيحة وبين ما يقتضي خلافها من العيان والبرهان، فلم أوفق لأن أفوز منهم بما يروي الغليل ويشفي العليل.
اهـ ما قرره الآلوسي من استشكال الحديث من الوجهين وكونه مخالفًا للقطعي وعجْز أَجَلِّ معاصريه من العلماء عما يزيل الإشكال اهـ. ثم إنه رحمه الله استنبط له حلاًّ غريبًا بعد مقدمات مؤلفة من خرافات كثيرة أغرب منه، خلاصته أن الشمس لها نفس عاقلة مدركة كروح الإنسان، وأن هذه النفس هي التي تصعد فتسجد تحت العرش، ويبقى جسم الشمس المضيء على ما يراه الناس.
ولم أره تجرد من عقله واستقلاله العلمي وأثبت عدة خرافات خلط فيها بين تخيلات الفلاسفة والصوفية والمبتدعة كما فعل في هذه المسألة، عفا الله عنه، ومن شاء فليرجع إلى عبارته فيه. *** حاصل أقوال العلماء والعبرة به وحاصل ما أوردناه من كلام المفسرين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين أنهم اتفقوا على أن الحديث مشكل كما قلنا، وأنهم أنكروا منه السجود تحت العرش واحتجاب الشمس عن الدنيا، وكانت أجوبتهم عن السجود أقوى من أجوبتهم عن الاحتجاب، وإن أحدًا منهم لم يكفر أحدًا ممن استشكله، ولا رماه بتكذيب الله ورسوله وأن لم يسلم له تأويله، وأن جوابنا في حل الإشكال أظهر من جميع أجوبتهم، وأننا على توفيقنا هذا لخدمة السنة قد رمانا محرر مجلة الأزهر زورًا وبهتانًا بما علم القارئون، ولنا أن نتمثل بقول الشاعر: وإذا أراد الله نشر فضيلة ...
طويت أتاح لها لسان حسود. *** خاتمة البحث في تحدينا لمشيخة الأزهر فيه قد علمتم أيها المسلمون مما شرحته لكم في هذه المسألة أن أحد كبار هيئة علماء المشيخة الرسميين ومحرري مجلتها الرسمية قد افترى علينا في المسألة بغير أمانة ولا علم، وترك الذين قد يصدقون كلامه في هذا الحديث، وربما كانوا مئات الألوف في حيرة أو شك من دينهم، إذ علموا منه أن الحديث يدل على أن الشمس تغيب عن الأرض كلها بعد غروبها عنهم، وجميع الذين تعلموا الجغرافية منهم، وكثير من غيرهم يعلمون علمًا يقينيًّا أن الشمس لا تغيب عن الأرض طرفة عين، وإنما تغرب عن قوم وتطلع على آخرين، كما قال بعض كبار علماء الإسلام المتقدمين، فكان الواجب على هذا العالم أن يرشد المسلمين أولاً إلى الجمع بين معنى الحديث الذي أخبرهم أنه متفق عليه وبين اعتقادهم القطعي لما يخالف مضمونه قبل أن يقول لهم أن الذي لا يعتقد صحته يكون مكذبًا لله ولرسوله، وهم لا يستطيعون هذا الاعتقاد، وإنني بعد أن بينت لهم ما عندي من حل الإشكال وما قاله العلماء الذين استشكلوا الحديث من قبل، وأن ما قلته هو الذي يطمئن به القلب، أتحدى الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر ومن شاء من هيئة كبار العلماء (غير الدجوي الذي ليس له في علم الحديث جمل ولا ناقة، ولا يذكر منه في مقدمة ولا ساقة، بل هو يَعُدُّ أعظم حفاظه كالذهبي في عصره أعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويطعن في صدقهم) أن يبينوا للأمة طرق هذا الحديث وما يصح منها بحسب اصطلاح المحدثين وما لا يصح، وما يجب على المسلمين أن يصدقوه مما يخالف منه المشاهدة وما تقرر في علم المنطق وعلم الجغرافية الذي يدرس في الأزهر وفي جميع مدارس هذا العصر، إما بالجمع بين الأمرين جمعًا معقولاً، وإما بتكذيب الحس وما أثبته العلم إن كان مستطاعًا، إذا كانوا لا يوافقوننا على ما ذكرنا من إعلال متنه وأصح أسانيده، فهذه سبيل العلماء حماة الدين لا الافتراء على العلماء الذين هداهم الله إلى هذه الحماية قبلهم، والتعالي والتنفج بسلطان الألقاب الرسمية التي لا قيمة لها عندهم، وإيقاع الناس في شك من دينهم، وإذا لم يكف شيخ الأزهر مرءوسيه عن مثل هذا العدوان والبهتان فسأتحداه بمناظرات أخرى في علم التوحيد وفي التفسير والحديث، وإن خالفت مقتضى الحلم والتواضع الذي اعتصمت به إلى الآن. ((يتبع بمقال تالٍ)) (1) يشعر هذا اللفظ بأن قائله غير أبي ذر وهو يدل على روايته بالمعنى كما قلنا.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢