أرشيف المقالات

فوائد من شرح العقيدة الواسطية للشيخ سعد بن ناصر الشثري

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
فوائد من شرح العقيدة الواسطية للشيخ سعد بن ناصر الشثري
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 
أما بعد: فمن العلماء المتأخرين فضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشثري، والشيخ له شروح على بعض المتون العلمية، منها شرحه لكتاب العقيدة الواسطية، والشرح يوجد فيه فوائد اخترت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها.
 
مؤلفات شيخ الإسلام رحمه الله:
من العلماء الذين كان لهم أثرٌ عظيم في مباحث المعتقد: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد ألَّف مؤلَّفاتٍ عديدة في مسائل المعتقد، منها ما هو مطوَّل، ومنها ما هو مختصر، فألَّف الكتب الكبار من مثل: "درء تعارض العقل والنقل"، و"منهاج السنة النبوية"، وهي كتب عظيمة، وألف مختصرات في أمور المعتقد تسهِّل المعتقد للناس...
ورسالة: "العقيدة الواسطية" رسالة تهتم بتصحيح عقائد الناس في توحيد الأسماء والصفات؛ لتكون على مقتضى الكتاب والسنة، ولبيان منهج أهل السنة والجماعة.
[ص: 105 - 107].
 

وجود الكفار ومعاداتهم لأهل الإسلام ليس شرًّا محضًا، بل فيه مصالح عظيمة:
وجود الكفار، وكون هؤلاء الكفار عندهم دول كبرى، وكونهم يعادون الإسلام وأهل الإسلام، ليس شرًّا محضًا، بل فيه مصالحُ عظيمة؛ من: معرفة نعمة الله عليك أيها العبد؛ إذ لم يجعلك مثلهم، وهداك لدين الإسلام الذي تسعد به في الدنيا والآخرة.
 
ومن ذلك: معرفة أن السعادة في الدنيا والآخرة ليست بوجود الأسباب الدنيوية، فهم عندهم من الأسباب الدنيوية الشيء الكثير، ومع ذلك لم يسعدوا في حياتهم، إذ عندهم من الشقاء والبؤس ما الله به عليم.
 
وهكذا تظهر عبودية الدعوة إلى الله لدعوة هؤلاء الأقوام إلى دين الله، وتعريفهم بشرائع الإسلام، وفضل هذا الدين، وعِظَم نفعه في الدنيا والآخرة.
 
وكذلك تظهر عبودية تمسُّك الإنسان بدينه مع وجود الكيد والمكر من هؤلاء الأعداء لصرف الناس عن دينهم.
[ص: 178].
 
أهل السنة والجماعة عندهم الثبات واليقين، وأهل البدع عندهم التردد والشكوك:
أهل السنة عندهم من اليقين والثبات ما ليس عند غيرهم، فالمبتدعة عندهم من التردد والشكوك الشيءُ الكثير، وكلما ازداد الإنسان في التعمق في علم بدعته كثُرت الشكوك عنده؛ ولذلك تجد أرباب هذه الفِرَقِ لولا ما يستفيدونه من أمور دنيوية من مال، وشهرة، أو نحو ذلك، لترَكوا طريقهم؛ لأن عندهم من الشك والحيرة الشيءَ الكثير، بخلاف أهل السنة والجماعة كلما ازداد الإنسان منهم علمًا ازداد بصيرة، وازداد يقينًا وثباتًا وطمأنينة.
[ص: 120].
 

منافع المرض:
المرض الذي يصاب به العبد ليس شرًّا محضًا، بل فيه مصالح ومنافع أعظم، ومن تلك المنافع:
الأمر الأول: تكفير الذنوب والسيئات: قال صلى الله عليه وسلم: ((ما يُصيبُ المسلم من نصب ولا وصب ولا همٍّ ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه)).
 
الأمر الثاني: ظهور عبادة الصبر، وعبادةُ الصبر عبادة عظيمة الشأن، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].
 
الأمر الثالث: ظهور عبودية الرضا بالله ربًّا، فنرضى عن الله أنْ قدَّر لنا المرض، ونعلم أنه لم يقدره علينا إلا لمصلحتنا، وأنه لا يريد بنا إعناتًا ولا سوءًا، ولا شرًّا، وإنما يريد بنا الخير والإحسان.
 
الأمر الرابع: أن تظهر عبودية فعلِ الأسباب لجلب التداوي بإذن الله، إلى غير ذلك من العبادات في هذا.
[ص: 178].
 
من يبذلون أنفسهم لنصرة الدين يُبارك لهم:
رب العزة والجلال يجعل بعض الخوارق التي تكون خارجة عن المعتاد لبعض أولياء الله، سواء من العلماء، أو العبَّاد، أو الولاة، أو غيرهم، ممن يقوم بشرع الله، ويسير على وَفق الشريعة، فإن الله يعطيهم ما لا يعطي غيرهم، ويبارك لهم في أمورهم، وهذا نجده واضحًا جليًّا، فأولئك الذين بذلوا من أنفسهم نجد أن الله يبارك في أوقاتهم، فرغم قلة أعمارهم إلا أنهم أنتجوا شيئًا كثيرًا، وانظر إلى أولئك الأئمة الذين أعمارهم قرابة الخمسين أو الستين سنة، عندهم مؤلَّفات بالآلاف، فضلًا عما قاموا به في حياتهم من اتصال بالناس، ووعظ لهم، وإجابة عن أسئلتهم، ونحو ذلك.
وهكذا يبارك الله لهم بتفهيمهم المسائل العويصة في الأوقات القليلة ما يتعجب الإنسان منه.

وهكذا يجعل الله لهم قبولًا في الخلق، فتجد بعض الناس في الزمن القصير ينتشر ذكره في الناس، ويسمعون له، ويستجيبون لدعوته، ويقبلون كل ما جاء به.

وإذا نظر الإنسان في علمائنا الأوائل، ومن أدركناهم من العلماء، وجدنا شيئًا عجيبًا، فعالم في مدينة صغيرة من مدن هذه البلاد ينتشر ذكره في الآفاق، ويسير على طريقته ودروسه من في مشارق الأرض ومغاربها، هذا خارق ومن الأمور التي يتعجب منها الإنسان، وهذا كلُّه بركة من الله تعالى.
[198].


من يعادون أولياء الله ينزل الله بهم العقوبات في الدنيا قبل الآخرة:
نجد في حال أولئك الذين يضادون علماء الشريعة، وأولياء الله، نجد أن الله جل وعلا ينزل العقوبات بهم في الدنيا قبل الآخرة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من عادي لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب))، ومن آذنه الله بالحرب فليبشر بالخسارة في عاجل أمره وآجله.
[ص: 199].
 
الحذر من اتباع رضا الناس في سخط الله باسم الوسطية:
قد يظن بعض الناس أن من معنى الوسطية: المداهنة في المعتقد، أو في الدين، فتجده يتنازل عن أحكام شرعية باسم الوسطية، وهذا ليس من الوسطية في شيء، بل هذا هو التخاذل، واتباع رضا الناس في سخط الله، وانظر إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما عرَضوا عليه ما عرضوا من متاع الدنيا: مُلكٌ ومال ونساء، من أجل أن يترك طريقته، فلم يستجب لذلك، ولم يقل: هذه إمكانات سآخذها وأستغلها في الدعوة إلى الله ولو أسقطت جزءًا من الأحكام الشرعية، فالمقصود أن نحذر من استعمال بعض الناس من مصطلح الوسطية في غير المقصود الشرعي، وترتيب بعض المفاسد على هذه الدعوى بإسقاط الأحكام أو الدعوة إلى إلغاء هذه الأحكام.
[152].
 

من الإحسان: إبعاد الإنسان عن هواه:
الإحسان إلى الخلق ليس بتحقيق مرادهم والسير على مقتضى ما تهواه نفوسهم، بل قد يكون من الإحسان إبعاد الإنسان عن هواه...
فكم من إنسان يرغب فيما يلحق الضرر بنفسه كما يفعله أصحاب المخدرات والمسكرات، فالإحسان إليهم يكون بردعهم عن ذلك، وأمرهم بالمعروف وإلزامهم به، ونهيهم عن المنكر وإلزامهم بتركه.

وهكذا في تربية الأولاد يتقرب الإنسان بالإحسان إلى أولاده، بجعلهم على أكمل الأمور وأتمها، بما يعود عليهم بالنفع في دنياهم وأخراهم، أما ترك الأولاد مع ما تهواه نفوسهم، فهو غش لهم، وليس من الإحسان، بل هذا إساءة إليهم.

ومن هذا التعامل مع غير المسلمين، فإننا نتقرب إلى الله بالإحسان إليهم، ومن أوجه الإحسان إليهم: عدم تمكينهم من إضلال الخلق، وعدم الاستجابة لخططهم ومكرهم بصدِّ الناس عن دين الله والوقوف في وجه ذلك، وهذا من الإحسان إليهم.
[203].
 
بقدر سير الإنسان على الكتاب والسنة يقل التناقض والتضاد عنده:
في وقت شيخ الإسلام كانت العقائد المنحرفة كثيرة وأتباعها كثر، وكانت لهم مناهجهم وطرائقهم المتنوعة...
وقد صرح بعضهم بأن الكتاب والسنة لا يستفاد منها يقين، ولا يؤخذ منها عقيدة، وأن المعتقد يؤخذ من العقول، ولم يلحظوا أن العقول متفاوتة، وأن العقل تخفى عليه بعض أوجه الحق، فإنه وإن نظر إلى جانب في طرق الاستدلال، لكنه يخفى عليه جوانب أُخر، كما أنهم لم ينتبهوا إلى أن العقول يقع في طرق الاستدلال بها أنواعٌ من أنواع الخداع في التفكير، فإذا كان هناك خداع في البصر؛ كما يرى الإنسان السراب ويظنه ماء، ويرى القضيب والخشب عندما يجعل في الماء كأنه منكسر لخداع النظر، هذا أيضًا يكون في العقول، ثم إن الناس تختلف مداركهم في العقل؛ ولذلك تجد الإنسان يجزم صباحًا بشيء ويظن أنه مما يقطع به العقل، ثم يجزم بضده في آخر يومه، ومصداق هذا في كتاب الله؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]؛ يعني تناقصًا وتضادًّا، فما كان من عند الله فلا تناقض فيه، وما كان من عند غيره فلا بد أن يقع فيه التناقض والتضاد عنده، فبقدر سير الإنسان على الكتاب والسنة يقل التناقض والتضاد عنده، وبقدر ابتعاده عن هذين الأصلين يكثر التناقض والتضاد.
[106].
 

الدعاء على الكفار قد يكون من الإحسان إليهم:
الدعاء على الكفار إذا كان المرء محسنًا به إليه فهو مشروع، وذلك أنه إذا كان هناك من يصدُّ عن دين الله، فتدعو الله بأن يبعد عنه قوَّته وقدرته، ولا يمكِّنه من الاستمرار في إضلال الخلق، فهذا من الإحسان إليه، مع أنه دعاء عليه؛ فقد تدعو عليه بالموت من باب الإحسان إليه؛ حتى لا يستمر في كفره ومضادته لله تعالى.
[204].
 
الموقف الشرعي عند وجود أذية من الآخرين على المسلم:
الموقف عند وجود أذية من الآخرين عليك لا يخرج عن أربعة أمور على الترتيب:
الأول: مقابلة الإساءة بالإساءة، فتعامل من أساء إليك بمثل فعله، بشرط ألا يكون فعلُك معصية في ذاته، قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، فيشترط ألا يكون هناك زيادة، ويشترط أن يكون فعلُك على جهة المقابلة، وألا يكون ممنوعًا لذاته، ومثال هذا أنه جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُنْ من خانك))، لا تقل: بما أنه قد خانني فسوف أخونُه؛ لأن الخيانة ممنوع منها لذاتها، ومثله أيضًا لو اعتدى عليك الإنسان بالسب والقذف، فلا يجوز أن تقابله بمثل فعله، فهذا محرَّم لذاته.

الأمر الثاني: الصبر على تلك الأذية، فتصبر وترجو أن تحصل على أجرك في الآخرة، والصابر أعظم من المكافئ في الشر والسوء، وإن كان الفعل الأول بمقابلة السوء بمثله جائزًا، لكن الصبر على الأذية أفضل، ويحصل بسببه أجر عظيم؛ ولذلك وردت النصوص بالترغيب في الصبر ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].
 
الأمر الثالث: العفو، فتتجاوز عمن آذاك وظلَمَك، تتقرب بذلك إلى الله عز وجل، وإن كنت تبذل الأسباب لإيقاف شره لئلا يؤذي الآخرين كما آذاك، فقد قال جل وعلا: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]، وقال تعالى عن الجنة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134]ـ

الأمر الرابع: الإحسان إلى من أساء إليك، وهذه لا يصلها إلا نوادر من الناس، قال تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾ [المؤمنون: 96]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35]، والناظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن أكمل الهدي في هذا الباب هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أعداءه أساؤوا إليه، فلما جاؤوا تائبين أحسن إليهم.
[ص: 205 - 206].


موقف أهل الإيمان عند ورود نعم الله عليهم:
أما موقف أهل الإيمان عند ورود نعم الله عليهم، فتكون بأمور:
أولها: بالاعتراف بأن هذه النعمَ من عند الله.

وثانيها: بحديث اللسان بنسبتها إلى الله جل وعلا: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11].

وثالثها: بعدم استعمال هذه النعم في معاصي الله.

ورابعها: باستعمال هذه النعم في طاعة رب العزة والجلال، وبذلك يحصل الشكر، قال تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وقال جل وعلا: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].
[ص: 206].

• الموقف عند إحسان الآخرين إليك: فيكون بمكافئتهم على إحسانهم، والدعاءِ لهم، وذكر هذا الإحسان عند الآخرين؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه)).
[ص: 207].

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢