أرشيف المقالات

بطلان تبرير الشرك حتى لو اعتقد الداعي أن الميت لا ينفعه بنفسه

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
بطلان تبرير الشرك إذا اعتقد الداعي أن الميت لا ينفعه بنفسه

دل القرآنُ الكريم والسنة النبوية على أن العبادة حقٌّ خالص لله وحده، وأن من أعظم العبادة الدعاء، فلا يجوز صرف الدعاء لغير الله، وكما أن السجود عبادة ولا يجوز السجود لغير الله، فكذلك الدعاء عبادة، ولا يجوز دعاء غير الله سبحانه، قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18].
 
وفي الحديث الصحيح عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدعاء هو العبادة))، ثم تلا قوله سبحانه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
 
ومن العجائب أن بعض الناس يجوِّزون دعاء غير الله إذا كان الداعي لا يعتقد أن صاحب القبر ينفعه بنفسه، بل يدعوه ليشفع له عند الله، وهذا باطلٌ، فكثير من المشركين كانوا يدعون الأصنام لتُقرِّبهم إلى الله؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3].
 
وقد أخبَر الله عن بعض المشركين أنهم كانوا يعتقدون أن الأصنام لا تنفعهم بنفسها، كما قال الله تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 69 - 74].
 
قال شيخ المفسرين محمد بن جرير الطبري في تفسير هذه الآيات: "قال إبراهيم لهم: هل تسمع دعاءكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم؟ أو تنفعكم هذه الأصنام، فيرزقونكم شيئًا على عبادتكموها، أو يضرونكم فيعاقبونكم على ترككم عبادتها بأن يسلبوكم أموالكم، أو يهلكوكم إذا هلكتم وأولادكم، ﴿ قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ﴾، وفي الكلام متروك استُغني بدلالة ما ذكر عما ترك، وذلك جوابهم إبراهيم عن مسألته إياهم: ﴿ هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون ﴾، فكان جوابهم إياه: لا، ما يسمعوننا إذا دعوناهم، ولا ينفعوننا ولا يضرون، يدل على أنهم بذلك أجابوه، قولهم: ﴿ بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ﴾، وذلك رجوع عن مجحود، كقول القائل: ما كان كذا بل كذا وكذا".
 
بل إن بعض الجهلة الذين يدعون غير الله من الأنبياء أو الصالحين يعتقدون أن النبي أو الولي يسمعهم إذا دعوه أينما كانوا، ويقدر على نفعهم ودفع الضر عنهم، فشابهوا النصارى الذين يدعون عيسى ومريم عليهما السلام، ويعتقدون أن عيسى أو مريم يسمعهم ويقدر على نفعهم، ومعلوم أن الذي يسمع كل صوت، ويقدر على إجابة من دعاه، هو الله وحده لا شريك له، وقد أمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول بوضوح: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا * قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾ [الجن: 20، 21].
 
وهذا القرآن الكريم فيه البيان الواضح بأن الأنبياء والصالحين كانوا يدعون الله وحده، ولا يدعون غيره، ولا يتوسلون بأحد من خلقه، فتأمل دعواتهم المذكورة في القرآن العظيم، ففيها كلها قولهم: اللهم، ربنا، رب، وفيها التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، فلا تدع غير الله سبحانه اقتداءً بهم، قال الله سبحانه: ﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 106].
 
وبعض الناس يقول: إنكم تستدلون بآيات أنزلها الله على المشركين وتجعلونها في المسلمين، فالجواب: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والقرآن كتاب هداية بكل آياته، وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استدل على بعض المسلمين بقوله تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54].

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢