أرشيف المقالات

كتاب القراءات الحداثية للقرآن الكريم ومناهج نقد الكتاب المقدس

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
يُعدُّ كتاب (القراءات الحداثية للقرآن الكريم ومناهج نقد الكتاب المقدس: دراسة تحليلية نقدية) للدكتور يوسف الكلام ـ أستاذ مقارنة الأديان في مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط/المملكة المغربية من الكتب التي انبرت لنقد القراءات الحداثية للقرآن الكريم، وبيان تهافت مناهجها وبطلان مقولاتها. يتألف الكتاب من مقدمة، ومدخل، وأربعة عناوين رئيسة، ثم خاتمة. في المقدمة تحدث د.
يوسف الكلام عن دواعي الاشتغال بالموضوع، حيث ربطها بما يروج في الآونة الأخيرة، من دعاوى "أصحاب القراءات الجديدة" و"الحداثية للنص القرآني" الذين يدّعون تقادم المناهج الإسلامية، وفي مقدمتها أصول التفسير وقواعده، وأفصح عن الأسئلة الكبرى التي سيجيب عنها البحث، من خلال إبراز طبيعة الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) وحقيقة جمعه، وتدوينه، وتقنينه، ولغاته، ومقارنته بالقرآن الكريم على ضوء الإشكالات المثارة، مذيلاً مقدمته بمحاور الكتاب. وفي مدخل الكتاب حدّد المؤلف أهم الإشكالات العلمية المثارة من قبيل أصحاب القراءات الحداثية للقرآن الكريم، بعد أن ساق جملة من أقوال المؤوِّلة الجدد حول القرآن الكريم، والمتمثلة بحسب زعمهم في بشرية القرآن، وأن الوحي الذي نزل على محمد صلى الله وعليه وسلم، لم يكن وحياً، بل مجرد حالة سيكولوجية كانت تنتابه من وقت لآخر، ودعوى تأخر تدوين القرآن عن عهد النبي صلى الله وسلم، ودعوى أن القرآن مدوَّنة بشرية، تحكمت فيها القوى السياسية الحاكمة، ودعوى أهمية تطبيق مناهج نقد الكتاب المقدس لفهم النص القرآني. حول حركة نقد الكتاب المقدس وأصول الإشكالات المثارة عن القرآن انطلق المؤلف من أولى الإشكالات المثارة حول الوحي عموماً، ووحي القرآن على وجه الخصوص، لينتهي بسؤال مفصلي؛ هل هذه الإشكالات فرضها البحث العلمي والموضوعي لنص القرآن؟ أم هي إشكالات فرضتها البحوث العلمية التي عرفها الكتاب المقدس؛ ليتم إسقاطها على النص القرآني؟ وهذا ما حاول المؤلف الإجابة عنه في ثنايا محاور الكتاب، من خلال: أولاً: أصل دعوى بشريَّة القرآن بيَّن المؤلف بداية المراحل التي قطعها الكتاب المقدس؛ ليكون متاحاً لجميع الأفراد بعد أن كان محتكراً من قبل "السلطة الدينية" الكنيسة، فقد ساعدت ترجمته، وتعدد طبعاته في انتشاره، ما حدا باكتشاف الكثير من الاختلاف والتداخل والانقطاع أحياناً، الأمر الذي دفع بالنقّاد المسيحيين إلى اللجوء إلى المناهج النقدية المطبقة على نصوص الإغريق وغيرها، في محاولة لاكتشاف عواره. ثم قدم الباحث مجموعة ممن نفوا، أو شككوا في وحي الكتاب المقدس، من أحبار اليهود كـ "بابا بترا"، والكوهن A.COHEN ، والربي José ، والربي Siméon ، والربي HILLEL ، والربي Meir ، والفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا، الذي سبقه أبراهام ابن عزرا، ثم أورد بعض الدراسات التي استدلّت على نفي وحي الكتاب المقدس، منها ما ذكره العالم المسيحي الفرنسي جان أستروك Jaen ASTRUC في كتابه: "فرضيات حول المصادر التي يبدو أن موسى اعتمد عليها في تأليف سفر التكوين" حيث استبعد فرضية الوحي؛ لأن موسى -بحسب رأيه- يتحدث في سفر التكوين كمؤرخ، من غير أن يذكر أن ما يرويه وحي أوحاه الله إليه، وقسم المصادر التي اعتمدها موسى إلى "المصدر الإلوهيمي" و"المصدر اليهودي"، بالإضافة لأدلة أخرى قامت عليها دعوى أستروك. وهذا بخلاف القرآن الكريم الذي تضمن في العديد من آياته الحجج الدالة على أن ما يرد فيه من الغيبيات وحي أوحاه الله لنبيه: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون} (آل عمران:44) وقوله تعالى: {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} (هود:49). وقد حاول أصحاب القراءات الحداثية ـ منهم محمد أركون ـ أن يسلكوا المسلك نفسه الذي سلكه نقَّاد الغرب، في نقد الكتاب المقدس لتطبيق الأمر نفسه على سور القرآن، وهذه الدراسات النقدية المشككة، استدعت مراجعة مفهوم الوحي والنبوّة في الكتاب المقدس، فالوحي بحسبهم حالة نفسية (سيكولوجية) ثم أطلق عليه فيما بعد مصطلح "إلهام" والنبي لا يخرج عن أن يكون كاهناً، أو ساحراً، أو شاعراً، فالمفهوم إذن مغاير لما في القرآن الكريم، وهذا الفهم الخاطئ حول طبيعة الكتاب المقدس ومضمونه، هو ما حاول أصحاب القراءات الحداثية إسقاطه على القرآن الكريم، من خلال استصحاب نتائج الدراسات التوراتية والإنجيلية وتطبيقها على القرآن الكريم. ثانياً: أصل دعوى تأخر تدوين القرآن عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأن المتلو غير المدون بيَّن المؤلف بطلان دعوى أصحاب القراءات الحداثية للقرآن الكريم في تأخر تدوين القرآن عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المتلو غير المدوّن، من خلال الكشف عن أصول هذه الإشكالات الموجودة في مراحل تدوين الكتاب المقدس، بعهديه؛ القديم والجديد، فقد عرف مشكلات في مصدريته، وكاتبيه وزمن كتابته، بحسب ما توصل إليه نقاده كابن حزم مبكراً، ثم نقَّاد الغرب، أشهرهم سبينوزا، ورشارد سيمون، وجون أستروك، وشارل جنيبير، إلى أنه عمل بشري، قام به أحبار اليهود والمسيحيون معتمدين في ذلك على مصادر شفوية تناقلوها فيما بينهم، ولم يأخذ شكله النهائي إلا بعد قرون. وهذا بخلاف القرآن الكريم الذي عُرفت مصدريته ولغته، وزمن كتابته وكَتَبَته، فقد تكفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابته في اللحظة التي كان ينزل فيها الوحي، فكان حفظ القرآن مما تكفل به الحق سبحانه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر:9). ثالثاً: أصل دعوى أن القرآن مدونة بشريِّة بيَّن المؤلف الإسقاط المنهجي المخلَّ، الذي ادّعاه أصحاب القراءات المعاصرة بأن القرآن الكريم مدوّنة بشرية، كما فعل عبد المجيد الشرفي، باستصحاب الحكم الذي توصلوا إليه على الكتاب المقدس، الذي عرف عملية شذ وجذب بين اليهود والمسيحيين، في قانونية بعض أسفاره، أي الاعتراف بها، من حيث الصحة والترتيب والعدد، وقد تساءل الباحث عن الكيفية التي تم بها تقنين بعض الكتب المقدسة ورفض البعض الآخر، والمعايير المتبعة في الانتقاء؟ وأجاب عن سؤاله: بأن المعيار الذي اتخذوه في عملية الانتقاء هو المصدرية الرسولية لهذه الكتب، فتُقبل كل الكتب المعترف لها بهذه المصدرية، كالأناجيل الأربعة ورسائل بولس، وتُرفض كل الكتب التي تدعي لنفسها هذه المصدرية، وقد أشار الباحث إلى أن هذا المعيار لم يُحترم تطبيقه في انتقاء جميع الكتب.
حيث تم حذف بعض الأناجيل رغم نسبتها إلى الحواريين، وهذا ما أكده القس Jean MESLIER، في حين أن القرآن الكريم "تمت كتابته بعناية ودقة وحرص منذ العهد النبوي، فكانت هذه العملية من أخص خصوصيات القرآن، إذ لم يَعْرِف نص ديني من قبل مثل هذ الضبط والتدقيق". وقد أثار المؤلف طعون المستشرقين في تواتر القراءات القرآنية واعتبارها نِتاجاً بشريًّا، وأنه متعدد الروايات مثل الأناجيل، من خلال الاعتماد على روايات موضوعة وواهية، لا ترقى إلى درجة الصحة، كقصة الغرانيق التي اشتملت عليها بعض الكتب التراثية؛ ما حدا بمؤلف الكتاب إلى الرد على هذه الافتراءات من خلال توضيح نشأة القراءات القرآنية بعيداً عن الروايات المغلوطة، ليؤكد في الأخير أن التشكيك في القرآن من قبل أصحاب القراءات الحداثية نابع من تأثرهم بمناهج الغرب في نقد الكتب المقدسة. رابعاً: دعوى أهمية تطبيق مناهج نقد الكتاب المقدس لفهم النص القرآني في هذا المحور تحدث د.
يوسف كلام عن أهم المناهج التي طبّقت على الكتاب المقدس من قبيل المنهج الفيلولوجي (علم فقه اللغة philology) والمنهج التاريخي، التي نادى بها أصحاب القراءات الحداثية، من أجل تجربتها على القرآن الكريم، متناسين أن القرآن الكريم نفسه يقيم التحدي من أجل الإتيان بمثله، أو اكتشاف تناقضه، أو اختلافه، يقول الحق سبحانه: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النساء:82). ومن خلال تطبيق المنهج (الفيلولوجي) والتاريخي على نص الكتاب المقدس، تبين للمؤلف أن الكتاب المقدس يعتبر مجالاً خصباً لتطبيقهما عليه، بالإضافة إلى أن لغته الأصل مجهولة، وترجماته متعددة، ومدونوه متعددون ومجهولو السيرة، وزمن تدوينه امتد قروناً طويلة، بخلاف القرآن الكريم الذي ينأى بنفسه على أن تطاله أيادٍ عابثة، أو أن يكون قد وقع فيه ما وقع للكتب المقدسة بعهديها القديم والجديد. الخاتمة في ختام كتابه، أبرز المؤلف أن دعوى تطبيق مناهج نقد الكتاب المقدس على القرآن، دعوى باطلة، تدحضها الحجج العلمية، فضلاً عن الاختلاف الحاصل بينهما من حيث سلامة اللغة، التي تميز بها القرآن عن غيره من الكتب المقدسة، ودقة ضبط جمعه، وتدوينه بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالقرآن انتقد التحريفات التي طالت الكتب التي سبقته، وبيَّن في عدد من آياته زيغها عن الحقيقة، بفعل التدخل البشري في هذه النصوص عبر فترات من الزمن، إلى أن صارت شبه محرّفة، كما أن القرآن كتاب مفتوح لكل الناس من أجل قراءته وتدبره وفق المنهجيات الشرعية والضوابط الصحيحة. صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عن مجلة البيان، عام (1434هـ)، وبلغ عدد صفحاته (95) صفحة. * مادة المقال مستفادة من موقع (مركز الدراسات القرآنية) التابع للرابطة المحمدية في المغرب بتصرف.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢