Warning: Undefined array key "member_user" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/379f6d1c5f54bdd9f12bcbc99cdb8fd8709cb09e_0.file.header_new.tpl.php on line 272
int(320) array(0) { }

أرشيف المقالات

ذلك دين القيمة (1)

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
ذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (1)


• الحمد لله الذي أظل هذه الأمة الآخرة بمظلة الإكرام العاطرة والعطايا الوافرة، فلم يكن الختام بها فيض منح قدر ما هو استكمال فضل واستحضار عدل وتمام بدر لليل طغت فيه الظلمة الحالكة، بعد أن سدلت وانسدلت عليه العَتمَة تبشر بالهلاك؛ فكان في النور المبين الفِكاك..
لئلا يكون للناس على اللهِ حجة من بعد الكتب والرسل الكرام، وكان الهادي محمد البشير والنذير، وقد سجلَّ العلى الكبير إيمانه بكافة الرسلِ والكتب والصحف التي سبقت الإسلام: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، "ليعلن أن الإسلام دين اكتمال للفضائل وتمكين للعدل والرحمة، فقال مؤكدًا برسالة عامة للناس كافة: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فجاءت الرسالة الخاتمة كالرضاب من الندي على الشجر صافية لا يشوبها كدر، أو كالمِسك على ثياب الأتقياء الطاهرة، أو الغيث المنساب على بقعة أمضى الزمان عليها حكمًا بالجفاف؛ فجاءت لتحيي رميم المكارم، وترفع دعوى المظالم، وتذكِّر العالمين بيوم لا ريب فيه، وتؤكد أسبقية وأفضلية الإسلام برغم أنه آخر الرسالات السماوية، فمن عاصره فليتبع سبل السلامة والسلام، ومن عاداه فلا يلومن إلا نفسه، ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾، أما بعد:

• في مقالين سابقين بعنوان: "كيف ساد هذا الدين (1) -  كيف ساد هذا الدين (2) نشرا بشبكة الألوكة الطيبة كنت قد حاولت جاهدًا مجاهدًا التعبير ولو بشكل اجتهادي عن عمومية رسالة الإسلام ومقومات السيادة له عن سائر الأديان والمِلل، وقد قَسمت المقالة لمقومات علوية سماوية وأخريات أرضية، فكانت الأسباب السماوية في صدارتها العناية الإلهية في حماية التنزيل وإقرار الجِنة في القرآن بذلك: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ﴾ [الجن: 8]، ثم التنزيل نفسه " القرآن الكريم " نصًّا ورسالة بما احتمل من رسائل الحق المبين وكشف الكثير من عبث السابقين، واجترائهم على الله تعالى في سرد وقائع الدهور والقرون السالفة، وأقوام الأنبياء الغابرة وما حاق بهم من عذاب وحلَّ بديارهم من خراب، (ثم لأسباب أرضية ولا نقلل من نعتها أرضية مستحضرًا مقالة القائل:
الكوكب الأرضي حين واطئته *** أمسى حصاه يتيه فوق الأنجمِ


• وكلما عاين الإنسان أحداثًا ووقائع يومية وأمعن في قضية الإسلام السامية وعموميتها بصدق وروية، وجد أن مقومات السيادة لدين الإسلام لا عدَّ ولا حصر لها بين دفتي كتاب ذي أهاب عظيم، مهما عَظمت أعداد أوراقه ونفدت في إخراجه أحبار كثيرة!
 
• والحمد لله وكفى أنني لم أظن يومًا أني قد أحطت بما لم يحط به علماؤنا الأفاضل وشيوخنا الأماثل الذين أفنوا سراج أعمارهم، رجاء إعمار عقول وقلوب الناس بشمائل هذا الدين الحنيف، وإنارة سبل الهدى لهذا الدين القويم درءًا لما يخالف جليل مقاصده، وما خطر ببالي ساعةً أني إليه أسبق فقد حَفد إليه غيري فأصاب وأجاد وزاد واستزاد؛ لكنه شغف الكتابة واستحباب النجابة التي ربما تأتي بما ينفعني وينفع من يقرأ لي، حتى كانت تلك الاستفاضة غير الطويلة تستولي على كثير من أفكاري المبعثرة بين الأجناس الأدبية من قَصص ومقالات وشِعر، وقبل ذلك كله ومما لاشك فيه أن استعراض الرؤى الاجتهادية مع الإجلال التام للأصولية الدينية معًا، ليشكلان ماعونًا من الأفكار الجيدة لتثمين أفضلية وشمولية الإسلام بمقوماته المتعددة عما سبقه!.
 

• فبداية نُقر إقرار المنصف بشهادة حق لا مراء في صدقها: أن عمومية رسالة الإسلام تحترم في مضمونها كافة الثقافات الأخرى ما لم تكن مفضية تلك الثقافات إلى رذيلة أو آداب مغايرة تحط من سمو النفس البشرية ورفعتها، كمخلوق مكرم بشكل عام أو تلوي بأعناق القيم والثوابت لتسيرها حسب أهواء زمانية أو مكانية بحجة الملائمة والمواكبة، فكافة الأديان من لدن آدم ونوح وإدريس عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام إلى الخاتمة الاسلامية المحمدية تعزز من قيمة النفس البشرية وأفضليتها بالعقل عن سائر الكائنات الحية وبتسخير الله لها كل المخلوقات وتذليل الدواب العظيمة ...
إلى غير ذلك من المميزات والتي ترفع من قدرها بما يليق مع كونها نفسًا انسانية مكرمة ونرجع لقول ربنا عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

 

وحتى لا يذهب بنا المقال مذاهب الإسهاب وخبايا الإطناب، فيغيب المقصد ويمَلّ الراصد لأهدافه من ازدحام ترادفاته نقدر في هذا السرد قولًا موجزًا، فنقول: إن من مقومات السيادة لدين الإسلام وثباته على غيره ولو كره الكافرون هي إيجازًا في ثلاثة نقاط مضيئة، هن ما نما إليهن حد علمي وتقديري المحدود وإن كانت كما ذكرنا آنفًا أنها قضية لا يحدها فرد ولا يدرك كنه سموها قدير.
 

الاعتناء بالجوهر وتغليب القلبِ على القالب:
• عني الإسلام منذ الوهلة الأولى بالاهتمام بالجوهر، وتغليب القلب على القالب، أو كما يقولون: اللب على اللحاء، بدا ذلك من أمور كثيرة مرت على عمر الدعوة منذ انبلاجها في بطحاء مكة القاسية المناخ والقلوب؛ فسمات الرسالة الخاتمة أن تخاطب العقل والقلب معًا؛ لتؤكد اكتمال الفضائل والمكرمات التي سوف تحيا عليها البشرية حتى قيام الساعة، وكأن الله عز وجل يريد لتلك الرسالة الأخيرة أن تجمع بين طياتها كل مزايا النور، والإخلاص وتنقذ البشرية، وتتحول معها القلوب لنورانيات ملائكية ترى بنور القلوب ما لا تراه العيون، فتدرك العقول دورها، فكانت الرسالة لكليهما موجهةً توجيهًا صحيحًا، فإنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، والقصد هنا ليس بقاصر على الأناقة الفردية وحسن الهندام والمظهر، وإظهار نواتج النعمة على صاحبها، بل تمتد لأوسع منظور كأخذ الدين والإسلام كله على هيئة الثياب والجلباب واللباس واللحية ومكملات الزي الإسلامي وفقط، فالإسلام ليس بدين المظهرية، بل هو يقين القلب واطمئنانه بمعطيات الله والسعي خلف مطلوبه؛ ليثبت برهان صدقه بالله الواحد القهار، وأدلة ذلك من قوله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقوله عن لسان الخليل إبراهيم: " ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 89].
 

• إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبدأ دعوته بالنظر لشكليات الدين ولا هيئة المسلم المستقبل دينًا جديدًا وشرعة؛ ليشقى بكثير من ضوابطها وسماتها إنما تدرج الأمر حسب مقتضيات الدعوة ومدى القبول والرفض لها، أو استغراب المسلمين الجدد لذلك التحول الاجتماعي والإنساني لهم ولمن معهم.
 

• فلو ضربنا مثلًا بأنه ظل صلى الله عليه وسلم يصلى ناحية المسجد الأقصى، حتى جاء أمر الله بتحويل القبلة في السنة الثانية للهجرة على حسب الروايات، فبرغم كونه نبيًّا عربيًّا كان من الوهلة الأولى أن يغير مسار واتجاه الصلاة، وحبه نفسه صلى الله عليه وسلم لذلك، لكنه انتظر حتى يأتي الأمر في الوقت الأكثر ملائمة وبإذنه تعالى.
 

• وفي صلح الحديبية وما جاء فيها من شروط تبدو في ظاهرها غيرَ منصفةِ للدعوة وللمسلمين، واعتراض سيدنا عمر بن الخطاب وبعض الصحابة على كثير منها بداية من رفض المشركين توقيع اسم النبي صلى الله عليه وسلم بمحمد رسول الله"، لكنه صلوات ربي وتسليماته عليه، لم يلتفت لتلك الشكليات، بل عَنى بما هو أجدى موقنًا بأن مسَّ الإيمان لقلب الواحد منهم كفيل بأن يقهر كل عناد ومواجهة.
 

• والشواهد كثيرة بما يكفي ويفضي لكثير من الإقناع على أن هذا الدين جاء على قمة سامية من ديانات تلاحقت وتلاقت جميعها، لتصب في معين عذب سهل لين يتسم بالعدل والفضل وبالمرحمة، فذلك الإسلام دين القيمة!
 

سؤال راودني كثيرًا!!:
♦ لما لم يسلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم مسلك أبيه إبراهيم عليه السلام في ابتداره بتحطيم الأصنام التي كانت حول الكعبة بداية الدعوة؟!
 

♦ والإجابة عن هذا السؤال ليست تخمينًا، فليس في أمور النبوة المعصومة تخمين أو ادعاء على نبي كريم في مسار دعوته؛ فالمؤيد هو الله والأنبياء قوم أولو عصمة، فالقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحذو حذو نبي الله إبراهيم في ذلك لأسباب واضحة جلية وهي والله محيط بكل علم خفي وظاهر "إن الكفار في عهد نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كانت دعوتهم بالتقرب لتلك الأصنام تحدو بهم لأن يذبح الواحد منهم ولده قربانًا لتلك الآلهة من التماثيل والأصنام، فهدى الله إبراهيم عليه السلام ليضرب بمعول الحق تلك الأصنام التي كانت تسجد عندها تلك الجسوم الضالة وكان "آذر" أبيه كما ذكر القرآن، وإن كانت كتب التفاسير قد ذكرت أنه ليس بأبيه الذي أنجبه ربما يكون من عمومته والله تعالى أعلم"، والشاهد أنه كان ممن يروجون لتلك العبادة المزيفة الباطلة ويعير نبي الله إبراهيم بتطاوله عليها، وبما سوف يلحق به أذى عظيم إن هو خرج عن مكنون عبادتهم تلك؛ فكان ولوج نبي الله إبراهيم الخليل من خلال تلك القضية الباطلة، فسلك بها طريقًا يلتمس بها رشدًا منهم، وهو تحطيم تلك الأصنام وجعلها جذاذًا؛ أي قطعًا صغيرة، وترك مِعوله على رأس كبيرهم؛ ليفجر قضية عظمى من قضايا العقل وهي المقارنة والمواجهة، وليفسح لهم مجال التفكر قبل مناورات الانتقام منه، فكان الحوار الذي سجله لنا القرآن الكريم وحفظه نورًا مبينًا: ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾ [58- الأنبياء]، ولعلك تلحظ أن ذلك المنهاج الرشد قد اتخذه الخليل في كثير من دعوته حتى حين وقف عند النمروذ الكافر، وهو يحاج إبراهيم في ربه فانتهى به الأمر ليضع هذا النمروذ في محك عقلي بصدد قضية إشراق الشمس، ومكان انبثاق ضوئها، فأخذ عليها الحجة بوحدانية الله وقدرته على تسيير ملكه وأفلاكه، فبهت الذي كفر، وهنا قد حرك إبراهيم مرة أخرى تلك الجسوم التي اعتادت الانصياع دون تفكير أو تقدير ليغضب النمروذ غضبًا لم يشهده من قبل، فنصب له النيران التي نَجَّى الله نبيه الخليل منها بمعجزة جمعت حوله كثيرًا من المؤمنين.
 
♦ وما كان عليه النبي من أمر صبره على تحَول القبلة للمسلمين خاصة، كان عليه في شأن تحطيم الأصنام التي كانت بكل دار ومنزل وتحوط الكعبة المشرفة، وبداخلها طيلة ثماني سنوات مضت من عمر الدعوة، ولم يحدث ذلك إلا لما كان فتح مكة العظيم ودخول الناس في دين الله أفواجًا، فكان تكسير وتحطيم تلك الأصنام من أولى خطوات تأسيس الدولة الاسلامية بمكة المكرمة وتطهير البيت الحرام.
 
♦ والسؤال هنا ليس للمفاضلة أو الترجيح لكفة عن كفه، فرسولنا صلى الله عليه وسلم نبي مكلف ويوحى إليه، ونبي الله إبراهيم عليه السلام نبي مكلف ويوحى إليه، ولكن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يقدم على ذلك كما ذكرنا في بداية عمر الدعوة ذلك لأسباب منها:
الأول:- هو أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم تمام العلم أن تلك الأصنام سوف يأت عليها اليوم وتحطم بأيدي المسلمين أنفسهم، وإن نشر فكرة التوحيد لا تبدأ بتلك الخطوة إلا عن قناعة وإيمان راسخ، فضلًا عن أنها لم تعد تثير قلقًا بشأن إزهاق النفس مثلما كان في عهد سيدنا إبراهيم ومن سبقه، فالقريشيون حينما كانوا يتقربون لتلك الأصنام بالطعام والعطايا والهبات وغير ذلك، فلم تعد النفس البشرية من أولويات التقرب لها، ولقد كانوا يصنعون تلك الآلهة حينًا من التمر ويأكلونها إذ خامر بطونهم الجوع هذه واحدة، ولأن العرب قد ذهبوا مذاهب لا أخلاقية قبل البعثة؛ كوئد البنات وأصحاب الرايات الحمر، وقطع الطريق وسبي النساء، والقتل والكهانة، وغير ذلك، فكان ذلك أدعى لمعالجة قضاياه وفصل الدين الاسلامي الجديد فيها بالتحريم والتجريم، والتذكير بعقوبات الأمم التي كفرت برسل الله تعالى، وقد بدا ذلك جليًّا في كثير من سور القرآن المكية.

 
والثانية:- أن كفار مكة كانت لهم حجة يحتجون بها إذا تم التضييق عليهم فكريًّا وعقائديًّا، فيزعمون كما زعم السابقون لنبي الله عيسى عليه السلام أن تلك الأصنام إنما تقربهم لله زلفى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3 ].
 

والثالثة وهي الأرجح لدي أن حكمة النبي الكريم وبرهان النبوة الذي أيده الله به قد صرفه عن ذلك لئلا يبدأ دعوته الإسلامية بعد ديانتين اختلفتا في المضمون، واتفق أربابهما على معاداة الإسلام الأسمى والحاصر لأخطاء الرهبان والقساوسة ومزيفي ومحرفي المنهاج الصحيح لتلك الرسالات السماوية.
 

♦ وعلى الصعيد الأخير، فالمسلمون الأوائل لم تكن قضيتهم في تنكيس تلك الأصنام في بادئ الأمر حتى ولو فعلوا ذلك بشكل فردي قدر ما هو محاربة الظلم والرق، وإنقاذ من غلبهم القهر القرشي على يد صناديد الكفر وعتاة الشرك بمكة وسيادة الرحمة التي ذابت في قسوة حر مكة والله أعلى وأعلم.
 

♦ وهذا التوضيح الاجتهادي لا يتنافى أو يتعارض مطلقًا مع ما نادي به الإسلام من مظهر للمسلم الورع والمسلمة من ثياب عفيف وحجاب ساتر، وكل ما تنزلت به التعليمات فيما يخص ذلك إجلالًا لهيبة الدين وحفاظًا على شميلة الحياء التي هي من أعلى مقاصد الشريعة، وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وغيرهم، ونصه كما عند مسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس، وأما معنى جملة إن الله جميل يحب الجمال، فقد قال المناوي: إن الله جميل أي له الجمال المطلق جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال، يحب الجمال؛ أي التجمل منكم في الهيئة، أو في قلة إظهار الحاجة لغيره، والعفاف عن سواه، إن فضائل ومكارم الدين الاسلامي العظيمة لا تنحسر ولا تنحصر في لِحى طويلة وأعواد سواك وجلباب كان يلبسه السلف فهذا الدين لا يؤخذ بالمظاهر أبدًا.

 

♦ ولنا أن نسأل سؤالًا فيما يخص المظهر"، ألم يكن زي المشركين في مكة كزي الصحابة والنبي ذلك لما فرضته البيئة العربية عليهم، فلا نقطع بأن المظهر لا بد وأن يكون كما المظهر فلكل زمان بردته التي تلبس ما دام ذلك لا يتعارض مع أصيل الدين وثوابت العقيدة التي تدعو لستر عورة المسلم وشميلة الحياء.

 

♦ إن جفاف حلوق الأئمة على المنابر رفضًا لما هو مخالف لما كان عليه لباس الصحابة الأوائل وطرائق المعايش والمعاصرة الشكلية لا الجوهرية، ما هو إلا درب من روب الإفلاس الفقهي لدين عظيم ساد وشاد أمة امتدت من جزيرة العرب وشرق آسيا والشمال الغربي من فارس والروم، بفضل التسامح والألمعية في نشر محاسن الدين وفضائله.

 

♦ خلاصة القول بأن اللباس والطعام والشراب كل تلك الأمور عادات تختلف باختلاف الأماكن والأزمنة وما جبلت عليه طبائع الناس، لكن سموت الدين الإسلامي تدعو المسلم والمسلم للحفاظ على النفس وصيانتها بالزي الجميل الكريم الساتر، وكذلك البعد عن كل مطعم حرمه الإسلام ومشرب يخامر العقل ويخرجه من هيبة الوقار إلى مناط التفاهة والضياع، فقد عرضَ على النبي صلى الله عليه وسلم "لحم ضب"، فقال: لا آكله فلم نعتد عليه، فليس من آكله بمسيء ولا مستحدث بدعة!!
 

وللمقال بقية بإذن الله تعالى.

شارك المقال