أرشيف المقالات

أحكام الدماء الطبيعية للنساء

مدة قراءة المادة : 41 دقائق .
2أحكام الدماء الطبيعية للنساء
الحمد لله، حمدًا طيبًا طاهرًا مباركًا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد: فإن أحكام الحيض والنفاس من الأمور التي يجب على المرأة المسلمة معرفتها؛ حتى تصح عبادتها، فأقول وبالله تعالى التوفيق: الدِّماء الطبيعية التي تخرج من المرأة ثلاثة أنواع، هي: الحيض، والنِّفاس، والاستحاضة، وسوف نتحدث عنها. أولًا: الحيض: معنى الحيض: الحيض في اللغة: السيلان، يقال: حاض السيل وفاض: إذا سال، وحاضت المرأة: سال دمها؛ (لسان العرب لابن منظور - جـ 2 - صـ 1071). الحيض في الشرع: دمٌ يُرْخيه الرَّحِم إذا بلغت المرأة، ثم يعتادها في أوقاتٍ معلومةٍ؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 386). ودم الحيض: دم طبيعي، ليس له مِن مرض، أو سقوط جنين، أو ولادة؛ولذلك فإن الحيض يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها؛ولذلك تختلف فيه النساء اختلافًا كبيرًا، ويُعرَف الحيض بالعادة أو الدورة الشهرية، وهو أمر كتبه الله على النساء. روى الشيخان عن القاسم بن محمدٍ قال: سمعت عائشة تقول: خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف حِضْتُ، فدخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قال: ((ما لكِ؛ أنفست؟))، قلت: نعم، قال: ((إن هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدمَ، فاقضي ما يقضي الحاجُّ، غيرَ أن لا تطوفي بالبيت))؛ (البخاري - حديث: 294 /مسلم - حديث: 1211). ودمُ الحيض: أسود، ذو رائحة كريهة، وغليظ؛(المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 391).   أسماء الحيض: للحيض عدة أسماء، أشهرها: الحيض، والثاني: الطمث، والثالث: العراك، والرابع: الضحك، والخامس: الإكبار، والسادس: الإعصار؛ (المجموع للنووي - جـ 2 - صـ 341). ويقال للحائض أيضًا: نفست ودرست؛(لسان العرب لابن منظور - جـ 2 - صـ 1071).   الحيض مِن علامات بلوغ الأنثى: روى أبو داود عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقبَلُ الله صلاة حائضٍ إلا بخمارٍ))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني - حديث 596). قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -: أجمع العلماء على أن الحيض بلوغ في حق النساء؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني - جـ 5 - صـ 277).   بداية وقت الحيض ونهايته: أقلُّ سنٍّ تحيض له المرأة تسع سنين، فلا حيض قبل ذلك، ونهاية الحيض غالبًا في سن الخمسين؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 445: صـ 447). قال الترمذي - رحمه الله -: قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: "إذا بلغت اليتيمة تسع سنين فزوجت، فرضيت، فالنكاح جائز، ولا خيار لها إذا أدركت، واحتجَّا بحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها وهي بنت تسع سنين، وقد قالت عائشة: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة"؛ (أي: حكمها حكم المرأة)؛ (سنن الترمذي - جـ 3 - صـ 418).   مدة الحيض: لا حدَّ لأقل الحيض ولا لأكثره، وإنما يرجع ذلك إلى العادة. قال ابن قدامة - رحمه الله -: ورد الحيض في الشرع مطلقًا من غير تحديدٍ، ولا حد له في اللغة، ولا في الشريعة، فيجب الرجوعُ فيه إلى العُرف والعادة؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 389).   علامات انتهاء مدة الحيض: تعرف المرأة نهاية عادتها الشهرية بانقطاع الدم عنها بأمرين: (1) نزول القصة البيضاء: وهو ماء أبيض يخرج من رحم المرأة عند انقطاع دم الحيض عنها. قال الإمام البخاري - رحمه الله -: وكن نساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة (قماش) فيها الكرسف (القطن) فيه الصفرة، فتقول: (لا تعجَلْنَ حتى ترين القصة البيضاء) تريد بذلك الطُّهرَ من الحيضة؛ (صحيح البخاري - كتاب الحيض ـ باب: إقبال الحيض وإدباره).   (2) الجفوف: وذلك بأن تضع المرأة قطعة من القطن في فرجها ثم تخرج جافة ليس عليها دم ولا صفرة، ولا كدرة. حُكم الصفرة والكدرة: الكدرة والصفرة: الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني - جـ 1 - صـ 508). إذا خرج من المرأة صفرة أو كدرة أثناء مدة عادتها الشهرية فإنها تعتبرهما من الحيض، ويأخذانِ أحكامه، وأما إذا خرجا من المرأة بعد انتهاء مدة الحيض، فإن المرأة لا تعتبرهما شيئًا، وتعتبر نفسها طاهرة تمامًا؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 414: 413). روى البخاري عن أم عطية، قالت: (كنا لا نعُدُّ الكدرة والصفرة شيئًا)؛ (أي مِن الحيض)؛ (البخاري - حديث: 236).   حيض المرأة الحامل: ذهب جمهورُ الفقهاء إلى أن المرأة الحامل لا تحيض غالبًا؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 443). روى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاس: ((لا توطأ حامل حتى تضعَ، ولا غيرُ ذات حملٍ حتى تحيض حيضةً))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني - حديث 1889). قال ابن قدامة - رحمه الله -: فجعل وجود الحيض علَمًا على براءة الرحم، فدلَّ ذلك على أنه لا يجتمع معه؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ: 444). روى مسلم عن سالمٍ، عن ابن عمر: أنه طلَّق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((مُرْه فليراجعها، ثمَّ لْيُطلقها طاهرًا، أو حاملًا))؛ (مسلم - حديث: 1471). قال ابن قدامة - رحمه الله -: فجعل الحمل علمًا على عدم الحيض، كما جعل الطهر علمًا عليه، ولأنه زمن لا يعتادها الحيض فيه غالبًا، فلم يكن ما تراه فيه حيضًا كالآيسة، قال الإمام أحمد: إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ: 444).   تطهير الملابس من دم الحيض: روى الشيخان عن أسماء، قالت: جاءت امرأةٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب، كيف تصنع؟ قال: ((تحُتُّه، ثم تقرصه بالماء، وتنضحه، وتصلي فيه))؛ (البخاري - حديث: 227 /مسلم - حديث: 291). تحُتُّه: تفركه وتقشره وتزيله، تقرصه: تدلكه بأصابع اليد مع صب الماء عليه، تنضحه: تصب الماء عليه قليلًا قليلًا حتى يزول الأثر. فائدة: بقاء أثر الدم بعد إزالة عينه لا يضر، إذا تعسرت إزالة الدم تمامًا. روى أبو داود عن أبي هريرة: أن خولة بنت يسارٍ أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنه ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: ((إذا طهرت فاغسليه، ثم صَلِّي فيه))، فقالت: فإن لم يخرج الدمُ؟ قال: ((يكفيك غَسْلُ الدمِ، ولا يضرك أثره))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 351).   حُكم جنابة الحائض: إذا كان على الحائض جنابة، فليس عليها أن تغتسل حتى ينقطعَ حيضها؛ وذلك لأن الغسل لا يفيد شيئًا من الأحكام، فإن اغتسلت للجنابة في زمن حيضها، صحَّ غسلها، وزال حُكم الجنابة فقط، ولا يزول حكم الحيض حتى ينقطع الدم؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 278).   الطلاق أثناء مدة الحيض: يحرُمُ على الزوج أن يطلق زوجته وهي حائض أو نفساء. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ﴾ [الطلاق: 1]. وإذا طلَّق الزوج زوجته أثناء فترة حيضها أو نفاسها، وقع طلاقه، ويكون عاصيًا. وهذا قول جمهور العلماء، منهم الأئمة الأربعة: (أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل) رحمهم الله جميعًا. ودليل ذلك: أن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قد طلق امرأته وهي حائض، ومع ذلك احتسبها النبي صلى الله عليه وسلم عليه طلقة، وأمره بمراجعتها، والمراجعة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق. روى الشيخان عن عبدالله بن عمر بن الخطاب (وهو يتحدث عن حكم طلاقه لزوجته أثناء حيضها) قال: حُسبت علَيَّ بتطليقةٍ؛ (البخاري - حديث: 5253 / مسلم - حديث: 2، 4، 11). (الأم للإمام الشافعي - جـ 5 - صـ 180). (مسلم بشرح النووي - جـ 5 - صـ 326). (المغني لابن قدامة - جـ 10 - صـ 327: صـ 328). (فتح الباري لابن حجر العسقلاني - جـ 9 - صـ 267). (فتاوى دار الإفتاء المصرية - جـ 6 رقم 913 - صـ 2061).   ثانيًا: النفاس: معنى النفاس: النفاس في اللغة: مأخوذ من النفس وهو الدم، ومنه قولهم: لا نفس له سائلةً؛ أي: لا دم له يجري، وسمي الدم نفسًا؛ لأن النفس التي هي اسم لجملة الحيوان قوامها بالدم، والنفساء من هذا؛ (المصباح المنير - جـ 9 - صـ 18). النفاس في الشرع: هو الدم الخارج من المرأة بسبب الولادة، وإن كان المولود سقطًا؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 429).   مدة النفاس: لا حد لأقل النفاس، فيتحقق بلحظة، فإذا ولدت المرأة، وانقطع دمها عقب الولادة، أو وضعت بلا دم لزمها ما يلزم الطاهرات من الصلاة والصوم وغيرهما، وأما أكثره فأربعون يومًا. قال ابن قدامة: (أكثر النفاس أربعون يومًا)، هذا قول أكثر أهل العلم، قال أبو عيسى الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومَن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلي؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 427: صـ 429). روى أبو داود عن أم سلمة قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يومًا أو أربعين ليلةً؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث 304).   نزول الدم من الحامل قبل الولادة: قال ابن عثيمين - رحمه الله -: إذا رأت الحامل الدمَ قبل الولادة بيوم أو يومين ومعه طلق، فإنه نفاس تترك من أجله الصلاة والصيام، وإذا لم يكن معه طلق فإنه دم فساد، لا عبرة فيه، ولا يمنعها من صيام ولا صلاة؛ (فتاوى المرأة المسلمة - صـ 71 رقم 175).   بداية نفاس المرأة التي وضَعت توءمين: إذا ولدت المرأة توءمين، فإن بداية النفاس تكون من المولود الأول، وهذا قول الإمامين: أبي حنيفة ومالكٍ، فعلى هذا متى انقضت مدة النفاس من حين وضعت الأول، لم يكن ما بعده نفاسًا؛ لأن ما بعد ولادة الأول دم بعد الولادة، فكان نفاسًا، كالمنفرد، وآخره منه؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 431).   انقطاع دم النفساء قبل الأربعين: إذا انقطع الدم عن المرأة النفساء قبل الأربعين يومًا، اغتسلت وصلَّتْ وصامت وحل لزوجها جماعها، ثم إن عاد إليها الدمُ قبل الأربعين فهو دم نفاس، فيجب على المرأة ترك الصلاة والصيام؛ (فتاوى ابن باز - جـ 15 - صـ 199: 198). روى أبو داود عن أم سلمة قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يومًا أو أربعين ليلةً؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث 304).   حُكم الولادة بدون دم: إذا وضَعت المرأة ولدها ولم ترَ دمًا، وجب عليها أن تغتسل؛ وذلك لأن الولادة لا تخلو، عادة، من رطوبة ودم قليل، وإن خفي؛ (شرح فتح القدير لابن الهمام - جـ 1 - صـ 186/ الشرح الصغير للدردير - جـ 1 - صـ 166/مغني المحتاج للخطيب الشربيني - جـ 1 - صـ 69/الإنصاف للمرداوي - جـ 1 - صـ 105).   الفرق بين أحكام الحيض وأحكام النفاس: أحكام النفاس كأحكام الحيض تمامًا إلا في الأمور التالية: الأول: تحتسب عدة المرأة بالحيض دون النفاس، فإن كان الطلاق قبل وضع الحمل انقضت العدة بوضعه، لا بالنفاس، وإن كان الطلاق بعد الوضع انتظرت المرأة رجوع الحيض. الثاني: مدة الإيلاء يحسب منها مدة الحيض، ولا يحسب منها مدة النفاس. • الإيلاء: أن يحلف الرجل على ترك جماع امرأته أبدًا، أو مدة تزيد على أربعة أشهر، فهذه المدة إذا مر بالمرأة نفاس لم يحسب على الزوج، وزِيدَ على الشهور الأربعة بقدر مدته، بخلاف الحيض، فإن مدته تحسب على الزوج. الثالث: الحيض دليل على بلوغ المرأة، والنفاس لا يكون دليلًا عليه؛ لأن المرأة لا تحمل إلا وقد حاضت؛ (مجموع فتاوى ابن عثيمين - جـ 4 - صـ 291 رقم 253).   ما يلزم المرأة عقب انتهاء الحيض والنفاس: يجب على المرأة أن تغتسل عقب انتهاء الحيض والنفاس. روى البخاري عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيشٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدعُ الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا، إنما ذلكِ عِرقٌ، وليس بحيضٍ، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلِّي))، قال: وقال أبي: ((ثم توضئي لكل صلاةٍ، حتى يجيء ذلك الوقت))؛ (البخاري - حديث: 228).   أمور تباح للحائض والنفساء: يجوز للحائض والنفساء: القراءة في كتب التفسير، والفقه، وكذلك ذكر الله تعالى، وسجود التلاوة، ويجوز لزوجها أن يستمتع بها، بغير جماع. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشرني وأنا حائض؛ (البخاري - حديث: 2030). روى مسلم عن أنسٍ: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222] إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اصنَعوا كل شيءٍ إلا النكاح "الجماع"))، فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدَعَ من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه؛ (مسلم - حديث: 302).   روى ابن جرير الطبري عن أبي قلابة: "أن مسروقًا ركب إلى عائشة، فقال: السلام على النبي وعلى أهل بيته، فقالت عائشةُ: أبو عائشة مرحبًا، فأذنوا له، فدخل، فقال: إني أريد أن أسألكِ عن شيءٍ وأنا أستحيي، فقالت: إنما أنا أمُّك وأنت ابني، فقال: ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ قالت: له كل شيءٍ إلا فَرْجَها"؛ (إسناده صحيح) (تفسير الطبري - جـ 4 - صـ 378).   أمور تحرم على الحائض والنفساء: حُكم النفساء هو حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها، ويسقط عنها؛ وذلك لأن دم النفاس هو دم الحيض، إنما امتنع خروجه مدة الحمل؛ لكونه ينصرف إلى غذاء الحمل، فإذا وضع الحمل، وانقطع العرق الذي كان مجرى الدم، خرج من الفَرْج، فيثبت حكمه، كما لو خرج من الحائض؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 432).   فيحرُمُ على الحائض والنفساء: الصلاةُ والصيام والطواف حول الكعبة، والمكث في المسجد، والجماع، وحمل المصحف، وكذلك قراءة القرآن عن ظهر قلب إلا في حالات الضرورة، كأن تكون معلمة أو طالبة عند الاختبار، أو تخشى نسيانه.   قال سبحانه: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 222]. وقال تعالى عن القرآن: ﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 79]. روى البخاريُّ عن عائشة، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاةَ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدمَ وصلِّي))؛ (البخاري - حديث: 228). روى الشيخانِ عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحَرُوريَّة (أي من الخوارج) أنتِ؟ قلت: لست بحروريةٍ، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة؛ البخاري - حديث: 335 / مسلم - حديث: 321). (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 199: صـ 204 - صـ 376 - صـ 387). (فتاوى اللجنة الدائمة - جـ 4 - صـ 74: صـ 75)، (فتاوى ابن عثيمين - جـ 4 - صـ 273).   قال ابن تيميَّة - رحمه الله -: مسُّ المصحف يشترط له الطهارة الكبرى والصغرى عند جماهير العلماء، وكما دل عليه الكتاب والسنَّة، وهو ثابت عن سلمان وسعدٍ وغيرهم من الصحابة، وحرمة المصحف أعظمُ من حرمة المساجد، ومع هذا إذا اضطر الجنب والمحدِث والحائض إلى مسِّه مَسَّه؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية - جـ 26 - صـ 200).   طوَاف الوداع للحائض والنفساء: يسقُطُ طواف الوداع عن الحائض أو النفساء، ولا فدية عليها؛ (المغني لابن قدامة - جـ 5 - صـ 341). روى الشيخانِ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: أُمِرَ الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض؛ (البخاري - حديث: 1755 / مسلم - حديث: 1328).   جماع الحائض والنفساء: يحرم على الزوج أن يجامع زوجته في مدة الحيض أو النفاس، وله أن يستمتع بما شاء من جسدها، فإن جامعها، وجب عليه التوبة والاستغفار، ووجَب عليه كذلك التصدُّق بمبلغ من المال، قيمته جرامان وربع من الذهب، كفارة لهذا الفعل الحرام، ويجب هذا على الزوجة أيضًا إذا كانت راضية عن ذلك، وأما إذا كان زوجها قد أجبرها، فلا شيء عليها؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 419: 418)، (فتاوى اللجنة الدائمة - جـ 19 - صـ 274).     روى أبو داود عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: ((يتصدَّق بدينارٍ، أو نصف دينارٍ))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني - حديث 237). قال ابن تيميَّة - رحمه الله -: وطء النفساء كوطء الحائض، حرامٌ باتفاق الأئمة؛ (فتاوى ابن تيمية - جـ 21 - صـ 624).   ثالثًا: الاستحاضة: معنى الاستحاضة: دمٌ يخرج من عرق ينفجر في رحم المرأة في غير أوقات الحيض أو النفاس، أو متصلًا بهما. ودم الاستحاضة يخالف دم الحيض في صفته وأحكامه. المرأة المستحاضة لا يحرم عليها الأمور التي تحرم عليها في مدة الحيض، فتصلي وتصوم، وتَحِلُّ لزوجها، وتفعل كل ما تفعله الطاهرات، إلا أنها تتحفظ من نزول الدم، وتتوضأ بعد دخول وقت كل صلاة فريضة. روى الشيخانِ عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيشٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أُستحاض فلا أطهر، أفأدعُ الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا، إنما ذلكِ عِرْق، وليس بحيضٍ، فإذا أقبلت حيضتُك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم صلِّي))، قال: وقال أبي: ((ثم توضَّئِي لكل صلاةٍ، حتى يجيء ذلك الوقت))؛ (البخاري - حديث: 228/مسلم - حديث: 333).   الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة: 1) دم الحيض أسود، ودم الاستحاضة أحمر. 2) دم الحيض ثخين، ودم الاستحاضة رقيق. 3) دم الحيض مُنتِن الرائحة، ودم الاستحاضة غير مُنتن. 4) دم الحيض لا يتجمد، ودم الاستحاضة يتجمد؛ (الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين - جـ 10 - صـ: 668: 667).   أحوال الاستحاضة: المرأة المستحاضة لها ثلاثة أحوال: (1) أن تكون مدة الحيض معروفة لها قبل الاستحاضة، وفي هذه الحالة تُعتبر هذه المدةُ المعلومة لها هي مدة الحيض، والباقي استحاضة. (2) أن تكون للمرأة القدرة على أن تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة؛ فدمُ الحيض أسود، وذو رائحة كريهة، وأما دم الاستحاضة فلونه أحمر، فإذا رأت الدم الأسود فهو وقت الحيض، والباقي استحاضة. (3) أن يستمر الدم بالمرأة، ولم يكن لها أيام حيض معروفة، أو نسيت عادتها، أو قد بلغت وهي مستحاضة، أو لا تستطيع أن تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة. وفي هذه الحالة تكون فترة حيضها ستة أيام أو سبعة أيام حسب عادة أغلب النساء، وتبدأ هذه المدة عند أول رؤيتها للدم؛ (فتاوى ابن تيمية - جـ 21 - صـ 22: صـ 23)، (نيل الأوطار للشوكاني - جـ 1 - صـ 322: صـ 328).   تنبيهات مهمة: (1) إذا طهُرت المرأة الحائض أو النفساء قبل غروب الشمس، وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر من هذا اليوم، وإذا طهرت منهما قبل طلوع الفجر، وجب عليها أن تصلي المغرب والعشاء من هذه الليلة؛ لأن وقت الصلاة الثانية وقت للصلاة الأولى في حال العُذر. وهذا قول جمهور الفقهاء؛ كمالك والشافعي وأحمد؛ (المغني لابن قدامة - جـ 2 - صـ 47: 46) (مجموع فتاوى ابن تيمية - جـ 21 - صـ 434). وقد ثبت هذا بإسناد صحيح عن عطاء بن رباح وطاوس بن كيسان ومجاهد بن جبر وإبراهيم النَّخَعي؛ (مصنف ابن أبي شيبة - جـ 3 - صـ 373: 372، رقم 7288: 7286). وقال بعض العلماء (الحسن البصري، وسفيان الثوري، وأصحاب الرأي الأحناف): لا يلزمها إلا الصلاة التي أدركت وقتها فقط، فأما ما قبلها فلا يلزمها؛ لأن وقت الأولى خرج في حال عُذرها، فلم تجب، كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئًا؛ (المغني لابن قدامة - جـ 2 - صـ 46).   (2) إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت صلاة مفروضة ولم تكن صلَّتْها، وجب عليها قضاء هذه الفريضة بعد انقضاء مدة الحيض؛ لأن دخول وقت هذه الصلاة قد ثبت في حقها. قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].   (3) إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس قبل الفجر صحَّ صومها، ويجب عليها أن تغتسل للصلاة؛ (المغني لابن قدامة - جـ 4 - صـ 393: 391).   (4) يجوز للمرأة أن تستخدم دواءً يمنع الحيض حتى تنتهي من أداء مناسك الحج والعمرة؛ بشرط ألا يضُرَّ بصحتها؛ (فتاوى اللجنة الدائمة - جـ 11 - صـ 191).   (5) يجوز للمرأة أن تستعمل الأدوية التي تمنع الحيض لتصوم مع الناس؛ بشرط أن يقرر الأطباء الثقاتُ أن هذه الأدوية لا تضرها، ولكن الأفضل لها أن تترك ذلك؛ لأن الحيض كتبه الله على النساء، وجعله لهن رخصة في الفِطر، مع وجوب القضاء بعد ذلك؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 450)، (فتاوى اللجنة الدائمة - جـ 10 - صـ 151: 150).   (6) إذا طهُرت المرأة من الحيض أو النفاس، لا يجوز لزوجها أن يجامعها حتى تغتسل. قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]. قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله -: وَطْءُ الحائض قبل الغسل حرام، وإن انقطع دمها، في قول أكثر أهل العلم؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 419).   (7) إذا جامع الرجل زوجته بعد طهرها من الحيض أو النفاس، وقبل أن تغتسل، كان آثمًا، ولكن لا كفارةَ عليه؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 418).   (8) الحيض والنفاس لا يقطعانِ التتابع في الكفارة التي توجب صيام شهرين متتابعينِ على المرأة؛ ككفارة القتل شبه العمد، والقتل الخطأ، وكفارة الجماع عمدًا في نهار شهر رمضان؛ (روضة الطالبين للنووي - جـ 8 - صـ 302).   (9) لا يجبُ على الحائض تغييرُ ملابسها بعد طُهرها إذا لم يصب هذه الملابسَ دمٌ أو نجاسة؛ (فتاوى المرأة المسلمة ـ دار ابن الجوزي - صـ 61).   (10) إذا رأَتِ المرأة دم النفاس لمدة أسبوعين، ثم تحول تدريجيًّا إلى مادة مخاطية مائلة إلى الصفرة، واستمر كذلك حتى نهاية الأربعين، فإن هذه الصفرة أو السائل المخاطي ما دام لم تظهر فيه الطهارة الواضحة، فإنه تابع لحكم دم النفاس، فلا تكون المرأة طاهرًا حتى تنقطع هذه المادة المخاطية تمامًا، فإذا انقطعت، وجب عليها أن تغتسلَ وتصلي، حتى ولو كان ذلك قبل الأربعين؛ (مجموع فتاوى ابن عثيمين - جـ 4 - صـ 291 رقم 253).   (11) يجوز للحائض والنفساء السعيُ بين الصفا والمروة؛ لأن الطهارة من الحدَث الأصغر أو الحدَث الأكبر ليست شرطًا من شروط صحة السعي، ولكنها من السنن المستحبة، ولأن الأصل أن المسعى خارج المسجد الحرام. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: قدمتُ مكة وأنا حائض، ولم أطُفْ بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((افعلي كما يفعل الحاجُّ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري))؛ (البخاري - حديث: 165).   قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله -: أكثرُ أهل العلم يرون أنه لا تشترط الطهارة للسعي بين الصفا والمروة، وممن قال ذلك: عطاءٌ، ومالك، والشافعي، وأبو ثورٍ، وأصحاب الرأي؛ (المغني لابن قدامة - جـ 5 - صـ 246).   (12) يجوزُ للمرأة المستحاضة أن يطَأَها زوجُها، ولا حرجَ في ذلك. قال ابنُ عباسٍ - عن المستحاضةِ -: (تغتسل وتصلي ولو ساعةً، ويأتيها (يجامعها) زوجُها إذا صلَّت، الصلاةُ أعظم)؛ (البخاري ـ كتاب الحيض - باب 28). روى أبو داود عن عكرمة، عن حمنة بنت جحشٍ: (أنها كانت مستحاضةً، وكان زوجُها يجامعها)؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 303).   (13) إذا تجاوزت المرأة الخمسين عامًا، ثم نزل عليها دم الحيض، على صفتِه المعروفة، وجب عليها اجتناب الصلاة والصوم ودخول المسجد ومس المصحف وتلاوة القرآن..
ولزمها الغسل بعد توقُّف الدم، ونحو ذلك؛ (فتاوى المرأة المسلمة - مكتبة الإمام البخاري - جـ 1 - صـ 300، رقم: 211).   (14) تستعمل النساء الآن موانع الحمل الصناعية؛ كالحبوب واللولب، ويقوم الطبيب قبل وضع اللولب أو إعطاء الحبوب بإعطاء المرأة حبتين للتأكد من عدم وجود الحمل، وبهذه الطريقة لا بد أن ينزل من المرأة الدم لمدة أيام معدودة، إن لم تكن حاملًا، فإذا كان الدم الذي نزل بعد أخذ الحبتين هو دم العادة المعروف بصفته للمرأة، فهو دم حيض، يجب أن تترك أثناء نزوله الصلاة والصوم، وإذا كان الدم غير ذلك، فلا يعتبر دم حيض، فيجب عليها أن تصلي وتصوم؛ لأنه إنما نزل بسبب الحبوب؛ (فتاوى اللجنة الدائمة - جـ 5 - صـ 443: 442 رقم 4794).   (15) لا يجب على المرأة الحائض أو النفساء أن تحُلَّ ضفائر شعرها عند الاغتسال للطهر، ولكن يجب عليها أن تتأكد من وصول الماء إلى أصول شعرها؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 300). روى مسلم عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضَفْرَ رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ (وفي رواية: فأنقضه للحيضة والجنابة؟)، قال: ((لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثياتٍ، ثم تفيضين (تصبين) عليك الماء، فتطهرين))؛ (مسلم - حديث: 330).   وروى مسلم عن عائشة: أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض؟ فقال: ((تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها (ورق شجر النبق)، فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون (أصول) رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فِرصةً ممسَّكةً فتطهر بها))، فقالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ فقال: ((سبحان الله، تطهرين بها))، فقالت عائشة: كأنها تخفي ذلك، تتبعين أثر الدم، وسألته عن غسل الجنابة؟ فقال: ((تأخذ ماءً فتطهر فتحسن الطهور، أو تُبلغ الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تفيض عليها الماء))، فقالت عائشة: "نِعم النساءُ نساءُ الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدِّين))؛ (مسلم - حديث: 332).   (16) إذا أسقطت المرأة علقةً أو مضغةً لم يظهر فيها خلق الإنسان، فلا نفاس عليها، وما خرج منها من الدم قبيل إسقاط الحمل وبعده، يعتبر دمَ فساد، ويجب عليها أن تصلي وتصوم وتتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، وتتحفظ من هذا الدم بقطن ونحوه، وأما إن سقط منها ما تبين فيه خلق الإنسان فحكمها كحكم المرأة النفساء، فيجب عليها ترك الصلاة والصيام، ويجتنبها زوجها حتى تطهر، أو تكمل أربعين يومًا، فإذا طهرت قبل الأربعين، اغتسلت وصلت، وحل لها الصوم، وحل لزوجها أن يجامعها، ولو كان ذلك قبل إكمال الأربعين يومًا؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 431)، (فتاوى اللجنة الدائمة - جـ 5 - صـ 419).   (17) إذا كان للمرأة أيام حيض معلومة، فنزل الدم يومين ثم توقف يومًا ثم نزل بعد ذلك ثم توقف يومًا ثم نزل وهكذا، فلا عبرة بتوقف الدم أثناء الحيض، وتعتبر هذه المدة كلها فترة حيض، فلا تصلي المرأة ولا تصوم ولا يجامعها زوجها أثناء توقف الدم حتى ترى علامة الطهر؛ (فتاوى المرأة لمحمد المسند - صـ 26).   (18) إذا كانت عادة حيض امرأة ستة أيام ثم طالت هذه المدة وصارت ثمانية أو تسعة أيام، فإنها تعتبر من الحيض، ما دامت علامات دم الحيض موجودة، ويجب على المرأة أن تترك الصلاة والصيام خلالها حتى تطهر؛وذلك لأن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يذكر حدًّا معينًا في الحيض. قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ [البقرة: 222].   قال ابن قدامة - رحمه الله -: كانت عائشة - رضي الله عنها - تبعث إليها النساء بالدرجة (قطعة من القماش) فيها الصفرة والكدرة، فتقول: لا تعجَلْنَ حتى ترين القصة البيضاء، ومعناه: لا تعجلن بالغسل حتى ينقطع الدم، وتذهب الصفرة والكدرة، ولا يبقى شيء يخرج من المحل، بحيث إذا دخلت فيه قطنة خرجت بيضاء، ولو لم تعد الزيادة حيضًا للزمها الغسل عند انقضاء العادة، وإن كان الدم جاريًا، ولأن الشارع علق على الحيض أحكامًا، ولم يحدَّه، فعلم أنه رد الناس فيه إلى عُرفهم، والعرف بين النساء أن المرأة متى رأت دمًا يصلح أن يكون حيضًا، اعتقدته حيضًا، ولو كان عرفهن اعتبار العادة على الوجه المذكور لنُقل، ولم يجُزِ التواطؤ على كتمانه، مع دعاء الحاجة إليه؛ ولذلك لما كان بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه في الخميلة (نوع من القماش)، فجاءها الدم، فانسلت (ذهبت خفية) من الخميلة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما لك؛ أنفست؟))، قالت: نعم؛ (البخاري - حديث: 298 /مسلم - حديث: 296).   فأمرها أن تأتزر، ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم: هل وافق العادة أو جاء قبلها؟ ولا هي ذكرت ذلك، ولا سألت عنه، وإنما استدلت على الحيضة بخروج الدم، فأقرها عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حين حاضت عائشة في عمرتها في حجة الوداع، إنما علمت الحيضة برؤية الدم لا غير، ولم تذكر عادةً، ولا ذكرها لها النبي صلى الله عليه وسلم؛ (المغني لابن قدامة - جـ 1 - صـ 435: 434). (فتاوى أركان الإسلام لابن عثيمين - صـ 257: 256 - رقم 175). أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣