أرشيف المقالات

حافظوا على كرامة اليتيم وأنتم تعطونه

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2حافظوا على كرامة اليتيم وأنتم تعطونه   كفالةُ اليتيمِ منزلتُها في الشرع عاليةٌ، وفضلُ كافلِ اليتيمِ ودرجتُه رفيعةٌ؛ يكفي في ذلك حديث: ((أنا وكافلُ اليتيمِ في الجنةِ هكذا - وأشار بالسَّبابةِ والوسطى وفرَّج بينهما شيئًا))[1]، فهنيئًا هذا الشرفُ وهذه المكانة، وإنه من توفيق اللهِ تعالى للعبد أن يُحبِّبَ إليه كفالةَ الأيتامِ ورعايتَهم، وأن يجعلَه ساعيًا عليهم قائمًا بحاجاتِهم، وإن من فضل الله على الناس وجودَ المؤسسات التي تُعنى بالأيتام، وتهتمُّ بهم، وتسعى لأجلهم، فضلًا عن وجود جهودٍ شخصية في ذلك.   وكم من الأيتام المكفولين ليس لهم مصدرٌ إلا تلك الكفالةَ التي لا يعرِفون صاحبَها ولا مصدرَها، غيرَ أنها تأتيهم شهريًّا بانتظام وكأنها حقٌّ لهم، وكم من أسرةِ أيتامٍ أو يتيمٍ ليس لديها من الدنيا إلا تلك الكفالةُ التي سخَّرها اللهُ لهم من ذلك الشخص المجهولِ، الذي كفَل من لا يعرفُ ابتغاءَ مرضاة اللهِ وثوابِه.   وكم هي الصورُ المشرقةُ المنتشرةُ في المجتمعات التي تُعبِّرُ عن روحِ التكافلِ الاجتماعيِّ من خلال وجودِ مؤسسات قائمةٍ، وجهاتٍ مختصةٍ لأجل اليتيم؛ رعايةً وعناية، وتربية وتعليمًا، وقُوتًا، فكم من أسرةٍ فيها يتيمٌ أعاد لها البسمة، وقفز بها في سُلَّم الحياةِ درجاتٍ سريعةً؛ بسبب ما تلقَّاه من رعاية وكفالةٍ، فسعدتْ به أسرةٌ، وارتقى به مجتمعٌ، ولا يَدري مَن كافِلُه، ولا يَدري الكافلُ به؛ فالجنَّةُ والرغبة في الأجر هي الحافزُ والدافعُ.   وبين الفينةِ والأخرى نسمعُ ونرى عن احتفالاتٍ ومهرجات عن اليتيم وعن مؤسساتِ الرعاية، ونقرأُ ونرى تقاريرَ تُثلجُ الصدرَ عن الخدمات التي قُدمت، والنتائجِ التي تحقَّقت، فينشرحُ الصدرُ، ويطرَبُ القلبُ، فيتجُه الكلُّ بالحمد والشكر لله.   ومن باب تحسينِ الأداء والارتقاءِ بمستوى التعامل في مؤسسات كفالةِ الأيتامِ والجهات المعنيَّة بذلك، وحفاظًا على كرامةِ اليتيمِ وشخصيتِه، فإننا ندعو إلى مراعاة نفسيةِ اليتيمِ والمحتاجِ؛ فقد انتشرتْ ظاهرةُ تقرير تسليم الكفالات والمساعداتِ في المؤسسات بصورة في بعضها ما يؤثِّرُ على نفسية المكفولِ، ويُعرِّضُه لشيء من الإحراج، يصلُ فيه بعضُها إلى ما يمكنُ أن يسمى (إهانة)، مع أننا نجزمُ يقينًا بأن الجهةَ أو الشخصَ الذي أعَدَّ التقريرَ بعيدٌ كلَّ البعدِ عن قصد هذه النتائجِ والآثارِ؛ ولكنَّ حُسن القصدِ لا يُبرِّرُ سوءَ العمل.   فظهورُ طفلٍ يتيمٍ في تسجيل صوتيٍّ ومرئيٍّ وهو يتسلمُ الكفالةَ ويُصرَّحُ باسمه وحالتِه - قد يكونُ بالنسبة للطفل شيئًا مفرحًا في حينه، وخاصة وهو يرى صورتَه في مقطع مرئيٍّ تلفزيوني؛ لكنَّ آثاره المستقبليَّة عليه ستكونُ بالعكس تمامًا، فضلًا عن الآثار المباشرةِ على أسرته وأقاربِه.   فإلى أهل الكرمِ والجود (أفرادًا ومؤسساتٍ) نقول: بارك اللهُ لكم في أموالكم، وتقبَّل أعمالَكم: حافِظوا على كرامةِ اليتيمِ والمحتاجِ الحاليَّةِ والمستقبليَّة، ومن حقِّكم الحصولُ على تقريرِ وصولِ الكفالةِ إلى مستحقِّها؛ ولكنِ اكتفُوا بما يحققُ الغرضَ بقدر المستطاعِ، دون التوسعِ والزيادةِ على الحاجة: فما يكفي فيه تقريرٌ شفويٌّ من شخصٍ أو جهةٍ تثقون فيها، فبها ونعمت، فإن لم، فتقريرٌ مكتوب فيه بياناتٌ تثقون بمصدرها، فإن لم، فسنداتُ قبضٍ معتمدة ومتعددة أطرافِ العمليةِ، فإن لم، فتقريرٌ مكتوبٌ معتمدٌ من جهة معروفة لديكم، فإن لم، فتقريرٌ مصورٌ صورًا فوتغرافية لإجراءات التسليمِ، فإن لم، فتقريرٌ لتسلُّمِ اليتيمِ مع صورة فوتغرافية غير قابلٍ للنشر، فإن لم، فتقرير فيديو مع تظليلِ الصورة (وجه المتسلم)، والاكتفاء ببياناتٍ تُكتبُ على الشاشة، فإن لم، فتقرير فيديو مع الاحتفاظِ بالتقريرِ، وعدم نشره إلا في حدود الحاجة، أو نحوها من الصور والطرق التي تحفظُ ماءَ الوجه، وتحققُ غرضَ الكافلِ والجهةِ من التقرير. وباختصارٍ: الاكتفاءُ بما يحققُ الحاجةَ، مع مراعاةِ نفسيةِ المحتاجِ حاليًّا ومستقبلًا.   نموذج عملي: "جمعيةُ المستودعِ الخيري بالمدينةِ المنورة" في موقعها على الشبكة وفي النبذة التعريفيةِ لها ما يأتي: "قد فَتحتِ الجمعيةُ أبوابَها للمتطوعين من أهل الثقةِ والصلاحِ للسعيِّ على الأرامل واليتامى والفقراء والمساكين؛ حيث احتضنت الجمعيةُ خلال هذه الفترة ما يربو عن: (28000) ثمانية وعشرين ألف أسرة، يقومُ عليها أكثرُ من (1318) ألف وثلاثمائة وثمانية عشر باحثًا ومتعاونًا متطوعًا، يعملون ليل نهار دون كلل أو ملل. وحفاظًا على ماء وجهِ الفقيرِ، ورغبةً في بقاءِ أنَفَتِه وعزَّتِه؛ اتخذت الجمعيةُ لذلك شعارًا لها: (الفقير نعرفه..
ولا يعرفنا، نأتيه..
ولا يأتينا)
. اللهم بارك في أعمالِنا وأعمارنا.   وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين" والحمد لله رب العالمين.


[1] صحيح البخاري، ط ابن كثير (5/ 2032).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن