أرشيف المقالات

آثار وأضرار الربا

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2آثار وأضرار الربا
الحمدُ لله الذي أحلَّ الحلال، وحرَّم الحرام، وجعل بينهما أمورًا مشتبهات لا يعلمها كثيرٌ مِن الناس، فمَن وَقَعَ فيها وقَع في الحرام.   وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279].   وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: ((يأتي على الناس زمانٌ يأكلون فيه الربا))، قال: قيل له: الناس كلهم؟ قال: ((من لم يأكله منهم، ناله مِن غباره))[1].
وبعدُ:   فنظرًا إلى عموم بلاء التعامل بالرِّبا، وما ينتج عن ذلك من سخط الله تعالى، وفساد أحوال الناس ومعايشهم، أردتُ أن أجمل بعض ما يتعلَّق بهذا الأمر الخطير في النقاط التالية: (1) فتنة الربا: لقد صار الرِّبا بلاء هذا العصر، وظنَّه الناس عُرفًا حَسنًا لا تجوز مخالفتُه، وحقًّا لا تسوغ مقاومته، وأثَّر ذلك في تفكير الكثيرين، حتى لقد وجَدْنا بعض الذين يتَّسِمون بسِمَةِ الدين يُؤَوِّلون النصوص القرآنية ليُسَوِّغوا لذلك العُرف الذي اشتهر، ويَنسَون أن الدين حاكم على العُرف، وليس بمحكوم عليه يتبعه تبعية الخاضع المحكوم.   والرِّبا آفةٌ اجتماعية، وعُرفٌ فاسدٌ يَجِب مقاومتُه ومحاربته، ويجب العمل على وضع أُسس جديدة لنوجد بناءً صالحًا كاملًا فاضلًا لا يقوم على الرِّبا[2].   (2) الأثر النفسي على المُرابي: 1- شرُّه يخيم على نفسه، يجعله يستغلُّ كلَّ قوى غيره وإنتاجه في كسبٍ يعود عليه.   2- كسل مريح يصحبه وسواسٌ دائم، واضطراب وقلق مستمرٌّ؛ لذلك وصف الله آكليه بقوله: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275].   3- والأثر الأكبر يَتَمَثَّل في أثر المعاصي؛ فالرِّبا مِن الكبائر الماحقة للبركة في العمر والولد والصحة، وسبب الحرمان مِن التوفيق، ويُرَى أثر ذلك على ولده وزوجه وأهله.   4- الحرمان من السعادة وراحة البال.   5- الشقاء الدائم المُلاحق له، وتكون الدنيا أكبر همِّه، فيشتِّت عليه شمله، ويركض في الدنيا ركض الوحوش، حتى لا يبالي في أي أودية الضلال هلك!   6- الانعزالية بسبب كراهية الناس له، فلا يوضع له القَبُول في الأرض، وبسبب مشاكله وقسوته على الناس حين تعسُّرهم في سداد الدين؛ لأن كثيرًا ما يقرض المقترض لجائحةٍ نزلتْ به تأكل الأخضر واليابس، لا تُبقي ولا تَذَر، مع كساد السوق، وضَعْف قوة الشراء، حينئذ ينقضُّ الدائن عند نكبة المدين - وهو في غالب الأحيان يكون قد احتاط لماله - ما عساه يكون قد بقي مِن ماله انقضاض الأسد على فريسته.   7- سوء حاله ونفسيته إثر دعوة المكلوم والمضطر وأهل المدين عليه عند وقوعهم في الكرب والضيق بسبب هذا الدَّيْنِ.   8- الندم والخسران عندما يقع في الهلاك بسبب الرِّبا، سواء كان هلاكًا في المال أو في الصحة أو في الولد، فما يصيب العبد من مصائبَ وبلاءٍ إلا بذنب يصيبه، والرِّبا من كبائر الذنوب وأخطرِها.   9- الاضطراب وقلة النوم، والخوف المستمر على ماله الذي أودعه لدى الدائنين، وسببه الجشَعُ في كسب مجهود غيره.   10- الأثر السَّيِّئ من عقوق الأبناء وتشتُّتهم وقطع أرحامهم فيما بينهم، سواء في حياته أو بعد مماته، وغالبًا ما يكون هذا الموروث المملوء بالحرام مِن نصيب غير أولاده، فلا بركة فيه، وغالبًا ما يعرض للهلاك أو الضياع، أو يُنفق على المرض، أو غير ذلك.   (3) الأثر النفسي على المَدين: 1- دخوله في مغامرات لا قِبَلَ له باحتمال نتائجها، فتُلاحقه الديون، وتُثقله الفائدة، مما قد يضطرُّه للبيع - إذا لم يتعرَّض ماله للهلاك قبل ذلك - في الوقت الذي لا يناسبه فتكون الخسارة فادحةً، والإفلاس المدمِّر، وقد يضطرُّ لمزيد من الاقتراض الربويِّ، مما يجعل الديون تحيط بذمته، كما تحيط الأغلال بعنقه.   2- وقوعه في الإسراف؛ لأن القرض بفائدةٍ شجَّع الكثيرين على الإسراف وعدم الادِّخار، مع تزامُن كثرة متطلَّبات الحياة وغلاء الأسعار.   3- تحمله آثام عدة، مِن إثم أكل أموال الناس بالباطل، وإثم التشجيع على جريمة هي مَن أخبث خبائث هذا العصر، هذا بجانب الإثم القانوني؛ حيث يُوقِّع المدين على شيكات أو إيصالات أمانة.   4- اضطراب النفس، وانشغال باله المستمر مما يُؤثِّر على صحته وجهده، فوق ما يحدثه له القرض مِن اضطراب في تجارته والنظام الاقتصادي.   5- الجشَع الذي ينبعث في كسبٍ ليس في مَقدوره، والجشع من طبيعته أن يُحدثَ اضطرابًا مستمرًّا في قلب الجشع وأحاسيسه ومشاعره.   6- تعرُّضه لكثير مِن الأمراض التي تُصيب القلب؛ كضغط الدم، أو الذبحة الصدرية، أو الجلطة الدموية، أو نزيفٍ بالمخ، أو الموت المفاجئ.   ولقد قرَّر عميد الطب الباطني في عصره الدكتور عبدالعزيز إسماعيل في كتابه "الإسلام والطب الحديث": أن الرِّبا هو السبب في كثرة أمراض القلب، هذا بخلاف الأمراض النفسية والاضطرابات العصبية، وكثرة الغضب، وسوء الخُلُق مع أقرب الناس إليه.   7- ضَعْف الإيمان الناتج مِن التوتُّر المستمرِّ، فلا يجد لذَّةً للعبادة إن أدَّاها، ولا ثمرة لها. 8- الحقد المستمرُّ الذي قد يملأ قلبَه على الدائن، وذلك لأسبابٍ كثيرة ظاهرة ومعروفة. 9- الذل والصَّغَار، فلا يكسر شموخَ الرجل وعزَّته مثل الدَّين ومطالبة الدائن له، وملاحقته إيَّاه.   10- لزوم الهمِّ والغمِّ وسوء التصرُّف، وذلك إمَّا لخسارته أو لعجزه عن سداد الدين، أو للمشاكل المترتِّبة عليه، سواء مشاكل نفسية أو اجتماعية أو مالية.   (4) الأزمات الاقتصادية العالمية: وقد ثبت أنَّ الأزمات التي تَعتري الأفراد، وتَعتري الاقتصاد العالمي تكون بسبب الديون التي تركب الأفراد والشركات، فإن العجز عن السَّداد عند الكساد يدفع إلى الخروج بالبضائع بأقلِّ الأثمان إن وجدت مَن يشتري.   لذلك كانتْ هذه الأزمات الجائحة تُعالج بتقليل الديون بطرقٍ مختلفة، أو إعادة جَدْولتها.   ولو استبدل بذلك النظام الاقتصادي نظام اقتصادي أساسه التعاون بين الدائن والمدين في المغنم والمغرم معًا، لكان أجلب للاطمئنان، وأعدل وأقوم وأهدى سبيلًا من ذلك النظام الربوي الذي يجعل الدائن آكلًا غانمًا دائمًا، والمَدين مأكولًا غارِقًا في أكثر الأحوال أو في كثير منها.


[1] أخرجه أحمد، ح (10410)، من حديث أبي هريرة، وإسناده ضعيف. [2] الإمام أبو زهرة وكتابه "تحريم الرِّبا تنظيم اقتصادي"، (ص13- 14) طبعة الدار السعودية، وكان رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق، توفِّي سنة 1974م.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢