أرشيف المقالات

معنى اسم الخبير

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2معنى اسم الخبير
الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (الخَبِيرِ)[1]: الخبيرُ في اللغةِ من مباني المبالغةِ، فعلُه خَبَرَ يَخْبُرُ خُبْرًا. وخَبُرْتُ بالأمر: أَي علِمتُهُ. وخَبَرْتُ الأَمرَ أَخْبُرُهُ: إذا عرفتُهُ على حقيقتِهِ.   وعندَ مُسلمٍ من حديثِ أبي موسى رضي الله عنه؛ أنه قال لعائشةَ: "فَمَا يُوجبُ الْغُسْلَ؟ قَالَتْ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ"[2]، تعني رضي الله عنها؛ أنه سألَ مَنْ يعلمُ الجوابَ بتمامِهِ فالخَبيرُ الذي يَخبُرُ الشيءَ بعلمِهِ[3].   والخِبْرَةُ أبلغُ مِنَ العِلمِ لأنها عِلْمٌ وزيادةٌ، فالخبيرُ بالشَّيءِ مَنْ عَلِمَه وقامَ بمعالجتِهِ وبيانِهِ، وتجربَتِهِ وامتحانه، فأحاطَ بتفاصيلِهِ الدقيقةِ، وألمَّ بكيفيَّةِ وصفِهِ على الحقيقةِ[4].   والخبيرُ سبحانَهُ هو العَالِمُ بما كان، وما هو كائنٌ، وما سَيكونُ، وما لو كان كيف يكونُ؛ وليس ذلك إلا للهِ، فهو الذي لا يَخفَى عليه شَيءٌ فِي الأرضِ ولا فِي السَّماءِ، ولا يتحرَّكُ متحرِّكٌ ولا يسكنُ إلا بعلمِهِ، ولا تستقيمُ حياتُه إلا بأمره وإذنِهِ.   قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]، والله عز وجل خبيرٌ، له جنودُ السماواتِ والأرضِ يُخبرونَهُ بالوقائعِ لِتحقيقِ الحِكمَةِ فِي الخلقِ، وهو عَليمٌ بالأشياءِ قبل إخبارِ الملائِكةِ عنها، وبَعْدَ الإخبارِ عنها.   وعند البخاري من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "يَتَعَاقَبُونَ فيكُمْ مَلاَئِكَةٌ باللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بالنَّهَارِ، وَيَجْتَمعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فيكُمْ، فَيَسْألُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ"[5]، فسؤالُه سبحانَهُ لهم ليس طلبًا للعلمِ فهو السَّميعُ البصيرُ العليمُ الخبيرُ، ولكِنْ لإظهارِ شَرَفِ المؤمنِ عند ربِّه، وبيانِ فضلِهِ بين ملائكتِهِ وحَمَلةِ عرشِهِ.   قال ابنُ حجرٍ رحمه الله: "قِيلَ: الحكمةُ فيه: استدعاءُ شهادتِهم لبني آدمَ بالخير، واستنطاقُهم بما يقتضي التَّعطُّفَ عليهم، وذلك لإظهارِ الحِكمَةِ فِي خلق نوعِ الإنسانِ فِي مقابلةِ مَنْ قالَ مِنَ الملائكة: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]، أي وقد وُجِدَ فيهم مَنْ يُسبِّح ويُقدِّسُ مثلُكم بنصِّ شهادتِكم"[6].   وفِي اللغةِ أيضًا[7]: الخِبْرُ والخُبْرُ والخِبْرَةُ والخُبْرةُ والمَخْبرَةُ والمخْبُرةُ كُلُّه: العِلمُ بالشَّيءِ، يُقال: من أين خَبَرتَ هذا الأمرَ، أي: مِنْ أينَ علمتَ؟ وقولُهم: لأَخْبُرنَّ خُبْرَكَ: أي لأعلمَنَّ عِلمَك، والخَبَرُ واحِدُ الأخَبارِ.   والخابِرُ: المُخَتَبِرُ المُجرِّبُ، ورَجُلٌ خابِرٌ وخَبِيرٌ: عالمٌ بالخَبَرِ. وخَبَرْتُ الأمرَ أخبُرهُ إِذا عَرفْتُه على حقيقتِهِ. والمَخْبَرُ خِلافُ المَنْظَر. والخبيرُ: العالمُ بالشَّيءِ. وقال الكِسائي: الخَبيرُ الذي يَخْبُر الشَّيءَ بعلمِهِ[8].   وأنكر أبو علي الفارسي[9] على أبي إسحاقَ الزَّجَّاجِ قولَه إنَّ (الخبيرَ) من قولهم: خَبَرتُ الأرضَ: إذا شققتها، وفلانٌ خَبيرٌ بالشيء إذا كان عالمًا به، وكأنَّه هو الذي بَحَثَ عن ذلك الشَّيءِ حتى شقَّ عنه الأرضَ.   وقال: "وهو عندنا من الخَبرِ الذي يُسمعُ لأَنَّ معنى الخبير العالمُ". وقال: "فالعِلمُ أبدًا مع الخَبَرِ فما حاجةُ أبي إسحاق إلى أَنْ يأخذَهُ من الخَبْرِ والشَّقِّ[10]؟!".   وُرُودُهُ فِي القرآنِ الكريمِ: وَرَدَ اسمُ (الخبير) فِي القرآنِ خمسًا وأربعين مرةً منها: قولُه تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180]. وقولُه: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 73]. وقولُه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [فاطر: 31]. وقولُه: ﴿ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [التحريم: 3]. وقولُه: ﴿ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴾ [العاديات: 11].   مَعْنَى الاسمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى: قال ابنُ جريرٍ: في قولِهِ: ﴿ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾: "العليمُ بسرائِرِ عبادِهِ وضمائِرِ قُلوبِهم، الخبيرُ بأمورِهِم الذي لا يَخفَى عنه شَيءٌ"[11]. وقال: "خبيرٌ بكل ما يعملونَه ويكسبونَهُ من حَسَنٍ وسيّءٍ، حافظٌ ذلك عليهم ليجازِيَهُم على كلِّ ذلك"[12].   قال الخطابيُّ: "هو العالِمُ بكُنْهِ الشَّيءِ، المُطَّلعُ على حقيقتِهِ كقولِهِ تعالى: ﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 59]. يقال: فلانٌ بهذا الأمرِ خَبِيرٌ، وله به خَبْرٌ، وهو أخبَرُ به من فُلانٍ، أي: أعلَمُ.   إلا أنَّ الخُبْرَ فِي صفةِ المخلوقينَ إنما يُستعملُ فِي نوعِ العِلمِ الذي يَدخُلُه الاختِبارُ، ويُتوَصلُ إليه بالامتحانِ، والاجتهادِ، دُونَ النوعِ المعلوم ببدائِهِ العقولِ.   وعِلمُ اللهِ سُبحانه، سواءٌ فيما غَمضَ من الأشياءِ وفيما لَطُف، وفيما تجلَّى بِهِ منهُ وظَهَر، وإنما تختلفُ مدارِكُ عُلُومِ الآدميين الذين يَتَوصلونَ إليها بمقدِّماتٍ من حِسٍّ، وبمعاناةٍ من نظرٍ وفكرٍ، ولذلك قيل لهم: ليس الخَبَرُ كالمعاينةِ، وتعالى الله عن هذه الصفات عُلوًّا كبيرًا" اهـ[13].   قال الغزَّاليُّ: "(الخبيرُ): هو الذي لا تعزُبُ عنه الأخبارُ الباطنةُ، ولا يجري في المُلكِ والملكُوتِ شَيءٌ، ولا يتحرَّكُ ذرةٌ ولا يسكنُ، ولا يضطرِبُ نَفَسٌ ولا يطمئنُّ، إلا ويكون عندَهُ خَبَرُهُ.   وهو بمعنى (العليمِ)، لكنَّ العِلمَ إذا أُضِيفَ إلى الخفايا الباطنة سُمِّي خِبْرةً، وسُمِّي صاحبُها خَبيرًا" اهـ[14]. وقال السَّعديُّ: "(العليمُ الخبيرُ) وهو الذي أحاط عِلمُه بالظواهِرِ والبواطِنِ، والإسرارِ والإعلانِ، وبالواجباتِ والمستحيلاتِ والممكناتِ وبالعالمِ العُلويِّ والسُّفليِّ، وبالماضي والحاضر والمستقبلِ، فلا يخفى عليه شيءٌ من الأشياءِ" اهـ[15].


[1] أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 39). [2] مسلم في كتاب الحيض، باب نسخ الماء من الماء (1/ 271) (349). [3] انظر تفصيل المعنى اللغوي في لسان العرب (4/ 226)، ومفردات ألفاظ القرآن (ص: 273). [4] انظر بتصرف: الفروق اللغوية لأبي الهلال العسكري (ص: 74). [5] البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر رقم (555)، ومسلم (632). [6] فتح الباري (2/ 36)، وانظر: الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 264)، وتفسير أسماء الله للزجاج (ص: 45). [7] النهج الأسمى (1/ 267 - 272). [8] اشتقاق أسماء الله للزجاجي (ص: 127)، الصحاح للجوهري (2/ 641)، النهاية (2/ 6)، اللسان (2/ 1090). [9] هو الحسَن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد الفارسي النَّحْوي، ولد في (فسا)، من أعمال فارس، سنة (288هـ)، ودخل بغداد سنة (307هـ)، وتجوَّل في كثير من البلدان، وقَدِمَ حلبَ سنة (341هـ) فأقام مُدَّةً عند سيف الدولة، وعاد إلى فارس فصحب ابنَ بُويه وتقدم عنده فعلّمه النحوَ وصنَّفَ له كتاب الإيضاح فِي قواعد العربية، قال الذهبي: وكان مُتَّهَمًا بالاعتزال، لكنه صادقٌ فِي نفسه.
الميزان (1/ 480 - 481)، نزهة الألبَّاء (ص: 232)، الأعلام (2/ 179-180). [10] انظر: تفسير الأسماء للزجاج (ص: 45). [11] جامع البيان (28/ 103)، وانظر أيضًا: (2/ 320). [12] المصدر السابق (7/ 158). [13] شأن الدعاء (ص: 63). [14] المقصد الأسنى (ص: 63). [15] تيسير الكريم (5/ 299).



شارك الخبر

المرئيات-١