أرشيف المقالات

زيارة مقعد

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
2زيارة مقعد
زرتُ الليلةَ رجلًا أربعينيًّا مصابًا بالفشل الكُلوي، مُقعدًا في بيته منذ سنتين، وقد تورَّم جسدُه، تراه تَحسَبه يُصارع الموت، ما رأيتُ رجلًا مثله في الصبر على البلاء، المصائبُ تنزل على رأسه كحبَّات البَرَد، يَسكن مع أولاده الستة بيتًا بالإيجار، ليس يقوم على رعايته أحد، يرعاه فحسب - وكفاه - الواحد الأحد، اللافت في الزيارة أنه حدَّثني عن شوقه إلى المسجد، وغلبته دموعُه، قال: لا يوجد أحدٌ مثلي في النِّعم، يكفيني أن لساني لا يَفتُر عن ذِكر ربي، واللهِ وقفتُ مشدوهَ الفكر أمامه عندما قال: أنا في نعمة لا يَعرِفها أحدٌ، قلتُ لرفيقي: سجِّل مقولته وأخبِر بها المصابين، لا، بل كلَّ الناس!   خرجتُ بعدها متعلمًا منه دروسًا أربعة: أولها: أن المصاب مَن أُصيب في دينه، والمُقعَد مَن أقعدتْه هِمَّته، إنه يبكي لا لأنه مُصاب - فهو يعتبر مصيبته نعمةً - بل يبكي لأنه اشتاق إلى المسجد وحنَّ إليه، "ليس مصابًا مَن تعلَّقت رُوحه بالله".   وثانيها: أن جنة الرضا إذا غمَرت القلب أصبَح في بُحبُوحة النعيم، وإن نبتَت وأورَقت وفرَّعت شجرةُ المصائب على رأسه، فكل بَليَّة عنده عَطيَّة، وكل مِحنة مِنحة؛ "ادْخُلْ جنة الرضا؛ لتُؤمِّن النعيم لرُوحك".   وثالثها: قُم إلى الصلاة - ما دمتَ مستطيعًا - متى سمِعت النداء، مهما أرهقتْك الآلامُ؛ فلربما يأتي يوم تتمنَّى فيه الوقوفَ أمام الله ولا تستطيع، عافاك الله في جسدك؛ "وخُذ مِن صحتك لسَقَمِك".   ورابعها: عدِّد نعم الله عليك، انظر إلى الموجود، ولا تنظر إلى المفقود، إن مصنع الكُليتين يَغسل لك مجانًا في الأسبوع خمسًا وثلاثين مرة، وهذا ينتظر دورَه في المستشفى مرتين في الأسبوع، إنَّ همَّك مهما بلغ، فليس بأكبر مِن همِّ الذي ينتظر إشراقة شمس غدٍ ليَغسل كُليتيه؛ "قل: الحمد لله؛ فأنت في نِعَمٍ عميمة، وأفضال جسيمة، لكنك لا تدري".



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١