أرشيف المقالات

الحوار في القرآن الكريم .. وقبول الآخر

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2الحوار في القرآن الكريم..
وقبول الآخر   المتأمِّل في القرآن الكريم يلاحظ أنَّ سنَّة الله تعالى في الجَعْل، بعمليَّة الخلق الأول للإنسان في الكون، قد اقترنت بالحوار الإلهي المباشِر مع الملائكة؛ ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]، ومع إبليس في نفس الوقت: ﴿ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 11، 12]، ثمَّ تلَتْه حوارات الله اللَّاحقة، المباشرة أو بالواسطة، مع الأنبياء، وحوارات الأنبياء مع أقوامهم، وغيرها.   وهكذا يبدو واضحًا أنَّ أسلوب الحوار، كما ورد في القرآن الكريم، الذي كان أحد مخرجات قانون الجعل الأول للحياة الإنسانية في الخليقة، عندما حاور الله تعالى الملائكةَ وإبليسَ - إنَّما جاء لمقصد عظيم. ولعلَّ الله سبحانه وتعالى باعتماده هذا القانون المركزيَّ، إنما أراد أن يكون الحوار هو الأسلوبَ المعبِّر عن إبداء الرأي، والقبول بالآخر، والتطلُّع لممارسة الحرِّية الكاملة في التعبير عما سيواجه الإنسان مِن مشاكل في حياته اللاحقة؛ وبذلك يكون الحوار الهادف، هو الأسلوبَ الذي يؤدِّي إلى الحلِّ المناسب، للمشاكل التي ستواجه الإنسانَ مع أخيه الإنسان في حياته على الأرض.   ويلاحظ أنَّ الحوار الأول بين الله تبارك وتعالى وبين الملائكة وإبليس، كان قائمًا على قبول الآخر، والاعتراف الكامِل بوجوده، رغم اختلاف القدرات، واختلاف الرؤى، ومع أنَّ الباري عزَّ وجل هو الخالق، وهو القادِر على تنفيذ كل شيء يريده، دون الحاجة لمحاورة أحد ممَّن خلق، تمشيًا مع قاعدة: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].   لذا؛ فإنَّ الحوار الذي يفترض أن يكون هو الأسلوب الأمثلَ للوصول إلى الحلِّ المنصف لأيِّ وضع معقَّد يواجه الإنسان في حياته اليومية، ينبغي أن يقوم بالأساس على فِكرة القبول بالآخر، وعدم تهميشِه وإقصائه تحت أيَّة ذريعة؛ حيث يمكن أن يكون عندئذ مدخلًا لحوار بين الفريقين المتخاصمين، مهما كانت طبيعةُ الاختلافات القائمة بينهما، بعيدًا عن التسلُّط، والعنف، وأن يتمَّ بالحكمة والموعظة الحسنة، بدون اتِّهامات أو تهديدات، على قاعدة: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]؛ وهو ما تفتقر إليه مجتمعاتنا اليوم، التي باتت تُعاني مِن التخاصم والتنازع، واللجوء إلى العُنف، وتفسيق الآخر، كنتيجة حتمية لإقصائها منهجَ الحوار القرآني الرَّاقي، وإبعاده عن ملامسة خصوماتها الشَّائكة، فغرقت في نزاعات دمويَّة، أتت على الأخضر واليابس، وأهلكت الزرعَ والضَّرع.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣