أرشيف المقالات

النص القرآني بين طريقة التلقي ومتطلبات الاستيعاب

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2النص القرآني بين طريقة التلقي ومتطلبات الاستيعاب   لا شك أن الله سبحانه وتعالى قد فصَّل آيات كتابه المجيد على مراده، وبعلمه المحيط بكل شيء، وبلسان عربي مبين؛ ليكون هداية للعالمين، كما نلحظ ذلك جليًّا في قوله تعالى عن هذه الحقيقة القرآنية: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3]، وقد جاء النص القرآني بهذا التفصيل الإلهي محكمًا خاليًا من أي شك أو اختلاف أو تناقضٍ، على قاعدة: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة: 2]، فأعجَز ببلاغته دهاقنةَ العرب، وهم أرباب الفصاحة والبيان؛ إذ: ﴿ َلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].   وقد اكتسب النص القرآني ببلاغته المعجزة - فهو كلام الله - قدسية تامة، بمعنى أن تلاوته ينبغي أن يتم تلقِّيها بإحدى الروايات المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ تمشِّيًا مع الأمر الرباني بهذا الخصوص: ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 18]، ولذلك اعتمد القراء والحفاظ طريقةَ التلقِّي والمشافهة من الشيوخ - (فمًا عن أُذنٍ، وأُذنًا عن فمٍ) - أساسًا في تعليم أحكام تلاوة القرآن الكريم، منذ نزول القرآن الكريم على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وإلى أن يرث الأرض ومَن عليها؛ مما جعل تلقِّيَ تلاوة النص القرآني بهذه الميزة المتفرِّدة أحد أدوات لَمِّ شمل المسلمين وتوحيدهم على مائدة القرآن.   أما فيما يخص فَهم مراد الله من النص على حقيقة ما يريده الله تعالى من مضمون النص، فيظل مسؤولية المتلقِّي، سواء تمكَّن مِن إدراك تلك الغاية ببصيرته وفِطنته، أو بواسطة غيره من أهل الذكر على قاعدة: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]. ولأن الناس يتفاوتون في قدراتهم الذهنية، ومستوياتهم العلمية، وتجربتهم الذاتية - فلا شك أنهم يتفاوتون تبعًا لذلك في مستوى فَهمهم لدلالات النص القرآني على حقيقة مراد الله من النص، فهناك منهم مَن هم مِن أُولي الألباب والمتفوقين في التدبر والاستدلال؛ حيث يُمكنهم فَهمُ دلالات النص والمراد به على حقيقته، أو على الأقل يقتربون مِن تُخوم مراداته دون صعوبة، ليظل التنفيذ في إطار المشروع مما يريده الله تعالى مما وراء النص، في حين أن الآخرين - ممن قد يفتقرون إلى تلك القابلية في الفهم، بسبب تواضع قدراتهم العقلية، أو ضَعف إمكاناتهم المعرفية - يواجهون الحاجة لاستحضار وسائل الفهم الصحيح التي تتجسد في تفعيل خاصية التدبُّر العقلي عندهم، والإلمام بشيء من اللغة العربية، والاستعانة بأهل الذكر، بقصد معاونتهم على التمكن مِن فَهم مقاصد النص على النحو الذي يريده الله من فحواه، وبالشكل الذي يُحصنهم من مخاطر الوقوع في مزالق الفَهم على أساس الغرض أو الهوى، وبذلك يتمكن هؤلاء المتلقون من تفادي المجادلة في آيات الله بغير علمٍ ولا هدى، ولا كتاب منيرٍ.   لذلك ينبغي على المسلم الوَرِع أن يَحرِص على تدبُّر آيات القرآن الكريم بعناية، وأن يستحضر أمامه ما يُتاح له من أدوات التفسير الميسَّرة، عندما يريد فَهم مقاصد النص؛ لأنه بهذا التدبر الْمُؤَمَّنِ، وبتوفير متطلبات الإعانة للتدبر، يتمكن من الوصول إلى الفهم الصحيح للنص القرآني، ويقترب من مراد الله تعالى المطلوب في النص، فيتفادى بهذا النهج المصيب الظنونَ، ويطمئن إلى سلامة التنفيذ على الوجه الصحيح.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣