أرشيف المقالات

باب حد القذف

مدة قراءة المادة : 40 دقائق .
2باب حد القذف
قوله: "باب حد القذف، وهو الرمي بزنا أو لواط إذا قذف المكلف المختار ولو أخرس بإشارة [بالزنى[1]] محصنًا ولو مجبوبًا، أو ذات محرم أو رتقاء جلد قاذف ثمانين جلدة إن كان القاذف حرًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ [النور: 4] وإن كان القاذف عبدًا جلد أربعين، وقذف غير المحصن ولو قنه يوجب التعزير على القاذف ردعًا عن أعراض المعصومين، وهو حق للمقذوف، والمحصن هنا: الحر المسلم العاقل العفيف، ولا يُشترط بلوغه، لكن لا يُحد قاذف غير بالغ حتى يبلغ ويطالب.
وصريح القذف: قوله: يا زانٍ، يا لُوطي، ونحوه، وكنايته: يا قحبة، ويا فاجرة، ويا خبيثة، وفضحت زوجك، أو نكست رأسه، أو جعلت له قرونًا، ونحوه، كـ علقت عليه أولادًا من غيره، أو أفسدت فراشه، ولعربي[2]: يا نبطي، ونحوه، وزنت يدك أو رجلك، ونحوه، وإن فسَّره بغير القذف قُبل وعزر كقوله: يا كافر، يا فاسق، يا فاجر، يا حمار، ونحوه..." إلى آخره[3].   وقال في "الإفصاح": "واتفقوا على أنه إذا لم تكمل شهود الزنى أربعة فإنهم قذفة يحدون[4]، إلا ما رُوي عن الشافعي في أحد قوليه[5]: إنهم لا يُحدون. واتفقوا على أنه إذا شهد نفسان على أنه زنى بها مطاوعة، وآخر أنه زنى بها مُكرهة فلا حد على واحد منهما[6]. واختلفوا فيما إذا شهد اثنان أنه زنى بها في هذه الزاوية، وشهد آخر أنه زنى بها في زاوية أخرى: فقال أبو حنيفة[7] وأحمد[8]: تُقبل هذه الشهادة، ويجب الحد. وقال مالك[9] والشافعي[10]: لا تُقبل هذه الشهادة ولا يجب الحد.
واختلفوا فيما إذا شهد أربعة بالزنى ثم رجع منهم واحد قبل حكم الحاكم: فقال أبو حنيفة[11] ومالك[12] وأحمد في أظهر الروايتين[13]: يجب الحد على الأربعة. وقال الشافعي[14]: لا شيء على الثلاثة قولًا واحدًا، وفي الراجح قولان[15]. والرواية الأخرى عن أحمد[16]: يجب على الثلاثة دون الراجع"[17].
وقال ابن رشد: "بسم الله الرحمن الرحيم، وصلِّ الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا، كتاب القذف.
والنظر في هذا الكتاب في القذف والقاذف والمقذوف، وفي العقوبة الواجبة فيه، وبماذا تثبت؟ والأصل في هذا الكتاب: قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾ ...
الآية [النور: 4]. فأما القاذف: فإنهم اتفقوا على أن من شرطه وصفين وهما: البلوغ والعقل، وسواء كان ذكرًا أو أنثى، حرًا أو عبدًا، مُسلمًا أو غير مسلم[18]. وأما المقذوف: فاتفقوا على أن من شرطه: أن يجتمع فيه خمسة أوصاف، وهي: البلوغ والحرية والعفاف والإسلام، وأن يكون معه آلة الزنى[19]، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف لم يجب الحد، والجمهور بالجملة على اشتراط الحرية في المقذوف[20]، ويحتمل أن يدخل في ذلك خلاف، ومالك[21] يُعتبر في سن المرأة أن تُطيق الوطء.
وأما المقذوف الذي يجب به الحد: فاتفقوا على وجهين: أحدهما: أن يرمي القاذفُ المقذوف بالزنى، والثاني: أن ينفيه عن نسبه إذا كانت أمه حرة مسلمة[22]. واختلفوا إن كانت كافرة أو أمَة: فقال مالك[23]: سواء كانت حرة أو أمة، أو مسلمة أو كافرة يجب الحد، وقال إبراهيم النخعي: لا حدَّ عليه إذا كانت أم المقذوف أمة أو كتابية، وهو قياس قول الشافعي[24] وأبي حنيفة[25]. واتفقوا أن القذف إذا كان بهذين المعنيين أنه إذا كان بلفظ صريح وجب الحد[26]. واختلفوا إن كان بتعريض: فقال الشافعي[27] وأبو حنيفة[28] والثوري وابن أبي ليلى: لا حد في التعريض، إلا أن أبا حنيفة[29] والشافعي[30] يريان فيه التعزير، وممن قال بقولهم من الصحابة ابن مسعود. وقال مالك[31] وأصحابه: في التعريض الحد، وهي مسألة وقعت في زمان عمر فشاور عمر فيها الصحابة فاختلفوا فيها عليه، فرأى عمر فيها الحد[32]. وعُمدة مالك: أن الكناية قد تقوم بعُرف العادة، والاستعمال مقام النص الصريح، وإن كان اللفظ فيها مستعملًا في غير موضعه، أعني مقولًا بالاستعارة.
وعُمدة الجمهور: أن الاحتمال الذي فيه الاسم المستعار شُبهة، والحدود تُدرأ بالشبهات. والحق: أن الكناية قد تقوم في مواضع مقام النص وقد تضعف في مواضع، وذلك أنه إذا لم يكثر الاستعمال لها. والذي يندرئ به الحد عن القاذف أن يُثبت زنى المقذوف بأربعة شهود بإجماع[33]. والشهود عند مالك[34] إذا كانوا أقل من أربعة قذفة، وعند غيره ليسوا بقذفة، وإنما اختلف المذهب في الشهود الذين يشهدون على شهود الأصل، والسبب في اختلافهم: هل يشترط في نقل شهادة كل واحد منهم عدد شهود الأصل، أم يكفي في ذلك اثنان على الأصل المعتبر فيما سوى القذف، إذا كانوا ممن لا يستقل بهم[35] نقل الشهادة من قبل العدد؟ وأما الحد فالنظر فيه في جنسه وتوقيته ومسقطه. أما جنسه فإنهم اتفقوا على أنه ثمانون جلدة للقاذف الحر[36]؛ لقوله تعالى: ﴿ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ [النور: 4].
واختلفوا في العبد يقذف الحر، كم حدُّه؟ فقال الجمهور من فقهاء الأمصار: حدُّه نصف حد الحر، وذلك أربعون جلدة[37]، ورُوي ذلك عن الخلفاء الأربعة وعن ابن عباس. وقالت طائفة: حدُّه حد الحر، وبه قال ابن مسعود من الصحابة وعمر بن عبد العزيز وجماعة من فقهاء الأمصار: أبو ثور والأوزاعي وداود وأصحابه من أهل الظاهر[38].
فعُمدة الجمهور: قياس حدِّه في القذف على حدِّه في الزنى. وأما أهل الظاهر: فتمسكوا في ذلك بالعموم، ولما أجمعوا أيضًا أن حد الكتابي ثمانون فكان العبد أحرى بذلك. وأما التوقيت: فإنهم اتفقوا على أنه إذا قذف شخصًا واحدًا مرارًا كثيرة فعليه حد واحد إذا لم يُحد لواحد منها، وأنه إن قذفه فحُد ثم قذفه ثانية حُد حدًا ثانيًا[39].
واختلفوا إذا قذف جماعة: فقالت طائفة: ليس عليه إلا حد واحد، جمعهم في القذف أو فرقهم، وبه قال مالك[40] وأبو حنيفة[41] والثوري وأحمد[42] وجماعة. وقال قوم: بل عليه لكل واحد حد، وبه قال الشافعي[43] والليث وجماعة حتى رُوي عن الحسن بن حي أنه قال: إن قال إنسان: من دخل هذه الدار فهو زان، جُلد الحد لكل من دخلها. وقالت طائفة: إن جمعهم في كلمة واحدة مثل أن يقول لهم: يا زناة، فحدٌّ واحد، وإن قال لكل واحد منهم: يا زاني، فعليه لكل إنسان منهم حد.
فعمدة من لم يوجب على قاذف الجماعة إلا حدًا واحدًا: حديث أنس وغيره: أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سمحماء، فرفع ذلك إلى النبي عليه الصلاة والسلام فلاعن بينهما ولم يحده لشريك[44]، وذلك إجماع من أهل العلم في من قذف زوجته برجلٍ. وعُمدة من رأى أن الحد لكل واحد منهم: أنه حق للآدميين، وأنه لو عفا بعضهم ولم يعف الكل لم يسقط الحد. وأما من فرق بين قذفهم في كلمة واحدة، أو كلمات، أو في مجلس واحد أو في مجالس؛ فلأنه رأى أنه واجب أن يتعدد الحد بتعدد القذف؛ لأنه إذا اجتمع تعدد المقذوف وتعدد القذف كان أوجب أن يتعدد الحد.
وأما سقوطه، فإنهم اختلفوا في سقوطه بعفو القاذف[45]: فقال أبو حنيفة[46] والثوري والأوزاعي: لا يصح العفو، أي: لا يسقط الحد. وقال الشافعي[47]: يصح العفو، أي: يسقط الحد، بلغ الإمام أو لم يبلغ. وقال قوم: إن بلغ الإمام لم يجز العفو، وإن لم يبلغه جاز العفو. واختلف قول مالك في ذلك: فمرة قال[48] بقول الشافعي، ومرة قال[49]: يجوز إذا لم يبلغ الإمام، وإن بلغ لم يجز، إلا أن يريد بذلك المقذوفُ الستر على نفسه، وهو المشهور عنه.
والسبب في اختلافهم: هل هو حق لله، أو حق للآدميين، أو حق لكليهما؟ فمن قال: حق لله، لم يُجز العفو كالزنى، ومن قال: حق للآدميين، أجاز العفو، ومن قال: لكليهما، وغلب حق الإمام إذا وصل إليه قال بالفرق بين أن يصل الإمام، أو لا يصل، وقياسًا على الأثر الوارد في السرقة. وعُمدة من رأى أنه حق للآدميين - وهو الأظهر -: أن المقذوف إذا صدقه فيما قذفه به سقط عنه الحد، وأما من يقيم الحد فلا خلاف أن الإمام يقيمه في القذف. واتفقوا على أنه يجب على القاذف مع الحد سقوط شهادته ما لم يتب[50].
واختلفوا إذا تاب: فقال مالك[51]: تجوز شهادته، وبه قال الشافعي[52]. وقال أبو حنيفة[53]: لا تجوز شهادته أبدًا. والسبب في اختلافهم: هل الاستثناء يعود إلى الجملة المتقدمة، أو يعود إلى أقرب مذكور، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾ [النور: 4 - 5] فمن قال: يعود إلى أقرب مذكور قال: التوبة ترفع الفسق، ولا تقبل شهادته، ومن رأى أن الاستثناء يتناول الأمرين جميعًا قال: التوبة ترفع الفسق ورد الشهادة، وكون ارتفاع الفسق مع رد الشهادة أمر غير مناسب في الشرع، أي: خارج عن الأصول؛ لأن الفسق متى ارتفع قُبلت الشهادة، واتفقوا على أن التوبة لا تَرفع الحد[54]. وأما بماذا يثبت؟ فإنهم اتفقوا على أنه يثبت بشاهدين عدلين حرين ذكرين[55]. واختُلف في مذهب مالك[56]، هل يثبت بشاهد ويمين وبشهادة النساء؟ وهل تلزم في الدعوة فيه يمين؟ وإن نكل فهل يحد بالنكول ويمين المدعي؟ فهذه هي أصول هذا الباب التي تُبنى عليه فروعه"[57]. وقال البخاري: "باب رمي المحصنات"،﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 4 - 5] [963أ] ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 23]. حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا سليمان، عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذفُ المحصنات المؤمنات الغافلات[58]".
قال الحافظ: "قوله: "باب رمي المحصنات"، أي: قذفهن والمراد: الحرائر العفيفات، ولا يختص بالزوجات، بل حكم البكر كذلك بالإجماع.
قوله: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ﴾...
الآية، كذا لأبي ذر والنسفي، وأما غيرهما فساقوا الآية إلى قوله: ﴿ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا ﴾، كذا لأبي ذر، ولغيره: إلى قوله: ﴿ عَظِيمٌ ﴾، واقتصر النسفي على: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ ﴾...
الآية، وتضمنت الآية الأولى: بيان حد القذف، والثانية: بيان كونه من الكبائر؛ بناء على أن كل ما توعد عليه باللعن، أو العذاب، أو شرع فيه حد فهو كبيرة، وهو المعتمد، وبذلك يُطابق حديث الباب الآيتين المذكورتين. وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء[59]، واختلف في حكم قذف الأرقاء كما سأذكره في الباب الذي بعده"[60].
وقال البخاري أيضًا: "باب قذف العبيد". حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن فضيل بن غزوان، عن ابن أبي نُعم[61]، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جُلد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال"[62]. قال الحافظ: "قوله: باب قذف العبيد، أي: الأرقاء، عبَّر بالعبيد اتباعًا للفظ الخبر، وحكم العبد والأمة في ذلك سواء، والمراد بلفظ الترجمة: الإضافة للمفعول؛ بدليل ما تضمنه حديث الباب، ويحتمل إرادة الإضافة للفاعل، والحكم فيه: أن على العبد إذا قذف نصف ما على الحر، ذكرًا كان أو أنثى، وهو قول الجمهور[63]. وعن عمر بن عبد العزيز والزهري وطائفة يسيرة والأوزاعي وأهل الظاهر[64]: حده ثمانون، وخالفهم ابن حزم[65] فوافق الجمهور.
قوله: "من قذف مملوكه"، في رواية الإسماعيلي: "من قذف عبده بشيء". قوله: "وهو بريء مما قال"، جملة حالية. وقوله: "إلا أن يكون كما قال"، أي: فلا يُجلد، وفي رواية النسائي: "أقام عليه الحد يوم القيامة"[66]، وأخرج من حديث ابن عمر: "من قذف مملوكه كان لله في ظهره حد يوم القيامة، إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه"[67]. قال المهلب: أجمعوا على أن الحر إذا قذف عبدًا لم يجب عليه الحد[68]، ودلَّ هذا الحديث على ذلك؛ لأنه لو وجب على السيد أن يُجلد في قذف عبده في الدنيا لذكره كما ذكره في الآخرة، وإنما خص ذلك بالآخرة تمييزًا للأحرار من المملوكين، فأما في الآخرة فإن ملكهم يزول عنهم ويتكافؤون في الحدود، ويُقتص لكل منهم إلا أن يعفو، ولا مفاضلة حينئذ إلا بالتقوى. قال الحافظ: في نقله الإجماع نَظَر، فقد أخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع: سُئل ابن عمر عمَّن قذف أم ولد لآخر، فقال: يضرب الحد صاغرًا[69]، وهذا بسند صحيح، وبه قال الحسن وأهل الظاهر[70]. وقال ابن المنذر[71]: اختلفوا في من قذف أم ولد، فقال مالك[72] وجماعة: يجب فيه الحد، وهو قياس قول الشافعي بعد موت السيد[73]، وكذا كل من يقول: إنها عتقت بموت السيد. وعن الحسن البصري: أنه كان لا يرى الحد على قاذف أم الولد. وقال مالك[74] والشافعي[75]:"من قذف حرًا يظنه عبدًا وجب عليه الحد[76]".
وقال البخاري أيضًا: "باب ما جاء في التعريض". حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلامًا أسود؟ فقال: "هل لك من إبل؟"، قال: نعم، قال: "ما ألوانها؟"، قال: حُمر، قال: "هل فيها من أورق؟"، قال: نعم، قال: "فأنى كان ذلك؟"، قال: أُراه عرقٌ نزعه، قال: "فلعل ابنك هذا نزعه عرق"[77]. قال الحافظ: قوله: "باب ما جاء في التعريض"، قال الراغب: هو كلام له وجهان: ظاهر وباطن، فيقصد قائله الباطن، ويُظهر إرادة الظاهر، وتقدم شيء من الكلام فيه في باب التعريض بنفي الولد من كتاب اللعان، وذكرت هناك بيان الاختلاف في حكم التعريض، وأن الشافعي[78] استدل بهذا الحديث على أن التعريض بالقذف لا يُعطى حكم التصريح فتبعه البخاري؛ حيث أورد هذا الحديث في الموضعين، وقد وقع في آخر رواية معمر، ولم يرخص له في الانتفاء منه. وقول الزهري: إنما تكون الملاعنة إذا قال: رأيت الفاحشة. قال ابن بطال[79]: احتج الشافعي[80]: بأن التعريض في خِطبة المعتدة جائز مع تحريم التصريح بخطبتها، فدلَّ على افتراق حكمها. قال: وأجاب القاضي إسماعيل: بأن التعريض بالخطبة جائز؛ لأن النكاح لا يكون إلا بين اثنين، فإذا صرح بالخطبة وقع عليه الجواب بالإيجاب أو الوعد فمنع، وإذا عرض فأفهم أن المرأة من حاجته لم يحتج إلى جواب.
والتعريض بالقذف يقع من الواحد ولا يفتقر إلى جواب، فهو قاذف من غير أن يخفيه عن أحد، فقام مقام الصريح، كذا فرق، وينكر عليه أن الحد يُدفع بالشبهة، والتعريض يحتمل الأمرين؛ بل عدم القذف فيه هو الظاهر، وإلا لما كان تعريضًا، ومن لم يقل بالحد في التعريض يقول بالتأديب فيه؛ لأن في التعريض أذى المسلم، وقد أجمعوا على تأديب من وُجد مع امرأة أجنبية في بيت والباب مغلق عليهما، وقد ثبت عن إبراهيم النخعي أنه قال: في التعريض عقوبة. وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن جُريج، قلت: لعطاء: فالتعريض؟ قال: ليس فيه حد، قال عطاء وعمرو بن دينار: فيه نكال[81]. ونقل ابن التين عن الداودي أنه قال: تبويب البخاري غير مُعتدل، قال: ولو قال ما جاء في ذكر ما يقع في النفوس عندما يرى ما يُنكره لكان صوابًا. قال الحافظ: ولو سكت عن هذا لكان هو الصواب. قال ابن التين: وقد انفصل المالكية عن حديث الباب: بأن الأعرابي إنما جاء مُستفتيًا، ولم يرد بتعريضه قذفًا. وحاصله: أن القذف في التعريض إنما يثبت على من عرف من إرادته القذف، وهذا يقوي أن لا حد في التعريض؛ لتعذُّر الاطلاع على الإرادة، والله سبحانه وتعالى أعلم"[82].


[1] كذا في الأصل، وهي غير موجودة بالروض المربع. [2] في الأصل: "العربي"، والمثبت من الروض المربع. [3] الروض المربع ص 490 و491. [4] فتح القدير 4/ 170، وحاشية ابن عابدين 4/ 36، والشرح الصغير 2/ 423، وحاشية الدسوقي 4/ 319، وتحفة المحتاج 9/ 121، ونهاية المحتاج 7/ 437، وشرح منتهى الإرادات 6/ 194، وكشاف القناع 14/ 64.
[5] المجموع 23/ 174. [6] فتح القدير 4/ 170، وحاشية ابن عابدين 4/ 36، والشرح الصغير 2/ 423، وحاشية الدسوقي 4/ 319، وتحفة المحتاج 9/ 121، ونهاية المحتاج 7/ 437، وشرح منتهى الإرادات 6/ 194، وكشاف القناع 14/ 64.
[7] فتح القدير 4/ 167، وحاشية ابن عابدين 4/ 35.
[8] شرح منتهى الإرادات 6/ 195، وكشاف القناع 14/ 66.
[9] المنتقى شرح الموطأ 7/ 144.
[10] تحفة المحتاج 9/ 115، ونهاية المحتاج 7/ 432. [11] فتح القدير 4/ 173، وحاشية ابن عابدين 4/ 36 و37. [12] الشرح الصغير 2/ 370، وحاشية الدسوقي 4/ 208. [13] شرح منتهى الإرادات 6/ 196، وكشاف القناع 14/ 67. [14] تحفة المحتاج 9/ 121، ومغني المحتاج 4/ 157. [15] المجموع 23/ 136. [16] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 26/ 333. [17] الإفصاح 4/ 25 - 27. [18] فتح القدير 4/ 169، وحاشية ابن عابدين 3/ 511، والشرح الصغير 2/ 425، وحاشية الدسوقي 4/ 325، وتحفة المحتاج 9/ 119، ونهاية المحتاج 7/ 435 و436، وشرح منتهى الإرادات 6/ 198، وكشاف القناع 14/ 70. [19] فتح القدير 4/ 192، وحاشية ابن عابدين 4/ 49، والشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 326، وتحفة المحتاج 9/ 121، ونهاية المحتاج 7/ 437، وشرح منتهى الإرادات 6/ 200، وكشاف القناع 14/ 73 و74.
[20] فتح القدير 4/ 192، وحاشية ابن عابدين 4/ 49، والشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 326، وتحفة المحتاج 9/ 121، ونهاية المحتاج 7/ 437، وشرح منتهى الإرادات 6/ 200، وكشاف القناع 14/ 73 و74.
[21] الشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 326. [22] فتح القدير 4/ 193، وحاشية ابن عابدين 4/ 51، والشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 326، وتحفة المحتاج 9/ 119، ونهاية المحتاج 7/ 435، وشرح منتهى الإرادات 6/ 198، وكشاف القناع 14/ 70. [23] الشرح الصغير 2/ 425، وحاشية الدسوقي 4/ 325.
[24] تحفة المحتاج 9/ 120، ونهاية المحتاج 7/ 436. [25] فتح القدير 4/ 192، وحاشية ابن عابدين 4/ 49. [26] فتح القدير 4/ 190، وحاشية ابن عابدين 4/ 50، والشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 325، وتحفة المحتاج 8/ 203، ونهاية المحتاج 7/ 103، وشرح منتهى الإرادات 6/ 206، وكشاف القناع 14/ 81. [27] تحفة المحتاج 8/ 206 و207، ونهاية المحتاج 7/ 105 و106.
[28] فتح القدير 4/ 191، وحاشية ابن عابدين 4/ 50 و51. [29] فتح القدير 4/ 191، وحاشية ابن عابدين 4/ 50 و51. [30] تحفة المحتاج 8/ 206 و207، ونهاية المحتاج 7/ 105 - 107.
[31] الشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 327. [32] مالك 2/ 829، والبيهقي 8/ 252، والدارقطني 3/ 209 376، وابن أبي شيبة 9/ 538، وعبد الرزاق 7/ 425 13725.
[33] فتح القدير 4/ 210، وحاشية ابن عابدين 4/ 61 و62، والشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 326، وتحفة المحتاج 9/ 121، ونهاية المحتاج 7/ 437، وكشاف القناع 14/ 74. [34] الشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 326. [35] ليست في الأصل، واستدركت من بداية المجتهد. [36] فتح القدير 4/ 190، وحاشية ابن عابدين 4/ 48، والشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 327، وتحفة المحتاج 9/ 120، ونهاية المحتاج 7/ 436، وشرح منتهى الإرادات 6/ 198، وكشاف القناع 14/ 70. [37] فتح القدير 4/ 192، وبدائع الصنائع 7/ 57، والشرح الصغير 2/ 426 و427، وحاشية الدسوقي 4/ 327 و328، وتحفة المحتاج 9/ 120، ونهاية المحتاج 7/ 436، وشرح منتهى الإرادات 6/ 198، وكشاف القناع 14/ 70. [38] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 161. [39] فتح القدير 4/ 208، وحاشية ابن عابدين 4/ 62، والشرح الصغير 2/ 427، وحاشية الدسوقي 4/ 327، وتحفة المحتاج 8/ 225، ونهاية المحتاج 7/ 119 و120، وشرح منتهى الإرادات 6/ 215، وكشاف القناع 14/ 91.
[40] الشرح الصغير 2/ 427، وحاشية الدسوقي 4/ 327. [41] فتح القدير 4/ 208، وحاشية ابن عابدين 4/ 62. [42] شرح منتهى الإرادات 6/ 215، وكشاف القناع 14/ 90 و91. [43] تحفة المحتاج 8/ 224، ونهاية المحتاج 7/ 119. [44] أخرجه مسلم 1496.
[45] كذا في الأصل، والصواب: "المقذوف". [46] فتح القدير 4/ 198، وحاشية ابن عابدين 4/ 57. [47] تحفة المحتاج 9/ 120، ونهاية المحتاج 7/ 437. [48] المنتقى شرح الموطأ 7/ 148. [49] الشرح الصغير 2/ 427، وحاشية الدسوقي 4/ 327.
[50] فتح القدير 4/ 206، وحاشية ابن عابدين 5/ 506، والشرح الصغير 2/ 332، وحاشية الدسوقي 4/ 132، وتحفة المحتاج 9/ 120، ونهاية المحتاج 7/ 437، وشرح منتهى الإرادات 6/ 663، وكشاف القناع 15/ 306.
[51] الشرح الصغير 2/ 332، وحاشية الدسوقي 4/ 132. [52] تحفة المحتاج 10/ 245، ونهاية المحتاج 8/ 309. [53] فتح القدير 6/ 29، وحاشية ابن عابدين 5/ 506. [54] فتح القدير 4/ 112، وحاشية ابن عابدين 4/ 4، والشرح الصغير 2/ 435، وحاشية الدسوقي 4/ 347، وتحفة المحتاج 9/ 164، ونهاية المحتاج 8/ 8، وشرح منتهى الإرادات 6/ 214، وكشاف القناع 14/ 90.
[55] فتح القدير 6/ 6، وحاشية ابن عابدين 4/ 48، والفواكه الدواني 2/ 288، وحاشية العدوي 2/ 362، وتحفة المحتاج 10/ 247، ونهاية المحتاج 8/ 311، وشرح منتهى الإرادات 6/ 684، وكشاف القناع 15/ 323.
[56] المنتقى شرح الموطأ 5/ 216. [57] بداية المجتهد 2/ 405 - 408.
[58] البخاري 6857.
[59] فتح القدير 4/ 190، وحاشية ابن عابدين 4/ 48، والشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 325، وتحفة المحتاج 9/ 119، ونهاية المحتاج 7/ 435، وشرح منتهى الإرادات 6/ 201، وكشاف القناع 14/ 72. [60] فتح الباري 12/ 181. [61] في الأصل: "نعيم"، والمثبت من صحيح البخاري.
[62] البخاري 6858. [63] فتح القدير 4/ 192، وبدائع الصنائع 7/ 57، والشرح الصغير 2/ 426 و427، وحاشية الدسوقي 4/ 327 و328، وتحفة المحتاج 9/ 120، ونهاية المحتاج 7/ 436، وشرح متهى الإرادات 6/ 198، وكشاف القناع 14/ 70.
[64] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 161. [65] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 161.
[66] النسائي في الكبرى 4/ 325 7352. [67] النسائي في الكبرى 4/ 325 7353. [68] فتح القدير 4/ 192، وحاشية ابن عابدين 4/ 49، والشرح الصغير 2/ 426، وحاشية الدسوقي 4/ 326، وتحفة المحتاج 9/ 121، ونهاية المحتاج 7/ 437، وشرح منتهى الإرادات 6/ 200، وكشاف القناع 14/ 73 و74. [69] أخرجه عبد الرزاق 7/ 439 13799. [70] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 271 و272. [71] الأوسط 12/ 577. [72] المدونة 6/ 226. [73] تحفة المحتاج 10/ 424، ونهاية المحتاج 8/ 428. [74] المدونة 6/ 252. [75] الأم 7/ 60. [76] فتح الباري 12/ 185. [77] البخاري 6847. [78] تحفة المحتاج 8/ 206، ونهاية المحتاج 7/ 107.
[79] شرح صحيح البخاري 8/ 483. [80] تحفة المحتاج 7/ 210، ونهاية المحتاج 6/ 203.
[81] أخرجه عبد الرزاق 7/ 420 13701. [82] فتح الباري 12/ 175.




شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢