أرشيف المقالات

شرح حديث جابر: قال رجل للنبي يوم أحد: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2شرح حديث جابر: قال رجل للنبي يوم أحد: أرأيتَ إن قتلت فأين أنا؟   عَنْ جابرٍ رضِي اللهُ عنْه قَالَ: قَالَ رَجلٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يومَ أُحُدٍ: أرأيْتَ إِنْ قُتِلتُ فأينَ أنا؟ قَالَ: «في الجَنَّةِ» فألْقَى تمراتٍ كُنَّ في يدِهِ، ثمَّ قاتلَ حتَّى قُتِلَ.
مُتَّفقٌ عَليه.
  قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين - رحمه الله -: قال المؤلِّفُ - رحمَه الله - فيما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وعن أبيه، أنَّ رجلًا قال للنبي صلَّى اللهُ عليه وسلم يومَ أُحدٍ: يا رسولَ اللهِ، أرأيت إن قاتلتُ حتى قُتِلتُ، قال: «أنت في الجنَّةِ»، فألقى تمراتٍ كانت معه، ثمَّ تقدَّم فقاتل حتى قُتل رضي الله عنه، ففي هذا الحديث دليلٌ على مبادرةِ الصَّحابةِ - رضي الله عنهم - إلى الأعمال الصالحة، وأنهم لا يتأخرون فيها، وهذا شأنُهم؛ ولهذا كانت لهم العزَّة في الدنيا، وفي الآخرة.   ونظير هذا أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عيد، ثم نزل فتقدَّم إلى النساء فخطَبَهنَّ، وأمرهنَّ بالصدقة، فجعلتِ المرأة منهنَّ تأخذُ خرصَها وخاتمها، وتلقيه في ثوبِ بلال، يجمعه، حتى أعطاه النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولم يتأخَّرنَ - رضي الله عنهنَّ - بالصدقة، بل تصدَّقنَ حتَّى من حُليهِنَّ.   وفي حديث جابر من الفوائد: أن مَنْ قُتل في سبيل الله؛ فإنه في الجنة، ولكن من هو الذي يقتل في سبيل الله؟ الذي يقتل في سبيل الله: هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا يقاتل حميَّةً ولا شجاعة ولا رياء، وإنما يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، أما من قاتل حمية؛ مثل الذين يقاتلون من أجل القومية العربية مثلًا، فإنَّ هؤلاء ليسوا شهداء؛ وذلك لأن القتال من أجل القومية العربية ليس في سبيل الله، لأنه حمية.   وكذلك أيضًا: من يقاتل شجاعةً؛ يعني من تحمله شجاعته على القتال لأنه شجاع، والغالب أن الإنسان إذا اتصف بصفة يحب أن يقوم بها، فهذا أيضًا إذا قُتل ليس في سبيل الله.   وكذلك أيضًا: من قاتل مراءاة - والعياذ بالله - ليُرى مكانه، وأنه رجل يقاتل الأعداء الكفار، فإنه ليس في سبيل الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حميَّة، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه؛ أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال: «مَنْ قاتَل لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا فهو في سبيلِ اللهِ».   وفي هذا دليل على حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على معرفة الأمور؛ لأن هذا الرجل سأل النبي عليه الصلاة والسلام، وكان هذا من عادتهم؛ أنهم لا يفوتون الفرصة حتى يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يستفيدون من هذا علمًا وعملًا، فإن العَالِم بالشريعة قد مَنَّ الله عليه بالعلم، ثم إذا عمل به فهذه منَّةٌ أخرى، والصحابة - رضي الله عنهم - كان هذا شأنهم، فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الحكم الشرعي من أجل أن يعملوا به، بخلاف ما عليه كثيرٌ من الناس اليوم، فإنهم يسألون عن الأحكام الشرعية؛ حتى إذا عملوا بها تركوها، ونبذوها وراء ظهورهم، وكأنهم لا يريدون من العلم لا مجرد المعرفة النظرية، وهذا في الحقيقة خسران مبين؛ لأن من ترك العمل بعد علمه به فإن الجاهل خير منه.   فإذا قال قائل: لو رأينا رجالًا يقاتلون، ويقولون: نحن نقاتل للإسلام، دفاعًا عن الإسلام، ثم قتل أحد منهم؛ فهل نشهد له بأنه شهيد؟ فالجواب: لا.
لا نشهد بأنه شهيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِنْ مَكْلومٍ يُكلمُ في سَبيلِ اللهِ - واللهُ أعلم بمن يُكْلمُ في سَبيلِهِ - إلَّا جاء يوم القيامةِ وجرحُه يَثْغَبُ دمًا، اللونُ لونُ الدَّمِ، والرِّيحُ ريحُ المسْكِ»، فقوله: «والله أعلمُ بمَنْ يُكْلمُ في سَبيلِهِ»، يدلُّ على أنَّ الأمر يتعلَّقُ بالنِيَّة المجهولةِ لنا، المعلومة عند الله، وخطب عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - ذات يومٍ فقال: أيُّها الناس، إنَّكم تقولون: فلان شهيد، وفلان شهيد، ولعله أن يكون قد أوقر راحلته؛ يعني: قد حمَّلَها من الغلول؛ يعني: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا: من مات أو قتل في سبيل الله فهو شهيد.
فلا تشهد لشخص بعينه أنه شهيد؛ إلا من شهد له النبي صلى الله عليه سلم فإنَّك تشهد له، وأما من سوى هذا فقل كلامًا عامًا قل: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، وهذا نرجو أن يكون من الشهداء، وما أشبه ذلك.
والله الموفق.   «شرح رياض الصالحين» (2 /26 - 28)



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١