أرشيف المقالات

أخذ الكتاب باليمين

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2أخذ الكتاب باليمين
هذا مشهد من مشاهد الآخرة، وهو مشهد النَّجاح والفلاح للذين آمنوا بربهم وعبدوه سرًّا وعلانية بلا رياء وسُمعة، وتوكَّلوا عليه ولم يتَّكلوا على غيره طَرفةَ عين؛ وذلك فوز عظيم لهم؛ لأنهم في ذلك اليوم يكونون مستبشرين بنِعَم الله عز وجل، فرِحين بما آتاهم الله، ويتسلَّمون كتبهم بأيمانهم، قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾[1].   وبعد ذلك يحاسبون حسابًا يسيرًا، قال الله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾[2].   وعن عائشة رضي الله عنها في تفسير قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ قَالَتْ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلَّا هَلَكَ))، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسول الله، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ قال: ((ذَاك العَرْضُ يُعْرَضُونَ، وَمَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَكَ))[3].   وأيضًا قالت عَائِشَة رضي الله عنها في تفسير قوله تعالى ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾، سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ في بَعْضِ صَلَاتِهِ: ((اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا))، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ؟ قال: ((أَنْ يَنْظُرَ فِي كِتَابِهِ فَيَتَجَاوَزَ لَهُ عَنْهُ، إِنَّهُ مَنْ نُوِقش الحسابَ يَا عائشةُ يَوْمَئِذٍ هَلَكَ))[4].   وينقلبون إلى أهلهم مسرورين، قال الله تعالى: ﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾[5]. وقال قتادة رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ "إلى أهْلٍ أعدَّ الله لهم الجنة"[6].   وقال البغوي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ "وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ، يَعْنِي: فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَالْآدَمِيَّاتِ، مَسْرُورًا بِمَا أُوتِيَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ"[7].   وقال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ "أَزْوَاجِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، مَسْرُورًا؛ أَيْ: مُغْتَبِطًا قَرِيرَ الْعَيْنِ"[8].   وذكر القرطبي رحمه الله تعالى قولًا آخر بصيغة التمريض (قيل) في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ "وَقِيلَ: إِلَى أَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا لَهُ فِي الدُّنْيَا، لِيُخْبِرَهُمْ بِخَلَاصِهِ وَسَلَامَتِهِ"[9].   وصوَّرتْ هذا المشهد الآياتُ الكريمة، قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾[10].


[1] سورة الانشقاق: (7). [2] سورة الانشقاق: (8). [3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، بَابُ ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8]، رقم الحديث: (4939)، (6/ 167). [4] أخرجه الطبري في تفسيره "جامع البيان في تأويل القرآن"، (24/ 313)، و"تفسير القرآن العظيم"؛ لابن كثير، (8/ 357) وقال ابن كثير رحمه الله: "صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ". [5] سورة الانشقاق: (9). [6] أخرجه الطبري في تفسيره "جامع البيان في تأويل القرآن"، (24/ 315)، و"الجامع لأحكام القرآن"؛ للقرطبي، (19/ 272). [7] "معالم التنزيل في تفسير القرآن"؛ للبغوي، (5/ 229). [8] "الجامع لأحكام القرآن"؛ للقرطبي، (19/ 272). [9] المصدر نفسه. [10] سورة الحاقة: (19 - 24).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن