التبريك عن الصبي عند العطاس
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
التبريك عن الصبي عند العطاسروى الحافظ السِّلفي في (الطيوريات) قال: أخبرنا أحمد، حدثنا أبو عمر بن حَيُّويَه، حدثنا عبدالله بن سليمان، حدَّثنا إسحاقُ بن إبراهيم، حدَّثنا سعد بن الصَّلت، حدَّثنا هارون بن الجهم، عن جعفرٍ، عن أبيه قال: "عطس عند النَّبي صلى الله عليه وسلم غلامٌ لم يبلُغ الحُلُم، فقال: الحمدُ لله ربِّ العالمين، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((بارك الله فيك يا غُلام))، فمضَت السُّنَّةُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذا عطس الغُلام فقال: الحمدُ لله ربِّ العالمين، أن يُشمَّت بِبَارك الله فيك"؛ وهو حديث منكر؛ لأمور:
أولًا: لم يَروه أحدٌ من أصحاب السنن والمعاجم والمسانيد؛ وإنَّما رواه أبو طاهر السلفي، وهو متأخِّر؛ وهذا مما يدلُّ على وَضعه؛ كما قرَّر ذلك ابن تيمية، وابن عبدالهادي.
وهو قد برئ من المؤاخذة؛ فإنَّه قد أسنده، ويبقى على الباحث النَّظر في الرِّجال، والحكم عليه، وعندهم: (مَن أَسند، فقد أحالَ).
ثانيًا: أنَّ فيه هارون بن الجهم، وهو مجهول؛ قاله ابن الجوزي.
ثالثًا: أنَّ تَشميت النصارى، بما معناه: (بورك فيك)؛ فلعلَّها أُضيفَت من تجاههم.
ولديَّ تفصيل، فأقول مقتبسًا ومزيدًا:
• إن كان الصبيُّ ممَّن يدرك التفهيم، ويفهم التعليم، فيُعلَّم، ويقال له مثلًا: قل: الحمد لله؛ فعن أبي بردة قال: دخلتُ على أبي موسى وهو في بيتِ بنت الفضل بن عباس، فعطستُ فلم يُشمِّتني، وعطسَت فشمَّتَها، فرجعتُ إلى أمِّي فأخبرتُها، فلما جاءها قالت: عطس عندك ابني فلم تُشمِّته، وعطسَت فشمَّتَّها؟ فقال: إنَّ ابنك عطس فلم يَحمد اللهَ فلم أُشمِّته، وعطسَت فحمدَت اللهَ فشمَّتُّها؛ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا عطس أحدكم فحمد اللهَ فشمِّتوه، فإن لم يَحمد الله فلا تشمِّتوه))؛ رواه مسلم.
ففي الحديث إشارة إلى التعليم، وإن كان عن طريق الغير.
• وإن كان طفلًا لا يدرك التعليم، ولا يحسن التفهيم، فلا بأس أن يَحمد اللهَ عنه، وإن كان بعضهم توقَّف؛ لأنَّ الحمد إنشاء عِبادة عن النَّفس، والقاعدة: (العبادة البدَنيَّة المستقلَّة لا تقبل النِّيابة في حال الحياة).
قال الإمام ابن مفلح رحمه الله: (إنَّه لا يُحمد عن الطِّفل والمجنون؛ لأنَّهما لم يُخاطبا، ففِعل الغير عنه فرع ثبوت الخطاب، ولم يَثبت، فلا فعل).
• أو تدعو له بالبركة، أو أي دعاء كان، ولا تقصد به التخصيص، ولا أنَّ هذا سنَّة؛ لأنَّ الحديث في ذلك منكر، والمنكر: موضوع، والموضوع: مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يُدعى له استئناسًا، بما ورد عن بعض السَّلَف.
قال ابن مفلح رحمه الله في "الآداب الشرعية" (2/ 343):
"وروى عبدالله بن أحمد عن الحسن أنَّه سُئل عن الصبي الصغير يعطسُ؟ قال: يُقال له: بُورك فيك".
• وإن سكتَ عنه، فلم يقل عنه شيئًا، فلا حرج؛ إذ إنَّ القلم مرفوعٌ عنه، وغير مطالب بشيء.
ولكن هذه الأمور، ومثيلاتها؛ كأذكار الصَّباح والمساء، وأذكار النوم، ونحوها - هي رُقًى وتعاويذ، تَحفظ الطِّفلَ من الشيطان؛ لذلك لو قلتَ هذه الأدعية والأذكار، ونويتَ بها عن نفسك وعن ولدك، حصل المقصود - بإذن الله - وهو الحِفظ والعوذ من الشيطان الرَّجيم.
نسأل الله أن يحفظ أولادَنا وأولاد المسلمين أجمعين، وينشئهم تنشئة يرضاها، ويجلب لهم السرور والخُيور، ويدفع عنهم الشرور والضرور.