أرشيف المقالات

حديث إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2حديث إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يُعرف، ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يُعرف.
قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل.
قال: فيحسب الحاسبُ أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير.
فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا.
فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم اصرعه.
فصرعه الفرس، ثم قامت تحمحم.
فقال: يا نبي الله، مرني بما شئت.
قال: فقف مكانك، لا تتركنّ أحداً يلحق بنا.
قال: فكان أول النهار جاهداً على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النهار مَسْلَحَة له، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرّة، ثم بعث إلى الأنصار فجاؤوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فسلموا عليهما.
وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وحفوا دونهما بالسلاح.
فقيل في المدينة: جاء نبي الله، جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأشرفوا ينظرون، ويقولون: جاء نبي الله، جاء نبي الله.
فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب.
فإنه ليحدّث أهله؛ إذ سمع به عبد الله ابن سلام، وهو في نخل لأهله يخترف لهم، فعجّل أن يضع الذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: أي بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله، هذه داري، وهذا بابي.
قال: فانطلق فهيئ لنا مقيلاً.
قال: قوما على بركة الله.
فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام، فقال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق، وقد عَلِمَت يهود أني سيدهم، وابن سيدهم، وأعلمهم، وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت، قالوا فيّ ما ليس فيّ.
فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا، فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا.
وأني جئتكم بحق، فأسلموا.
قالوا: ما نعلمه.
قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم قالها ثلاث مرار.
قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا ذاك سيدنا، وابن سيدنا، وأَعْلَمُنا وابن أَعْلَمِنا.
قال: أفرأيتم إنْ أَسْلَمَ.
قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم.
قال أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم.
قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم.
قال: يا ابن سلام اخرج عليهم.
فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق فقالوا: كذبت.
فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [1].   من فوائد الحديث: 1- قوله: (أقبل نبي الله إلى المدينة وهو مردف أبا بكر) الظاهر أنهما كانا راكبين على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن سائر الأحاديث تدل على أن كل واحد كان على ناقته، والإرداف يطلق على المعنيين، قال تعالى: ﴿ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9] أي: يتبع بعضهم بعضاً.

2- قوله: (وأبو بكر شيخٌ يُعرف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يُعرف) أما كون أبي بكر رضي الله عنه معروفا؛ فلإنه كان يتردد في تجارته إلى المدينة، وأما كونه شيخا فإنه كان فيه البياض، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَسَنُّ منه.

3- قوله: (فكان أول النهار جاهداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: على قتله أو أسره (وكان آخر النهار مَسْلَحَةٌ لَه) الـمَسْلَحَة: مكان السلاح، شبّهه بالمسْلَحة، أي: أنه أصبح سلاحاً يدافع، ويرد عنه العدو.

4- منقبة وفضيلة لعبدالله بن سلام رضي الله عنه.
[2]
5- سمع عبدالله بن سلام رضي الله عنه بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو يجني الثمار لأهله من مزرعتهم، فكان مشغولا بعمله.

6- أراد الله بعبدالله بن سلام -وهو من أحبار اليهود- خيراً، حيث سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم بعدها.
7- اليهود قومٌ بـُهْت، أي: كذّابون ممارون لا يرجعون إلى الحق [3]، لمّا علموا بإسلام عبدالله بن سلام رضي الله عنه، قالوا عنه ما ليس فيه كذبا، وزورا وعدوانا.
8- قولهم: (لا نعلمه) معناه أنهم لا يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم رسول الله.
وقد كذبوا لسبق شقاوتهم قال تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون).
[4]
9- تحديث أنس رضي الله عنه بقصة سراقة من مراسيل الصحابة، ولعله حملها عن أبي بكر الصديق.
لأنّ أنسا رضي الله عنه، كان صغيرا وقتها.
وقد سمع أنس رضي الله عنه من أبي بكر طرفا من حديث الغار.
[5]
10- لا يضرّ عبدالله بن سلام رضي الله عنه أن انتقصه اليهود، وجحدوا علمه، وكذّبوه، مادام أنّه أسلم، وصدّقه النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم صلى الله عليه وسلم كَذِب اليهود وبهتهم.

11- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على دعوة اليهود، وهدايتهم، وتألّف قلوبهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

12- كان ردّ اليهود من بداية اللقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، ردّا جافّا، يقطر منه الشرّ، والعداوة.

13- قوله: (فهيئ لنا مَقيلًا) أي: مكانًا نَقيل فيه، والمقيل: النومُ نصفَ النهار.
[6] والمقيل عند العرب الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معه نوم بدليل قوله تعالى: ﴿ وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24] والجنة لا نوم فيها.
[7]
14- إسلام عبدالله بن سلام اليهودي - رضي الله عنه - يفضح اليهود وعنادهم، وتكبّرهم، وإصرارهم على كفرهم، رغم وضوح الحق، ومعرفتهم له.



[1] صحيح البخاري 1/ 131 رقم 3911.
وسأفرد -بإذن الله- لهذا الحديث كتاباً مستقلاً لكثرة فوائده. [2] من 1-4 الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري للكوراني 7/ 92. [3] منحة الباري بشرح صحيح البخاري لزكريا الأنصاري 6/ 407. [4] الفتح الرباني للساعاتي 21/5.
والآية 146 من سورة البقرة. [5] فتح الباري لابن حجر 7/ 251. [6] مصابيح الجامع لبدر الدين الدماميني 7/ 383. [7] التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني 8/ 99.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١