أرشيف المقالات

جمال الإسلام لا تقبحه اللئام

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2جمال الإسلام لا تقبحه اللئام
إن الحمدَ لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعَه بإحسان إلى يوم الدين.   توطئة: الذي ينظر في آيات القرآن بعين البصيرة يرى فيها سرَّه المكنونَ، والمتمثل في ذلكم الخطاب الإنسانيِّ والإيماني والروحاني والجمالي في آياته، التي هي نور على نور؛ مما يجعل الناس في كلِّ الأزمنة والأمكنة حين يطَّلعون عليه، ويقرؤون آياته، ويتدبَّرون هذه الحِكَم والبصائر التي يحتويها - يميلون للإسلام ميلَ المحبِّ والمشتاق لمحبوبٍ مفقودٍ عثر عليه. فمن الواجبِ أن ننظرَ إلى القرآنِ بنظرةِ المتبصِّر واللبيب؛ لنحيا جنة الدنيا العاجلة.   عمى القلوب! وقد يحول العمى النفسيُّ والمرض القلبيُّ عن هذه النظرة السليمة والمستقيمة، فنعكس الحقائق التي هي نور على نور، ونقلب هذه التعاليم البيضاء إلى سواد حالك تنطفئ من خلاله هذه الأنوارُ؛ مما يجعل الناس ينفرون، بل يحاربون الإسلام ومن ينتمي إليه. وقد بيَّن الباري سبحانه وتعالى أنها لا تَعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب التي في الصدور.   راية عمياء: وما نراه اليوم من إجرام تحت راية عمياء تنسب إلى الإسلام، ما هو إلا نتاج الفاشية الفكريَّة التي تسلَّطت على أذهان هذه الطائفة، فأطفأت بفكرها الفاشي والنازي والأعوج الأفلج كلَّ ضوء ونور يتوهَّج من مشكاة القرآن والسُّنة الطاهرتين، فتولَّد عنها بمرور الزمن بدل الصفاء والنقاء والجمال والإنسانية - الإجرامُ بشتَّى أنواعه، وأصبح - حتى المسلمون - في خوف وهلع من الإسلام.   قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24].   وكلمة ﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ [الأنفال: 24]؛ أي: يجعل بينه وبين بصيرته حائلًا يحجبه عن الفَهْم السديد، والفِكْر الرشيد.   وهذا من عقاب الله العاجل نتيجةَ الصدِّ عن النهج النبويِّ الذي هو أبيض أنور أزهر كالقمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، قال صلى الله عليه وسلم: ((تركتُكُم على البيضاءِ، ليلُها كنهارِها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالكٌ))؛ صححه الألباني رحمه الله.   العلاج: وعلاج هؤلاء لا يكون إلا بغسل هذه القلوب بدموع التوبة والندم، وعصرها بالاستقامة، والمسارعة بالعودة لركب الصالحين، وإنقاذ أنفسهم من نار الهموم التي تنتظرهم في العاجلة قبل الآجلة.   ومن تابَ تابَ الله عليه: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].   تبيان الحق: ومما يجب علينا أمام هذا التيار الجارف والسيل العارم: أن نرفع كلَّ الحجب التي يحاول أصحابها - اليهود والنصارى وأعوانهم - حجبَ الحقائق وقلبَها، وإخراجها للناس بأقبح الصور وأبشعها، كما فعل أجدادهم من قبلُ حين حرَّفوا كتبهم لصرف الناس عن دين القَيِّمة، وتركهم في ضلال وجهل عَمَّ الأرجاء، حتى جاء الإسلام، فكشَفَ هذا القناع المزيَّف، فبان الحقُّ من الباطل، واستعاد الناس أمنَهم وعافيتهم.   ثم طال الأمد وتخلَّى الناس عن دينهم وتعاليم الوحيين، فأعاد اليهود والنصارى الكَرَّةَ في ثوبٍ جديدٍ، وقد نبَّه الباري سبحانه وتعالى إلى هذا الأمر في قوله: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].   وفي صحيح مسلم رحمه الله، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16] إلا أربع سنين"، فكيف بألف وخمسمائة سنة أو أزيد؟!   ثوب جديد! القرآن الذي تولَّى الله حِفظَه عجَز علماء اليهود والنصارى عن تغيير ولو حرفًا من حروفه، لكن استطاعوا تغيير الحقائق التي هي روح الوحيين وقلْبَها وتحريفها، وهذا حسدًا من عند أنفسهم، وسبب نجاحهم في ذلك هو الفراغ الرهيب الذي يعيشه المسلمون اليوم لقلِّة الوعي والتذكرة التي من الواجب أن تكون الليل مع النهار؛ لأن أهل الباطل في حركة مستمرَّة لا تتوقف الليل والنهار.   نتيجةً لذلك سخَّر أعداءُ الإسلام كلَّ ما بوسعهم من وسائل الضلال والانحلال ليملؤوا فراغ المسلمين بضلالهم وزيغهم، وقد ذاب كثيرٌ من المسلمين في ضلالهم وباطلهم، وبلغ الأمر أنْ غيَّروا حتى فطرتهم السليمة، وعقيدتهم المستقيمة، وجعلوهم أداة في أيديهم يحاربون بها القيم والمبادئ الإنسانية والإسلامية، وقد هدموا بهم الأركان، كما تهدم الصواريخ البنيان.   كيف نواجه؟ من العجبِ في زماننا أن بعض المسلمين الذين تَوَلَّوا مهمة الدعوة المحمديَّة هم من بدؤوا طمسَ حقائق الإسلام وقلبها رأسًا على عقب، فمن جملة الباطل الذي تولَّد من جرَّاء دعوتهم غير المستقيمة محاولة التعدِّي على سنن الله الكونية التي لا تقبل التحويل ولا التبديل، فأرادوا تغيير الواقع المرير بالفتنة والوقيعة بين المسلمين، وبحمل الناس على التصادُم والتدافع، ويتحجَّجون بحجج واهية ليس لها أصلٌ لا في الدين، ولا حتى في الإنسانية، وبالتالي فأول ما يجب فعله منَّا جميعًا حتى من هؤلاء أنفسهم هو العودة إلى منهج السلف الصالح رضي الله عنهم في الدعوة إلى التغيير، وأول خطوة هو العمل الحثيث والجاد والجماعي في لَمِّ شمل هذه الأمَّة؛ وذلك بنبذ العنف الذي عمَّت به الأرجاء، وتوضيح الأخطاء التي كانت سببًا في التدافع والفتنة بين المسلمين، ونقض الفتاوى التي كانت دافعًا لذلك.   ونعلم أن الله لا يزال لطيفًا بعباده ورحيمًا بهم، يقبلُ توبة من تاب، ويعفو عن زلة من عاد، ويبدِّل السيئات بالحسنات، ويُغيِّر القلوب كيف يشاء وقتما شاء، ويكون ذلك بحركة ولو بسيطة من العبد: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [مريم: 25].   لا مجال لليأس! علينا أن نتحمَّل جميعًا ما آل إليه وضعُ أمَّتِنا، وكلُّ واحدٍ يعد نفسَه شريكًا في هذه الأحداث، فنلوم أنفسنا، ونستغفر ربَّنا، وندعو لبعضنا بعضًا، ونتذكَّر وصايا نبيِّنا التي كانت ولا تزال المشكاةَ التي هي ملاذُنا في مثل هذه الأوقات الحالكة.   عن العرباض بن سارية، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فوعظنا موعظةً بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا! فقال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه من يَعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمور؛ فإن كلَّ بدعة ضلالة)).   فعلينا أن نبكي على أنفسنا، وعلى أمَّتنا وعلى ديننا، وعلى الوحدة التي عاش لأجلها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، يجاهدون ويحاربون ويدافعون عنها حتى آخر رمق من حياتهم.   نبكي بكاء العائد لرحابهم، المشتاق للقائهم، كيف وحبيبنا صلى الله عليه وسلم على الحوض ينتظرنا بشوق؟ كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: ((السلام عليكم دارَ قوم مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنَّا قد رأينا إخواننا))، قالوا: أوَلسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: ((أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد))، فقالوا: كيف تعرف من لم يأتِ بعدُ من أمَّتك يا رسول الله؟ فقال: ((أرأيتم لو أنَّ رجلًا له خيلٌ غرٌّ محجَّلة بين ظهري خيل دهم بُهم، ألا يعرف خيله؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنهم يأتون غرًّا محجَّلين من الوضوء، وأنا فرطُهم على الحوض، ألا ليُذادنَّ رجال عن حوضي كما يُذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدَّلوا بعدَك، فأقول: سحقًا سحقًا!)).   فلا مجال لليأس والقنوط، وعلينا أن نغيِّر ما بأنفسنا، ونجعل هوانا فيما جاء به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، ونُحيي تعاليمَ شريعته الإنسانية والإيمانية والروحانية والجمالية؛ لنفوز بما فازوا من جنة الرضوان العاجلة والآجلة. والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل.   اللهم أبرِمْ لأمَّتنا إبرام رشدٍ وهداية، وإبعادٍ عن كلِّ زيغ وضلال وغَواية، وألِّفْ بين قلوبنا، واجمع شملنا، وارفع الفتن التي بيننا، واجعل ثأرنا على من عادانا، ولا تسلِّط علينا الأعداء بذنوبنا، ولا تجعل مصيبتَنا في ديننا، ورُدَّنا إلى دينك ردًّا ترضاه عنَّا يا مولانا.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن