أرشيف المقالات

ما يتعرض له شبابنا حرب لا مؤامرة - عبد الحليم عويس

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
مرحلة الشباب لحظات تمر ولا ترجع، برغم خطورتها ومحوريتها فى بناء نهضة الأمة، ورسم ملامح مستقبلها بما تتسم به هذه المرحلة من الحماس والاستعداد والقوة البدنية والعقلية، ومع ذلك؛ فإن هؤلاء الشباب وبخاصة العربى والمسلم يواجهون تحديات كثيرة ومتشعبة تهدد كيانهم، وقد تهدر طاقاتهم التى هى من رصيد طاقة الأمة فى إطار حرب شعواء تستهدف الأمة بأسرها، وتراهن على شبابها فما طبيعة هذه التحديات؟ وأهم صورها؟ وكيف يتصدى لها العلماء والمفكرون والدعاة، انطلاقًا من محورية دور الشباب فى الرؤية الإسلامية؟
هذه التساؤلات وغيرها يجيب عنها د.
عبد الحليم عويس - أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية.
ـ نود التعرف على محورية مرحلة الشباب فى الرؤية الإسلامية، ولماذا خصهم الرسول صلى الله عليه وسلم عند الحديث عن سؤال العبد يوم القيامة ؟
- تأتى محورية الحديث عن الشباب، انطلاقًا من أنهم عصب الأمة وهم الذين يقومون بأشق الأعمال، وأصعب المهام؛ بعكس مرحلة الطفولة والشيخوخة التى يغلب فيها الأخذ على العطاء {والله خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفًا وشيبة}، فإذا ضاعت هذه المرحلة دون عطاء أو عمل تفقد الأمة قوتها: {إن خير من استأجرت القوى الأمين}، وقد أفاد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال ما معناه: «بعثت فخذلنى الشيوخ ونصرنى الشباب»، ويكفى أن نعرف أن سبعة من العشرة المبشرين بالجنة هم من الشباب، وعلى رأسهم على بن أبى طالب رضي الله عنه ، ومن ثم يجب أن يحاسبوا بدقة وحسم؛ لأن كل دقيقة تضيع من أعمارهم تحسب من الرصيد الأثمن والأسمى لقوة الأمة، وبنائها.
ولذلك ورد فى الحديث الشريف «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع - ومنها - عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه»؛ لأن فترة الشباب لها خصوصية، وأهمية تفوق باقى مراحل العمر.
عقيدة وإنسان
ـ إذن فكيف تصبح هذه الرؤية مدخلاً لإشعال حماس الشباب، وتحفيزهم للمشاركة فى نهضة الأمة؟

- بعيدًا عن الغبش الذى يدور الآن فى وسائل الإعلام؛ فإن الحضارة ليست استهلاكًا أو سلعًا إنما هى عقيدة وإنسان، والحضارة بلا إنسان لا قيمة لها، والأمة التى يقودها رجل فاسد لا ترتقى، وللأسف فالأمة تملك ثروات وطاقات مادية كثيرة، لكنها لا تدار كما ينبغى لمصلحة الأمة، ومن هنا يسعى أعداؤنا لتبديد طاقة الشباب فى العبث واللهو والغفلة، وما هذا إلا تخطيط منظم لتدمير الشباب، وإلهائه عن واقعه المرير، ومحاولة تغييره عن الأفضل.

وكذلك؛ فإن القوى التى تحكم الأمة ليست قادرة على أن تنتشل الشباب من هذا الواقع، بل إنها تستحدث لهم أدوات ووسائل تغرقهم فى الغفلة عن التمرد أو الاعتراض على هذا الواقع وفى مقدمتها..
الإعلام الفاسد والإنفاق الترفى الذى يصل إلى حد السفه على الرياضة والفن والفنانين فى الوقت الذى تعانى فيه الجامعات من ضآلة ميزانية البحث العلمى، وفى الوقت الذى يحصل فيه الأستاذ الجامعى على 500 دولار شهريًا، ومدير الجامعة لا يزيد دخله عن 1000 - 1500 دولار شهريًا؛ فإن أحد المدربين الرياضيين يتقاضى 55 ألف دولار شهريًا.
وعندما يطلع الشباب على هذا التناقض ينصرف بفكره عن العلم ولا يقدر قيمة العلماء، بل يتجه بطموحه إلى طريق الرياضة والفن رغبة فى الثراء السهل السريع، وهذا يعنى أننا ندمر شبابنا ونجرهم إلى الهاوية فتنشأ أجيال تتحكم فيها العولمة فتصبح بلا قوة، ولا خلق، ولا علم، ولا فكر، ولا عطاء.
ـ فى تصوركم كيف أسهم الشباب فى صناعة الحضارة العربية الإسلامية وازدهارها على مدار تاريخ المسلمين؟
- الآن يقاس عمر الشباب بسن 20: 25 - 40: 45 سنة، أما فى فجر الإسلام فكانت مرحلة الشباب تبدأ مبكرًا، وتتميز بالعطاء والإخلاص والتضحية.
ويكفى أن نقول: إن شابًا مثل أسامة بن زيد رضي الله عنه ذهب بقيادة الجيش لتأديب الروم وعمره حوالى 19 سنة، وتحت قيادته أبو بكر - خليفة المسلمين - وكذلك الثلاثة الذين قادوا معركة مؤتة كانوا من الشباب (زيد بن حارثة، وجعفر بن أبى طالب، وعبد الله بن رواحة)، وكان عليّ بن أبى طالب على صغر سنه يقدم نفسه للموت، ويطلب مبارزة أعتى قوى الكفر انتصارًا لله ورسوله.
وهذا عقبة بن نافع يذهب مع ابن خالته عمرو بن العاص إلى مصر ، ويستأذنه فى فتح أفريقيا، وكان أيضًا من الشباب، أما اليوم فالشباب يعيش مأساة متعددة الأبعاد يشارك فيها المسئولون ومؤتمرات الأمم المتحدة والإعلام الغربى لضرب دين الله وقتل الولاء والانتماء لدى الشباب، وإثنائهم عن رسالتهم.
حرب على الشباب
ـ ما مدى صحة القول بأن الشباب العربى يتعرض لمؤامرة ضمن الحرب على الإسلام ؟
- أرفض القول بأن الشباب العربى يتعرض لمؤامرة؛ لأن المؤامرة شيء يدبر فى الخفاء ويخشى ظهوره ويراد ظهور آثاره المدمرة، أما الآن فإن ما يحاك للشباب هو حرب شرسة بكل ما تحمله الكلمة من معان، إذ باتت تفرض عليهم الوجبات السريعة والكليبات والموضة وقصات الشعر والدش والنت والمقاهى التى تفتح على مصراعيها ليل نهار، بينما تغلق المساجد بسرعة عقب أداء الصلوات المفروضة تحت الدعاوى الأمريكية بأن التدين يصنع الإرهاب والعنف، وللأسف؛ فإن بعض الحكام والمسئولين العرب والمسلمين خدعوا بهذه المقولات واستجابوا لها على حساب انتمائهم الدينى.
ـ وما الذى أضعف مناعة الشباب وجعلهم يقعون فريسة سهلة لهذه المؤامرة..
أو الحرب؟
- هذه الحرب تدور رحاها منذ ستين عامًا تقريبًا، وإذا عدنا إلى جيل الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى نجد أنها أفرزت شخصيات مرموقة ذات قامات طويلة فى مجالات الفكر والرأى والأدب، وسواء اتفقنا أو اختلفنا معهم فإننا لا نستطيع أن ننكر دورهم فى إثراء الساحة الفكرية والأدبية، أما الآن فكثير من الشخصيات المحسوبة على الفكر والأدب ما هى إلا أبواق تردد ما تريده الدولة، وترى بعينيها وتسمع بأذنيها دون أن يكون لها فكر أو رأى مستقل بناء.
وهذا إفراز مناخ علمي متراجع لا يقدر قيمة العلم، ولا يسمح بحرية الفكر والتعبير عن الرأى داخل رحاب الجامعة، مما جعل هذه الجامعات مجرد أماكن لتفريخ الموظفين، لا الطاقات الفكرية والعلمية التى تحمل عبء النهضة.
ومن المحزن أن 50 جامعة فى مصر لم تحصل أى منها على مركز بين 500 جامعة على مستوى العالم ذات مناهج تعليم متطورة، فالجامعات جزء من المجتمع تفسد بفساده، وتتأثر بما يدور فيه.
المواجهــة
ـ فكيف يواجه الشباب هذه التحديات بوعى وتفاعل دون ذوبان؟
- أقول للشباب: لا تيأسوا من رحمة الله ، فكل شيء قابل للإصلاح بالهمة وإخلاص النوايا، وأما من وصلوا بنا إلى هذا المستنقع فهم ظاهرة مرضية طارئة ولا بقاء لها، المهم أن تعوا رسالتكم وتحددوا أهدافكم، والنتائج مضمونة، فاليابان كانت منهارة بعد هزيمتها فى 15 من أغسطس عام 1945م، لكن العزيمة وإرادة النهوض دفعت الشعب للتضحية والعمل الجاد لإخراج جيل جاد متفتح نجح فى وقت قصير فى وضع اليابان فى مقدمة العالم تكنولوجيًا وعلميًا وصناعيًا، فالأمة تنهض بأبنائها، وليس عن طريق الدولة والسلطات الرسمية، فإذا كان المجال يتسع للتفاهم معها فلا بأس، وإلا فلا داعى للتصادم.
أطالب بإحياء الوقف الذى كان رافدًا هائلاً لنهضة الأمة، إلا أن الدولة تحاربه منذ 1954م، فلا بد من تحريك بند فى سبيل الله، وبحث الفروض الكفائية لانطلاق الشباب.
وعلى الدعاة الجدد الذين يقتربون من الشباب سنًا وفكرًا أن يرشدوهم إلى القدوة التى تقودهم إلى خير الآخرة، وليس الدنيا فقط، وليكن القرآن والسنة مرجعيتنا الثابتة التى نحتكم إليها، ونحكِّمها فى تغيير واقعنا، ورسم مستقبلنا.
و على  الأسرة أن تبذل دورها فى تقديم نماذج إيجابية للقيم والأخلاق العلمية الرفيعة، وتغرسها فى النشء؛ فهى المحضن الأول لاحتواء الشباب وتربيتهم.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١