بين يدي آية الحجاب في سورة الأحزاب - محمد سيد حسين عبد الواحد
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
قوله تعالى : {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما } .فيه ست مسائل :
الأولى :
"قل لأزواجك وبناتك " قال قتادة : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع .
خمس من قريش : عائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وسودة ، وأم سلمة .
وثلاث من سائر العرب : ميمونة ، وزينب بنت جحش ، وجويرية .
وواحدة من بني هارون : صفية .
الثانية: وأما أولاده فكان للنبي صلى الله عليه وسلم أولاد ذكور وإناث .
فالذكور من أولاده : القاسم ، أمه خديجة ، وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من مات من أولاده ، وعاش سنتين .
والثاني عبد الله .
والثالث إبراهيم أمه مارية القبطية ، ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة ، وتوفي ابن ستة عشر شهرا .
وقيل ثمانية عشر .ودفن بالبقيع .
وقال صلى الله عليه وسلم : إن له مرضعا تتم رضاعه في الجنة .
وجميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة سوى إبراهيم .
وكل أولاده ماتوا في حياته غير فاطمة .
وأما الإناث من أولاده فمنهن :
فاطمة الزهراء بنت خديجة ، ولدتها وقريش تبني البيت قبل النبوة بخمس سنين ، وهي أصغر بناته ، وتزوجها علي رضي الله عنهما في السنة الثانية من الهجرة في رمضان ، وبنى بها في ذي الحجة .
وقيل : تزوجها في رجب ، وتوفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير ، وهي أول من لحقه من أهل بيته .
رضي الله عنها .
ومنهن : زينب - أمها خديجة - تزوجها ابن خالتها أبو العاصي بن الربيع ، وكانت أم العاصي هالة بنت خويلد أخت خديجة .
واسم أبي العاصي لقيط .
وقيل هاشم .
وقيل هشيم .
وقيل مقسم .
وكانت أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوفيت سنة ثمان من الهجرة ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها .
ومنهن : رقية - أمها خديجة - تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه : تبت يدا أبي لهب قال أبو لهب لابنه : رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته .
ففارقها ولم يكن دخل بها .
وأسلمت حين أسلمت أمها خديجة ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها حين بايعه النساء ، وتزوجها عثمان بن عفان ،
وكانت نساء قريش يقلن حين تزوجها عثمان :
أحسن شخصين رأى إنسان رقية وبعلها عثمان
وهاجرت معه إلى أرض الحبشة الهجرتين ، وكانت قد أسقطت من عثمان سقطا ، ثم ولدت بعد ذلك عبد الله ، وكان عثمان يكنى به في الإسلام ، وبلغ ست سنين فنقره ديك في وجهه فمات ، ولم تلد له شيئا بعد ذلك .
وهاجرت إلى المدينة ومرضت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر فخلف عثمان عليها ، فتوفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ، على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة .
وقدم زيد بن حارثة بشيرا من بدر ، فدخل المدينة حين سوي التراب على رقية .
ولم يشهد دفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومنهن : أم كلثوم - أمها خديجة - تزوجها عتيبة بن أبي لهب - أخو عتبة - قبل النبوة ، وأمره أبوه أن يفارقها للسبب المذكور في أمر رقية ، ولم يكن دخل بها ، فلم تزل بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت حين أسلمت أمها ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخواتها حين بايعه النساء ، وهاجرت إلى المدينة حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما توفيت رقية تزوجها عثمان ، وبذلك سمي ذا النورين .
وتوفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع من الهجرة .
وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرها ، ونزل في حفرتها علي والفضل وأسامة .
آيةالحجاب:
لما كانت عادة العربيات التبذل ، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء ، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن ، وتشعب الفكرة فيهن ، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن..
فيقع الفرق بينهن وبين الإماء ، فتعرف الحرائر بسترهن ، فيكف عن معارضتهن من كان عزبا أو شابا .
وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة ، فتصيح به فيذهب ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت الآية بسبب ذلك .
قال معناه الحسن وغيره .
الثالثة : من جلابيبهن الجلابيب جمع جلباب ، وهو ثوب أكبر من الخمار .
وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء .
وقد قيل : إنه القناع .
والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن .
وفي صحيح مسلم عن أم عطية : قلت : يا رسول الله .
إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لتلبسها أختها من جلبابها .
الرابعة : واختلف الناس في صورة إرخائه .
فقال ابن عباس وعبيدة السلماني : ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها .
وقال ابن عباس أيضا وقتادة : ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ، ثم تعطفه على الأنف ، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه .
وقال الحسن : تغطي نصف وجهها .
الخامسة : أمر الله سبحانه جميع النساء بالستر ، وإن ذلك لا يكون إلا بما لا يصف جلدها ، إلا إذا كانت مع زوجها فلها أن تلبس ما شاءت .
لأن له أن يستمتع بها كيف شاء .
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال : سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن من يوقظ صواحب الحجر رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة .
وروي أن دحية الكلبي لما رجع من عند هرقل فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قبطية .
فقال : اجعل صديعا لك قميصا وأعط صاحبتك صديعا تختمر به .
والصديع النصف .
ثم قال له : مرها تجعل تحتها شيئا لئلا يصف .
وذكر أبو هريرة رقة الثياب للنساء فقال : الكاسيات العاريات الناعمات الشقيات .
ودخل نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها عليهن ثياب رقاق ، فقالت عائشة : إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات ، وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعنه .
وأدخلت امرأة عروس على عائشة رضي الله عنها وعليها خمار قبطي معصفر ، فلما رأتها قالت : لم تؤمن بسورة ( النور ) امرأة تلبس هذا .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها .
وقال عمر رضي الله عنه : ما يمنع المرأة المسلمة إذ كانت لها حاجة أن تخرج في أطمارها أو أطمار جارتها مستخفية ، لا يعلم بها أحد حتى ترجع إلى بيتها .
السادسة : قوله تعالى : ذلك أدنى أن يعرفن أي الحرائر ، حتى لا يختلطن بالإماء .
فإذا عرفن لم يقابلن بأدنى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرية ، فتنقطع الأطماع عنهن .
وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى تعلم من هي .
وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة قد تقنعت ضربها بالدرة ، محافظة على زي الحرائر .
وقد قيل : إنه يجب الستر والتقنع الآن في حق الجميع من الحرائر والإماء .
وهذا كما أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا النساء المساجد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله حتى قالت عائشة رضي الله عنها :
لو عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا لمنعهن من الخروج إلى المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل .
وكان الله غفورا رحيما تأنيس للنساء في ترك الجلابيب قبل هذا الأمر المشروع .
نسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يسترنا في دنيا ودين.