أرشيف المقالات

المستقبل للدين والعلم معا - عبد الحليم عويس

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
إذا قُدِّر للبشرية أن يسيطر عليها العالمُ الماديُّ وحدَه، فإنها تكون قد أسلسَت قِيادَها لذلك "المسيخ الدجال " الأعور الأعرج، الذي يقودها إلى المادية الطاغية، التي تُدمِّر نفسها بنفسها.
 
• إن العلم نفسه يحتاج إلى حراسة الدين؛ كيلا يُزهق روحه في مُستنقَع الحسِّ والتجسيد، محرومًا من نسمات التجريد الرحبة العالية.
 
• إن مفكرًا إسلاميًّا أوروبيًّا معاصرًا قد أعلن تشاؤمه مِن مستقبل العلاقة بين الدين والعلم، وحذَّرَنا - نحن المسلمين - من التفاؤل الساذج بأن روح الحضارة الأوروبية المسيطرة، تقترب من العلم، وهو يرى أن العلم الحديث على ما هو عليه، ليس ميالاً ولا مُستعدًّا لأن يَقترب من الدين، إن العلم قد يتطور إلى اللاأدرية الشمولية؟ لكن اقترابه من الدين غير متطور في المدى القريب.
 
• وفي كلام هذا المفكِّر الأوروبي كبير حقٍّ، ما دامت قافلة التنصير الكنَسي قد تخلَّت عن دورها الفِعلي في الحضارة الأوروبية، وراحت تمشي مع الاستعمار، تبحث لها عن موقع هنا أو هناك باسم التنصير في بلد إسلامي أو إفريقيٍّ، مُتجاهِلة أن خسارتها لأوروبا إنما تعدُّ خسارةً لقضيتها الأساسية، بل إنه لمن المؤسِف أن الكنيسة لا تُقاوِم الأديان الوثنية كالهندوسية والبوذية، ولا الأديان الوضعية، ولا تُثير حملة عليها، بقدر ما تَبذُل جهودها ضدَّ الإسلام بالذات في آسيا الإسلامية وفي البلدان الإفريقية، وهى بذلك تضيف إلى تخطيطاتها المُنحرِفة بُعدًا آخر من أبعاد الخسارة؛ حيث تعوق هذه البلاد عن محاربة اللادينيَّة، وتَفرض عليها الانصراف إلى مقاوَمة الأخطار الكنسية التي كثيرًا ما ترتبط بالدعم الأجنبي.
 
• ومع ذلك، فنحن مُتفائلون بالمستقبل، نحلم بأن الكنيسة تُغيِّر إستراتيجيَّتها، بخاصة وأن الأخطار تُحيط بها من كل جانب، وإذا كسبَت موقعًا ثانويًّا، خسرت مواقعَ أساسية في بلادها، اللهم إلا إذا كانت الكنيسة ترضى بهذه المبادئ الدينيَّة الشكلية السائدة في عالم اليوم، والتي تسمح لبعض الكنائس بمباركة زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء!
 
• لماذا لا نتفاءل وكثير من علماء الفيزياء والكيمياء والحياة والجيولوجيا والنفس بدؤوا يدخلون المعركة في صفِّ الدين، موجِّهين العلم إلى غاياته العليا، ومُحطِّمين بمنهج العلم كلَّ استنتاجات الإلحاد الباطلة؟!
 
وقد بدأت كتابات الإلحاد - على أساس العلم - تتعرَّض لكساد، بينما أخذت في الرواج العالَمي كتابات الإيمان على أساس العلم والعقل، وقد أصبحَت النزعة العلمية فيها أقوى منهجًا وأكثر أصالة.
 
وقد بدأ تبادُل الخدمات ووسائل المساعدة يتمُّ برَواج شديد بين الدين والعلم؛ فكلاهما يأخذ مِن منهج الآخَر ونتائجه، وكلاهما يُعطي.
 
وقد بدأ هؤلاء العاملون في حقول الدين والعلم يُظهرون تواضعًا كبيرًا فيما يتعلق بنتائج أبحاثهم، ويُبدون ميلاً للإفادة والفهم الموضوعي لما توصَّل إليه الآخرون.
 
إن روح العلم في طريقتها وجوهرها لا تُعادي الدين، إنها روح عظيمة تستهدف إخضاع الظواهر للقوانين؛ أي: إلى النظام، إلى الثبات في التعبير، إلى الترتيب، إلى المنطق، إلى العقل، إلى رؤية الأثر الواحد المُتناسِق الجميل.
 
وإنه لأمر جدير بالالتفات أن ثمَّة قانونَينِ أساسيين يَكفيان في تفسير "الفيزيا"، وهما الاحتفاظ بالدقَّة، ومبدأ أقل فعل[1]، فإذا كان العلم يَنحو نحو الوحدة، ويَجدها، فهل مِن التعسُّف القول بأنه يتَّجه نحو الله الواحد؟!
 [1] إميل بروتو: العلم والدين في الفلسفة المعاصرة (ص: 206).
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١