ما أصابك من حسنة فمن الله - محمد سيد حسين عبد الواحد
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
ما أصابك من حسنة فمن الله تعالي :أيها الإخوة الكرام : اليوم موعدنا لنقف علي حقيقة قد يجهلها البعض منا , وقد يتنكر لها آخرون , وقد يشكك فيها غيرهم ..
هذه الحقيقة : هي بيان أن ما يصيبنا من خير ونماء إنما هو من فضل الله تعالي , وما يصيبنا من شر وشدة إنما هو مما عملت أيدينا ..
ورد في الصحيح من حديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: « «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُم» ..
«يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا..
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ..
يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» »
قلت : هذا الحديث بهذا المعني قد يلتبس فهمه علي بعض الناس , خاصة إذا تلونا معة آيات من سورة النساء
" {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا , مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} "
بادئ ذي بدئ أقول إن هذه الآيات نزلت في شأن المنافقين فقَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّه} أَيْ إِنْ يُصِبِ الْمُنَافِقِينَ خِصْبٌ وغني قَالُوا: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أَيْ وإِنْ يُصِبِ الْمُنَافِقِينَ جَدْبٌ وَمَحْلٌ تطيروا وقَالُوا للنبي عليه الصلاة والسلام :إنما أصابنا الجدب والمَحْلٌ مِنْ عِنْدِكَ، أَيْ أَصَابَنَا ذَلِكَ بِشُؤْمِكَ وَشُؤْمِ أَصْحَابِكَ.
فالْحَسَنَةُ السَّلَامَةُ وَالْأَمْنُ، وَالسَّيِّئَةُ الْأَمْرَاضُ وَالْخَوْفُ.
وَقِيلَ: الْحَسَنَةُ الْغِنَى، وَالسَّيِّئَةُ الْفَقْرُ.
وَقِيلَ: الْحَسَنَةُ النِّعْمَةُ وَالْفَتْحُ وَالْغَنِيمَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالسَّيِّئَةُ الْبَلِيَّةُ وَالشِّدَّةُ وَالْقَتْلُ يَوْمَ أُحُدٍ.
وَقِيلَ: الْحَسَنَةُ السَّرَّاءُ، وَالسَّيِّئَةُ الضَّرَّاءُ.
هَذِهِ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ وَعُلَمَاءِ التَّأْوِيلِ..
وورد أيضاً أَنَّ الآيات نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهَ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه الْمَدِينَةَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مُذْ قَدِمَ عَلَيْنَا هَذَا الرَّجُلُ وَأَصْحَابُهُ.
قالوها تطيرا ( تشاءماً ) بالنبي عليه الصلاة والسلام وبأصحابه ..
قلت : وقد سبق وقالوها لموسي عليه السلام "فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ "
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما :
وَمَعْنَى (مِنْ عِنْدِكَ) أَيْ بِسُوءِ تَدْبِيرِكَ.
وَقِيلَ: (مِنْ عِنْدِكَ) أيْ بِشُؤْمِكَ الَّذِي لَحِقَنَا، قَالُوهُ عَلَى جِهَةِ التَّطَيُّرِ.
فقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ) أَيِ الشِّدَّةُ وَالرَّخَاءُ وَالظَّفَرُ من عند الله وَالْهَزِيمَةُ أيضاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَيْ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ.
" وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ "
أما قوله تعالي : ( {فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} ) يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ أَيْ مَا شَأْنُهُمْ لَا يَفْقَهُونَ أن كل ما أصابهم من خير أو شر أنه أصابهم بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ.
قال النبي عليه الصلاة والسلام " «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» "
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّ كُلَّ شيء بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} )
وَقَالَ تَعَالَى: ( {وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ}
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّ كُلَّ شي بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ..
كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} ) وَقَالَ تَعَالَى: ( {وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ } )
أما الآية التالية فهي التي في فهمها إشكال : "مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا " فظاهر الآية أن فيها تصديق لما قاله المنافقون في حق النبي عليه الصلاة والسلام ..
وليست كذلك .
قلت: وَالْخِطَابُ في هذه الآية " مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ " لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس هو المراد بها وَإنما الْمُرَادُ أُمَّتُهُ...
فالْخِطَابُ لِلْإِنْسَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ .
بمعني أنّ مَا أَصَابَكُمْ يا معشر الناس ( مسلمون – منافقون – يهود ....
إلخ ) ما أصابكم من خصب واتساع زرق فَمِنْ تَفَضُّلِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ جَدْبٍ وَضِيقِ رِزْقٍ فَمِنْ أَنْفُسِكُمْ، أَيْ مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِكُمْ وَقَعَ ذَلِكَ بِكُمْ..." وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ "
وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ (يَقُولُونَ) " مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ "وَالْمَعْنَى فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا حَتَّى يَقُولُوا " مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ".
وقيل: إِنَّ في الآية أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى ( وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ ) أَفَمِنْ نَفْسِكَ؟ ومثله قوله وتعالى: (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذَا رَبِّي) أَيْ قال أَهَذَا رَبِّي؟
( {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } )
والمعني َعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ ) أيْ الْفَتْحُ وَالْغَنِيمَةُ يَوْمُ بَدْرٍ، (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ ) أيْ مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، وذلك أَنَّهُمْ عُوقِبُوا عِنْدَ خِلَافِ الرُّمَاةِ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْمُوا ظَهْرَهُ وَلَا يَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِهِمْ، فَرَأَوُا الْهَزِيمَةَ عَلَى قُرَيْشٍ , وَرأوا الْمُسْلِمُونَ يَغْنَمُونَ أَمْوَالَهُمْ فَتَرَكُوا مَصَافَّهُمْ، فَنَظَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَكَانَ مَعَ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ ظَهْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ انكشف من الرماة فَأَخَذَ سَرِيَّةً مِنَ الْخَيْلِ وَدَارَ حَتَّى صَارَ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرُّمَاةِ إِلَّا صَاحِبُ الرَّايَةِ ( عبد الرحمن بن جبير )، هو فقط حَفِظَ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ حَتَّى اسْتُشْهِدَ مَكَانَهُ ..
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( {أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} ) يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ ( {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها} ) يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ ( {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} ).
وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الحسنة ها هنا الطَّاعَةَ وَالسَّيِّئَةُ الْمَعْصِيَةَ ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ (مَا أَصَبْتَ ) لا (مَا أَصَابَكَ ) .
وَإِنَّمَا تَكُونُ الْحَسَنَةُ الطَّاعَةَ وَالسَّيِّئَةُ الْمَعْصِيَةَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها )
وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهِيَ عن ( الْخِصْبِ وَالْجَدْبِ وَالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ ) عَلَى نَحْوِ مَا جَاءَ فِي آيَةِ (الْأَعْرَافِ) وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( {وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} ).
(بِالسِّنِينَ) بِالْجَدْبِ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، حُبِسَ الْمَطَرُ عَنْهُمْ فَنَقَصَتْ ثِمَارُهُمْ وَغَلَتْ أَسْعَارُهُمْ.
(فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ) أَيْ يَتَشَاءَمُونَ بِهِمْ وَيَقُولُونَ هَذَا مِنْ أَجْلِ اتِّبَاعِنَا لَكَ وَطَاعَتِنَا إِيَّاكَ..
فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ( {أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} )
يَعْنِي أَنَّ طَائِرَ الْبَرَكَةِ وَطَائِرَ الشُّؤْمِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا صُنْعَ فِيهِ لِمَخْلُوقٍ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَهُ للنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ:
( {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ) كَمَا قَالَ: ( {أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّ} هِ) وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ( {وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} ) أَيْ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَعِلْمِهِ.
اما قَوْلُهُ تَعَالَى: ( {وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} ) فهو تحول في الخطاب والمراد إلي النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن كان الخطاب وقع إليه والمراد غيره , إلي أن يكون الخطاب والمراد رسول الله صلي الله عليه وسلم
( {وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} ) فيها بيان لجلالة منصبه وعلو شأنه صلّى الله عليه وسلّم ومكانته عند ربه سبحانه بعد الذب عنه بأتم وجه ..
( {وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} ) أيْ فأنت الرحمة لهم فلا يكون من عندك شر عليهم..
( {وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً} ) أَيْ كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ نَبِيِّهِ صلي الله عليه وسلم وأنه صادقٌ..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا .