أرشيف المقالات

كلامنا إما لنا أو علينا

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
2كلامنا إمَّا لنا أو علينا   الكلام مجموعة ألفاظ يعبِّر بها الإنسانُ عمّا بداخله، وهو وسيلة من وسائل التخاطب وتبادل الآراء والتفاهم مع الآخرين، والعضو المسؤول عن ذلك هو اللسان.   العبادة منقسمة على القلب واللسان والجوارح فهناك العبادات القلبية: كالخوف والرجاء، والعبادات البدنية: كالصلاة والعبادات المالية كالزكاة والصدقة، والعبادات اللسانية: كالشّهادتين وهما أصل الدين.   الكلام الذي يتكلَّم به المرء له تأثير عليه وعلى الآخرين (المستمع أو المقصود بالكلام) فمنه ما يؤجر ويُثاب عليه وينتفع به غيره وهو: الكلام الطيب ومنه ما يلحق بصاحبه الإثم ويتضرر غيره به وهو: الكلام الخبيث.   من أمثلة الكلام الطيب: 1- حلقات العلم وما يتخللها من مُدارسة للقرآن الكريم وشرح الحديث وتقديم المواعظ للتفقه في الدين ففي الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم.
(بيان لفضلها). 2- الذكر: الذِّكر عبادة يسيرة يحرص الكثيرون عليها - خاصّة كبار السِّن - لا تحتاج إلى وضوء أو طَهارة وتؤدى في أي وقت وبأي حال من الأحوال. عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به.
قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله)
رواه الترمذي، وابن ماجه. للذكر فوائد كثيرة تعود على الذاكر، أهمها: أنّه يُحرزه من كيد الشيطان ووساوسه ويحقق له الطمأنينة وراحة البال وينال الأجر والثواب في الآخرة على ذكره.   أمّا كيف ينفع غيره؟ عندما يقتدي به الناس في إشغال لسانه بالذكر. من أمثلة الذكر التسبيح فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))؛ متفق عليه قال ابن المبارك (ذكر الناس داء وذكر الله دواء).   3- إفشاء السَّلام إفشاء السلام شعار يميز المسلمين عمن سواهم من الأمم يلقيه المسلم على من عرف ومن لم يعرف ; فيُشيع المحبة والطمأنينة بينهم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».   من أحكامه أنَّ البدء به ُسَّنة وردُّه واجب ويكون بمثل السلام أو أحسن منه، قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء من الآية:86].   ومن الكلام الطيب الذي يؤجر صاحبه: 4- الدعاء له ولعامَّة المؤمنين عن أبي الدرداء رضي اللّه تعالى عنه أنه سمعَ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلمٍ يَدْعُو لأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ إِلاَّ قَالَ المَلَكُ‏:‏ وَلَكَ بِمِثْلٍ‏" رواه مسلم.   5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمن طرق تغيير المنكر الكلمة (فبلسانك) مع مراعاة الرفق واللين أثناء النصح لأنّ الطباع تنفر من الأسلوب الفظ وتتضافر جهود العلماء والوعّاظ والمربين لمحاربة المعاصي والمنكرات وتوضيح خطورتها على الفرد والمجتمع.   6- مواساة أهل الميت وتذكيرهم بالصبر وبيان ثواب الصابرين الذي ورد في القرآن الكريم والسنة من مثل قوله تعالى: (وبشر الصابرين) البقرة (155) وقول الرسول صلى الله عليه وسلّم ((إنّما الصبر عند الصدمة الأولى)) رواه البخاري.
وللمواساة بنوعيها المادي والمعنوي (بمتابعة أحواله إن أمكن وزيارته أو الاتصال به والسؤال عنه بين الحين والآخر) أثر كبير في التخفيف عن المصاب.   7-الترغيب بالصَّدقة للمحتاجين في كل مكان وبيان فضلها عن طريق وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.   8_ تحذير الناس من الفرق الضالّة ببيان أفكارهم وكشف مخططاتهم التي تهدف إلى تشويش العقيدة الصحيحة وإفساد القلوب.   9_ الحث على الجهاد بالكلمة (التعبئة المعنوية للجند) ولنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قدوة حسنة فقد حث الرسول صلّى الله عليه وسلّم الصحابة على الإنفاق في غزوة تبوك ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله ومن طرق الحث على الجهاد كذلك القصائد والمقالات التي تبين فضل الدفاع عن الدين والأوطان.   10_ تقديم نصائح طبية للمرضى _ لتخفيف معاناتهم مع المرض _ أو طرق الوقاية من الأمراض لغير المرضى.   11_ تقديم نصائح للآباء والأمهات وللمربين تساعدهم في تربية النشء التربية الصحيحة كي ينفعوا أمّتهم ويُدافعوا عن دينهم وأوطانهم.   12_ الحث على طلب العلم والترغيب في العمل والإنتاج للرقي بالأمة الإسلامية واستعادة أمجادها.   13_الإصلاح بين المتخاصمين ومُلاطفة الزوجة والأبناء.   14_ كلمات الثناء على التلاميذ تترك أثرا طيبا في نفوس التلاميذ وتقوي الروابط بين المعلم وتلاميذه.   ♦ الكلام قد يكون من الشخص مباشرة أو الاستماع اليه من خلال تسجيل صوتي أو قراءة لكلماته من خلال مقالاته أو كتبه ; فكم من الكلمات المقروءة والمسموعة كانت سبباً في الهداية وصلاح الحال. ♦ الكلمة الطيبة لا تكلف مالاً أو جهداً لكنها تترك أثراً طيباً مثل: جزاك الله خيراً، ويعطيك العافية. ♦ ما أجمله من ردّ عندما يقول لك أحد كبار السِّن: الله يجبر بخاطرك يا ابني! وما ذلك إلا لأنك أدخلت السرور الى قلبه بطيب كلامك وحسن فِعالك. ♦ لماذا كانت الكلمة الطيبة صدقة؟ للكلمة الطيبة أثر كبير في انشراح صدر قائلها أولاً ولها تأثير كبير على من وُجهت له ; فإن كان مهموما خففتْ عنه وإن كان تلميذاً ضعيفا في دراسته دفعته للمثابرة بعد ان كان محبطا من كلام الآخرين وإن كان مريضاً أدخَلَت السُّرورَ إلى قلبه وإن كان عدواً أكسبتك ُودَّه.   النوع الثاني: الكلام الخبيث من أمثلته: 1-شهادة الزور قال القرطبي رحمه الله: شهادة الزور: هي الشهادة بالكذب؛ ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس، أو أخذ مالٍ، أو تحليل حرامٍ، أو تحريم حلال. وهي من الكبائر قال تعالى :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) سورة الحـج (30). وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله وعقوق الوالدين»، وكان متكئًا فجلس فقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور»، قال: فمازال يقولها حتى قلت لا يسكت (متفق عليه).   شاهد الزور ظلم نفسه بارتكابه كبيرة وظلم من شهد عليه بالزور بأن كانت شهادته السبب في سلبه لحقه أو ماله او عرضه أو حياته وأعطاها لمن لا يستحق.   2- السخرية السخرية تعني: الاستهانة والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يُضحَك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل، وقد يكون بالإشارة والإيماء. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) الحجرات (11) يُحذر الله - عز وجل - عباده المؤمنين من هذه الصفة الذميمة ويبين لهم بأنّ الخيرية تقوم على الإيمان والعمل لا الظَّواهر.   الدافع على السخرية غالبا يكون بسبب الكِبر أو الجهل والغفلة ;فكلمة استهزاء على سبيل التلهي بحق فقير أو مريض مصاب بعاهة دائمة أو بسبب شكل صورته توقع صاحبها في الإثم وتجرح مشاعر الآخرين وتُوقع العداوة والبغضاء بين أفراد المُجتمع.   3- الغيبة: عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره.
قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)
)
رواه مُسلم.
فالغيبة أن يتكلم إنسان خلف إنسان مستور بما يكره أو يغمّه لو سمعه وإن كان فيه ;فإن كان صدقاً كان غيبة وإن كان كذباً كان بهتاناً أي افتراء.
وتكون الغيبة كذلك بالإشارةٍ، أو المحاكاةٍ الغيبة من الكبائر فهي سبب من أسباب الكراهية والبغضاء بين الناس كما أنَّها محبطة للعمل والحسنات يوم القيامة شبَّه الله - عز وجل - المغتاب بآكل لحم أخيه ميتاً للتنفير منها قال تعالى:- (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) الحجرات( 12).   وأي عاقل يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً؟!. هناك حالات مستثناة تجوز فيها الغيبة، جمعها بعضهم بيتين، فقال: الذم ليس بغيبة في ستة = متظلم ومُعرِّف ومحذرِ ولمظهر فسقا ومستفت ومَنْ = طلب الإعانة في إزالة منكرِ   4- النميمة: النمام يقوم بنقل الكلام بين طرفين (أفراداً كانوا أم جماعات) على سبيل الإفساد ; فتفسد العلاقات وهي كبيرة من الكبائر التي يعجل الله عز وجل لصاحبها العقوبة في قبره.   مرَّ النبي صلّى الله عليه وسلم بقبرين فقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول" متفق عليه.   5- اللعن والسَّب والشتم وقد حذرنا رسول الله من هذه الصِّفات الذميمة، ففي الحديث الذي يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء)) لما تُسببه من البغضاء بين الأفراد. يُخطئ بعض الآباء بمناداة أبنائه بأقبح الألقاب أو شتمهم في البيت وأمام الآخرين ولا شك أنَّه ينعكس سلباً على سلوك الأبناء ونفسياتهم.   6- ومن الكلام القبيح كذلك المن بالعطية (الصَّدقة) فإنَّه يوغر الصدور ويبطل أجر الصدقة.   متفرفات: قال تعالى: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) سورة ق (18). 1- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ" رواه البخاري.
الحديث فيه دعوة لمداومة التفكر فيما نتكلم حتى نسلم. 2- كان السلف الصالح يتحرج من التأوُّه خشية ان يكتب عليه فكيف بمن يتسخط على أقداره؟! 3- كلامنا كالتجارة: ربح أو خسارة. 4- قد يميز شخص عن آخر لسانه فهناك من يوصف بأنّه عفيف اللسان (لا يتكلّم إلاّ كلامًا طيبًا) ومن يوصف بأنّه سليط اللِّسان (كلامه بذيء، فاحش) 5- اللسان يعبر عمَّا في القلب فغالبية الكلام الخبيث يكون بدافع الحقد والكراهية والحسد. أعاذني الله وإيّاكم من هذه الصفات الذميمة ومن كل كلمة توقعنا في معصية الخالق وتوردنا المهالك 6- اللسان ثغر خطير ينبغي علينا أن نتفانى في حراسته من وساوس الشيطان.   أسأل الله عز وجل أن يجعل كلامنا كالغيث الذي يروى الأرض الميتة فيحييها - بإذن ربها – بالزرع.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣