دعوة للتفاؤل
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
دعوة للتفاؤلالإنسان في هذه الدنيا يتقلَّب بين أقدار الله عز وجل: فقر وغنى، وسعادة وشقاء، وإقبال وإدبار من جميع النواحي، والدنيا لا تدوم على حال، ولا تصفو لأحد، والدار الآخرة هي النعيم المقيم الذي لا يزول ولا ينقضي، قال الشاعر:
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها *** صفوًا من الأقذاءِ والأكدارِ
أخي الحبيب، هذه رسالةٌ إلى مَنْ ضاقَتْ عليه الأرضُ بما رحبت، وإلى مَنْ يشكو من زوجة أو ولد، أو قد آذاهُ أقاربُهُ وجيرانه، وإلى مَنْ تغيَّرَتْ عليه أحوال الناس..
إلى مَنْ يعيش تلك المشكلات:
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وقال تعالى: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29]، وقال تعالى: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 6].
وقد صف الله عز وجل الحياة الدنيا في آيات كثيرة منها:
قوله تعالى: ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾ [غافر: 39]، وقال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، وقال عز وجل: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].
فانظر إلى قدوتك محمد - صلى الله عليه وسلم - وتقلُّب أحواله في هذه الدنيا:
عاش يتيمًا، طرد من أهله وعشيرته، رمي بالحجارة عند دعوته لأهل الطائف حتى سال الدمُ منه صلى الله عليه وسلم، قيل: إنه ساحر وكاهن، ورموهُ بقول الشعر والجنون.
وفي غزوة أُحد كُسِرَتْ رباعيته صلى الله عليه وسلم، وشُجَّ جبينه والدم يسيل على وجهه صلى الله عليه وسلم، ووضع سلى الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم، وهو ساجد بين الركنين عند الكعبة، وربطَ الحجر على بطنه من شدة الجوع صلى الله عليه وسلم.
يمرُّ الشهر والشهران ولم توقد في بيته نار؛ بل كان طعامُهُ الأسودان: الماء، والتمر، ويوضع في طريقه صلى الله عليه وسلم الأشواك والأحجار، وكان حين يصلي النافلة في بيته، يغمز رجلي عائشة رضي الله عنه؛ ليتمكَّن من السجود من ضيق غرفته، فإن ذلك تسلية للمحزون.
دعوة للتفاؤل:
بعد الظلام نورٌ، وبعد التعب راحة، بعد المرض عافية، وبعد الفقر غنى، وبعد الضيق فرج، وبالصبر والتجلُّد ينال المرء ما يطلب، ومن المحال دوام الحال.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعجبهُ الفأل)، والفأل: هو تأميل الخير، وإحسان الظن بالله عز وجل، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمِعَ اسمًا حسنًا، انشرح صدره لذلك، ولما أقبل سهيل بن عمرو رضي الله عنه في قصة الحديبية؛ ليتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ورآه مقبلًا، قال صلى الله عليه وسلم: ((لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ))، وكان كما أمَّل صلى الله عليه وسلم، فكان مجيئُه سببَ خيرٍ.
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كثير من الناس إذا رأى المنكر، أو تغير كثير من أحوال الناس، جزع وناح كما ينوح أهل المصائب وهو منهيٌّ عن هذا؛ بل هو مأمورٌ بالصبر والتوكُّل والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بأن الله مع الذين اتقوا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((بدأ الإسلام غريبًا، ثم يعود غريبًا كما بدأ)).