أرشيف المقالات

حكم المرتد في الإسلام

مدة قراءة المادة : 106 دقائق .
حكم المرتد في الإسلام


قوله: "باب حكم المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه طوعًا، ولو مميزًا أو هازلًا بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل..." إلى آخره[1].

قال في "المقنع": "باب حكم المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه، فمن أشرك بالله، أو جحد ربوبيته، أو وحدانيته، أو صفة من صفاته، أو اتخذ لله صاحبة أو ولدًا، أو جحد نبيًا، أو كتابًا من كتب الله تعالى، أو شيئًا منه، أو سب الله تعالى أو رسوله؛ كفر، ومن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئًا منها، أو أحل الزنى أو الخمر أو شيئًا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها لجهل عُرِّف ذلك، وإن كان ممن لا يجهل ذلك كَفر، وإن ترك شيئًا من العبادات الخمس تهاونًا لم يكفر.

وعنه[2]: يكفر إلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال، فمن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وهو بالغ عاقل دُعي إليه ثلاثة أيام وضيق عليه، فإن لم يتُب قُتل.

وعنه[3]: لا تجب استتابته، بل تُستحب، ويجوز قتله في الحال، ويُقتل بالسيف، ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه، فإن قتله غيره بغير إذنه أساء وعزِّر، ولا ضمان عليه، سواء قتله قبل الاستتابة أو بعدها.

وإن عقل الصبي الإسلام صح إسلامه وردته، وعنه[4]: يصح إسلامه دون ردته، وعنه[5]: لا يصح شيء منهما حتى يبلغ[6] "1026ب"، والمذهب[7]: الأول.

وإن أسلم ثم قال: لم أدر ما قلت، لم يُلتفت إلى قوله، وأجبر على الإسلام، ولا يُقتل حتى يبلغ يجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه، فإن ثبت على كفره قُتل، ومن ارتد وهو سكران لم يقتل حتى يصحو وتتم له ثلاثة أيام من وقت ردته، فإن مات في سُكره مات كافرًا، وعنه[8]: لا تصح ردَّته.

وهل تُقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته أو من سبَّ الله تعالى أو رسوله والساحر؟ على روايتين:
إحداهما[9]: لا تُقبل توبته ويقتل بكل حال.
والأخرى[10]: تقبل توبته كغيره.
وتوبة المرتد إسلامه، وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا أن تكون ردته بإنكار فرض، أو إحلال محرم، أو جحد نبي أو كتاب، أو إلى دين من يعتقد أن محمدًا بُعث إلى العرب خاصة، فلا يصح إسلامه حتى يُقر بما جحده، ويشهد أن محمدًا بُعث إلى العالمين، أو يقول: أنا بريء من كل دين يُخالف دين الإسلام.

وإذا مات المرتد فأقام وارثه بينته أنه صلى بعد الردة حُكم بإسلامه، ولا يبطل إحصان المسلم بردته، ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام.

فصل: ومن ارتد لم يزل ملكه، بل يكون موقوفًا وتصرفاته موقوفة، فإن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته، وإلا بطلت، وتُقضى ديونه وأروش جناياته، ويُنفق على من تلزمه مؤنته، وما أتلف من شيء ضمنه، ويتخرج في الجماعة الممتنعة ألا تضمن ما أتلفته.

وقال أبو بكر: يزول ملكه بردته، ولا يصح تصرفه، وإن أسلم رُد إليه تمليكًا مستأنفًا، وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات؟ على روايتين[11] "1027أ".

وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قُدر عليهما لم يجز استرقاقهما، ولا استرقاق أولادهما الذين وُلدوا في دار الإسلام، ومن لم يُسلم منهم قتل، ويجوز استرقاق من ولد بعد الردة، وهل يُقرون على كُفرهم على روايتين[12]"[13].

قال في "الحاشية": "قوله: أو صفة من صفاته، قال ابن عقيل في "الفصول": أو جحد صفة من صفاته المتفق على إثباتها.
قوله: أو سبَّ الله أو رسوله...
إلى آخره.
قال الشيخ تقي الدين[14]: وكذا لو كان مُبغضًا لرسوله، أو لما جاء به، اتفاقًا.
تنبيه: إنما يكفر إذا أتى بذلك طوعًا ولو هازلًا، وكان ذلك بعد أن أسلم طوعًا، وقيل: وكرهًا.

فوائد: قال الشيخ تقي الدين[15]: وكذا الحكم لو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم، إجماعًا، قال جماعة من الأصحاب[16]: أو سجد لشمس أو قمر.

قال في "الترغيب": "أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين، وقيل: أو كذب على نبي، أو أصرَّ في دارنا على خمر أو خنزير غير مُستحل".
قال في "الإقناع": "أو ادعى النبوة أو صدق من ادعاها، أو جحد الملائكة".

قال في "شرحه": "أو واحدًا ممن ثبت أنه ملك أو البعث أو استهزأ بالله أو كتبه أو رسله، أو وجد منه امتهان القرآن، أو طلب تناقضه، أو دعوى أنه مُختلف أو مختلق، أو مقدور على مثله، أو إسقاط لحرمته، أو أنكر الإسلام أو الشهادتين، أو إحداهما، كفر لا من حكى كفرًا سمعه، ولا يعتقده، أو نطق بكلمة الكفر ولا يعلم معناها، ولا من جرى على لسانه سبقًا من غير قصد لشدة فرح أو دهش، أو غير ذلك، كقول من أراد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فقال: عبدي وأنا ربك "1027ب".

قال: ومن أطلق الشارع كفره كدعواه لغير أبيه، وكمن أتى عرَّافًا فصدقه بما يقول، تشديد، وكفرٌ دون كفر لا يخرج به عن الإسلام، قال شارحه: وقيل: كفر نعمة، وقيل: قارب الكفر، وعنه[17]: يجب الوقف، ولا يُقطع بأنه لا ينقل عن الملة.

وقال القاضي وجماعة من العلماء في قوله: "من أتى عرافًا فصدقه فقد كفر بما أنزل الله على محمد"[18]، أي: جحد تصديقه بكذبهم، وقد يكون على هذا إذا اعتقد تصديقهم بعد معرفته بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لهم كفر حقيقة.
انتهى.
ومنهم: من حمل ذلك على من فعله مُستحلًا، وأنكر القاضي جواز إطلاق كفر النعمة على أهل الكبائر.

وقال الشيخ[19]: من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، أو أن الله يُعبد فيها، أو أن ما يفعل اليهود والنصارى عبادة لله، وطاعة له ولرسوله، أو أنه يُحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، واعتقد أن ذلك قربة وطاعة فهو كافر.

وقال[20]: من اعتقد أن لأحد طريقًا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو لا يجب عليه اتباعه وأن له أو لغيره خروجًا عن اتباعه وعن أخذ ما بعث به، أو قال: أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر دون علم الباطن، أو إلى علم الشريعة دون علم الحقيقة، وقال: إن من الأولياء من يسعه الخروج عن شريعته، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، أو أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، فهو كافر.

قال: ومن قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف، ومن سبَّ غيرها من أزواجه صلى الله عليه وسلم ففيه قولان[21]:
أحدهما: أنه كسب واحد من الصحابة.
والثاني وهو الصحيح: أنه كقذف عائشة "1028أ".
وأما من سبهم سبًا لا يقدح في عدالتهم ولا دينهم مثل وصف ببخل أو جُبن أو قلة علم، أو عدم زهد ونحوه، فهذا يستحق التأديب والتعزير ولا يُكفر، وأما من لعن وقبَّح مُطلقًا فهذا محل الخلاف، يعني: هل يُكفر أو يفسق؟

قوله: وإن ترك شيئًا من العبادات الخمس تهاونًا لم يُكفر - يعني: إذا عزم على ألا يفعله أبدًا - استتيب وجوبًا، فإن أصر لم يكفر ويقتل حدًا.
وعنه[22]: يكفر بالجميع، نقلها أبو بكر واختارها هو وابن عبدوس.
وعنه[23]: يختص الكفر بالصلاة، وهو الصحيح من المذهب[24].

قوله: وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات؟ على روايتين:
إحداهما: لا يلزمه، وهو المذهب[25].
والثانية[26]: يلزمه، صححه في "التصحيح"، وجزم به في "الوجيز"، فعلى هذه: لو جُن بعد ردته لزمه قضاء العبادة زمن جنونه على الصحيح من المذهب، فيعايا بها، ومفهومه: يلزمه ضمان ما ترك من العبادات قبل ردَّته، وهو المذهب[27].
وعنه[28]: لا يلزمه، اختاره في "الفائق"[29].

وقال في "الإفصاح": "باب المرتد والزنديق، واختلفوا فيما إذا انتقل الذمي من دين إلى دين آخر من أديان الكفر:
فقال أبو حنيفة[30] ومالك[31]: لا يُتعرض له ويُقر بكل حال.
وقال أحمد في إحدى روايتيه[32]: لا يُقبل منه سوى الإسلام، سواء كان مثل دينه كاليهودي يتنصر، أو أعلى منه كالمجوسي يتهود.

وعه رواية أخرى: أنه إن انتقل إلى مثل دينه أقر، وإن انتقل إلى أنقص من دينه كاليهودي يتمجس لم يُقر[33]، وعن الشافعي[34] قولان:
أحدهما: أنه لا يُقبل منه بعد انتقاله إلا الإسلام أو القتل.
واتفقوا على أن المرتد عن الإسلام يجب عليه القتل[35]، ثم اختلفوا هل يتحتم عليه القتل في الحال، أو يقف على استتابته؟ وهل استتابته واجبة أم لا؟ وإذا استتيب ولم يتب "1028ب" هل يؤجل بعد استتابته أم لا؟

فقال أبو حنيفة[36]: لا تجب استتابته، ويقتل في الحال إلا أن يطلب أن يؤجل فيؤجل ثلاثًا، ومن أصحابه من قال: يُؤجل وإن لم يطلب، استحبابًا.

وقال مالك[37]: تجب استتابته، فإن تاب في الحال قُبلت توبته، وإن لم يتب فإنه يُؤجل للاستتابة ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قُتل.

وعن الشافعي[38] في وجوب الاستتابة قولان: أظهرهما: وجوبها، وعنه[39] في التأجيل قولان:
أحدهما: يُؤجل، والثاني: لا يُؤجل وإن طلب، ويُقتل في الحال، وهو الأظهر منهما.
وقال أحمد في إحدى روايتيه[40] كمذهب مالك والأخرى[41]: لا تجب استتابته ويقتل، وأما التأجيل فلا يختلف مذهب في وجوبه ثلاثًا.

واختلفوا في قتل المرتدة:
فقال مالك[42] والشافعي[43] وأحمد[44]: تُقتل كالمرتد.
وقال أبو حنيفة[45]: تُحبس ولا تُقتل.
واتفقوا على أن الزنديق الذي يُسر الكفر و يُظهر الإسلام يقتل[46]، ثم اختلفوا فيما إذا تاب، هل تُقبل توبته كالمرتد أم لا؟
فقال أبو حنيفة[47] في أظهر الروايتين عنه، وكذلك قال مالك[48] وأحمد[49] في أظهر الروايتين عنه: لا تُقبل توبته.
وقال الشافعي[50] وأبو حنيفة[51] وأحمد[52] في الروايتين الأخريين عنهما: تُقبل توبته.

واختلفوا هل تصح ردة الصبي إذا كان مميزًا؟
فقال أبو حنيفة[53] ومالك[54] في الظاهر من مذهبه وأحمد[55]: تصح.
وقال الشافعي[56]: لا تصح، وعن أحمد[57] مثله.
واختلفوا فيما إذا ارتد أهل بلد وجرى فيه حكمهم، هل تصير البلدة التي هم فيها "1029أ" دار حرب؟
فقال أبو حنيفة[58]: لا تصير دار الإسلام دار حرب حتى تجتمع بها ثلاث شرائط: ظهور أحكام الكفر، وألا يبقى فيها مسلم ولا ذمي بالأمان الأصلي، وأن تكون متاخمة لدار الحرب.

والظاهر من مذهب مالك[59]: أن بظهور أحكام الكفر في بلدة تصير دار حرب، وهو مذهب الشافعي[60] وأحمد[61].

واتفقوا على أنه تغنم أموالهم، فأما ذراريهم[62]، فقال أبو حنيفة[63] ومالك[64]: إن ذراريهم الذين حدثوا بعد الردة لا يُسترقون، بل يُجبرون على الإسلام إذا بلغوا، فأما ذراري ذراريهم فيُسترقون.
وقال أحمد[65]: تُسترق ذراريهم وذراري ذراريهم.

وعن الشافعي[66] في استرقاقهم قولان.
فإن لم يُسلموا، فقال مالك[67]: يقتلون، وقال أبو حنيفة[68]: يُحبسون ويتعاهدون بالضرب جذبًا إلى الإسلام"[69].
وقال ابن رشد: "باب في حكم المرتد، والمرتد إذا ظفر به قبل أن يحارب، فاتفقوا على أنه يُقتل الرجل[70]؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "من بدَّل دينه فاقتلوه"[71].

واختلفوا في قتل المرأة، وهل تُستتاب قبل أن تُقتل؟
فقال الجمهور: تُقتل المرأة[72].
وقال أبو حنيفة[73]: لا تُقتل، وشبهها بالكافرة الأصلية.
والجمهور اعتمدوا العموم الوارد في ذلك.
وشذَّ قوم فقالوا: تُقتل وإن راجعت الإسلام.
وأما الاستتابة: فإن مالكًا[74] شرط في قتله ذلك على ما رواه عن عمر[75].
وقال قومٌ: لا تُقبل توبته.

وأما إذا حارب المرتد ثم ظهر عليه فإنه يُقتل بالحِرابة ولا يُستتاب، كانت حرابته بدار الإسلام، أو بعد أن لحق بدار الحرب إلا أن يُسلم، وأما إذا أسلم المرتد المحارب بعد أن أُخذ أو قبل أن يُؤخذ، فإنه يختلف في حكمه "1029ب".

فإن كانت حرابته في دار الحرب فهو عند مالك[76] كالحربي يسلم، لا تباعة عليه في شيء مما فعل في حال ارتداده، وأما إن كانت حرابته في دار الإسلام: فإنه يسقط إسلامه عنه حكم الحِرابة خاصة، وحكمه فيما جنى حكم المرتد إذا جنى في ردته في دار الإسلام ثم أسلم، وقد اختلف أصحاب مالك[77] فيه: فقال: حكمه حكم المرتد، من اعتبر يوم الجناية، وقال: حكمه حكم المسلم، من اعتبر يوم الحكم.

وقد اختلف في هذا الباب في حكم الساحر:
فقال مالك[78]: يُقتل كفرًا، وقال قوم: لا يُقتل، والأصل: ألا يُقتل إلا مع الكفر"[79].
وقال في "الاختيارات": "باب حكم المرتد، والمرتد من أشرك بالله تعالى، أو كان مُبغضًا للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لما جاء به، أو ترك إنكار منكر بقلبه، أو توهم أن أحدًا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار، أو أجاز ذلك، أو أنكر مجمعًا عليه إجماعًا قطعيًا، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم.

ومن شك في صفةٍ من صفات الله تعالى - ومثله لا يجهلها - فمُرتد، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد؛ ولهذا لم يُكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته؛ لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة، ومنه قول عائشة رضي الله عنها: مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال[80]: "نعم"[81].

وإذا أسلم المرتد عصم دمه وماله وإن لم يحكم بصحة إسلامه حاكم، باتفاق الأئمة[82]، بل مذهب الإمام أحمد[83] المشهور عنه وهو قول أبي حنيفة[84] والشافعي[85]: أن من شهد عليه بالردة فأنكر، حكم بإسلامه، ولا يحتاج أن يقر بما شهد عليه به "1030أ".

وقد بين الله تعالى أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع.
ومن شفع عنده في رجل فقال: لو جاء النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيه ما قبلت منه، إن تاب بعد القُدرة عليه قُتل لا قبلها في أظهر قولي العلماء فيهما.

ولا يضمن المرتد ما أتلفه بدار الحرب، أو في جماعة مرتدة ممتنعة، وهو رواية عن أحمد[86] اختارها الخلال وصاحبه.
والتنجيم كالاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية هو من السحر، ويحرم إجماعًا[87]، "وأقر أول المنجمين وآخرهم[88]" أن الله يدفع عن أهل العبادة والدعاء ببركة ذلك ما زعموا أن الأفلاك توجبه، وأن لهم من ثواب الدارين ما لا تقوى الأفلاك أن تجلبه.

وأطفال المسلمين في الجنة إجماعًا[89]، وأما أطفال المشركين فأصح الأجوبة فيهم ما ثبت في "الصحيحين": أنه سُئل عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"[90]، فلا نحكم على معين منهم لا بجنة ولا نار، ويروى: أنهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار، وقد دلَّت الأحاديث الصحيحة على أن بعضهم في الجنة وبعضهم في النار، والصحيح في أطفال المشركين أنهم يُمتحنون في عرصات القيامة[91]"[92].

وقال البخاري: "بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم وإثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة".

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].

حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [الأنعام: 82]، شقَّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بُظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس بذلك، ألا تسمعون إلى قول لقمان: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13] "1030ب"[93].

حدثنا مُسدد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا الجريري.
وحدثني قيس بن حفص، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا سعيد الجريري، حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور وشهادة الزور"، ثلاثًا أو "قول الزور"، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت[94].

حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم، أخبرنا عبيد الله "بن موسى"[95]، أخبرنا شيبان، عن فِراس، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: "الإشراك بالله"، قال: ثم ماذا؟ قال: "ثم عقوق الوالدين"، قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمين الغموس"، قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: "الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب"[96].

حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: "من أحسن في الإسلام لم يُؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر"[97]".

قال الحافظ: "قوله: "باب إثم من أشرك بالله تعالى وعقوبته في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].

قال ابن بطال[98]: الآية الأولى دالة على أنه لا إثم أعظم من الشرك، وأصل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، فالمشرك: أصل من وضع الشيء في غير موضعه؛ لأنه جعل لمن أخرجه من العدم إلى الوجود مُساويًا، فنسب النعمة إلى غير المُنعم بها، والآية الثانية خُوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد: غيره، والإحباط المذكور مُقيد بالموت على الشرك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ [البقرة: 217] "1031أ".

وذكر فيه أربعة أحاديث:
الأول: حديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾، وقد مضى شرحه في كتاب الإيمان، قال الطيبي: المراد بالذين آمنوا: أعم من المؤمن الخالص وغيره، قال: وأما معنى اللبس: فلبس الإيمان بالظلم: أن يصدق بوجود الله ويخلط به عبادة غيره، ويؤيده قوله تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، وعرف بذلك مناسبة ذكرها في أبواب المرتد، وكذلك الآية التي صدر بها، وأما الآية الأخرى فقالوا: هي قضية شرطية، ولا تستلزم الوقوع، وقيل: الخطاب له، والمراد: الأمة، والله أعلم.
انتهى ملخصًا.

الثاني: حديث أبي بكرة في أكبر الكبائر، وقد مضى شرحه في الشهادات وفي عقوق الوالدين.

الثالث: حديث عبد الله بن عمرو في ذكر الكبائر أيضًا، وقد تقدم شرحه في باب اليمين الغموس.

الرابع: حديث ابن مسعود: قوله: "ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر"، قال الخطابي: ظاهره خلاف ما أجمعت عليه الأمة: أن الإسلام يجب ما قبله[99]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38]، قال: ووجه هذا الحديث أن الكافر إذا أسلم لم يؤاخذ بما مضى، فإن أساء في الإسلام غاية الإساءة وركب أشد المعاصي، وهو مستمر على الإسلام، فإنه إنما يؤاخذ بما جناه من المعصية في الإسلام، ويُبكت بما كان منه في الكفر، كأن يقال له: ألست فعلت كذا وأنت كافر، فهلا منعك إسلامك عن معاودة مثله؟! انتهى ملخصًا.

وحاصله: أنه أول المؤاخذة في الأول بالتبكيت، وفي الآخر بالعقوبة، والأولى قول غيره: إن المراد بالإساءة الكفر؛ لأنه غاية الإساءة وأشد المعاصي، فإذا ارتد ومات على كفره كان كمن لم يسلم فيعاقب على جميع ما قدمه، وإلى ذلك أشار البخاري بإيراد هذا الحديث بعد حديث أكبر الكبائر الشرك، وأورد كلًا في أبواب المرتدين.

ونقل ابن بطال[100]، عن المهلب "1031ب"، قال: معنى حديث الباب: من أحسن في الإسلام بالتمادي على محافظته، والقيام بشرائطه لم يُؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام - أي: في عقيدته - بترك التوحيد أُخذ بكل ما أسلفه.

قال ابن بطال[101]: فعرضته على جماعة من العلماء فقالوا: لا معنى لهذا الحديث غير هذا، ولا تكون الإساءة هنا إلا الكفر؛ للإجماع على أن المسلم لا يُؤاخذ بما عمل في الجاهلية[102].

قال الحافظ: وبه جزم المُحب الطبري، ونقل ابن التين عن الداودي معنى: من أحسن مات على الإسلام، ومن أساء مات على غير الإسلام، وعن أبي عبد الملك البوني: معنى من أحسن في الإسلام، أي: أسلم إسلامًا صحيحًا لا نفاق فيه ولا شك، ومن أساء في الإسلام، أي: أسلم رياءً وسمعةً، وبهذا جزم القرطبي[103].

ولغيره: معنى الإحسان: الإخلاص حين دخل فيه، وداوم عليه إلى موته، والإساءة بضد ذلك، فإنه إن لم يخلص إسلامه كان منافقًا، فلا ينهدم عنه ما عمل في الجاهلية فيضاف نفاقه المتأخر إلى كفره الماضي، فيعاقب على جميع ذلك.

قال الحافظ: وحاصله: أن الخطابي حمل قوله: في الإسلام، على صفة خارجة عن ماهية الإسلام، وحمله غيره على صفة في نفس الإسلام، وهو أوجه.

تنبيه: حديث ابن مسعود هذا يقابل حديث أبي سعيد الماضي في كتاب الإيمان مُعلقًا عن مالك، فإن ظاهر هذا: أن من ارتكب المعاصي بعد أن أسلم يُكتب عليه ما عمله من المعاصي قبل أن يُسلم، وظاهر ذلك: أن من عمل الحسنات بعد أن أسلم يُكتب له ما عمله من الخيرات قبل أن يُسلم، وقد مضى القول في توجيه الثاني عند شرحه، ويحتمل أن يجيء هنا بعض ما ذكر هناك كقول من قال: إن معنى كتابة ما عمله "1032أ" من الخير في الكفر: أنه كان سببًا لعمله الخير في الإسلام، ثم وجدت في كتاب "السنة" لعبد العزيز بن جعفر - وهو من رؤوس الحنابلة - ما يدفع دعوى الخطابي وابن بطال الإجماع الذي نقلاه، وهو ما نقل عن الميموني عن أحمد أنه قال: بلغني أن أبا حنيفة يقول: إن من أسلم لا يُؤاخذ بما كان في الجاهلية، ثم رد عليه بحديث ابن مسعود، ففيه: أن الذنوب التي كان الكافر يفعلها في جاهليته إذا أصرَّ عليها في الإسلام، فإنه يؤاخذ بها؛ لأنه بإصراره لا يكون تاب منها، وإنما تاب من الكفر، فلا يسقط عنه ذنب تلك المعصية؛ لإصراره عليها، وإلى هذا ذهب الحليمي من الشافعية.

وتأول بعض الحنابلة قوله: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38]، على أن المراد: ما سلف مما انتهوا عنه، قال: والاختلاف في هذه المسألة "مبني[104]" على أن التوبة: هي الندم على الذنب مع الإقلاع عنه، والعزم على عدم العود إليه، والكافر إذا تاب من الكفر ولم يعزم على عدم العود إلى الفاحشة لا يكون تائبًا منها، فلا تسقط عنه المطالبة بها.

والجواب عن الجمهور: أن هذا خاص بالمسلم، وأما الكافر: فإنه يكون بإسلامه كيوم ولدته أمه، والأخبار دالة على ذلك، كحديث أسامة لما أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قتل الذي قال: لا إله إلا الله حتى قال في آخره: حتى تمنيت أني كنت أسلمت يومئذ[105]"[106].

وقال البخاري أيضًا: "باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم".
وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم: تُقتل المرتدة.
وقال الله تعالى: ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ﴾ [آل عمران: 86 - 90] "1032ب".

وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100].

وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 137].

وقال: ﴿ مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54] ﴿ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ ﴾ [النحل: 106 - 109] "يقول: حقًا" ﴿ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾...
إلى قوله: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 110] ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217].

حدثنا أبو النعمان - محمد بن الفضل - حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: أُتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله[107]" ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"[108].

حدثنا مُسدد، حدثنا يحيى، عن قُرة بن خالد، حدثني حُميد بن هلال، حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل، فقال: "يا أبا موسى" - أو "يا عبد الله بن قيس" - قال: قلت: والذي بعثك بالحق، ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر "1033أ" إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: "لن - أو لا - نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أيا موسى - أو يا عبد الله بن قيس - إلى اليمن".

ثم اتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، فإذا رجل عنده مُوثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله.
ثلاث مرات، فأمر به فقُتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي"[109].

قال الحافظ: "قوله: "باب حكم المرتد والمرتدة، أي: هل هما سواء أم لا؟".
قال ابن المنذر[110]: وقال الجمهور[111]: تُقتل المرتدة، وقال علي: تُسترق، وقال عمر بن عبد العزيز: تُباع بأرض أخرى، وقال الثوري: تُحبس ولا تقتل، وأسنده عن ابن عباس، قال: وهو قول عطاء، وقال أبو حنيفة[112]: تُحبس الحُرة ويؤمر مولى الأمة أن يُجبرها.
قوله: وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم - يعني: النخعي -: تُقتل المرتدة...

إلى أن قال: ومقابل قول هؤلاء حديث ابن عباس: لا تُقتل النساء إذا هن ارتددن، رواه أبو حنيفة، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، أخرجه ابن أبي شيبة والدارقطني[113]، وخالفه جماعة من الحفاظ في لفظ المتن.
وأخرج الدارقطني، عن ابن المنكدر، عن جابر: أن امرأة ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها[114]، وهو يُعكر على ما نقله ابن الطلاع في "الأحكام": أنه لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل مرتدة.

قوله: قال الله تعالى: ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ ﴾....
إلى قوله: ﴿ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾...
إلى آخرها [آل عمران: 86 - 90]...

إلى أن قال: وقد أخرج النسائي - وصححه ابن حبان - عن ابن عباس كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد، ثم ندم وأرسل إلى قومه فقالوا: يا رسول الله، هل له من توبة؟ فنزلت: ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا ﴾...
إلى قوله: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾ فأسلم[115] "1033ب".

قوله: وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾.
قال عكرمة: نزلت في شاس بن قيس اليهودي دسَّ على الأنصار من ذكرهم بالحروب التي كانت بينهم، فتمادوا يقتتلون، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فذكرهم فعرفوا أنها من الشيطان فعانق بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا سامعين مطيعين، أخرجه إسحاق في "تفسيره" مُطولًا.
وفي هذه الآية: الإشارة إلى التحذير عن مصادقة أهل الكتاب؛ إذ لا يؤمنون أن يفتنوا من صادقهم عن دينه.

قوله: وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ﴾، وقد استدل بها من قال: لا تُقبل توبة الزنديق، كما سيأتي تقريره.

قوله: ﴿ مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾، ووقع في رواية أبي ذر: "من يرتدد" بدالين، وهي قراءة ابن عامر[116].

قوله: ﴿ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ﴾...
إلى: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾، كذا لأبي ذر، وساق في رواية كريمة الآيات كلها، وهي حجة لعدم المؤاخذة بما وقع حالة الإكراه.

قوله: ﴿ لَا جَرَمَ ﴾ يقول: حقًا ﴿ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾...
إلى: ﴿ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، والمراد: أن معنى: لا جرم: حقًا، وهو كلام أبي عبيدة، وفي الآية وعيد شديد لمن ارتد مختارًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ﴾...
إلى آخره.

قوله: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾...
إلى قوله: ﴿ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾، كذا لأبي ذر، وساق في رواية كريمة الآيات كلها والغرض منها.

قوله: ﴿ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ﴾...
إلى آخرها، فإنه يقيد مُطلق ما في الآية السابقة: ﴿ مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ﴾...
إلى آخرها.

قال ابن بطال[117]: اختُلف في استتابة المرتد:
فقيل: يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل "1034أ"، وهو قول الجمهور[118].
وقيل: يجب قتله في الحال، جاء ذلك عن الحسن وطاوس، وبه قال أهل الظاهر[119].

قال الحافظ: ونقله ابن المنذر[120]، عن معاذ وعبيد بن عمير، وعليه يدل تصرف البخاري، فإنه استظهر بالآيات التي لا ذكر فيها للاستتابة، والتي فيها أن التوبة لا تنفع، وبعموم قوله: "من بدل دينه فاقتلوه"[121]، وبقصة معاذ التي بعدها، ولم يذكر غير ذلك.

قال الطحاوي[122]: ذهب هؤلاء إلى أن حكم من ارتد عن الإسلام حكم الحربي الذي بلغته الدعوة، فإنه يُقاتل من قبل أن يُدعى، قالوا: وإنما تشرع الاستتابة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة، فأما من خرج عن بصيرة فلا.
ثم نقل عن أبي موسى موافقتهم، لكن قال: إن جاء مبادرًا بالتوبة خليت سبيله ووكلت أمره إلى الله تعالى.

وعن ابن عباس وعطاء: إن كان أصله مُسلمًا لم يُستتب وإلا استتيب، واستدل ابن القصار لقول الجمهور بالإجماع - يعني: السكوتي - لأن عُمر كتب في أمر المرتد: هلا حبستموه ثلاثة أيام، وأطعمتموه في كل يوم رغيفًا؛ لعله يتوب فيتوب الله عليه[123].

قال: ولم يُنكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدَّل دينه فاقتلوه"، أي: إن لم يرجع، وقد قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ﴾ [التوبة: 5].

واختلف القائلون بالاستتابة: هل يُكتفى بالمرة أو لا بد من ثلاث؟
وهل الثلاث في مجلس أو في يوم أو في ثلاثة أيام؟
وعن علي: يُستتاب شهرًا، وعن النخعي: يُستتاب أبدًا، كذا نُقل عنه مطلقًا، والتحقيق: أنه في من تكررت منه الردة[124].
ثم ذكر في الباب حديثين: قوله: أتي علي - هو علي بن أبي ط الب - تقدم في باب لا يُعذب بعذاب الله، من كتاب الجهاد، من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب بهذا السند أن عليًا "1034ب" حرَّق قومًا، وذكرت هناك أن الحميدي رواه عن سفيان بلفظ: حرق المرتدين، ومن وجه آخر عند ابن أبي شيبة: كان أُناس يعبدون الأصنام في السِّر[125].

وعند الطبراني في "الأوسط" من طريق سويد بن غفلة: أن عليًا بلغه أن قومًا ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها، ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم، ثم قال: صدق الله ورسوله[126].

وزعم أبو المظفر الإسفرايني في "الملل والنحل"[127]: أن الذين أحرقهم علي طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلهية، وهم السبائية، وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ يهوديًا، ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة.

وهذا يمكن أن يكون أصله ما رُويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المُخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري، عن أبيه، قال: قيل لعلي: إن هنا قومًا على باب المسجد يدعون أنك ربهم، فدعاهم فقال لهم: ويلكم ما تقولون؟! قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنما أنا عبدٌ مثلكم، آكل الطعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني، فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا، فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر، فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال: أدخلهم، فقالوا كذلك، فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم أخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك فقال: يا قنبر، ائتني بفعلة معهم مرورهم، فخد لهم أخدودًا بين باب المسج والقصر، وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض، وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال: إني إذا رأيت أمرًا مُنكرًا أوقدت ناري ودعوت قنبرًا "1035أ"
وهذا سند حسن.

وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة: أن عليًا أُتي بناس من الزط يعبدون وثنًا فأحرقهم[128]، فسنده منقطع، فإن ثبت حُمل على قصة أخرى، فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضًا من طريق أيوب بن النعمان: شهدت عليًا في الرَّحبة فجاءه رجل فقال: إن هنا أهل بيت لهم وثنٌ في دار يعبدونه، فقام يمشي إلى الدار، فأخرجوا إليه تمثال رجل قال: فألهب عليهم علي الدار[129].

قوله: بزنادقة، جمع: زنديق، قال أبو حاتم السجستاني وغيره: الزنديق: فارسي مُعرب، أصله: "زنده كرداي"، يقول بدوام الدهر؛ لأن زنده: الحياة، وكرد: العمل، ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور.
وقال ثعلب: ليس في كلام العرب زنديق وإنما قالوا: زندقي لمن يكون شديد التحيل، وإذا أرادوا ما تريد العامة قالوا: مُلحدي ودهري، أي: يقول بدوام الدهر، وإذا قالوها بالضم أرادوا كبر السن، وقال الجوهري: الزنديق: من الثنوية، كذا قال، وفسره بعض الشُّراح بأنه الذي يدعي أن مع الله إلهًا آخر، وتُعقب: بأنه يلزم منه أن يُطلق على كل مُشرك.

والتحقيق: ما ذكره من صنف في الملل: أن أصل الزنادقة: أتباع ديصان ثم ماني ثم مزدك، وحاصل مقالتهم: أن النور والظلمة قديمان، وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما، فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة، ومن كان من أهل الخير فهو من النور، وأنه يجب السعي في تخليص النور من الظلمة، فيلزم إزهاق كل نفس، وإلى ذلك أشار المتنبي حيث قال في قصيدته المشهورة:
وكم لظلام الليل عندك من يد*** تُخبر أن المانوية تكذب

وكان بهرام جد كسرى تحيل على ماني حتى حضر عنده، وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله، وقتل أصحابه وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور، وقام الإسلام.

والزنديق: يُطلق على من يعتقد ذلك، وأظهر جماعة منهم الإسلام؛ خشية القتل، ومن ثم أطلق الاسم "1035ب" على كل من أسر الكفر وأظهر الإسلام حتى قال مالك[130]: الزندقة ما كان عليه المنافقون.

وكذا أطلق جماعة من الفقهاء الشافعية[131] وغيرهم أن الزنديق: هو الذي يُظهر الإسلام ويخفي الكفر، فإن أرادوا اشتراكهم في الحكم فهو كذلك، وإلا فأصلهم ما ذكرت.

وقد قال النووي[132] في لغات "الروضة": الزنديق: الذي لا ينتحل دينًا.
وقال محمد بن معن في التنقيب على "المهذب": الزنادقة من الثنوية يقولون ببقاء الدهر وبالتناسخ.

قال: ومن الزنادقة الباطنية، وهم قوم زعموا أن الله خلق شيئًا ثم خلق منه شيئًا آخر فدبر العالم بأسره، ويسمونهما العقل والنفس، وتارة العقل الأول والعقل الثاني، وهو من قول الثنوية في النور والظلمة، إلا أنههم غيروا الاسمين.
قال: ولهم مقالات سخيفة في النبوات وتحريف الآيات وفرائض العبادات.

وقد قيل: إن سبب تفسير الفقهاء الزنديق بما يفسر به المنافق قول الشافعي[133] في "المختصر": وأي كفر ارتد إليه بما يُظهر أو يُسر من الزندقة وغيرها ثم تاب سقط عنه القتل، وهذا لا يلزم منه اتحاد الزنديق والمنافق، بل كل زنديق منافق من غير عكس، وكان من أطلق عليه في الكتاب والسنة المنافق يُظهر الإسلام ويُبطن عبادة الوثن أو اليهودية.
وأما الثنوية: فلا يُحفظ أن أحدًا منهم أظهر الإسلام في العهد النبوي، والله أعلم.

وقد اختلف النقلة في الذين وقع لهم مع علي ما وقع على ما سأبينه، واشتهر في صدر الإسلام الجعد بن درهم فذبحه خالد القسري في يوم عيد الأضحى، ثم كثروا في دولة المنصور، وأظهر له بعضهم مُعتقده فأبادهم بالقتل، ثم ابنه المهدي فأكثر من تتبعهم وقتلهم، ثم خرج في أيام المأمون "1036أ" بابك الخُرمي فغلب على بلاد الجبل، وقتل في المسلمين وهزم الجيوش إلى أن ظفر به المعتصم فصلبه، ولهم أتباع يقال لهم: الخُرمية، وقصصهم في التواريخ معروفة.

قوله: فبلغ ذلك ابن عباس وكان حينئذ أميرًا على البصرة من قبل علي.
قوله: لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُعذبوا بعذاب الله"[134]، أي: لنهيه عن القتل بالنار.
قوله: ولقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"[135].
وعن أبي داود: فبلغ ذلك عليًا فقال: ويح أم ابن عباس[136]، وهو محتمل أنه لم يرض بما اعترض به، ورأى أن النهي للتنزيه، وأن الإمام إذا رأى التغليظ بذلك فعله، ويحتمل أن يكون قالها رضًا بما قال، وأنه حفظ ما نسيه.

واستدل به على قتل المرتدة كالمرتد، وخصه الحنفية[137] بالذَّكر، وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء[138]، وحمل الجمهور[139] النهي على الكافرة الأصلية غذا لم تُباشر القتال ولا القتل.

واحتجوا أيضًا بأن "مَن" الشرطية لا تعم المؤنث.
وتُعقِّب: بأن ابن عباس راوي الخبر قد قال: تُقتل المرتدة.
وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت[140]، والصحابة متوافرون، فلم يُنكر ذلك أحد عليه، وقد أخرج ذلك كله ابن المنذر.

وقد وقع في حديث مُعاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له: "أيما رجلٌ ارتد عن الإسلام فادعه، فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها"[141]، وسنده حسن.

وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه، ويؤيده: اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها.
وتمسك به بعض الشافعية[142] في قتل من انتقل من دين كُفر إلى دين كُفر، سواء كان ممن يقر أهله عليه بالجزية أو لا، وأجاب بعض الحنفية: بأن العموم في الحديث في المُبدل لا في التبديل، فأما التبديل فهو مطلق لا عموم فيه، وعلى تقدير التسليم فهو متروك الظاهر اتفاقًا في الكافر، "ولو أسلم[143]" فإنه يدخل في عموم الخبر وليس مرادًا.

واحتجوا أيضًا: بأن الكُفر ملة واحدة، فلو تنصر اليهودي لم يخرج عن دين الكفر "1036ب"، وكذا لو تهود الوثني، فوضح أن المراد من بدل دين الإسلام بدين غيره؛ لأن الدين في الحقيقة هو الإسلام، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19] وما عداه فهو بزعم المدعي...

إلى أن قال: واستدل به على قتل الزنديق من غير استتابة.
وتُعقب: بأن في بعض طرقه: أن عليًا استتابهم، وقد نص الشافعي على القبول مطلقًا، وقال: يُستتاب الزنديق كما يُستتاب المرتد[144].

وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان[145]:
إحداهما: لا يُستتاب، والأخرى: إن تكرر منه لم تُقبل توبته، وهو قول الليث وإسحاق.
انتهى مُلخصًا.
الحديث الثاني: حديث أبي موسى الأشعري: قوله: فإذا رجل عنده موثق قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم، ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل، قضاء لله ورسوله، ثلاث مرات، أي: كرر هذا الكلام ثلاثًا[146].

قوله: فأُمر به فقُتل، في رواية أيوب: فقال: والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه، فضرب عنقه.
وأخرج أبو داود من طريق طلحة بن يحيى ويزيد بن عبد الله كلاهما عن أبي بُردة، عن أبي موسى، قال: قدم عليَّ مُعاذ فذكر قصة اليهودي، وفيه: لا أنزل عن دابتي حتى يُقتل، فقُتل.
قال أحدهما: وكان قد استُتيب قبل ذلك[147]"[148].

وقال البخاري أيضًا: "باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة.
حدثنا يحيى بن بُكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة: أن أبا هريرة قال: لما تُوفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر: يا أبا بكر، كيف تُقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله[149]"؟ قال أبو بكر: والله لأُقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فو الله ما هو "1037أ" إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق"[150].

قال الحافظ: "قوله: "باب قتل من أبى قبول الفرائض"، أي: جواز قتل من امتنع من التزام الأحكام الواجبة والعمل بها.
قال المُهلب: من امتنع من قبول الفرائض نُظر فإن أقر بوجوب الزكاة مثلًا، أخذت منه قهرًا ولا يُقتل، فإن أضاف إلى امتناعه نصب القتال قُوتل إلى أن يرجع.

قال مالك في "الموطأ": الأمر عندنا في من منع فريضة من فرائض الله تعالى فلم يستطع المسلمون أخذها منه كان حقًا عليهم جهاده[151].
قال ابن بطال[152]: مراده إذا أقر بوجوبها لا خلاف في ذلك.
قوله: "وما نُسبوا إلى الردة"، أي: أطلق عليهم اسم المرتدين.

قال الكرماني: "ما" في قوله: "وما نُسبوا" نافية، كذا قال، والذي يظهر لي: أنها مصدرية، أي: ونسبتهم إلى الردة، وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث.

قال القاضي وغيره: كان أهل الردة ثلاثة أصناف: صنف عادوا إلى عبادة الأوثان، وصنف تبعوا مسيلمة والأسود العنسي، وكان كل منهما ادعى النبوة قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم فصدق مسيلمة أهل اليمامة وجماعة غيرهم، وصدق الأسود أهل صنعاء وجماعة غيرهم، فقتل الأسود قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بقليل، وبقي بعض من آمن به فقتلهم عمال النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر.

وأما مسيلمة فجهَّز إليه أبو بكر الجيش، وعليهم خالد بن الوليد فقتلوه، وصنف ثالث استمروا على الإسلام "لكنهم[153]" جحدوا الزكاة، وتأولوا بأنها خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم.

وقال أبو محمد ابن حزم في "الملل والنحل"[154]: انقسمت العربُ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقسام:
طائفة بقيت على ما كانت عليه في حياته، وهم الجمهور.

وطائفة بقيت على الإسلام أيضًا إلا أنهم قالوا: نُقيم الشرائع إلا الزكاة، وهم كثير، لكنهم قليل بالنسبة "1037ب" إلى الطائفة الأولى.

والثالثة: أعلنت بالكفر والرِّدة، كأصحاب طليحة وسجاح، وهم قليل بالنسبة لمن قبلهم، إلا أنه كان في كل قبيلة من يُقاوم من ارتد.

وطائفة توقفت فلم تطع أحدًا من الطوائف الثلاثة، وتربصوا لمن تكون الغلبة، فأخرج إليهم أبو بكر البُعوث، وكان فيروز ومن معه غلبوا على بلاد الأسود وقتلوه وقُتل مسيلمة باليمامة، وعاد طُليحة إلى الإسلام وكذا سجاح، ورجع غالب من كان ارتد إلى الإسلام، فلم يحل الحول إلا والجميع قد راجعوا دين الإسلام، ولله الحمد.

قوله: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله".
وفي حديث ابن عمر: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة[155]"...

إلى أن قال: قال الخطابي: زعم الروافض أن حديث الباب متناقض؛ لأن في أوله أنهم كفروا وفي آخره أنهم ثبتوا على الإسلام إلا أنهم منعوا الزكاة، فإن كانوا مسلمين فكيف استحل قتالهم وسبي ذراريهم؟ وإن كانوا كفارًا فكيف احتج على عمر بالتفرقة بين الصلاة والزكاة؟ فإن في جوابه إشارة إلى أنهم كانوا مُقرِّين بالصلاة.

قال: والجواب عن ذلك: أن الذين نُسبوا إلى الردة كانوا صنفين: صنف رجعوا إلى عبادة الأوثان، وصِنف منعوا الزكاة وتأولوا قوله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 103]، فزعموا أن دفع الزكاة خاصٌّ به صلى الله عليه وسلم؛ لأن غيره لا يُطهرهم ولا يُصلي عليهم، فكيف تكون صلاته سكنًا لهم؟! وإنما أراد عمر بقوله: تقاتل الناس: الصنف الثاني؛ لأنه لا يتردد في جواز قتل الصنف الأول، كما أنه لا يتردد في قتال غيرهم من عُباد الأوثان والنيران، واليهود والنصارى، قال: وكأنه لم يستحضر من الحديث إلا القدر الذي ذكره.

وقد رواه عبد الرحمن بن يعقوب بلفظ يعم جميع الشريعة، حيث قال فيها: "ويؤمنوا بي وبما جئت به[156]" "1038أ"، فإن مُقتضى ذلك: أن من جحد شيئًا مما جاء به صلى الله عليه وسلم ودُعي إليه فامتنع ونصب القتال أنه يجب قتاله وقَتله إذا أصر.

قال: وإنما عرضت الشبهة لما دخله من الاختصار، وكأن راويه لم يقصد سياق الحديث على وجهه، وإنما أراد سياق مناظرة أبي بكر وعمر، واعتمد على معرفة السامعين بأصل الحديث.

قال الحافظ: وفي هذا الجواب نظر؛ لأنه لو كان عند عمر في الحديث: حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ما استشكل قتالهم؛ للتسوية في كون غاية القتال ترك كل من التلفظ بالشهادتين، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.

قال عياض[157]: حديث ابن عمر نصٌّ في قتال من لم يصلِّ ولم يزكِّ، كمن لم يقر بالشهادتين، واحتجاج عمر على أبي بكر، وجواب أبي بكر دلَّ على أنهما لم يسمعا في الحديث الصلاة والزكاة، إذ لو سمعه عمر لم يحتج على أبي بكر، ولو سمعه أبو بكر لرد به على عمر ولم يحتج إلى الاحتجاج بعموم قوله: إلا بحقه.

قال الحافظ: إن كان الضمير في قوله: "بحقه" "للإسلام[158]" فمهما ثبت أنه من حق الإسلام تناوله؛ ولذلك اتفق الصحابة على قتال من جحد "الزكاة"[159].

قوله: "لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة".
والمراد بالفرق: من أقر بالصلاة وأنكر الزكاة، جاحدًا أو مانعًا مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول القصة الكفر؛ ليشمل الصنفين، فهو في حق من جحد حقيقة، وفي حق الآخرين مجازًا تغليبًا، وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل؛ لأنهم نصبوا القتال فجهَّز إليهم من دعاهم إلى الرجوع، فلما أصروا قاتلهم.

قال المازري[160]: ظاهر السياق: أن عمر كان موافقًا على قتال من جحد الصلاة، فألزمه الصديق بمثله في الزكاة؛ لورودهما في الكتاب والسنة موردًا واحدًا.

قوله: "فإن الزكاة حق المال".
يُشير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حق النفس: الصلاة "1038ب" وحق المال: الزكاة، فمن صلى عصم نفسه، ومن زكى عصم ماله، فإن لم يُصل قُوتل على ترك الصلاة، ومن لم يُزك أُخذت الزكاة من ماله قهرًا، وإن نصب الحرب لذلك قوتل، وهذا يوضح: أنه لو كان سمع في الحديث: "ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة"، لما احتاج إلى هذا الاستنباط، لكنه يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري.

قوله: "والله لو منعوني عناقًا".
ووقع في رواية قتيبة عن الليث عند مسلم: عِقالًا[161].
واختلفوا في هذه اللفظة: فقال قوم: هي وهم.
قال عياض[162]: واحتج بذلك من يُجيز أخذ العناق في زكاة الغنم إذا كانت كلها سِخالًا، وهو أحد الأقوال، وقيل: إنما ذكر العناق مبالغة في التقليل...

إلى أن قال: وقيل: العِقال: يُطلق على صدقة عام، ونقل عياض عن ابن وهب: أنه الفريضة من الإبل، وذهب الأكثر على حمل العقال على حقيقته، وأن المراد به: الحبل الذي يُعقل به البعير.
وقال ابن التيمي: والصحيح: أن المراد بالعِقال: ما يُعقل به البعير.
قال: والدليل على أن المراد به المبالغة: قوله في الرواية الأخرى: عناقًا، وفي الأخرى: جديًا.
قال: فعلى هذا: فالمراد بالعقال: قدر قيمته.

قال الحافظ: والراجح: أن العِقال لا يُؤخذ في الزكاة لوجوبه بعينه، وإنما يؤخذ تبعًا للفريضة التي تعقل به، أو أنه قال ذلك مبالغة على تقدير أن لو كانوا يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
انتهى مُلخصًا.

قوله: "فو الله، ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".
قال الحافظ: أي: ظهر له من صحة احتجاجه لا أنه قلَّده في ذلك.

وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم في كتاب الإيمان: الاجتهاد في النوازل وردها إلى الأصول، والمناظرة على ذلك، والرجوع إلى الراجح "1039أ" والأدب في المناظرة بترك التصريح بالتخطئة، والعدول إلى التلطف، والأخذ في إقامة الحجة إلى أن يظهر للمناظر، فلو عاند بعد ظهورها فحينئذ يستحق الإغلاظ بحسب حاله.

وفيه: الحلف على الشيء لتأكيده.
وفيه: منع قتل من قال: لا إله إلا الله، ولو لم يزد عليها وهو كذلك، لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلمًا؟
الراجح: لا، بل يجب الكف عن قتله حتى يُختبر، فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حُكم بإسلامه، وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله: "إلا بحق الإسلام".

قال البغوي: الكافر إذا كان وثنيًا أو ثنويًا لا يُقر بالوحدانية، فإذا قال: لا إله إلا الله، حُكم بإسلامه ثم يُجبر على قبول جميع أحكام الإسلام، ويبرأ من كل دين خالف دين الإسلام، وأما من "كان[163]" مُقرًا بالوحدانية منكرًا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول: محمد رسول الله، فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول: إلى جميع الخلق، فإن كان كفر بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده، ومقتضى قوله: "يجبر" أنه إذا لم يلتزم تجري عليه أحكام المرتد، وبه صرح القفال...
إلى أن قال: واستدل بها على أن الزكاة لا تسقط عن المرتد.

وتُعقِّب: بأن المرتد كافر، والكافر لا يُطالب بالزكاة، وإنما يطالب بالإيمان، وليس في فعل الصديق حجة لما ذكر، وإنما فيه قتال من منع الزكاة، والذين تمسكوا بأصل الإسلام ومنعوا الزكاة بالشبهة التي ذكروها لم يحكم عليهم بالكفر قبل إقامة الحجة.

وقد اختلف الصحابة فيهم بعد الغلبة عليهم، هل تُغنم أموالهم وتُسبى ذراريهم، كالكفار أو لا كالبغاة؟
فرأى أبو بكر الأول وعمل به، وناظره عمر في ذلك وذهب إلى الثاني ووافقه غيره في خلافته على ذلك، واستقر الإجماع عليه في حق من جحد شيئًا من الفرائض بشبهة فيطالب بالرجوع، فإن نصب القتال قُوتل وأُقيمت عليه الحجة، فإن رجع وإلا عُومل معاملة الكافر حينئذ، ويقال: إن أصبغ من المالكية استقر على القول الأول[164]، فعد من ندرة المخالف "1039ب".

وقال القاضي عياض[165]: يُستفاد من هذه القصة: أن الحاكم إذا أداه اجتهاده في أمر لا نص فيه إلى شيء تجب طاعته فيه، ولو اعتقد بعض المجتهدين خلافه، فإن صار ذلك المجتهد المعتقد خلافه حاكمًا وجب عليه العمل بما أداه إليه اجتهاده، وتسوغ له مخالفة الذي قبله في ذلك؛ لأن عمر أطاع أبا بكر فيما رأى من حق مانعي الزكاة مع اعتقاده خلافه، ثم عمل في خلافته بما أداه إليه اجتهاده، ووافقه أهل عصره من الصحابة وغيرهم، وهذا مما ينبه عليه في الاحتجاج بالإجماع السكوتي، فيشترط في الاحتجاج به انتفاء موانع الإنكار وهذا منها.

وقال الخطابي: في الحديث: أن من أظهر الإسلام أُجريت عليه أحكامه الظاهرة، ولو أسرَّ الكفر في نفس الأمر، ومحل الخلاف: إنما هو في من اطلع على معتقده الفاسد فأظهر الرجوع، هل يقبل منه أو لا؟
وأما من جُهل أمره فلا خلاف في إجراء الأحكام الظاهرة عليه"[166].

وقال البخاري أيضًا: "باب إذا عرَّض الذمي وغيره بسب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصرح، نحو قوله: السام عليك".
وساق حديث أنس: مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: السام عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعليك"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما يقول؟ قال: السام عليك"، قالوا: يا رسول الله، ألا نقتله؟ قال: "لا، إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم"[167].

وحديث عائشة: استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليك.
فقلت: بل عليكم السام واللعنة "1040أ"، فقال: "يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، قلت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: "قلت: وعليكم"[168].

وحديث ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود إذا سلَّموا على أحدكم إنما يقولون: سامٌ عليك، فقل: عليك"[169].

قال الحافظ: "قوله: باب إذا عرَّض الذمي وغيره"، أي: المعاهد ومن يُظهر الإسلام.
قوله: "بسب النبي صلى الله عليه وسلم"، أي: وتنقيصه، قوله: "ولم يصرح" تأكيد؛ فإن التعريض خلاف التصريح.
قوله: "نحو قوله: السام عليكم"، في رواية الكشميهني: "السام عليك" بالإفراد، وتقدمت الأحاديث الثلاثة مع شرحها.
واعترض: بأن هذا اللفظ ليس فيه تعريض بالسبِّ.
والجواب: أنه أطلق التعريض على ما يُخالف التصريح، ولم يرد التعريض المصطلح، وهو أن يستعمل لفظًا في حقيقته يلوح به إلى معنى آخر يقصده.

وقال ابن المنير[170]: حديث الباب يُطابق الترجمة بطريق الأولى؛ لأن الجرح أشد من السب، فكأن البخاري يختار مذهب الكوفيين في هذه المسألة.

قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأنه لم يبت[171] الحكم، ولا يلزم من تركه قتل من قال ذلك لمصلحة التأليف ألا يجب قتله حيث لا مصلحة في تركه، وقد نقل ابن المنذر الاتفاق[172] على أن من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم صريحًا وجب قتله[173].

ونقل أبو بكر الفارسي - أحد أئمة الشافعية - في كتاب "الإجماع" أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء، فلو تاب لم يسقط عنه القتل بالإسلام.

وقال الصيدلاني: يزول القتل ويجب حدُّ القذف، وضعفه الإمام.
فإن عرَّض، فقال الخطابي: لا أعلم خلافًا في وجوب قتله إذا كان مسلمًا.

وقال ابن بطال[174]: اختلف العلماء في من سب النبي صلى الله عليه وسلم، فأما أهل العهد والذمة كاليهود، فقال ابن القاسم[175]، عن مالك: يُقتل إلا أن يُسلم، وأما المسلم فيُقتل بغير استتابة.

ونقل ابن المنذر[176] عن الليث والشافعي[177] وأحمد[178] وإسحاق مثله في حق اليهودي ونحوه، ومن طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي ومالك[179] في المسلم هي ردة يُستتاب منها.

وعن الكوفيين[180]: إذا كان ذميًا عُزر، وإن كان مسلمًا فهي ردة[181] "1040ب".
وحكى عياض[182] خلافًا، هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح، أو لمصلحة التأليف؟ ونُقل عن بعض المالكية أنه إنما لم يقتل اليهود في هذه القصة؛ لأنهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به، فلم يقض فيهم بعلمه.

وقيل: إنهم لما لم يُظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم، وقيل: إنه لم يحمل ذلك منهم على السّب، بل على الدعاء بالموت الذي لا بُد منه؛ ولذلك قال في الرد عليهم: "وعليكم"، أي: الموت نازل علينا وعليكم، فلا معنى لدعاء به، أشار إلى ذلك القاضي عياض[183] وتقدمت الإشارة إليه في الاستئذان، وكذا من قال: السأم، بالهمز بمعنى السآمة هو دعاء بأن يملوا الدين، وليس بصريح في السب، والله أعلم.

وعلى القول بوجوب قتل من وقع منه ذلك من ذمي أو معاهد فترك لمصلحة التأليف، هل ينتقض بذلك عهده؟ محل تأمل، واحتج الطحاوي لأصحابهم بحديث الباب، وأيده بأن هذا الكلام لو صدر من مسلم لكان ردة، وأما صدوره من اليهود فالذي هم عليه من الكفر أشد منه؛ فلذلك لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم.

وتُعقب: بأن دماءهم لا تُحقن إلا بالعهد، وليس في العهد أنهم يسبون النبي صلى الله عليه وسلم، فمن سبه منهم "تعد[184]" العهد فينتقض فيصير كافرًا بلا عهد فيهدر دمه إلا أن يُسلم، ويؤيده: أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلمًا لم يُقتلوا؛ لأن من معتقدهم حل دماء المسلمين، ومع ذلك لو قتل أحد منهم مسلمًا قتل، فإن قيل: إنما يُقتل بالمسلم قصاصًا، بدليل أنه يُقتل به ولو أسلم، ولو سب ثم أسلم لم يُقتل.

قلنا: الفرق بينهما: أن قتل المسلم يتعلق بحق آدمي فلا يُهدر، وأما السب فإن وجوب القتل "به" "174أ" يرجع إلى حق الدين فيهدمه الإسلام، والذي يظهر: أن ترك قتل اليهود إنما كان لمصلحة التأليف، أو لكونهم لم يُعلنوا به أو لهما جميعًا، وهو أولى، والله أعلم"[185].

وقال البخاري أيضًا: "باب".
حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، قال: حدثني شقيق، قال: قال عبد الله: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"[186].

قال الحافظ: "قوله: باب كذا للأكثر بغير ترجمة، وحذفه ابن بطال[187] فصار حديث ابن مسعود المذكور فيه من جملة الباب الذي قبله، واعترض: بأنه إنما ورد في قوم كفار أهل حرب، والنبي صلى الله عليه وسلم مأمور بالصبر على الأذى منهم؛ فلذلك امتثل أمر ربه.

قال الحافظ: فهذا يقتضي ترجيح صنيع الأكثر من جعله في ترجمة مستقلة، لكن تقدم التنبيه على أن مثل ذلك وقع كالفصل من الباب الذي قبله، فلا بد له من متعلق به في الجملة، والذي يظهر: أنه أشار بإيراده إلى ترجيح القول بأن "ترك[188]" قتل اليهود لمصلحة التأليف؛ لأنه إذا لم يؤاخذ الذي ضربه حتى جرحه بالدعاء عليه، ليهلك بل صبر على أذاه وزاد فدعا له، فلأن يصبر على الأذى بالقول أولى، ويؤخذ منه: ترك القتل بالتعريض بطريق الأولى...

إلى أن قال: وأخرج ابن عساكر في ترجمة نوح عليه السلام من "تاريخ دمشق" من رواية يعقوب بن عبد الله الأشعري، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير، قال: إن كان نوح ليضربه قومه حتى يُغمى عليه ثم يفيق فيقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون[189].

وتقدم في غزوة أُحد بيان ما وقع له صلى الله عليه وسلم من الجراحة في وجهه وأنه قال أولًا "1041ب": "كيف يُفلح قوم أدموا وجه نبيهم"[190]، فإنه قال أيضًا: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"[191].

وعن أحمد، عن ابن مسعود: أنه صلى الله عليه وسلم قال نحو ذلك يوم حُنين لما ازدحموا عليه عند قسمة الغنائم[192]، وقد تقدم في غزوة أُحد بيان أنه شُج صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، وشرح ما وقع في ذلك مبسوطًا ولله الحمد[193]" انتهى ملخصًا، والله أعلم.



[1] الروض المربع ص 499.


[2] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 113 و114.


[3] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 118.


[4] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 126.


[5] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 126.


[6] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 123 - 126.


[7] شرح منتهى الإرادات 6/ 293 و294، وكشاف القناع 14/ 247 و248.



[8] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 130 و131.


[9] شرح منتهى الإرادات 6/ 295، وكشاف القناع 14/ 251 - 254.


[10] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 136.


[11] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 259 و160، وشرح منتهى الإرادات 6/ 303، وكشاف القناع 14/ 269.


[12] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 171، وشرح منتهى الإرادات 6/ 304، وكشاف القناع 14/ 266.


[13] المقنع 3/ 514 - 523.


[14] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 108.


[15] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 108.


[16] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 108 و109.



[17] شرح منتهى الإرادات 6/ 292 و293، وكشاف القناع 14/ 229.


[18] أخرجه أحمد 2/ 429، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، حدثنا خلاس، عن أبي هريرة رضي الله عنه والحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.

وأخرجه أبو بكر بن خلاد في الفوائد كما في إرواء الغليل 7/ 69، والحاكم، من طريق روح، حدثنا عوف، عن خلاس ومحمد "بن سيرين"، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرطهما جميعًا، من حديث ابن سيرين ولم يخرجاه، وحدَّث البخاري "3404" عن إسحاق، عن روح، عن عوف، عن خلاس ومحمد، عن أبي هريرة، قصة موسى أنه آدر.

قال الألباني في الإرواء 7/ 70: خلاس لم يسمع من أبي هريرة كما قال أحمد، لكن متابعة محمد له عند الحاكم - وهو محمد بن سيرين - تجعل حديثه صحيحًا.



[19] كشاف القناع 14/ 232.


[20] كشاف القناع 14/ 233.


[21] كشاف القناع 14/ 237.


[22] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 113 و114.


[23] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 113 و114.


[24] شرح منتهى الإرادات 6/ 289 و290، وكشاف القناع 14/ 241.


[25] شرح منتهى الإرادات 6/ 303، وكشاف القناع 14/ 269.



[26] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 159 و160.


[27] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 160، وكشاف القناع 14/ 270.


[28] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 160.



[29] حاشية المقنع 3/ 515 و516، وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 27/ 107 - 160.


[30] المبسوط 5/ 48، وحاشية ابن عابدين 4/ 243 و267.


[31] الشرح الصغير 2/ 420، وحاشية الدسوقي 4/ 308.


[32] شرح منتهى الإرادات 3/ 115، وكشاف القناع 7/ 284.


[33] وشرح منتهى الإرادات 3/ 115، وكشاف القناع 14/ 285.


[34] المجموع 17/ 426 و427، وتحفة المحتاج 7/ 326 و327، ونهاية المحتاج 6/ 293 و294.


[35] فتح القدير 4/ 386، وحاشية ابن عابدين 4/ 244، والشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 4/ 304، وتحفة المحتاج 9/ 69، ونهاية المحتاج 7/ 419، وشرح منتهى الإرادات 6/ 286، وكشاف القناع 14/ 242 و2432.



[36] فتح القدير 4/ 386، وحاشية ابن عابدين 4/ 243 و244.



[37] الشرح الصغير 2/ 417 و418، وحاشية الدسوقي 4/ 304.


[38] تحفة المحتاج 9/ 96، ونهاية المحتاج 7/ 419.


[39] تحفة المحتاج 9/ 96، ونهاية المحتاج 7/ 419.


[40] شرح منتهى الإرادات 6/ 290، وكشاف القناع 14/ 243 و244.


[41] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 118.



[42] الشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 4/ 304.


[43] تحفة المحتاج 9/ 96، ونهاية المحتاج 7/ 419.


[44] شرح منتهى الإرادات 6/ 286، وكشاف القناع 14/ 242 و243.



[45] فتح القدير 4/ 388، وحاشية ابن عابدين 4/ 265.


[46] فتح القدير 4/ 384، وحاشية ابن عابدين 4/ 261، والشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 4/ 302، وتحفة المحتاج 9/ 69 و97، ونهاية المحتاج 7/ 419، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 133 و134، وكشاف القناع 14/ 255.



[47] فتح القدير 4/ 387، وحاشية ابن عابدين 4/ 261.


[48] الشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 4/ 302.


[49] شرح منتهى الإرادات 6/ 295، وكشاف القناع 14/ 251.


[50] المهذب 2/ 285.


[51] فتح القدير 4/ 387.


[52] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 136.


[53] فتح القدير 4/ 404، وحاشية ابن عابدين 4/ 278.



[54] الفواكه الدواني 2/ 274، وحاشية العدوي 2/ 251.


[55] شرح منتهى الإرادات 6/ 294، وكشاف القناع 14/ 249.


[56] تحفة المحتاج 9/ 92، ونهاية المحتاج 7/ 417.


[57] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 126.


[58] حاشية ابن عابدين 4/ 189، بدائع الصنائع 7/ 130.


[59] حاشية الدسوقي 4/ 181، وشرح منح الجليل 4/ 244.


[60] تحفة المحتاج 9/ 268، ونهاية المحتاج 8/ 82.


[61] شرح منتهى الإرادات 6/ 203، وكشاف القناع 14/ 266.


[62] المبسوط 10/ 113 و114، وفتح القدير 4/ 399، والشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 2/ 190، والتاج والإكليل 4/ 603، والمهذب 2/ 286، وشرح منتهى الإرادات 6/ 303، وكشاف القناع 14/ 266.


[63] المبسوط 10/ 114 و115، وفتح القدير 4/ 403، وحاشية ابن عابدين 4/ 277.


[64] وحاشية الدسوقي 4/ 305، والتاج والإكليل 4/ 603.


[65] شرح منتهى الإرادات 6/ 306، وكشاف القناع 14/ 266.


[66] المهذب 2/ 287.


[67] حاشية الدسوقي 4/ 305.


[68] حاشية ابن عابدين 4/ 277.


[69] الإفصاح 4/ 181 - 184.


[70] فتح القدير 4/ 386، وحاشية ابن عابدين 4/ 244، والشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 4/ 304، وتحفة المحتاج 9/ 96، ونهاية المحتاج 7/ 419، وشرح منتهى الإرادات 6/ 286، وكشاف القناع 14/ 242 و243.



[71] البخاري 6922.


[72] الشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 4/ 304، وتحفة المحتاج 9/ 96، ونهاية المحتاج 7/ 419، وشرح منتهى الإرادات 6/ 286، وكشاف القناع 14/ 242 و243.



[73] فتح القدير 4/ 388، وحاشية ابن عابدين 4/ 265.


[74] الشرح الصغير 2/ 417 و418، وحاشية الدسوقي 4/ 304.


[75] الموطأ 2/ 737.


[76] حاشية الدسوقي 4/ 305، وشرح مختصر خليل للخرشي 8/ 66.


[77] حاشية الدسوقي 4/ 305، وشرح منح الجليل 4/ 467 - 469.



[78] الشرح الصغير 2/ 416، وحاشية الدسوقي 4/ 302.


[79] بداية المجتهد 2/ 422 و423.



[80] كذا في الأصل والاختيارات، وهي مقحمة؛ لأن كلمة "نعم" تتمة لقول عائشة رضي الله عنها تصديقًا لقولها.
قاله النووي في شرح مسلم 7/ 44.



[81] مسلم 974.


[82] فتح القدير 4/ 387، وحاشية ابن عابدين 4/ 244 و245، والشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 4/ 304، وتحفة المحتاج 9/ 96، ونهاية المحتاج 7/ 419، وشرح منتهى الإرادات 6/ 290 و291، وكشاف القناع 14/ 257.



[83] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 146 و147.


[84] فتح القدير 4/ 407، وحاشية ابن عابدين 4/ 266.


[85] تحفة المحتاج 9/ 94 و95، ونهاية المحتاج 7/ 418.



[86] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 158.


[87] فتح القدير 4/ 408، وحاشية ابن عابدين 4/ 262، والشرح الصغير 1/ 241، وحاشية الدسوقي 1/ 512، وتحفة المحتاج 9/ 62، ونهاية المحتاج 7/ 400، وشرح منتهى الإرادات 6/ 306، وكشاف القناع 14/ 275.



[88] في الأصل: "وأقوال المنجمين"، والمثبت من الاختيارات.


[89] فتح القدير 1/ 466، وحاشية ابن عابدين 2/ 204، والفواكه الدواني 1/ 350، وحاشية العدوي 1/ 334، وتحفة المحتاج 3/ 158، ونهاية المحتاج 2/ 421، وشرح منتهى الإرادات 6/ 308، وكشاف القناع 7/ 282.


[90] البخاري 6597 و6598، ومسلم 2658، 2660، من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم.



[91] أخرجه أحمد 4/ 24، وإسحاق بن راهويه في مسنده 42، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 2/ 255، والبزار 2175، والبيهقي في الاعتقاد ص 203، من طرق عن معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به.

قال البيهقي: إسناده صحيح.



[92] الاختيارات الفقهية ص 307 و308.


[93] البخاري 6918.


[94] البخاري 6919.


[95] ما بين المعقوفين سقط من الأصل، واستدرك من صحيح البخاري.


[96] البخاري 6920.


[97] البخاري 6921.


[98] شرح صحيح البخاري 8/ 569 و570.


[99] فتح القدير 2/ 114، وحاشية ابن عابدين 4/ 271، والشرح الصغير 2/ 419، وحاشية الدسوقي 4/ 310، ومغني المحتاج 3/ 194، وشرح منتهى الإرادات 3/ 118، وكشاف القناع 14/ 258.



[100] شرح صحيح البخاري 8/ 570.


[101] شرح صحيح البخاري 8/ 570.


[102] فتح القدير 2/ 114، وحاشية ابن عابدين 4/ 271، والشرح الصغير 2/ 419، وحاشية الدسوقي 4/ 310، ومغني المحتاج 3/ 194، وشرح منتهى الإرادات 3/ 118، وكشاف القناع 14/ 258.



[103] المفهم 1/ 327.


[104] ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، واستدرك من الفتح.



[105] البخاري 6872، ومسلم 96.


[106] فتح الباري 12/ 265 - 267.


[107] ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، واستدرك من صحيح البخاري.


[108] البخاري 6922.


[109] البخاري 6923.


[110] الإشراف 8/ 55 5177.


[111] الشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 4/ 304، وتحفة المحتاج 9/ 96، ونهاية المحتاج 7/ 419، وشرح منتهى الإرادات 6/ 286، وكشاف القناع 14/ 242 و243.



[112] فتح القدير 4/ 388 و389، وحاشية ابن عابدين 4/ 267.



[113] ابن أبي شيبة 10/ 139، والدارقطني 3/ 201.


[114] الدارقطني 3/ 119.

قال ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 49 1740: إسناده ضعيف.



[115] النسائي 7/ 107 4068، وابن حبان 10/ 329 4477، وأخرجه أيضًا الحاكم 2/ 154، وصححه.



[116] وهي قراءة نافع وأبي جعفر أيضًا، انظر: إتحاف فضلاء البشر 1/ 538.



[117] شرح صحيح البخاري 8/ 571 و572.


[118] فتح القدير 4/ 386، وحاشية ابن عابدين 4/ 244، والشرح الصغير 2/ 417 و418، وحاشية الدسوقي 4/ 304، وتحفة المحتاج 9/ 96، ونهاية المحتاج 7/ 419، وشرح منتهى الإرادات 6/ 290، وكشاف القناع 14/ 242 و243.



[119] مختصر الإيصال الملحق بالمحلى 11/ 192 و193.


[120] انظر: الإشراف 8/ 53 5175.


[121] البخاري 6922.


[122] شرح معاني الآثار 3/ 210.


[123] أخرجه مالك 2/ 280، وعنه الشافعي في الأم 1/ 258، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري، عن أبيه، أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلٌ من قبل أبي موسى الأشعري فسأله عن الناس، فأخبره، ثم قال له عمر: هل كان فيكم من مُغرِّبة خبر؟ فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر: أفلا حبستموه ...
الأثر.

قلت: محمد بن عبد الله والد عبد الرحمن من أتباع التابعين، فالإسناد منقطع.

قال الشافعي: من قال: لا يتأنى بالمرتد، زعموا أن هذا الأثر المروي عن عمر: "لو حبستموه ثلاثًا" ليس بثابتٍ؛ لأنه لا يعلمه متصلًا، وإن كان ثابتًا كان لم يجعل على من قتله قبل ثلاث شيئًا.

انظر: البدر المنير 8/ 575، وإرواء الغليل 8/ 130 - 131.


[124] علق المؤلف في حاشية الأصل: "لعله: من تكررت منه الردة يُقتل ولا يُستتاب".



[125] ابن أبي شيبة 10/ 142.


[126] الطبراني في الأوسط 7/ 140 7101.
قال الهيثمي في المجمع 6/ 262: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الحسن بن زياد اللؤلؤي، وهو متروك.



[127] واسمه: "التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين" ص 326.


[128] لم أقف عليه عند ابن أبي شيبة، وأخرجه أحمد 1/ 322، والنسائي 7/ 105 4065، من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن عليًا رضي الله عنه ...
به.

قال الألباني في الإرواء 8/ 125: إسناده صحيح على شرط الشيخين.



[129] ابن أبي شيبة 10/ 142.


[130] في الأصل: لذلك، والمثبت من "الفتح".


[131] تحفة المحتاج 9/ 97، ونهاية المحتاج 7/ 419.


[132] روضة الطالبين 8/ 354.


[133] الأم 8/ 267، ومختصر المزني 1/ 275.


[134] البخاري 6922.


[135] البخاري 6922.


[136] أبو داود 4351.


[137] المبسوط 10/ 108 و109، وفتح القدير 4/ 388 و389.


[138] البخاري 3015، ومسلم 1744، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.



[139] الشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 4/ 304، وتحفة المحتاج 9/ 96، ونهاية المحتاج 7/ 419، وشرح متهى الإرادات 6/ 286، وكشاف القناع 14/ 242 و243.



[140] أخرجه ابن المنذر في الأوسط 13/ 466 9644، والدارقطني 3/ 114، والبيهقي 8/ 204.


[141] أخرجه الطبراني 20/ 53 93.
قال الهيثمي في المجمع 6/ 263: وفيه راو لم يُسم، قال مكحول: عن ابن لأبي طلحة اليعمري، وبقية رجاله ثقات.



[142] الأم 5/ 9.


[143] علَّق المؤلف في حاشية الأصل: "لعله: إذا أسلم".



[144] المهذب 2/ 285.


[145] فتح القدير 4/ 387، وحاشية ابن عابدين 4/ 244، وشرح منتهى الإرادات 6/ 295، وكشاف القناع 14/ 251، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 27/ 137.



[146] البخاري 6932.


[147] أبو داود 4355.


[148] فتح الباري 12/ 268 - 275.


[149] ما بين المعكوفين سقط من الأصل، واستدرك من صحيح البخاري.



[150] البخاري 6924 - 6925.



[151] الموطأ 1/ 269.


[152] شرح صحيح البخاري 8/ 577.


[153] ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، واستدرك من الفتح.


[154] الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/ 66.


[155] البخاري 25، ومسلم 22.


[156] مسلم 21.


[157] إكمال المعلم 1/ 243.


[158] في الأصل: "الإسلام"، والمثبت من الفتح.


[159] في الأصل: "الصلاة"، والمثبت من الفتح.



[160] المعلم 1/ 193.


[161] مسلم 20.



[162] إكمال المعلم 1/ 245.



[163] في الأصل: "كفر"، والمثبت من صحيح البخاري.



[164] التاج والإكليل 4/ 603.


[165] إكمال المعلم 1/ 247.


[166] فتح الباري 12/ 275 - 280.



[167] البخاري 6926.


[168] البخاري 6927.


[169] البخاري 6928.


[170] المتواري على أبواب البخاري 1/ 170 و171.



[171] في الأصل: "يثبت"، والمثبت من الفتح.



[172] الإجماع 720.


[173] فتح القدير 4/ 407، وحاشية ابن عابدين 4/ 251، والشرح الصغير 2/ 418، وحاشية الدسوقي 4/ 309، وتحفة المحتاج 9/ 96، ونهاية المحتاج 7/ 419، وشرح منتهى الإرادات 6/ 287 و290 و291 وكشاف القناع 14/ 227، 14/ 242 - 244.


[174] شرح صحيح البخاري 8/ 580 - 581.


[175] الشرح الصغير 2/ 418 و419، وحاشية الدسوقي 4/ 309 - 310.


[176] الإشراف 8/ 60 5187.


[177] المهذب 2/ 329.


[178] شرح منتهى الإرادات 3/ 118، وكشاف القناع 7/ 289.


[179] المشهور في مذهب المالكية أن المسلم الذي سب النبي صلى الله عليه وسلم يُقتل بلا استتابة حدًا إذا تاب، وكفرًا إذا لم يتب، انظر: الشرح الصغير 2/ 418 و419، وحاشية الدسوقي 4/ 309.


[180] فتح القدير 4/ 381، وحاشية ابن عابدين 4/ 232 و233.


[181] انظر تفصيل حكم سب الأنبياء في حاشية ابن عابدين 4/ 251 - 253.


[182] إكمال المعلم 7/ 293.


[183] إكمال المعلم 7/ 49.


[184] في الأصل: "بعد"، والمثبت من الفتح.



[185] فتح الباري 12/ 280 - 281.


[186] البخاري 6929.


[187] شرح صحيح البخاري 8/ 580.


[188] ما بين المعقوفين ساقط من في الأصل، واستدرك من الفتح.



[189] تاريخ دمشق 62/ 247.


[190] علقه البخاري قبل الحديث 4069، ورواه مسلم 1791، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.



[191] البخاري 6929، ومسلم 1792.


[192] المسند 1/ 427.


[193] فتح الباري 12/ 282.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢