أرشيف المقالات

رب إني نذرت لك ما في بطني محررا

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ﴾
 
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[1].
 
تَأَمَّلْ قَولَ امْرَأَة عِمْرَانَ: ﴿ نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي ﴾، حيث قالت: (مَا)، ولم تقل: (مَنْ)، وبينهما بون شَاسِع، لِتَعْلَمَ أهمية الإخلاص، وأن النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ تَكْفِيكَ.
 
نَذَرت امْرَأَةُ عِمْرَانَ مَا فِي بَطْنِهَا خَالِصًا مُتَفَرِّغًا لعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَخِدْمَةِ بَيْتِهِ، وَلَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ مَا فِي بَطْنِهَا أَذَكَرٌ هو أَمْ أُنْثَى؟ وَلم يكن يَصْلحُ لمثل هذا الأمورِ إِلَا الذُّكُورُ.
 
وَتَأَمَّلْ كَيْفَ اسْتَشْفَعَتْ لِقَبُولِ نَذْرِهَا، بتَضَرُّعِهَا وإِخْلَاصِهَا حِينَ قَالَتِ: ﴿ فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾.
 
فَكَأَنَّهَا قَالَت: رَبِّ إِنكَ تَسْمَعُ تَضَرُّعِي ورَجَائِي، وَتَعْلمُ صِدْقِي وإِخْلَاصِي، فَتَقَبَّلْ مِنِّي.
 
وَانْظُرْ إِلى كَمَالِ أَدَبِهَا مَعَ رَبِّهَا تَعَالَى، فَلَمْ تَقُلْ: رَبِّ إِنْ وهبتَ لِي مولودًا ذكرًا نذرتُهُ لَكَ مُحَرَّرًا، حتى لا تكونَ كالتي تَشْتَرِطُ على رَبِّهَا.
 
ثُمَّ تَأَمَّلْ سُؤالَها القَبُولَ؛ مَعَ الطَّاعَةِ الخَالِصَةِ، وهو يُنَافِي الإِعْجَابَ بالعَمَلِ الصَّالِحِ، ويُشْعِرُ بالوجلِ مَنْ عَدمِ القَبُولِ..
 
فكأنها تقتفي آثار إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام، إِذْ يَرْفَعَانِ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ودُعَاؤهُمَا: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[2].
 
وهي ومن هم مثلُهَا من المؤمنينَ والمؤمنات، الصالحينَ والصالحات، حَقِيقون بالثَّنَاءِ والمدْحِ بقَولِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾[3].
فَحَالُهَا حَالُ الصَّالِحِينَ، وَشَأنُهَا شَأْنُ الْمُتَّقِينَ..
 
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾، أَهُوَ الَّذِي يَزْنِي، وَيَسْرِقُ، وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لَا، يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُ، وَيُصَلِّي، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ»[4].



[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 35.


[2] سُورَةُ البقرةِ: الآية/ 127.


[3] سُورَةُ المؤمنونَ: الآية/ 60، 61.


[4] رواه الترمذي- أَبْوَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ، حديث رقم: 3175، وابن ماجه- كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ التَّوَقِّي عَلَى الْعَمَلِ، حديث رقم: 4198، بسند صحيح.

شارك الخبر

المرئيات-١